المسيحيون:
اهل ذمة
بفضل عون
بيار عطاالله
(كاتب وصحافي)
العام
الفائت قامت
مجموعة من
الطلاب
المنتمين الى
"حركة
لبناننا"
بحركة احتجاج
غير مسبوقة في
تاريخ
المسيحيين
اللبنانيين،
حيث تظاهر الطلاب
امام
المركز
التربوي
للبحوث والانماء
في الدكوانة
مطالبين
بتغيير كتب
مادة التاريخ
التي تدرس في المدارس
الرسمية
والخاصة على
امتداد لبنان وتقدم
للطلاب
والجيل
الجديد رواية
للتاريخ اللبناني
الحديث لا
تتفق مع حقيقة
مسار الاحداث
اللبنانية، وتجسد
الى حد
كبير رؤية
الفريق
الموالي
لسوريا
وغلبته على
الساحة
اللبنانية
منذ 13 تشرين الاول 1990.
حركة
الاحتجاج
اليتيمة تلك
هي اخر
تعبيرات
المسيحيين
اللبنانيين
الثقافية عن
رفضهم للفكر
الشمولي، الاحادي
والغلبة على
منطق
التعددية والديموقراطية
والتنوع
الثقافي الذي
يتمايز به
لبنان عن كل دول
الشرق الاوسط
لا بل الشرق
برمته ربما.
اقليات مقاومة
في الاصل
استكان العرب
تماماً الى
سيطرة الامبراطوريات
الاسلامية
المتعاقبة
منذ ايام
الخلفاء الامويين
والعباسيين
والفاطميين
وصولا الى
المماليك ومن
ثم الحقبة الاكبر
مع الامبراطورية
العثمانية
وسلطة
السلطان اسطنول
وارث الخلافة الاسلامية
السنية، وكان
من الطبيعي ان تستكين
منطقة الشرق الادنى
ذات الغالبية
السنية
برضاها لسلطة
السلطان السني
حامي الديار والابكار،
وخضعت كل
الشعوب بأستثناء
الاقليات
التي استمرت
تقاوم الى
حين، لكنها اكثرها
صلابة وشراسة
في المقاومة
كانت مقاومة
جبل لبنان: العامليون
الشيعة في جبل
عامل قاوموا
عسكرياً وثقافيا
فكانت نتيجة
ذلك دماراً
وخراباً
عليهم، رغم انهم
نجحوا وخلال
فترات محدودة
في حفظ الكثير
من خصوصياتهم
وارثهم
الثقافي. الاقلية
الدرزية
استطاعت بفضل
حكمة قادتها
وشجاعة
رجالها تجاوز
الكثير من الامور
رغم ان
معركة عين صوفر
الكارثية
مع المماليك لا
تزال ماثلة في
ذاكرة
الموحدين الدروز
الى
يومنا هذا.
اما المسيحيون
فقد اختاروا
في غالب الاحيان
خط مقاومة
ثقافية بدا
اصلب واكثر
منعة وفائدة
من المقاومة
العسكرية
التي خبروها
مع الامراء
المعنيين
والشهابيين
وارتدت
وبالاً عليهم.
حفظ
اللغة
السريانية
وتراثها، مطبعة
عين ورقة، الدفاع
عن اللغة
العربية
وتعميمها بين
المسيحيين
والمسلمين
بواسطة
المؤسسات
الكنسية
المختلفة من
رهبان
وراهبات واديرة،
التواصل مع
الغرب
وارتياد
مدارسه في
روما وباريس
وحفظ التواصل
بين الارثوذكس
وعاصمة
القياصرة في
موسكو
العظيمة،
والتواصل مع
مصر وغيرها،
كلها علامات
مقاومة
ثقافية احسن
مسيحيو لبنان الافادة
منها ومكنتهم
على نقيض
المسيحيين في
مناطق الشرق الاخرى من
الثبات والتجذر
في الارض
وتحصين
حضورهم
الاجتماعي اولاً
ولاحقاً
الكيان في
التاريخ
الحديث.
عام 2001 قال الاب سليم عبو في احدى
محاضراته
الشهيرة
والتي
"فلسفت" فكرة
المقاومة
الثقافية للاحتلال
السوري وكل
الاحتلالات الاجنبية: "خطابات
التبعية غير
جديرة
بالاحترام
والتهديد
بالموت جدير
بالاحتقار".
مقاومة فكرية
وثقافية
ارسى المسيحيون
منذ رحيل
السلطنة
العثمانية
فكرة الدولة
ودافعوا عنها
وقدموا لها كل
المسوغات
الفكرية
والتاريخية
والعقائدية،
ما حول الفكرة
اللبنانية الى علم
قائم بذاته
استطاع
مواجهة كل اطروحات
التعريب
والتذويب
والقومية
السورية. وذهب
دعاة الفكرة
اللبنانية عميقاً
في تحليل
وتفسير
وتعزيز منطوق
الكيان اللبناني
الفلسفي
والجغرافي امثال
جواد بولس
وفؤاد افرام
البستاني
وشارل مالك
وفيليب حتي
ومحمد
المغربي
وسعيد عقل ومي
المر وغيرهم
كثر. لكن
الفكرة الاساس
كانت
المواجهة
الثقافية
والفكرية مع
كل محاولة لالغاء
لبنان هوية
وحضوراً
وكياناً.
تعرض
المسيحيون
منذ عام 1969 الى
حملة اعلامية
وسياسية
وفكرية
وثقافية
رهيبة عليهم
بهدف تقديمهم الى الرأي
العام المحلي
والعربي
والعالمي
قتلة للفلسطينيين
وعملاء
للرجعية
والاستعمار والصهيونية
اضافة الى انهم
فاشيين (على
مثال فالانج
فرنكو الاسبان) وانعزاليين
وتقسيميين
ورجعيين
وطائفيين، وبأختصار
لم تترك مفردة
في قاموس
العدائية الا
واستخدمت في
هذه الحملة
التي شارك
فيها بعض من
المسيحيين عن
جهل وسؤ نية
وغباء في غالب
الاحيان. وامام هذا
الكم الهائل
من الدعاية
والتحريض لم
يجد المسيحيون
الا
القليل
ليقوموا به
فتحولوا من
الضحية الى
الجلاد في حين
انهم
كانوا
يدافعون عن
دولتهم
ومؤسساتهم
وجيشهم وارضهم
وبيوتهم
وقراهم وحقهم
في العيش
بحرية وكرامة
وجملة خيارات
وطنية
حقيقية، اقر بصوابيتها
لاحقاً وبعد 30
عاماً الكثير
من
اللبنانيين المسلمين
السنة
والشيعة والدروز
الذين اعترفوا
بصحة النضال والموقف
المسيحي وفي
طليعة هؤلاء
الرئيس الشهيد
رفيق الحريري
الذي دفع
حياته ثمناً
للانحياز الى
الموقف
المسيحي
التاريخي
المدافع عن
حرية لبنان
وسيادته
وعروبته
الحضارية.
وليس موقف
مجلس الاساقفة
الموارنة في 20 ايلول عام
2000 الا
تعبير عن
مقاومة ثقافية
صلبة وارادة
لا تنتهي في
الدفاع عن
لبنان
والحرية
وتالياً عن
وجود
المسيحية
الحرة .
تبدلت كل
هذه الامور
مع عودة ميشال
عون فرنسا حيث
تحول
المسيحيون من
رواد للحرية
ومدافعين عن
لبنان الى
أهل ذمة وذلك
استناداً الى
منطق
النائب ميشال
عون، لا سيما
بعد التوقيع
على وثيقة
التفاهم مع
"حزب الله" او حزب
ولاية الفقيه.
تلك الوثيقة
الملتبسة التي
لم ينفذ اي
بند من بنودها
في حين تولى ميشال عون
وحزب الله
عملية ادخال
الموالين
لعون (وهم كثر) في
دائرة الفكر
الشمولي وعبادة
الشخص والخلط
بين القيم
المسيحية الروحانية
وتعاليم ولاية
الفقيه
والجمهورية الاسلامية
التي تتعاطى مع
المسيحيين كمواطنين
درجة ثانية
ومن أهل
الذمة.
اي مقاومة
ثقافية يتبقى
للبنان
والحرية بعد
انهيار جزء
كبير من السور
المسيحي
الدفاعي وانخراطه
في مشروع اهل
الذمة ؟ سؤال
لا تمكن الاجابة
عليه اليوم بل
بعد حين من
الزمن. خصوصاً
ان سياسة
عون ومقاربته للامور ادخلت
الفكر السوري
القومي والبعثي
العروبي
والشيعي الاصولي
الى عمق
الوجدان
المسيحي
الساذج
والبسيط
والبريء.
كما كان
يقول
الفيلسوف
شارل مالك: "السؤال
الكبير ماذا
سيكون عليه
مصير المسيحيين
في لبنان بعد
بضع مئات من
السنين".
السؤال
الكبير: هل
انتهت
المقاومة
المسيحية
الثقافية
التي بدأت منذ
مئات السنين
وانخرطوا في
مبدأ اهل
الذمة الذي
سيعني
نهايتهم بعد
حين مادياً وجغرافيا
؟
هذا هو
اخطر ما تعرض
له المسيحيون
في تاريخ لبنان
والشرق انهم
اسلموا
رقابهم
للفناء
المادي
والمعني تحت شعارات
عون
الديماغوجية.
1 حزيران
2009