دفاعًا
عن
الديمقراطيّة
التوافقيّة
انطوان نجم
21 كانون
الثاني 2011
هناك من
يعتبر أنّ
"الديمقراطيّة
التوافقيّة"
تتناقض
أساسًا
والديمقراطيّة،
وأنها هرطقة
قانونيّة
ودستوريّة".
ويشنّ ضدّها
الحملة تلو
الحملة ﻷنّها،
في نظره،
أوصلت البلاد
إلى ما أوصلته
من شلل واضطراب.
في هذا اﻻعتبار
صحّة، كما فيه
ضلال.
لا
بدّ من
الملاحظة،
أوّﻻً، أنّ
المفاهيم
المختلفة
التي لازمت
فكرة الديمقراطيّة
دلالةٌ على
أنّ التاريخ
أودع فيها
غنًى كبيرًا
وآمالاً
عريضة،
وبيَّن أن "فكرة
الديمقراطيّة"
فرضت نفسها
منذ ألفيَّتَين
ونصف
الألفيّة من
السنين،
تقريبًا، على
الرغم من أنّ أفلطون
قال عنها
إنّها "حكم
الرَّعاع"
الذين يتأثّرون
بالخطابة
التي تحرّك
عواطف
الجماهير، أكثر
من تأثرهم
بالفكر
النيِّر. وقد
جاء أفلطون
(427-343 ق.م.) بعد بيريكليس (Périclès 495-425- ق.م.)،
رجل الدولة
الأثينيّ
الشهير. وأفلطون
أدرى بـ"الديمقراطيّة
العدديّة"
التي طبّقها بيريكليس،
في زمن كانت
إمبرياليّة أثينة
سببَ ثرائها
وعصرها
الذهبيّ.
إنّ
نجاح "فكرة
الديمقراطيّة"،
في البقاء أملاً
طوال هذا
التاريخ،
دليلٌ ساطع
على ما تحويه
الديمقراطيّة،
في فكرتها
وروحها، من ديناميّة
جعلتها،
وتجعلها، أحد
أهمّ العناصر
وأقواها في
تطوير المجتمعات.
لذلك،
تعدّل معنى
الديمقراطيّة
ومنحاها بحسب
البيئات
واللحظات
التاريخيّة
حين تحقّقت،
والسياقات
الفكريّة
التي تموضعت
فيها. ويبرهن
التاريخ أنّ
"ديمقراطيّة
ما" مُحقَّقة
في "زمن ما"
وفي "مكان ما"
ليست سوى برهة
في زمن حركة
الديمقراطيّة.
وهي حركة لن
تقف عند حدّ،
لأنّ
الديمقراطيّة،
عند القائلين بها، خيرٌ عميم
متجدّد دومًا.
إن محتوى
الديمقراطيّة،
في زمن ومكان
معيّنَين،
يحدّده عدم رضًى عن
وضع قائم
وتصوّر نظام
أفضل. وبمقدار
ما تلبّي
الديمقراطيّة
توق الناس،
يزداد الناس تعلقًا
بها
وتطلّعًا
إليها،
وتزداد
متطلَّباتهم
واحتياجاتهم
إليها. وهكذا
دواليك...
على
هذا، لا يمكن،
ولا يجوز، أن
"تحصر"
الديمقراطيّة
بأنّها نمط
مؤسّسات، أو
صيغة تنظيم
سياسيّ، أو
طريقة ترتيب
علاقات
اجتماعيّة.
الديمقراطيّة
ضرورة خلقيّة
وقيمة،
لأنّها تتيح للناس
أن يأخذوا
مصيرهم على
عاتقهم،
أفرادًا وجماعات.
من هذا
المقتضى-القمّة،
تستمدّ
الديمقراطيّة
معاييرها
ومقاييسها. علمًا، في
نهاية الأمر،
بأنّ
الديمقراطيّة
المُشتهاة
تتحقّق على
أيدي
الديمقراطيّين
أو لا تتحقّق.
أعني بذلك أنّ
النصوص التي
تنشئ ديمقراطيّة
ما وتعيّن
تقنيّتها
التطبيقيّة،
لا تشيِّد
الديمقراطيّة
تلقائيًّا،
بذات الفعل.
الديمقراطيّة
في حاجة إلى
أشخاص
ديمقراطيّين،
حقًّا، في وجدانهم
واقتناعاتهم
وأحاسيسهم
وسِيَرهم وأخلاقهم.
الديمقراطيّة
لا يحقّقها
إلاّ
الديمقراطيّون.
أمّا مستغلّوها
وغوغائيّوها والفاجرون
والعاهرون
ومجانين
العظمة
فناحرو
الديمقراطيّة،
مهما ادّعوا
مناصرتها
وتغنّوا بها
ومجّدوا
اسمها.
وينبغي
أن نزيل من
الأذهان أنّ
الديمقراطيّة
تتماهى
مع تقنيّاتها
وآليّات
تطبيقها.
وأعتبرُ أنّ التعريف
الذي أعطاه بيريكليس
في أثينة
في العام 431 ق.م. والذي
يحصرها بـ"حكم
الأكثريّة في
وجه
الأقليّة"،
لا يعرّف بالديمقراطيّة
في جوهرها
وروحها
كضرورة خلقيّة
وقيمة
إنسانيّة،
إنّما يعطي
أحد أشكال التقنيّة
الديمقراطيّة
الممكنة، لا
الوحيدة. علمًا
بأنّ الوصول
إلى
"أكثريّة"
و"أقلّيّة"
ممكن، أيضًا،
وبسهولة، من
غير
الديمقراطيّة
العدديّة.
واستطرادًا،
إنّ الزمان
والمكان،
والمجتمعَ
المعنيّ في
مستوى نضجه،
ومدى الحاجات
الروحيّة
والنفسيّة
والمادّيّة
المطلوبة،
والغايات
التي يحدّدها
الناس
لحياتهم،
وتلازمَ
الحريّة والعدالة
في نظام
الدولة،
والمساواةَ
في الحقوق
والواجبات
وتكافؤ الفرص
بين المواطنين،
أفرادًا
وجماعات.. كلّ
ذلك يحدّد
محتوى
الديمقراطيّة
المحقِّق لهذه
الشبكة من
المتطلَّبات،
كما يحدّد
الآليّات
المناسبة
القادرة على
تجسيد
المحتوى على
النحو
المأمول
والمرغوب فيه.
فالخطر
يكمن في حصر
الديمقراطيّة
في صيغة من
صيَغها، أو في
تقنيّة
تطبيقيّة
واحدة وحيدة.
والخطر
الأكبر يكمن
في تماهي
الديمقراطيّة
مع أيٍّ من
صيَغها
وتقنيّاتها
وآليّاتها
التطبيقيّة.
وقائمة
الصيَغ الديمقراطيّة
غنيّة. وأشهرها
(من غير تسلسل
تاريخيّ):
الديمقراطيّة
السياسيّة
الكلاسيكيّة،
والليبراليّة،
والمباشرة،
والتمثيليّة،
والتعبيريّة،
والشعبيّة،
والاشتراكيّة،
والموجّهة،
والمركزيّة،
والاجتماعيّة،
والمسيحيّة،
والنيابيّة.. ومؤخّرًا
الديمقراطيّة
التوافقيّة.
فهل يعقل أن تتماهى
الديمقراطيّة
مع إحدى
صيَغها؟ وهل
يمكن أن يمحضها
التاريخ
إذّاك ثقته،
ويقبلها
الناس ويطمئنّوا
إليها؟
تعابير
الديمقراطيّة
في تبدّل
دائم،
تلاؤمًا
وتكيّفًا مع
أوضاع الناس
المتغيّرة
وتصوّر
نظرتهم إليها.
وهنا نصل
إلى
الديمقراطيّة
المطلوبة
للبنان،
والمعبّرة عن
جوهر الوجود
اللبنانيّ
وتطلّعات أبنائه
الوجوديّة. إنّها
"الديمقراطيّة
التوافقيّة"،
وهي حكم القانون
المستوحى من
قِيَم الإنسان
الشخصيّة
والمجتمعيّة
والاجتماعيّة.
وأسرع،
في بادئ
الأمر، إلى
نقض ما يُقال
عن الديمقراطيّة
التوافقيّة
أنّها "هرطقة
قانونيّة
ودستوريّة".
أوّلاً،
لا الدستور
يشكّل معيار
تقييم الديمقراطيّة،
ولا القانون
يُعتبر محكًّا
لها.
الديمقراطيّة
هي معيار صحّة
الدساتير
والقوانين.
وإذا ما أردنا
نصًّا،
تَقْبَلُ فكرةُ
الديمقراطيّة
وروحُها أن
يتولّيا، في
زمننا
الحاضر،
تقييمَ
الدساتير
والقوانين،
فإنّ الإعلان
العالمي
لحقوق
الإنسان، الصادر
عن الأمم
المتحدة في 10
كانون الأوّل
من العام 1948،
وسائر الشرعات
الأمميّة
المكملة له، تصلح
أن تتولّى
بحقٍّ هذه
المهمّة
الخطيرة.
ثانيًا،
ليست
"الديمقراطيّة
التوافقيّة"
هرطقة
بالنسبة إلى
فكرة
الديمقراطيّة
وروحها. "الديمقراطيّة
التوافقيّة"
فرزتها
الديمقراطيّة،
حديثًا،
تعبيرًا عن
انفتاحها
وحيويّتها،
واحترامًا
منها لقيمة
الإنسان
وقِيَمه،
وتكيّفًا مع
معطيات
الزمان
المتغيّرة.
ثالثًا،
ديمقراطيّة بيريكليس
العدديّة
تصلح
للمجتمعات
المتجانسة،
مع ضرورة كبح
غير شطط فيها،
ولا تصلح
للمجتمعات التعدّديّة.
هنا
بيت القصيد
والعقدة
الكبرى.
قبل كلّ
شيء، كيف برزت
"الديمقراطيّة
التوافقيّة"؟
وما هي؟
الديمقراطيّة،
في أصالتها
ودعوتها،
أثارت دائمًا
في النفوس فكرة
المساواة
والعدالة
والحرّيّة،
وشجّعت،
بالتالي ومع
الزمن، على
احترام
خصوصيّات الأفراد
والجماعات
داخل المجتمع
السياسيّ، أي
مجتمع الدولة.
وبيّنت
الديمقراطيّة،
على نحو واضح،
أنّها لا
تتناقض
والنظيرَين
"هو"
و"الآخَر". ومع
التطوّر
التاريخيّ،
أخذت فكرة
الخصوصيّات تفرض
ذاتها بغية
إزالة أيّ ظلم
بحقّ أيّ إنسان،
أو جماعة ذات
تمايز ما،
بالنسبة إلى
المجتمع
الأكثر عددًا
حيث تعيش.
ونما التبصّر
في الديمقراطيّة
في أوضاعها
المحسوسة، لا النظريّة
ولا الذهنيّة.
وكذلك وعى
الباحثون أن
الهويّات
الثقافيّة
والدينيّة
واللغويّة والعرقيّة
هي حقائق
واقعيّة
وملموسة، وقد
نفذت إلى
وجدان
أصحابها،
أفرادًا
وجماعات، وفعلت
فيهم وعيًا،
وحثّتهم،
وتحثّهم، على
المطالبة
بحقوقهم.
وفي
ممارسة قاعدة
الأكثريّة
والأقليّة في
الديمقراطيّة
الكلاسيكيّة،
تبيّن أن هذه
القاعدة خطرة
على الوفاق
الوطنيّ وعلى
التماسك
الداخليّ،
لأنّ
الأقلّيّات،
غير القادرة
على الوصول
إلى السلطة،
تشعر أنّها
مهمّشة
وضحيّة
للتمييز. فلا
يعود عندها
ولاء للنظام،
وقد لا يعود
عندها ولاء
حتى للدولة
بالذّات. فنتج
من كلّ ذلك
صيغة
ديمقراطيّة
جديدة هي "الديمقراطيّة
التوافقيّة"،
ديمقراطيّة تَقاسم
السلطة في
المجتمع التعدّديّ.
وهي، بالتالي،
بنتٌ شرعيّة،
بكلّ معنى
الكلمة،
للديمقراطيّة
في جوهرها.
إذًا،
"الديمقراطيّة
التوافقيّة"
هي ديمقراطيّة
تقوم على بناء
الدولة من
خلال عقود contrats منفتحة
على التطوّر،
وسلطةٍ ذات
ائتلاف واسع،
واستقلالٍ
ذاتيّ في نواحٍ
ذات صلة
عضويّة
بخصوصيّاتٍ
وجوديّة واقتناعاتٍ
إيمانيّة،
ونظامِ حصص في
التمثيل الشعبيّ،
وحقِّ نقض
متبادل...[1] وهذه
"الديمقراطيّة
التوافقيّة"
تجسيد لحقّ
التمايز من غير
تضحية بمبدإ
وحدة الدولة.
ويشرح
الأب جان دوكرويه[2]
مضمون
الديمقراطيّة
التوافقيّة
بالآتي:
"إن
تمتين الوحدة
الوطنيّة
يقتضي نظامًا
سياسيًّا
وطيدًا، يشرك
كل الطوائف في
اتّخاذ القرارات
الوطنيّة،
بحيث لا تفرض
أيّ طائفة على
الأمة ما لا
يناسب ولا
يتلاءم
وتقاليد الطوائف
الأخرى. وهذا
النظام لا
يمكنه أن يكون
تحت رحمة
ِإيديولوجيّة
الأكثريّة. فالديموقراطيّة
التوافقيّة،
أو النظام التطابقيّ،
لا تطبّق على ديموقراطيّة
العدد التي
تتناسب مع
حالة بلد لا
تنوّع فيه أساسًا.
هذه الديموقراطيّة
تفترض حكومةً
ذات ائتلاف
عريض وفيتو
متبادلاً
حيال القرارات
التي تتناقض
مع المصالح
الحيويّة لإحدى
الجماعات،
ونسبيّةً
إجماليّة في
توزيع الوظائف،
لئلاّ تهيمن
واحدة من
الجماعات على مناصب
المسؤوليّة
باسم القوّة
أو العدد. كما
أنّ هذا
النظام
يتطلّب
استقلاليّة
ذاتيّة لبعض
القطاعات مثل
الأحوال
الشخصيّة
التي هي من
صلاحيّة
الجماعات."[3].
ودولة
لبنان نموذج
للمجتمع التعدّديّ
حيث ينبغي أن
تتحقّق فيه
"الديمقراطيّة
التوافقيّة".
نعم،
مجتمعنا
تعدّديّ.
نحن
"طوائف". أقولها
ببساطة، من
غير عقدة ومن
غير أيّ
تقييم، لا سلبيّ
ولا إيجابيّ.
لا أنظر
إلى واقعنا
هذا على أنّه
تخلّف أو تقدّم.
هو ما هو عليه.
وأترك للزمان
أن يأخذ مجراه
ومداه التغييريّ،
إذ ما من أمر
من أمور
الدنيا باقٍ
وثابت. فنصل
إلى ما نصل
إليه
مستقبلاً من
طريق التفاعل
الحياتيّ،
والتحاور
الفكريّ
الحرّ الهادئ
الرصين بين الأفرقاء
المعنيّين
جميعهم،
وجدليّة
"الْمَعْ"
و"الضدّ" في
ممارسة ديموقراطيّة
سليمة.
إنّ
"الطائفيّة"،
عندنا، في
حقيقتها وفي
فهم
واقعيّ-تاريخيّ-موضوعيّ،
هي حال انتمائيّة
دينيّة كيانيّة
مجتمعيّة
ثقافيّة
سياسيّة. وهي
قائمة في العمق
في الوجدان
الفرديّ
والجماعيّ
الواعي واللاواعي.
وهي نتيجة
للواقع
الدينيّ-المجتمعيّ-الثقافيّ-السياسيّ.
و"الطائفة"،
في حقيقتها
الوجوديّة،
يتخطّى
معناها المدلول
القاموسيّ
ومعنى الفرقة
الدينيّة عند
المسلمين
والكنيسة عند
المسيحيّين. إنّها
"جسم
مجتمعيّ-تاريخيّ
متلاحم،
تداخلت فيه وتشابكت،
في فعلٍ
جدليّ، مواقف
ومفاهيم دينيّة
بمواقف
وخيارات
سياسيّة. وقد
تبلور هذا
الجسم، عَبْر
الأجيال،
بكلّ ما مرّ
من أحداث
وظروف، على
الأصعدة على
اختلافها،
ممّا أفرز
واقعًا
مجتمعيًّا
وماديًّا
ومعنويًّا
وروحيًّا
وطقسيًّا
وثقافيًّا وسياسيًّا
عُرفت وتُعرف به
الطائفة[4]."
لذلك،
فإن ارتباط
الطائفيّة
بالطائفة
والطائفة بالطائفيّة،
في هذه
المنطقة من
العالم، هو من
العمق بحيث
بات أيّ كلام
على "إلغاء"
الطائفيّة كلامَ
وهمٍ وخداعَ
ذاتٍ في
الأحوال
الحاضرة،
وعلى المدى
المنظور،
وإلى زمن لا
يعرفه إلاّ
الله.
إنّنا،
حتى اليوم،
"طوائف". ومن
حقّنا أن
نطمئنّ إلى
حاضرنا
ومستقبلنا. أن
نرتاح إلى
حضورنا. أن
ننال حقوقنا وبألاّ
يكون أحدنا
مغبونًا أو
خائفًا أو
مقهورًا، خصوصًا
في زمن
الإعلان
العالميّ
لحقوق الإنسان
وسائر الشرعات
الأمميّة
المتمّمة له.
وفي
النتيجة،
ولأنّ
حقيقتنا
المجتمعيّة "طوائفيّة"،
فإنّ وفاقنا
الوطنيّ يقوم
على وحدة
التلاقي
الحرّ بين
الطوائف على
أساس "مصالح
الجماعات
الوجوديّة"[5]. وما كان
غيـر ذلك
فخداع نظر
ووَهْم بصيرة
وتخيّلاً في
الذهن
مختلَقًا من
أساسه.
هذه
بنيتنا
التحتيّة. وعليها
ومنها تقوم
بنانا
الفوقيّة.
ولبلوغ
تلاقٍ بين
الطوائف يفرز
نيّات صادقة وينتج
منه مواقف
صامدة، لا بدّ
من العمل لجعل
التلاقي
حرًّا،
مستمرًّا، تنشده
القواعد
الشعبيّة
وينبع من
اقتناعها بضرورته
الفائقة،
وهادفًا إلى
تماسك داخليّ
أفضل وتلاحم
وجدانيّ أعمق.
هذا إذا ما
رمنا الارتقاءَ
بعيشنا
المشترك إلى
مرتبة المؤالَفَة،
فالوصول إلى
وفاق وطنيّ
حقيقيّ من غير
إلغاءٍ للخصوصيّات،
ولا تذويبِ
أحد في أحد،
ولا قهرٍ، ولا
تنازلٍ قسريّ
عن ثقافات وتراثات
وتقاليد...
وإذا
ما تعمّمت
هذه الذهنيّة
المنفتحة
الواقعيّة
على أساليب
العمل في
الحقول
العامّة
عندنا، نكون
قد أنشأنا
نهجًا
لمعالجة
قضايانا
خاصًّا بنا، يلائم
أوضاعنا
ويتوافق ومقتضيات
حياتنا
الوطنيّة-السياسيّة.
إنّه نهج يخرج
عمّا تعوّدنا
التفكير فيه
وترداده في خطابنا
السياسيّ
وكأنّه
مسلّمات
مطلقة، ويختلف
عمّا جرى
ويجري عند
سوانا، وهم في
واقعهم يختلفون
عن واقعنا،
وفي تكوينهم
عن تكويننا، وفي
ماضيهم عن
ماضينا، وفي
حاجاتهم عن
حاجاتنا...
ومن
المعلوم أن
الفدراليّة
هي أفضل صيغة
لتطبيق الديمقراطيّة
التوافقيّة.
والديمقراطيّة
التوافقيّة،
في أصالتها،
لا تتلاءم
إلاّ مع النظام
الفدراليّ. لذا،
يستحيل تطبيق
الديمقراطيّة
التوافقيّة، بكلّ
مقتضياتها
وعلى نحوٍ
ناجع، في دولة
بسيطة
ومركزيّة
تطبّق آليّات
الديمقراطيّة
الكلاسيكيّة،
والناس فيها مجتمع
تعدّديّ، كما
في لبنان. ونتيجة
لذلك تبدو
الديمقراطيّة
التوافقيّة
مخرّبة للوضع
اللبنانيّ.
ولكن،
وبانتظار
اقتناع
اللبنانيّين
الحرّ،
واقتناع
العرب أيضًا،
بأنّ
المساواة
الحقيقيّة
والحرّيّة
الحقيقيّة
والعدالة
الحقيقيّة لا
تقوم في لبنان
إلاّ في
النظام
الفدراليّ
وفي لازِمته
الديمقراطيّة
التوافقيّة، يمكن
أن يتوافق
اللبنانيّون،
مرحليًّا، على
"تطعيم" نظامهم
الدستوريّ
القائم بشيء
من "روحيّة"
الديمقراطيّة
التوافقيّة
من طريقَين،
تخفيفًا من أضرار
الديمقراطيّة
الكلاسكيّة
على أجواء
لبنان الميثاقيّة.
اﻷوّل، أن
تجري اﻻنتخابات
النيابيّة
على أساس أن
تنتخب كلّ
طائفة نوّابها،
في قانون
انتخابي
يعتبر كلّ
طائفة وحدة انتخابيّة
على مدى
الوطن. والثانية،
أن تُحقّق
اللامركزيّة
الإداريّة
والاقتصاديّة
الموسّعة.
ويهمّني
في النهاية أن
أورد قائمة،
وإن غير
مكتملة،
بالقائلين
بالديمقراطيّة
التوافقيّة،
من خلال
كتاباتهم
وتصاريحهم،
سواء
أباستعمالهم
تعبير
"الديمقراطيّة
التوافقيّة"
صراحة أم
بصيغة تدلّ
عليها بوضوح،
وهُم:
1.
الكنيسة
المارونيّة
من خلال
"المجمع البطريركيّ
المارونيّ"،
الفقرة 19 ص710؛
و"النداء
الأخير"
الصادر في
اختتام
الجمعيّة
الخاصّة لسينودس
الأساقفة من
أجل لبنان،
المنعقد في
الفاتيكان،
الخميس 14
كانون الأول
1995، الفقرة 21؛
وبيان مجلس
المطارنة
الموارنة، في
2005/11/23.
2.
الرئيس
إميل لحود في
كتاب رسميّ
إلى الأمانة العامة
لمجلس
الوزراء
بتاريخ 12
تشرين الثاني
2006، نشرته
جريدة
"النهار"
بتاريخ 2006/11/3،
العدد 22832، ص4.
2.
وليد
جنبلاط،
مجلّة
"حقوقي"،
شباط 2006، العدد
الرقم 4، ص36.
3.
بيان
"الثوابت
الإسلاميّة"
الصادر في 20 ايلول 1983.
4.
الشيخ
فيصل المولوي،
الأمين العام
للجماعة
الإسلامية،
"النهار"، 2006/4/8 ص6.
5.
المهندس
فؤاد مخزومي،
رئيس حزب
الحوار الوطني،
"النهار"، 2006/4/22،
ص6.
6.
وثيقة
المرده، المرده 2006،
ص4.
7.
ورقة
التفاهم
المشترك بين
حزب الله
والتيار الوطنيّ
الحرّ،
المادة 2، في 6
شباط 2006.
8.
البيان
الختاميّ
الصادر عن
المجلس
الإسلاميّ
الشيعيّ
الأعلى في
اجتماعه
الدوريّ، جريدة
"السفير"، 5
كانون الثاني
2006.
9.
الإمام
الشيخ محمد
مهدي شمس
الدين،
الوصايا، دار
النهار
للنشر،
الطبعة
الأولى،
أيلول 2002، ص53-54، 61.
10.
الإمام
السيّد الشيخ
محمد حسين فضل
الله، جريدة
"السفير"22
كانون الأوّل
2005.
11.
الدكتور
شارل مالك،
لبنان في
ذاته، مكتبة
التراث
اللبناني،
مؤسسة ا.
بدران
وشركاه، بيروت،
لبنان، 1974، ص19-20.
[1]
- تعريف
مستوحى من
أعمال
البروفسور انطوان مسرّه.
[2]
- Jean Ducruet راهب
يسوعيّ،
عالِم، تولّى
مهام عالية
عديدة،
واشترك
بفعاليّة
كبرى في أعمال
"الجمعيّة
الخاصّة لسينودس
الأساقفة من
أجل لبنان"،
الذي أثمر
الإرشاد الرسوليّ
"رجاء جديد
للبنان" في
العام 1997.
[3]
- د.
سعاد سليم،
مجلة المرقب،
العدد 1، خريف
1997، ص69. أنظر ايضًا
"يوميات سينودس
الأساقفة من
أجل لبنان"،
ص65-66 من النص
الفرنسي، المركز
الكاثوليكي
للإعلام 1996.
[4]
- انطوان
نجم،
الطائفيّة
والنظام
الطائفيّ
السياسيّ في
لبنان، مواقف
وإشكالات
ومفاهيم
وتصوّر حلّ،
آفاق مشرقيّة
7، الطبعة
الأولى، 1994، ص64.
[5]
- "مصالح
الجماعات
الوجوديّة"
هي وجود
الجماعات
ومصيرها
واقتناعاتها
الجوهريّة
ورؤاها
وكرامتها
وحرّيّاتها
وحقوقها،
وغير ذلك ممّا
يعتبره شعور
الجماعة
العفويّ
والعميق تجاه
حدثٍ ما أو
موقفٍ معيّن
أو رأيٍ محدّد
موافقًا
لمصالحها
الوجوديّة،
أو مسًّا بها
وتعارضًا لا
يمكن أن
تتجاهله
الجماعة، أو
تتساهل في
شأنه، أو تبقى
من غير ردّ
فعل سلبيّ تجاهه.
وفي "ردّ
فعل" الجماعة
تعبير صريح عن
مصلحتها الوجوديّة،
ومعيار يُركن
إليه في سبر
أغوار هذه
المصلحة.