وضع
لبنان في
التاريخ
ومسيحيّيه
بنوع خاص وأخطاء
قادتهم
الجسيمة
والمتواصلة
بقلم
سليم العازار
عضو المجلس
الدستوري
سابقاً
الجمعة 15
شباط 2013
لم
يكن لبنان
يوماً في
الزمن الغابر
الطويل، دولةً
مستقلّة، ولا
وجود لكيانٍ
له سياسي قبل
ستة آلاف سنة،
كما يزعم بعض
المغالين،
ولا شيء يربط
اليوم أهله
وسكّانه بالفينيقيّين
القُدامى، لا
في الأعراف
والعادات
والأعياد،
ولا في اللغة
وإن هي سامية
الأصل، ولا في
المعتقدات
الدينيّة،
ولا في أعراقه
المتنوعّة.
والحقيقة
أن لبنان لم
يصل إلى ما هو
عليه اليوم لو
لم ينزح
الموارنة منذ
نحو ألفٍ واربعمئة
سنة إلى جباله
ويقبعوا فيها
بإيمان
وعنادٍ وثبات
خوفاً من
الاضطهاد
المحدق بهم،
يشجّعهم على
الصمود
بطاركتهم
الأبرار،
ولاحقاً لاذ
إليه أيضاً الدروز
والشيعة
للأسباب
نفسها.
وخلافاً
لما ادّعاه
خطأً ولا
يزال، كلّ من
الحزب السوري
القومي وحزب
البعث العربي
لم يكن لبنان
يوماً، لا من
قبل ولا من
بعد، تابعاً
إلى بلاد
الشام
سياسياً أو سوسيولوجياً،
لأن الفتح
العربي وما
تلاه من
فتوحات لم تتسلّق
جباله
الشاهقة
والوعرة،
فبقي أهاليها
يتمتّعون
بنوع من
الحرية، على ان لبنان
في حدوده
الحاضرة لم
يحصل على
استقلاله
الكامل بصورة
قانونية
ورسميّة إلاّ
في 22 تشرين
الثاني 1943 .
ومن
المفيد
كثيراً ان
نتوقّف لدى
المحطّات
التاريخية
الهامّة التي
طرأت على
المنطقة وكان
لها تأثيرها
في لبنان
بطريقة
مباشرة أو غير
مباشرة إذ هي
تساعدنا على
تفهُّم
أوضاعه اليوم
تفهُّماً
واقعياً
صحيحاً .
المحطة
الأولى سنة 1774 :
هي
تاريخ معاهدة Kutchuk Kaïnardji الشهيرة
والقاسية
التي بموجبها
انتزعت أمبراطورة
روسيا كاترين
الكبيرة،
الألمانية
الأصل والبروتستنتيّة
المذهب،
والتي كانت قد
اعتنقت
المذهب
الأرثوذكسي
بسبب زواجها
من قيصر روسيا
بطرس الثالث
وهي في
السادسة عشرة
من عمرها، ثمّ
حلَّت
محلَّهُ في
الحكم بعد وفاته
باكراً،
فانتزعت من
السلطنة
العثمانية،
بعد انتصارها
عليها في حربٍ
دامت ستّ سنوات،
حق الملاحة في
البحر الأسود
وبحر أزوف، وملكيّة
السهول
الواقعة شمال
هذين
البحرين، وأيضاً
حق المرور في
مضايق
البوسفور
والدردنيل وحق
التدخّل في
السلطنة
لحماية جميع
المسيحيين
المتواجدين
فيها .
وعلى
الأثر شاع في
لبنان مثل
عاميّ يقول عن
كل فريق وضع
في أي عقد
شروطاً قاسية
على فريق آخر،
انه فرض عليه
شروط المسكوب
على السلطان،
واخذ المسيحيون
يتنفسون
قليلاً
الأوكسجين،
لكن ذلك لم
يكن بالطبع
كافياً .
المحطة
الثانية سنة 1860
بعد
مرور نحو ستين
سنة على
معاهدة Kutchuk-Kaïnardji المذكورة اعلاه،
وقعت في جبل
لبنان أحداث
طائفية،
دمويّة وعنيفة،
لأسباب تافهة
في الظاهر بين
الموارنة والدروز
في بادئ
الأمر، وفي
الحقيقة
بأُسٍّ
وتحريضٍ مستتر
من السلطنة
العثمانية،
فطالت تلك
الأحداث
كثيراً حتى
انتشرت على
العموم بين
المسلمين
والمسيحيين
وصولاً إلى
الشام وحاصبيا
بسبب تقاعس
الدول
الأوروبية
الكبرى عن
التدخّل
وتضارب مصلحة
كل منها مع
الأخرى
واذ بلغ
عدد الضحايا
عشرات
الألوف، وهو
عدد كبير جداً
بالنسبة لعدد
السكان آنذاك،
واذ حلّت
الدول
الأوروبية
بالنتيجة
خلافاتها مع
بعضها البعض،
تدخّلت
عندئذٍ سنة 1860
وأرغمت السلطنة
العثمانية
التي كان
يُطلَق عليها
اسم "الباب
العالي" على انشاء
دولة لبنانية
صغيرة
مستقلّة
استقلالاً ادارياً
محدوداً،
تمتدّ من
الأرز إلى جزين
وتتبعها زحلة
ومنطقة الهرمل،
سُمِّيت المتصرفية،
مستثنى منها عكار
وطرابلس
وبيروت وصيدا
وصور، وصار
تعيين حاكم
لها عثماني
سُمّيَ
المتصرف، على ان يكون
مسيحياً من
الأقليات
كالأرمن واللاتين،
وأنشئ فيها
مجلس ادارة
منتخب، وهو
بمثابة مجلس
نواب يمثّل
الطوائف كلها
المتواجدة
فيها، أي الموارنة
والدروز
والروم
الأرثوذكس
والروم
الكاثوليك
والسنّيون
والشيعة، على ان يكون
لكلٍّ من
قناصل الدول
الأوروبية
الكبرى
المعتمدين في
بيروت لدى
"الباب
العالي" حق التدخّل
لحماية طائفة
معيّنة.
فقنصل
فرنسا كان
يتدخّل
حفاظاً على
مصالح الموارنة
وقنصل روسيا
حفاظاً على
الأرثوذكس
وقنصل
بريطانيا
العظمى حفاظاً
على الدروز
وقنصل النمسا
حفاظاً على
الروم
الكاثوليك، أما
المسلمون من
أهل السّنة
والشيعة فكان
شفيعهم الباب
العالي طبعاً.
وقد
نَعِمتْ متصرفية
جبل لبنان
بالاستقرار والإلفة
بين أهاليها
والأمان
والازدهار
إلى درجة انه كان
يقال على نطاق
واسع: هنيئاً
لمن له مرقد عنزة
في جبل لبنان!... وقد كتبتُ
من نحو خمس
سنوات أو أكثر
مقالاً نُشِر
في صحيفة
"النهار"
تساءلت فيه
عما إذا كان
من تمايزٍ
جوهري بين عهد
القناصل
قديماً وعهد السفراء
اليوم.
على
ان
السلطنة
العثمانية،
إذ نشبت الحرب
العالمية
الأولى سنة 1914،
قررت ان
تدخل فيها سنة
1915 إلى جانب الأمبراطوريتين
الألمانية
والنمساوية،
مستفيدة من
الأوضاع
الدولية
المستجدّة
الناشئة من
الحرب، فألغت
بروتوكول متصرفية
جبل لبنان
واستقلاله الاداري،
وحكَمتهُ
حكماً
مباشراً،
وبسبب سوء ادارتها
وفسادها المستشري
ضربت المجاعة
لبنان بدءاً
من سنة 1916 ولا سيما في
مناطقه الجردية.
وإذ
انتهت الحرب
العالمية
الأولى في
تشرين الثاني
1918 بانتصار
فرنسا
وبريطانيا
العظمى وحلفائهما
وبخسارة
السلطنة
العثمانية
وحليفتيها
ألمانيا
والنمسا، وإذ
فرّ الجيش
العثماني
هارباً من
لبنان ومن
باقي
الولايات
العربية التي
كان يحكمها وتخضع
له، أي من
ولاية عكّا أو
صفد، أو ما
يسمّى ولاية
فلسطين، وايضاً
من شرقي
الأردن
والشام وحلب
وبغداد، واذ
حلّ محله
الجيش
الفرنسي في
لبنان
والشام، كما
حلّ محله
الجيش
البريطاني في
فلسطين وباقي المناطق
المشار إليها أعلاه،
سافر عندئذٍ
إلى فرنسا
البطريرك الماروني
الياس الحويّك،
فاجتمع بالمسؤولين
في الـ Quai d’Orsay طالباً
تكبير لبنان.
ورغم ان
الخارجية
الفرنسية،
كما يظهر من محفوظاتها،
حاولت في بادئ
الأمر ان
تُثنيَ
البطريك عن
طلبه قائلةً
له إنه سيندم لاحقاً
فيما لو تحقّق،
الاّ ان
البطريرك
أصرّ على
موقفه، فكان ان
كُلِّفَ
المفوّض
السامي
الفرنسي
الجنرال هنري غورو ان
يعلن في أول ايلول 1920
باسم حكومته
وعصبة الأمم
نشوء دولة
مستقلة،
تُدعى دولة
لبنان
الكبير،
بعدما ضُمّت اليها عكار
وطرابلس
وبيروت وصيدا
وصور
وتوابعهما،
على ان
تخضع تلك
الدولة
للانتداب
الفرنسي الموقت،
فكان ذلك
الخطأ الجسيم
الأول كما
سيتبيّن في
أدناه.
المحطة
الثالثة سنة 1920 .
وما إن
تكوَّن لبنان
الكبير بعد
ضمّ المناطق
المذكورة
إليه،
وأكثرية
أهلها من المسلمين
السنيين أو
الشيعة حتى
توالت على الدولة
اللبنانية
الحديثة المنشأ
المشاكل
الكبيرة
والمظاهرات
الصاخبة
والخطابات
السياسية
الرنّانة
التي تلقى آذاناً
صاغية لدى
قسمٍ من الشعب
لا يستهان
به، إذ
راح أهالي تلك
المناطق
يعلنون جهراً
وصراحة انهم
لا يرغبون في
البقاء داخل
لبنان، بل
الانضمام إلى
سوريا، وكانت
الحكومة
اللبنانية الشرعية
تتصدّى لهم
بقوة،
تساندها في
ذلك أحياناً
الدولة
الفرنسية
المنتدبة،
بجيشها القوي
المتواجد في
لبنان، فكان
ذلك امتداداً
للخطأ الجسيم
الأول
وتجاهلاً للارادة
الشعبية
المعلنة.
وما
زلتُ اذكر حتى
الآن ما يلي
من الأغاني
الشعبية
المعبّرة
التي كان بعض
أهالي الجنوب
يُردِّدونها
موجّهة إلى بتشكوف
الذي كان
المندوب
الفرنسي في
الجنوب:
"بتشكوف
خبِّر دولتك
باريس مربض
خيلنا".
أما
في الشمال،
وتحديداً في
طرابلس، فلقد
بقي أهلها،
وبنوع خاصّ
تجّارها،
يعطون عنوان محلاتهم
التجارية انه
في طرابلس –
الشام (هكذا) على
مدى سنوات عديدة
ويذكرون
الشيء نفسه في
بطاقاتهم
الشخصية تعريفاً
عن أنفسهم،
غير معترفين
بأن طرابلس هي
في لبنان وصودف
ان ظهر
سنة 1936 الحزب
السوري
القومي
الاجتماعي الذي
اسّسه
وتزعّمه
اللبناني من ضهور الشوير
المرحوم انطون
سعاده
الذي راح
ينادي بضم
لبنان إلى
سوريا
معتبراً خطأً
انه جزء من
بلاد الشام
مثل فلسطين
وشرقي الأردن،
فحظي فيهما
وفي سوريا
برواجٍ لا بأس
به، كما
حظي ايضاً
بمثله في بعض الأقضية
في لبنان
وأوساط
الجامعة
الأميركية في
بيروت حيث نشأ
بدايةً،
فتعرّض
للمطاردة من
قبل الحكومة
اللبنانية
والسلطة
الفرنسية،واذ
انهزمت فرنسا
عسكرياً سنة 1940
في الحرب
العالمية
الثانية واحتلّ
الجيش
الألماني نصف اراضيها
ونصّب فيها
حكومة موالية
له، ثم
احتلّها بكاملها
سنة 1942،
واذ
اضمحلّ على
الأثر كل
نفوذٍ
تقريباً
لفرنسا في
لبنان بعدما
دخل اليه
سنة 1941 الجيش
البريطاني
التاسع
بقيادة الجنرال
سبيرز
قادماً من
فلسطين
يسانده بعض
الفرنسيين من
أتباع
الجنرال دي
غول زعيم
فرنسا الحرة
الذي كان قد
التحق بالانكليز
منذ حزيران 1940
قبيل سقوط
باريس بيد
الألمان
بقليل، إذ ذاك
ادرك
معظم رجال
السياسة في
لبنان من
المسلمين والمسيحييّن
ان لا
مناصَ من ان
يتفاهموا
ويتّفقوا مع
بعضهم البعض،
إذا ما أرادوا
حقّاً ان
يعيشوا معاً
وينالوا
استقلالهم
الكامل.
وبالفعل
تفاهم
الزعماء
المسيحيّون
الكبار الموارنة،
الشيخ بشارة الخوري
رئيس الكتلة
الدستورية
والشيخ بيار
الجميّل زعيم
حزب الكتائب
اللبنانية
وحميد بك
فرنجية
الزعيم
المعروف
والنافذ في
شمال لبنان مع
الزعماء
المسلمين
الكبار: رياض
بك الصلح
ومفتي طرابلس
الشيخ عبد
الحميد كرامي
وصبري بك حماده
الزعيم البقاعي
آنذاك
والزعيم
الجنوبي عادل
بك عسيران
واتفقوا في ما
بينهم على ان
لا يتطلّع
أحدهم إلى
الشرق وان لا
يتطلّع آخر
إلى الغرب وان
يخوضوا الانتخابات
النيابية
المحدّد
موعدها سنة 1943
على هذا
الأساس.
المحطة
الرابعة سنة 1943
في تلك
السنة جرت
الانتخابات
النيابية
كالمعتاد في
كل محافظة من
المحافظات
الخمس التي
يتكوّن منها
لبنان، ورغم ان رئيس
الكتلة
الوطنية
الأستاذ اميل
ادّه كان قد
انتُخِب
قبلاً في 20
كانون الثاني
1936 رئيساً
للجمهورية
لمدة ثلاث سنوات،
فلقد ترشّح
سنة 1943
للانتخابات
في محافظة جبل
لبنان
المخصّص لها
آنذاك سبعة
عشر مقعداً
نيابياً، على
أمل ان
يحظى
بالنتيجة،
بتأييد
أكثرية
النواب في لبنان،
ويصبح رئيساً
للجمهورية
مدعوماً من فرنسا
وقد
فاز اميل
اده مع أنصاره
باثني عشر
مقعداً
نيابياً في محافظة
جبل لبنان في
حين ان
منافسه الشيخ بشاره الخوري
لم يفز مع
أنصاره إلاّ
بالمقاعد
الخمسة الباقية،
إلا ان
معظم النواب
في باقي
المحافظات
اللبنانية انتخبوا
الشيخ بشارة
رئيساً
للجمهورية
بطريقة شرعية
وقانونية في
الظاهر على
الأقل، فألّف
أول حكومة
للاستقلال برئاسة
رياض الصلح
وعضوية
الوزراء
الذين تمّ التوافق
عليهم من قبل،
وبادرت هذه
الحكومة فوراً
في 9/11/1943
وبموافقة كل
مجلس النواب
تقريباً إلى
تعديل المادة
الأولى من
الدستور التي
كانت تنص
على ان
لبنان
الكبير،
حدوده هي التي
تعترف له بها
فرنسا الدولة
المنتدبة
وجمعية
الأمم، فحُذِفت
منها التعابير
المسيئة إلى
كرامة الوطن
واستقلاله.
وعلى
الأثر ارتكب
المندوب
الفرنسي لدى
لبنان وسوريا
السيد جان هلّو
حماقة كبرى إذ
أمر بعض جنوده
ان
يعتقلوا
ليلاً رئيس
الجمهورية
ورئيس وبعض أعضاء
الحكومة
وأيضاً
النائب الاستاذ
عبد الحميد
كرامي وان
يسوقوهم مخفورين
إلى قلعة
راشيا،
وارتكب في
الوقت نفسه
النائب اميل
اده حماقة
مماثلة، إن لم
تكن أكبر، إذ
قَبِلَ ان
يعيّنه جان هلّو
رئيساً
للجمهورية
وان يحكم
لبنان بواسطة
بعض
المحافظين.
إلاّ
ان فرنسا
الضعيفة
كثيراً آنذاك
والتي يحتل
الألمان كل
أراضيها والتي
كان ُيفتَرض ان تعرف
نفسها، لم
تتمكّن من
الإصرار على
فعلها غير
المشرّف
بداهةً
والمخالف لكل
الدساتير والقوانين،
ولم تستطع
مقاومة الضغط
العالمي
الهائل الذي
مورس عليها في
معسكر
البلدان التي
تنادي
بالحرية،
يضاف إليه الاستنكار
الواسع والاضرابات
والمظاهرات
التي انتشرت
في لبنان،
فاضطرت صاغرة
بعد أقل من اسبوعين
إلى اعادة
من اعتقلتهم،
أحراراً مرفوعي
الرأس. أمّا اميل اده،
فلقد أُسقِط
من النيابة
لقبوله وظيفة
لا تلتئِم
معها، رغم ان
شعبيته
المسيحيّة لم
تتأثّر
كثيراً، بل
بقيت وتجلّت
في أثناء
وفاته سنة 1949.
المحطة
الخامسة،
السنوات 1947 إلى
1951
في
25 أيار 1947 جرت في
لبنان
انتخابات
نيابية عامّة
أجمع النقّاد
المحايدون
وكثر من
السياسيين
ذوي الوزن
الكبير على
وصفها
بالمزوّرة
تزويراً
فادحاَ
وفاضحاً،
وطبعاً يسأل
عن ذلك المؤسسات
الرسمية وفي
طليعتها رئيس
الجمهورية
المسيحي ذو
السلطة
والنفوذ
الكبيرين
آنذاك، وإن
كان القانون
يحمّل
الحكومة
وحدها
المسؤولية.
ويقيني
ان
التزوير، انما
حصل لأن
الرئيس الشيخ
بشارة الخوري
راح يخطّط منذ
ذلك التاريخ
لتجديد
ولايته مرّة
أخرى لمدة ست
سنوات خلافاً
للدستور، ساعياً
بكل قواه إلى ايجاد
مجلس نيابي
مطواع بأكثر
من ثلثيه
يؤمِّن له تنفيذ
مآربه
الشخصية –
وهنا يكمن خطأ
جسيم آخر يضاف
إلى ما سبقه
من الأخطاء
الجسيمة التي
ارتكبها غيره
من القادة -
وقد جدّد
الرئيس فعلاً
ولايته،
لكنّه لم
يتمكّن من
إكمالها
فاضطرّ للاستقالة
في منتصفها
بسبب الاضرابات
الواسعة
والمظاهرات
الشعبية
الصاخبة المناوءة
له.
وفي
15 أيار 1948 وفور
خروج
بريطانيا
العظمى من فلسطين
وانهاء
حكمها لها،
جرى فعلاً
تقسيمها بين
الفلسطينيين
والإسرائيليين
انفاذاً
للقرار
الصادر بشبه الاجماع
عن الأمم
المتحدة ،
وبادرت الدول الكبرى
إلى الاعتراف
بذلك،
وفي طليعتها
الاتحاد السوفياتي
الذي كان صديق
العرب
ويساندهم على
الدوام .
وقد
آلت إلى
الإسرائيليين
صحراء النقب
القاحلة
والجليل
والشواطئ
التي تبعد عن
البحر نحو
عشرة
كيلومترات،
أما
الفلسطينيون
فقد آلت اليهم
الضفة
الغربية
الغنيّة والخصبة
تربتها وايضاً
سهل غزّة
والقدس
التاريخية
التي تحوي
كنيسة القيامة
الأثرية
المبنيّة في
المكان الذي قبر
فيه السيد
المسيح وقام
منه، وهو أقدس
الأماكن
قاطبةً في
الدين
المسيحي،
لكنّ المسيحية
في عقيدتها
وفي الجوهر
تكمن في القلب
والعقل وليست
في البناء أو
الحجر مهما
كانت درجة
قداستهما.
وآلت
أيضاً إلى
الفلسطينيين
القدس
العربية التاريخية
الحاوية
المسجد
الأقصى – الذي
زرته شخصياً
سنة 1962 – والذي هو
أولى
القبلتين لدى
المسلمين،
أمّا القبلة
الأهم فهي
مكّة المكرّمة
والكعبة
المقدسة
الموجودة
فيها والمدينة
المنوّرة
التي يمتنع
على غير
المسلم
الوصول اليها
.
وما
إن جرى تقسيم
فلسطين كما
سبق بيانه حتى
تنازل
الفلسطينيون
عما آل اليهم
من الأراضي،
فضمّوها
فوراً إمّا
إلى شرقي الأردن
الذي صار يدعى
المملكة الاردنية
الهاشمية
وإمّا إلى مصر
التي ضُمَّ اليها
قطاع غزّة،
وقد دام ذلك
نحو عشرين سنة
من سنة 1948 حتى
سنة 1967 .
وفي
الوقت نفسه
أعلنت الدول
العربية مصر
وسوريا
والأردن
والعراق،
وأيضاً
لبنان، الحرب على
إسرائيل،
الدولة
المُنشأة
بموجب قرار الأمم
المتحدة،
وأمرت جيوشها
النظامية ان
تدخل إلى
فلسطين لكي
تطرد إسرائيل
منها وطلبت من
الفلسطينيين ان يتركوا
بيوتهم
أربعاً
وعشرين ساعة
فقط ليعودوا اليها من
بعد، وتدفّق
على الأثر إلى
لبنان مئة
وخمسون الفاً
منهم، هاربين
لاجئين،
بموافقة
الرئيس اللبناني
المسيحي، رغم ان رئيس
حكومته رياض
الصلح المسلم
عارض دخولهم في
بادئ الأمر
خوفاً من ان
يؤدي ذلك إلى
الإخلال بتركيبة
لبنان الديموغرافية
الحسّاسة،
إلا أن الرئيس
لم يأبه
بمعارضة رئيس
حكومته كما ان هذا
الأخير لم
يصرّ عليها كي
لا يُحرَج
كثيراً أمام
جمهوره.
ويقيني ان رئيس
الجمهورية
أدخل لبنان في
الحرب ضد إسرائيل
وسمح بدخول
الفلسطينيين اليه
استرضاءً وممالقةً
للرأي العام
الإسلامي في
لبنان
المتعاطف
بطبيعته مع
القضية
الفلسطينية
لحمله على
الموافقة على
تجديد ولايته
فيما بعد، مع
أنه لا مصلحة
للبنان بتلك
الحرب، وكان
عليه ان
يفعل كما فعلت
المملكة
السعودية
التي نأت بنفسها
عن الحرب وهي
دولة كبرى
مستقلة،
عربية إسلامية،
قوية وغنيّة ونافذة،
وهنا يكمن
مرةً أُخرى
الخطأ الجسيم،
إن لم يكن
المميت الذي
ارتكبه
القادة المسيحيون.
ثم
راح القادة
المسيحيّون
يصفون
إسرائيل على
الدوام بأنها
العدوّ
الوحيد لهم،
جبناً وتخاذلاً
وممالقةً،
في حين ان
لبنان كان
البادئ
بالهجوم
عليها،
وزيادة في الطين
بلّة أعطوا
الفلسطينيين
سنة 1969 الحق
الشرعي
بالانطلاق من
أراضٍ
لبنانية سميت
"فتح لاند"
لمهاجمة
إسرائيل،
وهذا ما يعتبر
بالقانون الدولي
Casus Belli أي ما يعطي
الدولة التي
يقع عليها
الهجوم من هذه
الأرض الحق
بإعلان الحرب
على الدولة
التي سمحت
بالهجوم
عليها من تلك
الأرض، في حين
ان
الفلسطينيين
المتواجدين
في الدول
العربية الأخرى
مضبوطون
جيداً وممنوع
عليهم
الانطلاق من
أراضيها لمهاجمة
إسرائيل.
ومن
المعلوم ان
الوجود
الفلسطيني
المسلّح في
لبنان كان السبب
المباشر
لاندلاع
الحرب
اللبنانية
الفلسطينية
سنة 1975 والتي ما
زال لبنان يعاني
من آثارها
وتوابعها.
وفي سنة
1949 حصل انقلاب
في سوريا قام به قائد
الجيش السوري
حسني الزعيم
فاستولى على السلطة
وكان قد اتّفق
مع انطون سعاده
زعيم الحزب
السوري
القومي
الاجتماعي،
على ان
يقوم بانقلاب
مماثل في
لبنان بغية
ضمّه إلى سوريا،
واعداً
بمساندته
عسكرياً.
وبالفعل
تمكّن انطون
سعاده
وأعضاء حزبه
المدرّبون
على القتال من
الاستيلاء
بقوة السلاح
على ستة عشر
مخفراً أو
مركزاً
عسكرياً في
منطقة البقاع
وجوارها وعلى
اغتيال
الجنود الذين
قاوموهم وعلى
تجريد البعض
من أسلحتهم،
واستعدّ الانقلابيون
للزحف على
بيروت.
لكنّ
الجيش
اللبناني
تأهّب لصدّهم
من جهة، ومن
جهة أخرى،
فإنّ حسني
الزعيم تخلّى
عن انطون سعاده بعد
ضغط دولي عليه
كبير، ولا سيما
من فرنسا،
واضطرّ
لتسليمه إلى
لبنان الذي حاكمه
بسرعة وأعدمه
بسرعة،
وأُعدِم معه
لاحقاً اثنا
عشر قيادياً
من حزبه.
وبالطبع
ان هذه
المحاكمات
وما تبعها من
أحكام
بالإعدام لم
تكن لتحصل لو
لم يوافق
عليها
ويؤيدها رئيس
الحكومة
آنذاك رياض
الصلح، الذي
كان في الأصل
مناضلاً في
سبيل سوريا
والعروبة
والذي أخلص في
النهاية للبنان
قلباً
وقالباً،
والذي تحوّل
كلياً عن مواقفه
السابقة إذ
وصل به
الأمر الى
الدفاع عن لبنان
علناً بوجه
سوريا عندما
قرر الرئيس
السوري خالد
العظم إعلان
القطيعة
الكاملة مع
لبنان فردّ
عليه رياض
قائلاً:
"القطيعة
واللهِ ما
أردناها
ولكنّها صارت
فما خشيناها".
وبعد
سنة تقريباً
حاول أحد
أعضاء الحزب
السوري
القومي
اغتيال رياض
الصلح في
بيروت فيما كان
ذاهباً
لتناول طعام
الغداء في بيت
أحد محبّيه،
وجمهوره يحيط به، فشاهد
رياض شخصاً
يهمُّ
بالتصويب
عليه فصرخ
بمرافقيه
ليقبضوا عليه
فارتجفت يد
الجاني، واذ
أطلق الرصاص
من مسدسٍ
حربي، أخطأ
الهدف، ولكنّ
رياض أكمل
طريقه كأنّ
شيئاً لم
يحصل، وبعد الظهر
حضر إلى مجلس
النواب
مصطحباً
ابنته الصغرى
ليلى التي
كانت طفلة في
عامها
الخامس،
مثبتاً بذلك
شجاعته غير
آبهٍ بالموت.
وفي
تموز 1951 تمكَّن
ثلاثة
لبنانيين من
الحزب السوري
القومي من
اغتيال رياض
الصلح في
عمّان بعد
اقتحام
سيارته،
وترصُّدها
جيداً، وقد اصيب أحد
الجناة برصاص
الأمن الأردني
فمات، أما
الاثنان
الباقيان
ففرّا إلى سوريا
لقد قضى
رياض نحبَهُ
شهيداً
حقيقياً صادقاً
لحبّهِ واخلاصه
الكامل
للبنان، أما
رئيس الدولة
وحكومته ومن
جاء بعدهم
فلقد تخاذلوا
عن ملاحقة
الجناة ومن هم
وراءهم بشكل
جدي.
ومن
المؤسف ان
رياض الصلح،
الذي كان
بالتأكيد
وفياً كثيراً
في النهاية
للبنان، لم
يستطع ان
ينقل وفاءَه،
ولا مشاعره
الرفيعة
والبديعة،
إلى جمهوره
الذي كان في
الأصل غفيراً
جداً وداعماً
له، فضعفت
شعبيّته، ولا
إلى حلفائه
الكثر
الذين كانوا
يستفيدون
منه، فقلّ
نفوذه. فلم تنتقل
مشاعره
الجميلة إلاّ
إلى بناته،
وبنوعٍ خاص
إلى ابنته
الصغرى ليلى
الصلح حماده،
وأيضاً
وخصوصاً إلى
كُبراهنّ
علياء، التي،
وإن اقترنت
بصحافي
فلسطيني، هو
نصر الدين النشاشيي،
وأنجبت منه
ولداً، بقي
تعلّقها
بلبنان كاملاً
رغم اندلاع
الحرب
اللبنانية –
الفلسطينية
الرهيبة وما
تبعها، فأمضت
البقية الباقية
من حياتها في
فرنسا مثل بعض
اللبنانيين
الشرفاء.
وأخيراً،
في الأوضاع
المزرية التي
وصل اليها
لبنان اليوم
أن الإسهاب في
بحث وشرح
بالتفصيل كل
الأحداث
الباقية
والخطيرة
التي طرأت على
لبنان حتى
اليوم، مع تشعّباتها
وأسبابها
الكثيرة
والمتنوعّة،
وكل منها ساهم
في زمانه
بتدهوره
درجةً فدرجة
وإضعافه مع الوقت
وتفكيكه وايصاله
بالنهاية إلى
حافّة الموت،
وبعض تلك
الأسباب ناتج
من أخطاء
جسيمة لا
تُغتفَر
بسهولة، ارتكبها
معظم قادته
السياسيين،
عن أنانيّةٍ أو
عن قِصَرٍ في
النظر،
وبعضها الآخر
متأتٍّ من
تدخّلٍ اقليمي
أو دوَلي، كان
ممكناً الحؤول
دونه بالحكمة
والشجاعة، إن
الإسهاب في كل
ذلك يتطلّب
كتابة مجلّدٍ
ضخم لا يتّسع
له مكان في
مثل هذه
الدراسة
المختصرة.
على
أنّنا سنكتفي بالاشارة
قدر الإمكان
إلى بعضها
لِنُذكِّرَ
الرأي العام بها، إذ
يبدو انه ضعيف
الذاكرة.
ففي سنة
1958 وقعت احداث
في لبنان
دموية زعزعت
كيانه بعدما
أخذت منحىً
طائفياً،
ولكنه خرج
منها في
النهاية
معافىً إلى
حدٍّ مقبول
وإن بقيت
جراحه وقتاً
كي تندمل.
وسنة 1961
قام الحزب
السوري
القومي
بمحاولة
انقلاب عسكري
للمرة
الثانية بهدف
ضم لبنان إلى
سوريا بعد
مرور اثني عشر
عاماً على
محاولته
الأولى
الفاشلة،
ولكن محاولته
المكرّرة لم
تنجح أيضاً.
وسنة
1969 أعطى
رئيس
الجمهورية
وقائد الجيش
متخاذلينِ
الفلسطينيينَ
في لبنان
الذين أصبحوا
مسلّحين، ارضاً
سمّيت " فتح-لاند"
لينطلقوا
منها ويشنّوا
حسب هواهم
وكيفهم مزيداً
من الهجمات
على إسرائيل
التي صار
عندها حجة
شرعية للدفاع
عن النفس
بطريقة أقوى اضعافاً
وأضعافاً،
كما سبق قوله
في أعلاه.
وفي 13
نيسان 1975
اندلعت الحرب
اللبنانية – الفلسطينية
التي لم يشارك
فيها باسم
لبنان سوى
المسيحيين
وحدهم، لأن
اللبنانيين
المسلمين
كانوا
يعتبرون
الكفاح
المسلّح
الفلسطيني
وباقي
المنظمات
الفلسطينية
المسلَّحة وحدها
جيشاً اسلاميّاً،
أمَّا الجيش
الشرعي
اللبناني فهو
بنظرهم، جيش
مسيحي، ما
أدّى إلى
انشقاق الجيش
اللبناني
وزعزعة الوطن
حتى أعمق
أعماقه، وكان
رئيس منظمة
التحرير
الفلسطينية
يصرّح علناً
بأن طريق
القدس تمرُّ
في جونية
دون ان
يلقى أي ردٍّ
من الجانب الاسلامي.
وفي
سنة 1976 دخل
الجيش السوري
إلى كل لبنان
بحجَّة فرض
الاستقرار
ظاهرياً،
ولكنَّه لم يلبث ان
هيمن عليه في
الواقع
هيمنةً كاملة
سياسيّاً واقتصادياً
بعدما تمكّن
من استحالة
معظم أهاليه اليه
بالترغيب أو
التهديد، ولم
يبقَ مناوِءاً
له سوى قسمٍ
من المسيحيين
فقط الذين
اصطدموا معه
ومع عملائه من
اللبنانيين
بحروب بالأسلحة
الثقيلة في الاشرفية
وعين الرمانة
وزحلة
وغيرها، ما
أدّى إلى تدمير
هائل وسقوط
عدد كبير من
الضحايا.
وسنة
1977 اغتالت
المخابرات
السورية
الزعيم الدرزي
والوطني
الكبير كمال جنبلاط،
إلاّ ان
أحداً لم يجرؤ
آنذاك على
توجيه أي
اتّهام إلى
سوريا، حتى
ولا نجله
وليد، وحصل هيجان
شعبي وعفوي،
وصار توجيه
التهمة إلى
المسيحيين
الأبرياء في
عاليه والشوف،
فَقَتل عدد
كبير منهم
وهُجِّر
الآخرون، ما جعل
المسيحيين
بالنتيجة
مضطرين
للتعامل مع اسرائيل
للدفاع عن
النفس.
وسنة 1982
اجتاحت اسرائيل
للمرة الأولى
عاصمة عربية،
هي بيروت،
وذلك منذ
نشوئها من
أربعة
وثلاثين
عاماً.
وإذ
أشرفت ولاية
الرئيس الياس
سركيس
على نهايتها،
وكانت منظّمة
الصاعقة
الفلسطينية
الموالية
لسوريا، هي
التي أمَّنت
له انتخابه
سنة 1976،
انتُخِبَ
بعده رئيساً
للجمهورية
سنة 1982 الشيخ
بشير الجميّل
قائد القوات
اللبنانية
بإجماع 62
نائباً، ما
يمثّل أكثر من
ثلثي النواب الباقين
أحياءً ، ولم
يترشّح أحد
ضده.
إلاّ
أنه بعد أيام
معدودة من
انتخابه،
وتحديداً في 14 ايلول من
السنة نفسها،
استطاع شخص من
بيت الشرتوني،
عضو في الحزب
السوري
القومي ان
يدمِّرَ
بواسطة رزمة
من الديناميت
تبلغ نحو ألف
كيلوغرام كان
قد وضعها على
سطح المبنى الذي
يعقد فيه
الشيخ بشير
اجتماعاً في الاشرفية
مع أركان
حزبه، استطاع الشرتوني ان يدمِّر
المبنى كله
تقريباً،
فقضى بشير
نحبه ومعه نحو
عشرين من خيرة
انصاره
المثقّفين
والأوفياء.
وقد
تمكّنت
التحقيقات
الحثيثة التي
جرت آنذاك من
معرفة اسم
الجاني
والقبض عليه
واستجوابه،
فاعترف
وأُحيل إلى
القضاء الذي
أصدر بحقه
مذكرة توقيف وجاهية،
ولكنّه لم
يُحاكم، فبقي
في السجن إلى ان دخل
الجيش السوري
إلى قصر بعبدا
ووزارة
الدفاع في 13
تشرين الأول 1990
بدباباته ومدافعه
وطيرانه،
فأطلقه حرّاً
وأخرَج معه ايضاً
مجرماً آخر
كان قبل يوم
قد اطلق
النار في بعبدا
على العماد ميشال
عون، فأخطأه
ولكنه أصاب
بمقتلٍ
الجندي الذي يحرسه.
أما
الحزب السوري
القومي الذي
صار ممثَّلاً
شرعاً في
الحكومة
ومجلس النواب
مدعوماً بقوة
من سوريا، فما
زال يتباهى
علناً بأنه
قتل بشير الجميّل
ورياض الصلح.
وبعد
أيام قليلة
انتُخب الشيخ
أمين الجمّيل رئيساً
للجمهورية
خلفاً لشقيقه
الشيخ بشير،
وقد صوّت له
آنذاك نواب
أكثر من الذين
صوّتوا قبلاً
لبشير، إلاّ ان الأوضاع
العسكرية
والأمنية
والسياسية
والاقتصادية
تفاقمت أكثر.
وكان
أن أُسقِط
الشاه من
الحكم في ايران
بعد نجاح
الثورة الاسلامية
بقيادة
مرشدها
الإمام
السيّد محمد
الخميني،
وظهر ان ايران
تنوي ان
تلعب دوراً
كبيراً في
المنطقة
بعدما رأت ان
الظرف مؤاتٍ
وان الدولة
اللبنانية
ضعفت كثيراً
وان المنظمات
الفلسطينية تحركش اسرائيل
فتردّ هذه
بقسوة على كل
أهل المنطقة،
وأكثر المتضررين
كانوا طبعاً اخواننا
الشيعة،
فسلَّحتهم ايران
ودرّبتهم
وموّلتهم
وراحوا
يقاومون اسرائيل
إلى ان
طردوها من
لبنان واصبحوا
القوة الكبرى
والفاعلة في
الوطن.
وفي
الأول من
حزيران 1987
اغتيلَ رئيس
الحكومة رشيد
عبد الحميد
كرامي دون
سواه، وقد
عُرف بأنه
معتدل ولم
يشارك في
الحرب
الأهليّة
اللبنانية،
وذلك فيما كان
عائداً في
مروحيّة
عسكرية من
طرابلس إلى
مقرّ عمله في
بيروت،
بالرغم من
أنَّ معه بعض
مرافقيه
علاوة على
قائد المروحيّة.
ولدى
اجراء
التحقيق
العسكري
تبيّن ان
عبوة صغيرة قد
وُضِعتْ
قبلاً تحت
المقعد الذي
كان الرئيس
كرامي جالساً
عليه فانفجرت
وقُتِلَ
فوراً، ولم
يصب أحد غيره
بأذىً، وان
العبوة تنفجر
إمّا
تلقائياً اذا
كانت معدَّة
للانفجار بعد
وقت معيّن،
وإمّا من
الأرض من خارج
المروحيّة.
ولم
توجَّه آنذاك
التهمة لأحد،
وتجدر الاشارة
إلى ان
قائد الجيش
الذي من حقه
قانوناً ان
يراقب حسن سير
التحقيق
العسكري كان
في حينه العماد
ميشال
عون المعروف
بضميره الحيّ
في مثل هذا
الأمر وأنّه
لا يقبل بطمسه
حتى ولو كان
الفاعل من أقرب
المقرَّبين اليه.
ولما
كان من الواجب
بمقتضى
الدستور ان
تستقيل
الحكومة
بكاملها إثرَ
وفاة رئيسها لأيّ
سبب، وكان قد
تعذَّر على
رئيس
الجمهورية، ان يُجري
مشاورات
نيابية
لتأليف حكومة
جديدة نظراً
للانقسام
الحادّ الذي
ابتُلِيَ به
لبنان،
أَضِفْ إلى
ذلك الظروف
الأمنية المتشنّجة
كثيراً، فلقد
تمَّ التوافق
الضمني
سياسياً على ان يُعهد
برئاسة
الحكومة إلى
أحد الوزراء
السنيين
البارزين
الموجودين في
الحكومة،
فأصدر رئيس
الجمهورية
مرسوماً
بتعيين
الدكتور الحص
رئيساً
للحكومة.
وإذ
أوشكت ولاية
الرئيس أمين
الجميّل على
نهايتها سنة 1988
ولم يبقَ منها
سوى يومين
وكان قد تمَّ
التوافق
سياسيّاً بين
سوريا
والولايات
المتّحدة
الأميركية
على أن يكون
النائب مخايل
ضاهر
رئيساً
عتيداً
للجمهورية،
وكان على
الرئيس الجميّل
ان
يعيَّن قبلاً
حكومة
انتقالية موقّتة
لتُشرِفَ على
الانتخابات
الرئاسية
منعاً للوقوع
في الفراغ
وتأميناً
لاستمرارية
الحكم، كما
كان على حكومة
الرئيس الحصّ
ان
تستقيل بقوة
الدستور لدى
نهاية ولاية
رئيس الجمهورية،
فلقد عرض
الرئيس
الجميّل على
الرئيس
الأسبق شارل
حلو ان
يتولّى هذه
المهمّة،
ولكنّه رفضها
ونصح بعرضها
على نسيبه
النائب بيار
حلو لعلَّه
يقبلها، لكنّ
هذا الأخير
قال بأنه ينوء
بحملها
ورفضها بدوره،
عندئذٍ
اضطرَّ
الرئيس
الجميّل إلى ان يعهد
بهذه المهمّة
الشاقة إلى
حكومة عسكرية برئاسة
قائد الجيش
العماد عون
الذي قبلها وقبلها
معه الضباط
الذين يؤلفون
المجلس العسكري،
إلا ان
الوزراء
العسكريين
المسلمين
استقالوا
منها بعد قليل
بضغطٍ من
سوريا، أما
الحكومة التي
يرئسها
الدكتور الحص
فلم تستقِل
رغم ان
الدستور
يُلزمها بهذا
الموجب، كما
سبق قوله وهنا
بدأت المشاكل
الأكثر خطورة:
1- ان
تعيين العماد
عون رئيساً
للحكومة
الانتقالية
من أجل تأمين
استمرارية
الحكم
وتجنَّب الوقوع
في الفراغ
والإشراف على
انتخاب
الرئيس
العتيد للجمهورية
كان في الأصل
وبلا شك،
عملاً دستورياً
شرعياً،
ولكنّ العماد
تجاوز فيما
بعد دستورياً
وواقعياً
المهمّة التي
انتُدِبَ لها،
ولا سيما
لاحقاً بعد
انتخاب
النوّاب
رئيساً
جديداً للجمهورية،
ويا ليته
اقتدى بقائد
الجيش الأول
فؤاد شهاب
الذي صار
تعيينه
رئيساً للحكومة
سنة 1952 قبل وقت
قصير جداً من
استقالة رئيس الجمهورية
بشارة الخوري،
من أجل تأمين
آنذاك انتخاب
رئيس جديد
للجمهورية،
فأغراهُ
بعضهم بأن
يرشِّح نفسه
للرئاسة،
فرفض العرض
مثبتاً بذلك
اتّزانَهُ
وحكمتَهُ
وبُعدَ نظره
واحترامَه
الدستور،
وبعد ست سنوات
دانت له الرئاسة
طوعاً
وقُدِّمت اليه
على طبق من
فضّة.
2- ان
العماد بدلاً
من ان
يحصر اهتمامه
بتأمين
انتخاب مخايل
ضاهر
المتفق عليه،
داخلياً واقليمياً
ودولياً، لم يلبث ان
اختلف مع قائد
القوات
اللبنانية
الذي كان يسيطر
على قسم من المنطقة
المسيحية،
فراح يتبادل واياه
القصف
المدفعي
والصاروخي
دون ان
يربح احدهما
على الآخر،
وبذلك كانا،
كلاهما،
خاسرين،
والخاسر
الأكبر كان
طبعاً الجبهة المسيحية
التي انقسمت
قسمين.
لا
أعلم مَن مِنَ
الرجلين كان المسؤول
الأول عن
اندلاع تلك
المعركة،
لكنّي أعرف جيداً
ان
المعركة
يلزمها
فريقان، لا
فريق واحد،
وكان على من
له المصلحة
الكبرى بعدم
الانجرار اليها
ان لا
ينجرَّ قطعاً
وهو يعلم او
يفترض به ان يعلم
انه لا يستطيع
احراز
النصر فيها.
ورغم
ان
الفريقين قد
تصالحا بعد
وقت قصير،
إلاّ انه بدا ان تلك
المصالحة لم
تكن نابعة من
القلب إذ إنّ
الإناء الذي
يجمعهما قد
تفسَّخ.
3- فيما
بعد ان
العماد أعلن
حرب التحرير
للمناطق التي
يؤيد أهلها
سوريا عن
قناعة او
عن خوف، فأمر
القوى
الشرعية
الأمنية، من
جيش وأمن
داخلي،
المتواجدة في
المنطقة
الغربية او
في باقي
المناطق غير
الخاضعة
لسلطته،
والتي لا حول
لها ولا قوة،
والتي يسيطر
عليها السوريون
والميليشيات
الموالية
لهم، ان
يضبطوا
المرافئ غير
الشرعية في
تلك المناطق التي
يجري فيها على
نطاق واسع كل
أنواع التهريب،
في حين انه،
نفسه، والقسم
من الجيش
الموالي له يعجزان
عن اجتياز
طريق الشام،
أي الحد الفاصل
بين
المنطقتين
الشرقية
والغربية،
فتسبَّب عن
قِصَرٍ في
النظر بإشعال
الحرب بينهما
إلى أقصى حد
دون نتيجة،
وبتدمير
البنية
التحتية في
المنطقة التي
يتواجد فيها،
وقُتِلَ وجرح
دون فائدة
الكثير من
المدنيين
والمقاتلين معه،
وقديماً قيل
رحم الله من
عرف حدَّه
ووقف عنده.
4- ان
العماد كان في
الواقع
محاصراً في
محيط قصر بعبدا
ووزارة
الدفاع
وصولاً إلى كفرشيما
وفرن الشباك،
وعين الرمانة
التي استولى
عليها بعد
معركة ضارية
ومكلفة، كما
كان موجوداً في
جزء من المتن
الشمالي وجزء
صغير ايضاً
من بيروت يقع
بين قصر العدل
ومديرية
الأمن العام
ولكنه
ببراعته في
الكلام وفنّ
مخاطبة الجماهير
اكتسب شعبية
لا يُستهان
بها، اذ
إن الرأي
العام
المسيحي كان
يكره
السوريين في
الحقيقة
وأيضاً
الميليشيات
التي تجاوزت حدودها
واساءت
التصرّف احياناً
كثيرة فبغت
واستبدّت .
وإذ كان
النواب، حتى
المسيحيون
منهم، لا
يوالون
العماد، فلقد
أعلن حلّ مجلس
النّواب
والاستعداد
لإجراء
انتخابات
جديدة دون ان
يتنبّه إلى
انه عاجز عن
تنفيذ ما وعد به، فذهب
كلامه ادراج
الرياح.
وإذ
قرّرت الدول
الفاعلة،
أميركا وأوروبا
والدول
العربية، بما
فيها سوريا،
دعوة النواب
اللبنانيين
وبعض الشخصيات
إلى الاجتماع
في الطائف في
السعودية
لإيجاد نوع من
التفاهم بين
الفئات
المتناحرة في
لبنان وإيقاف
الحرب
العبثية
بينها، وذلك
بموافقة
القوى
السياسية
اللبنانية،
عارض العماد
حصول هذا
المؤتمر،
إلاّ انه لم
يستطع منع النواب
المسيحيين
المتواجدين
في المنطقة
التي يسيطر
عليها من
المشاركة
فيه، فأدّى
ذلك بنتيجته،
إلى تقوية
الهيمنة
السورية
وتعديل الدستور
والانتقاص
كثيراً من
صلاحيات رئيس
الجمهورية
المسيحي
وتعزيز
صلاحيات رئيس
الحكومة ورئيس
مجلس النواب
المسلمين. ومن
البديهي
القول، لولا
تلك الحروب
التي خاضها
العماد عون
دون فائدة لما
حصل مؤتمر
الطائف ولما
ضَعُفت
صلاحيات رئيس
الجمهورية.
5- ومن
بعد، اجتمع
النواب في
مطار القليعات
الصغير
الواقع في
شمال لبنان
على ساحل عكار
بالقرب من
الحدود مع
سوريا،
لاستحالة
اجتماعهم
آنذاك في
مقرهم الرسمي
في بيروت،
فتوافقوا
بالأكثرية
على انتخاب الاستاذ
رينه معوّض
رئيساً
للجمهورية.
وإذ عاد الرئيس
معوض إلى
بيروت
الغربية وراح
في 22 تشرين الثاني
1989 يتقبَّل
التهاني بعيد
الاستقلال –
عيدٌ ، بأية
حالٍ عدتَ يا
عيدُ – وفيما
هو راجع من الاستقبالات
في سيارته
الرئاسية وبعض
أنصاره
يحمونها
بأجسادهم،
انفجرت فجأةً
السيارة
حوالي الساعة
الثانية بعد
الظهر، فقُتل
الرئيس فوراً
وقُتِل معه كل
أنصاره .منْ يا
تُرى فخَّخ
السيارة
الرئاسيّة؟ ..
وبعهدة من
كانت موجودة؟
لم يطرح أحد
هذين
السؤالين
البديهيين
وطبعاً لم
يأتِ أي جوابٍ
عليهما، ولم يجرِ
ايّ
تحقيقٍ بهذه
الجريمة
الفظيعة
والبالغة الخطورة.
ومن المؤكّد
بداهةً ان
الجهة
الوحيدة
القادرة
آنذاك على
القيام بهذا
العمل دون أية
مساءلة هي
الأجهزة
السورية وحسب،
المهيمنة على
المنطقة التي
وقعت فيها الجريمة.
إلاّ أن أحداً
لم يكن لديه
الشجاعة لتصويب
اصبع
الاتّهام إلى
سوريا، حتى
ولا زوجة
الرئيس السيدة
نايلة
عيسى الخوري
معوّض التي
انتُخبت فيما
بعد أكثر من
مرة نائباً عن
زغرتا في
محافظة لبنان
الشمالي،
فلازمت الصمت
المطبق طوال
سنواتٍ
وسنوات،
مقتديةً بما
فعله قبلها الاستاذ
وليد جنبلاط
بعد اغتيال
والده في آذار
1977، وذلك إلى ان غادرت
الأجهزة
السورية
بكاملها
لبنان في 26/4/2005
6- بعد
اغتيال
الرئيس معوّض
الذي لم يكن،
على ما يبدو،
يتحلّى
بالطاعة
المطلوبة،
أضحى من الواجب
انتخاب رئيس
بديل، فاجتمع
النواب هذه المرة
في شتورا،
ولكن تحت جناح
القوات
السورية في كل
حال، فأُوعِز اليهم ان
ينتخبوا
النائب الزحلاوي
الاستاذ الياس الهراوي
الذي تبيّن
انه يتَّصف
بدرجةٍ
مقبولةٍ من الطاعة،
لذلك لم يحاول
أحد اغتياله
طوال مدة رئاسته
التي ما إن
انتهت حتى
مُدِّدتْ له
ثلاث سنوات اضافية
خلافاً
للدستور،
ولكن بطلبٍ من
سوريا.
7- اما
العماد عون فلقد
بقي قابعاً في
قصر بعبدا
بحماية القسم
من الجيش
الموالي له،
غير معترف
بمؤتمر
الطائف ولا
بما انتهى اليه،
من انتخابٍ
للرئيس
معوَّض وبعده
للرئيس الهراوي،
وبقي يردِّد
بقوَّةٍ
صارخاً بأعلى
صوته أنّ من
الممكن
اغتياله او
ا لقبض عليه،
ولكن، من
المستحيل أخذ
توقيعه على ما
حصل في
الطائف،
مكتفياً
بالتلذّذ بمشاهدة
قسمٍ كبير من
الشعب
اللبناني
المسيحيّ –
الذي كان يصفه
دوماً
بالعظيم –
يؤمُّ بعبدا
ويهتف له
تأييداً،
علماً ان
معظم القوى
السياسية في
لبنان كانت
آنذاك تناوِءُه،
وكذلك الدول
الكبرى
والدول
العربية،
ومنها طبعاً سوريا.
ولما
ضاقت هذه
جميعها ذرعاً
بالعماد حاولت
اولاً
اغتياله وحده
في 12 تشرين
الأول 1990 عند
غياب الشمس
بواسطة شخص
مسلم غُرِّر به وارسل
اليه،
يقطن في
المنطقة
الغربية
لعلَّهُ ينتمي
إلى فصيل
شيوعي – او
هكذا بدا –
فتوجّه إلى بعبدا وهو
لا يعرف
تماماً أين
تقع، ولكنّه
سار مع
الجمهور
الصاعد اليها
بعدما اندسَّ
فيه، واذ
اقترب كثيراً
من العماد
الذي كان يلقي
خطاباً
حماسياً في
الجمهور
كعادته، شهر
الرجل مسدسه
وأطلق منه
النار على
العماد، إلا ان أحد الاشخاص
المحيطين به
رآهُ، فأمسك
يده فأخطأً
الهدف،
ولكنّه اصاب
بمقتل الجندي
الذي كان يحرس
العماد.
اني
أروي ما حدث
كما اذكره
جيداً من
التحقيق الذي اشرفتُ
عليه شخصياً
في وزارة
الدفاع التي
لم أتمكّن من
الوصول اليها
بسهولة بسبب
الظلام
الدامس وعدم انارة
طرقاتها
الداخلية لو
لم أكُن
الوحيد بين
مرافقيَّ الذي
أحمل بطارية
كهربائية صغيرة
أرشدتني
وأرشدتهم إلى
الدرب.
وفيما انا
عائد ليلاً
بعد التحقيق
من وزارة
الدفاع إلى بيتي
في الزلقا
بدأتِ
القنابل
والصواريخ
تتساقط
بالقرب مني،
ولكن لم
أُصَبْ بأذى
فوصلتُ إلى
منزلي بسلام.
عندئذٍ،
وافقتْ ضمناً
كل الدول
والجهات
الفاعلة،
أميركا واسرائيل
والدول
الأوروبية
والعربية
والقوى
السياسية في
داخل لبنان،
بعد فشل عملية
اغتيال
العماد، على ان يُعهَد
إلى سوريا
بإرغام
العماد وجيشه
على ترك بعبدا
وان يُسمح لها
باستعمال كل
قدراتها
العسكرية،
بما فيها
الطيران
الحربي، وان
تبسط بالمقابل
هيمنتها على
كل لبنان في
جميع الأصعدة.
وقد أحيطَ
العماد عون
علماً مسبقاً
بما سوف يحصل
له قريباً من
السفير
الفرنسي رينه ألا
الذي كان
مركزه في الحازمية
غير بعيد عن بعبدا.
وفي
الصباح
الباكر من
اليوم التالي
13 تشرين الأول 1990
طلب العماد من
الجنود
الموالين له
إطاعة
الأوامر التي
تصدر عن العماد
اميل
لحود ولجأَ
إلى سفارة
فرنسا آتياً اليها في
ملاّلة
عسكرية، دون
زوجته وبناته
اللواتي
أحضرهنّ اليه
فيما بعد ايلي
حبيقة
الذي كان قد اصبح
صديقاً
لسوريا
ويتعامل
معها، ولم يعد
يتعامل مع اسرائيل،
وهو الذي
اقتحم، على
رأسِ أتباعٍ
له، مخيّمي
صبرا وشاتيلا
في 15 ايلول
1982 بعد اغتيال
بشير
الجميّل،
وصفّى على ما
قيل، أكثر من
ألف وخمسمئة
فلسطيني،
معظمهم من
الشيوخ
والنساء
والأولاد. وبنجاح حبيقة في
إخراج زوجة
العماد
وبناته من بعبدا
سالمات يكون
قد أوفى ما
عليه من دينٍ
معنوي للعماد،
الذي سبق له ان أخرجه
في مصفَّحة
عسكرية
وخلَّصه من
الموت اثناء
محاصرته سنة 1986
في الكرنتينا
في المجلس
الحربي.
8- لقد فقد
لبنان عمليا
بعد ذلك
استقلاله
وسيطرت عليه
سوريا بكل
معنى الكلمة،
إلى درجة ان
Jean-François Deniau الذي كان
رئيس لجنة
الشؤون
الخارجية في
مجلس الشيوخ
الفرنسي ألّف
كتاباً، عنوانه
Une Croix sur le Liban
بمعنى لنضع
صليباً على
لبنان لأنه
انتهى ومات.
ولم يعد أحد
يتجاسر ان
ينتقد علناً
سوريا أو
عملاءَها، ما
عدا قلة قليلة
من غير
السياسيين.
أما
بما خصّ
العماد عون،
بعدما لجأ إلى
سفارة فرنسا
في الحازمية
مدة نحو عشرة
أشهر، وبعدما
عدلت الحكومة
اللبنانية
والسلطة
السورية عن
التهديد
باقتحام
السفارة أو
بمحاصرتها،
إذا ما امتنع
العماد عن
تسليم نفسه،
بعدما ردَّ
رئيس جمهورية
فرنسا François
Mittérand على
التهديد
بتهديد أعنف
قائلاً بأنه
يعلّق شرف
فرنسا على
ذلك، J’engage l’honneur de la France ، فلقد اجتمع
مجلس النواب
عندئذٍ واتخذ
لنفسه سلطة قضائية
واصدر قراراً
نافذاً بحق
العماد يقضي
بنفيه إلى
فرنسا خمس
سنوات ومنعه
من اطلاق
أي تصريح
سياسي،
مخالفا بذلك،
مبدأ انفصال السلطات
الدستورية،
التشريعية
والتنفيذية والقضائية،
وفي الوقت
نفسه راحت
النيابة العامة
تلاحق العماد
قضائياً
بجرائم خطيرة
مختلفة، ودام
نفي العماد
خمس عشرة سنة.
9- وبعد
بضعة ايام
من دخول الجيش
السوري إلى بعبدا
وجوارها
ولجوء العماد
عون إلى سفارة
فرنسا اغتيل
في 20 تشرين
الأول داني
شمعون
وعائلته في منزله
في بعبدا
بعدما رُفِعت
الحراسة عنه.
10-
وسنة 1992 ، أي بعد
مرور أكثر من
خمس سنوات على
اغتيال الرئيس
رشيد كرامي واكثر من
سنتين على
اغتيال داني
شمعون، عُرِض
على قائد
القوات
اللبنانية
سمير جعجع ان
يشارك في
الحكومة وان
يكون وزيراً،
ولكن عليه
لقاء ذلك
طبعاً، ان
يوافق ضمناً
على الأقل على
كل ما فعلته
سوريا في
لبنان، فرفض،
ولكنه لدى
الإلحاح عليه
قَبِلَ بأن
يمثِّلَهُ
الأستاذ
روجيه ديب
الذي عُيِّن
عندئذٍ
وزيراً، الاّ
انه لم يبقَ
في الحكومة
مدة طويلة.
11- وسنة 1993
قُتِل في حادث
سيارة باسل
الأسد،
الضابط في
الجيش السوري
ونجل الرئيس
حافظ الأسد
والذي كان
والده يُعدِّه
لخلافته في
الحكم، وذلك
فيما كان يقود
سيارته بسرعة
هائلة بين المزَّة
ودمشق
والضباب يحجب
الرؤية
فاصطدم
بحاجزٍ عسكري
على الطريق لم
يتنبّه له
فقتِلَ على
الفور.
فقامت
الدنيا،
وبنوع خاص في
لبنان، ولم
تهدأ بسهولة،
وهرع المسؤولون
الكبار
كلّهم، الزمنيُّون
والروحيّون بعضهم
في المروحيات
والبعض الآخر
في السيارات،
وأيضاً كل
الموظفين
الكبار،
والنواب
والسياسيون
والأحزاب
ومنها حزب
القوات
اللبنانية،
من اجل تقديم
واجب التعزية
إلى الرئيس
حافظ الاسد
في القرداحة
التي تقع في
شمال
اللاذقية،
على بعد نحو خمسمئة
كيلومتر عن بيروت
ذهاباً واياباً،
وقد أقفلت
بسبب ذلك معظم
الدوائر
الرسمية وعلّقت
المحاكم
جلساتها.
12- سنة
1994 وقع ما
سُمِّي جريمة
كنيسة الذوق
التي قُتِلَ
فيها عدد من
الأبرياء
الذين كانوا
يصلّون فيها،
فاستهجن كل
الناس هذا
العمل البربري،
وعلى الأثر
صدر مرسوم باحالة
هذه الجريمة
الشنعاء على
المجلس
العدلي ولم
يمضِ وقت حتى
وجِّهت
التهمة الى
قائد القوات
اللبنانية
الدكتور سمير
جعجع الذي وصل
اليه خبر
اتهامه عن
طريق الاعلام،
وربما كان
القصد من نشر
الخبر حمْل
الدكتور جعجع
على التواري
عن الأنظار،
ولكنه لم يفعل،
فقُبض عليه
بسهولة واستُجوِب
وحُلَّ حزب
القوات
اللبنانية.
وبنتيجة
التحقيق أصدر
المحقق
العدلي قراره
باتهام
الدكتور جعجع
بالتحريض على
ارتكاب
الجريمة أو باعطاء
الأمر
لتنفيذها
واتّهام
آخرين
بارتكابها. واذ تسنّى
لي الإطلاع
على قرار
الاتهام
وقراءته فوجئت
بأن أكثر من
ثلثه عبارة عن
مطالعة
سياسية من
المعيب ان
ترد في قرار
قضائي، ولا
يصلح
الاستناد اليها
لإصدار اي
حكم وأسفتُ في
نفسي ان
يكون هنالك في
وطني لبنان
قاضٍ يقبل بأن
يُوقِّع على
مثل هذا
القرار وقلت
لمن كان
يحدّثني ان
المتهمين فيه
سوف يبرَّأُون
لا محال في
المحكمة.
13- وعلى
الأثر نشطت
التحقيقات في
الجرائم
السابقة التي
كانت نائمة أو
متوقفة ولم
يكن بعد قد
اتّهم فيها أحد،
رغم ان
جريمة اغتيال
الرئيس رشيد
كرامي كانت قد
وقعت في 1/6/1987 ، أي
منذ سبع
سنوات،
وجريمة
اغتيال داني
شمعون قد وقعت
في 20 تشرين
الأول 1990، أي
منذ أربع
سنوات، كما
سبق بيانه،
وبنتيجة
التحقيقات
المستجدة
فيهما وُجّهت
التهمة إلى
الدكتور جعجع
بأنه هو الذي اعطى
الأمر
بتنفيذهما.
14- عليّ
الآن ان
أشهد إحقاقاً
للحق، اني
في 15 تشرين
الأول 1990، أي
بعد يومين من
دخول الجيش
السوري إلى
القصر
الجمهوري
وزارة
الدفاع، وبعدما
هدأت العمليات
العسكرية
رغبتُ بأن
أتوجه إلى
منطقة بعبدا
وجوارها
للاطلاع على
الوضع فيها،
وقد اصرّت
ابنتي ذات
السبعة عشر
ربيعاً آنذاك
على مرافقتي.
ففوجئت
بكثافة
الوجود
العسكري
السوري ودباباته
الضخمة،
فكنتُ كلما
قطعت في
السيارة مسافة
مئة متر أو
اقل استوقفني
حاجز سوري ليسألني
إلى أين انا
ذاهب، وكنت
أجيبه بإني
ذاهب إلى بيتي
في الزلقا،
وكانت عينا
ابنتي تدمعان
بكثرة، وقد
تكررت الحواجز
والأسئلة اربع
مرات، ولما
وصلت إلى
الحاجز
الأخير طُرِح
عليّ السؤال
نفسه: إلى أين انا ذاهب،
عندئذٍ، وكان
صبري قد نفذ
وصرت متأثراً
عاطفياً إلى
أقصى حدّ،
أجبتُ الضابط
السوري بنبرة
قوية عالية
قائلاً له إلى
البيت! ... فردّ
عليّ
أي، اضربني! ...
فأجبته: ليش
فيني
أضربك؟ ...
فتركني في
سبيلي.
أروي ما
حدث معي آنذاك
في منطقة بعبدا
وجوارها
لأفُهِمَ
القارئ انه
كان من المستحيل
على أيِ كان
في تلك الفترة
من الزمن
اقتحام بيت
داني شمعون
الكائن هنالك
واغتياله دون
معرفة
وموافقة
السوريين،
أضف إلى ذلك
انه يجدر
التساؤل عن
السبب
الحقيقي لرفع
الحراسة بسرعة
في حينه عن
بيته.
13-
يبقى عليَّ ان أُبديَ
بكل تجرُّدٍ
سلسلة
ملاحظات
متداخلة،
نابعة من
ضميري وخبرتي
الطويلة في
القضاء، حول
الحكم الذي
صدر من المجلس
العدلي على الدكتور
جعجع في قضية
اغتيال
الرئيس
كرامي، وذلك
تنويراً
للرأي العام،
وقسم من هذه
الملاحظات
طرحته في حينه
على بعض
المسؤولين
دون ان
ألقى منهم أي
جواب، أو اني
أُجبتُ عليه
جواباً غير
منطقي أو غير
مقنع:
ألف
– لقد انتهى التحقيق
في جريمة
كنيسة الذوق
التي وقعت سنة
1994 واتُّهم
فيها الدكتور
جعجع والتي
بسببها صار
حلّ حزب
القوات
اللبنانية،
فوصل قرار
الاتهام
الصادر فيها
إلى المجلس
العدلي الذي
وضع يده عليه
قانوناً ولم
يكن بعد قد
وصل اليه
أي تحقيق آخر،
كما سبق
بيانه، لا في
جريمة اغتيال
الرئيس كرامي
التي وقعت في
1/6/1987 ولا في جريمة
اغتيال داني
شمعون التي
وقعت سنة 1990 ،
رغم ان
التحقيقات
التي كانت
نائمة أو
متوقفة فيهما دون
ان
تُسفِر عن
نتيجة، بدأت
تنشط عندئذٍ
على قدمٍ وساق
.
ومن
المعلوم
والمعمول به
اصولاً
والمتعارف
عليه لدى كل
المحاكم، ان
المحكمة تنظر
أولاً في
الدعوى التي
تصل اليها
قبلاً، ولا تستأخرها
ما لم يكن
هنالك سبب
لذلك، كأن
يكون هنالك تلازم
بين واحدةٍ
وأخرى،
وعندئذٍ على
المحكمة ان
تصدر قراراً بالاستئخار
وان تثبت وجود
هذا التلازم.
إلا
ان
المجلس لم
يُصدر رسمياً
أي قرار باستئخار
جريمة
الكنيسة
ولكنه أخَّر
عملياً النظر
فيها ريثما
ينتهي
التحقيق في
قضية اغتيال
داني شمعون،
رغم ان لا
تلازم في
القضيتين وإن
كان الدكتور
جعجع متهم
فيهما
كلتيهما،
فهذا لا يشكّل
تلازماً بينهما
بالمعنى
القانوني اذ
قد يُحكم على
الدكتور جعجع
في احداهما
ويُبرّأ في
الثانية،
وهذا ما فعله
المجلس
العدلي في الواقع
فيما بعد.
وباعتقادي
ان
المجلس
العدلي أخَّر
عملياً النظر
في جريمة الكنيسة
التي كانت
السبب الرئيس
والمباشر لملاحقة
الدكتور جعجع
بباقي
الجرائم، رغم انها وصلت اليه قبل
غيرها، أو
أُوعِز اليه
ان يستأخرها،
لأنه لا بدّ ان يكون قد
اطَّلع
بالتأكيد على
قرار
الاتّهام الصادر
فيها، فوجده
فارغاً وانه
سوف يضطرّ لا
محال لإعلان
براءة
الدكتور جعجع
ممّا هو منسوبٌ
فيه اليه،
فيحُدِث ذلك
صدمةً قويّة
في الرأي
العام، المسيحي،
يستحيل أو
يصعب معها
كثيراً الحكم
فيما بعد
بتجريم
الدكتور جعجع
في أية قضية اخرى،
وتبعاً انزال
اية
عقوبة
بحقِّه،
فآثرَ المجلس
النظر اولاً
في قضية داني
شمعون حيث
التحقيق فيها افضل، وإن
كانت بعض
الشوائب تعتوره
أيضاً، كما
سبق بيانه.
باء
– لقد قرّر
المجلس
العدلي انزال
عقوبة الاعدام
في الدكتور
جعجع بما خص
الجرائم
العديدة التي
يقول المجلس
انه استثبتها
عليه، وكلها
مرتكبة عن
سابق تصوّر
وتصميم
وتستحقّ فعلاً
الاعدام
مبدئياً.
إلاّ ان المجلس
منح الدكتور
جعجع الظروف التخفيفية
التقديرية،
ولكنه لم يبين
أسبابها وإن
يكن ليس
ملزماً
ببيانها.
فاستبدل
الإعدام
بالحبس المؤبد،
ومن المعلوم ان
الإعدام
يختلف
جوهرياً
بطبيعته عن
باقي العقوبات،
حتى ولو كانت
الحبسَ
المؤبد، لأن
الفرق بينها
وبين الإعدام
هو الفرق بين
الحياة والموت
أو بين الأرض
والسماء.
ومن
الملاحظ ان
المجلس منح
أيضاً الظروف
المخفّفة
للمجرم الفارّ
من وجه
العدالة
غسّان توما
المتّهم بأنه
المنفّذ
الأكبر
للجريمة،
علماً ان
ذلك غير مألوف
لدى المحاكم
لأن الحكم
الغيابي يسقط
تلقائياً لدى
القبض على
المدعى عليه، فتعاد
محاكمته
بالصورة الوجاهية،
وعندئذٍ يمكن
منحه الاسباب
المخفّفة.
واذا
ما علمنا بأن
رئيس
الجمهورية الياس الهراوي
قد تعهّد
آنذاك علناً
بتنفيذ
الإعدام إذا
ما قرره
المجلس العدلي،
فهمنا عندئذٍ
لماذا استبدل
المجلس بالحبس
المؤبد حكم الاعدام
الصادر حتى في
المحاكمة
الغيابية،
لأن ضميره لم
يطاوعه به،
شاعراً
داخلياً في
أعماقه بأنه
ربما كان مخطئاً
في أحكامه غير
الأكيدة،
فيما لو أبقى
فيها على الإعدام
الذي إذا ما
صار تنفيذه،
كما تعهد رئيس
الجمهورية،
فانه لا مجال
من بعد لأيّ
تعويضٍ أو تصحيحً
للخطأ.
جيم
– لقد سبق ان
قلتُ انه
عُرِض على
الدكتور جعجع
سنة 1992 بعد سنوات
عديدة من
اغتيال رشيد
كرامي وحتى
داني شمعون ان يكون
وزيراً
ويشارك في
الحكومة
ولكنه رفض،
وبعد الإلحاح
عليه قَبِلَ
بأن يتمثل بالاستاذ
روجيه ديب
الذي عُيِّن
عندئذٍ
وزيراً، ولكن
لم يلبث
جعجع ان
طلب منه ان
ينسحب فانسحب.
لقد قيل
آنذاك ان
جعجع رفض ان
يشارك في
الحكومة لأن
سليمان طوني
فرنجيّة
يشارك فيها،
وان جعجع كان
يخشى ان
يثأر منه
سليمان في
ساعة تخلٍّ
لمقتل والده طوني،
فيقع ما لا
تُحمد
عُقباه، وبين
الرجلين عداوة
لم تندمل بسبب
الهجوم سنة 1978
على اهدن
ومقتل طوني
فرنجية في عقر
داره ومعه
أيضاً نحو
ثلاثين من
أنصاره.
إلاّ اني
استبعد هذا
التفسير
للسببين
الآتيين، مع اني سمعته
في حينه:
اولاً، ان ايلي
حبيقة،
الذي كان من
أبرز
المتعاملين
مع اسرائيل
دون خجل، قد
شارك ايضاً
في الهجوم على
اهدن،
وهو الذي
اقتحم أيضاً
في 15 ايلول
1982 مخيمي صبرا
وشاتيلا وقام
بتصفية نحو الفٍ وخمسمئة
فلسطيني،
معظمهم منا
لشيوخ
والنساء
والأولاد،
ومع ذلك، إذْ اوقف
تعامله مع اسرائيل
وانتقل إلى
التعامل مع
سوريا فقط،
صار الترحيب به وكوفئ
بتعيينه
وزيراً
نافذاً،
كلمته لا تُردّ.
ولو
شارك جعجع في
الحكومة ولم
ينسحب منها
لما اعتُقِل
بالتأكيد،
ولما حوكم في
الجرائم التي
اتّهم بها
ولما عوقب في
بعضها،
ولَسكَتَ
سليمان فرنجية
أو أُسكِت
ولأَخَذ
مصيبته بالشكر،
ولَتصرّف كما
تصرف تجاه حبيقة.
الا ان
مشاركة جعجع
في الحكومة لو
تمَّتْ لسوفَ
تُلزِمُه
بالمقابل
بالتأكيد ان
يُصبح
موالياً
لسوريا بكل
معنى الكلمة،
وهذا ما لا
يستطيع فعله
دون التنكُّر
لماضيه وخسارة
كل شعبيّته
المسيحية.
ثانياً،
لو كان ما حال
دون مشاركة جعجع
بالحكومة هو
خشيته فقط ان
يصطدم
بسليمان
فرنجية وما
يعقب ذلك،
لكان أبقى
روجيه ديب
في الوزارة
ولما سحبه
منها، ولكن،
حتى وجود روجيه
ديب
المحسوب عليه
في الحكومة
كان يتطلّب ان يوالي
سوريا
وبالتالي ان
يفقدَ شعبيته.
وبعد
اعتقال
الدكتور جعجع
واتّهامه
بجريمة الكنيسة،
وبأخرى وقعت
قبل عدة سنوات
دون ان
يتّهمه أحد في
واحدةٍ منها
آنذاك، اذكر اني
دُعيتُ
لتناول
العشاء في بيت
أحد
الأصدقاء، وكان
أحد
القياديين في
حزب القوات
جالساً ايضاً
إلى الطاولة
نفسها بالقرب
مني ويجلس معي
أيضاً صحافيّ
مرموق، فخطر
على بالي
عندئذٍ ان
استفسر من
القيادي في
القوات عن
أمرٍ فسألته:
ألستم أنتم
الذين تكتبون
على حيطان
شوارع بيروت وغيرها،
"اعرف عدوّك،
السوري
عدوَّك"
فأجابني،
نعم، هذا
صحيح. فقلتُ
له: لماذا
ذهبت إذاً إلى
القرداحة
مع الوفد الذي
ترأّسه
الدكتور
جعجع، فقطعتم مسافة
خمسمئة
كيلومتر
ذهاباً واياباً،
وبقيتم بضع
دقائق هناك
فقط من أجل
تقديم التعزية
لحافظ الأسد بوفاة
نجله باسل جراء
اصطدامه
بحاجزٍ فيما
هو يقود
سيارته بسرعة
هائلة؟
فأجابني
القيادي: انه
واجب التعزية.
فسألته:
هل كلّما توفي
شخص في سوريا
له مكانة ما،
تقطعون كل هذه
المسافة
لتقديم واجب التعزية
فيه؟ ...
فأجابني
القيادي: نعم!
عندئذٍ
سألته: هل لك
ان تذكر
لي اسم سوريّ
واحد مات في
سوريا
وشاركتم
بوفدٍ
للتعزية به؟..
فسكت القيادي
ولم يجبني،
وهنا تدخَّل
الصحافي
المشار اليه
قائلاً
وجازماً: ان
ذهاب وفدٍ من
القوات
اللبنانية
إلى القرداحة
برئاسة الدكتور
جعجع، جعل
حافظ الأسد
يدرك ان
الدكتور جعجع اصبح
ضعيفا، وإلا
لما كان ذهب
إلى سوريا،
فطلب عندئذٍ
من الرئيس الهراوي
ان يقبض
عليه ويزجّه
في السجن.
فأجبته:
هذا استنتاج
يا أستاذ،
وأنا عقليّتي
عقليّة قاضٍ
ولا اعتمد
الاستنتاج ما
لم يكن
مستمدّاً
مباشرة من
وقائع أكيدة.
الاّ
إني اليوم بعد
مرور أكثر من
خمس عشرة سنة
على ذلك، وبعد
ما لمسته خلال
تلك السنوات، صرتُ
اعتقد ان
ما قاله لي
آنذاك
الصحافي
المرموق كان
صحيحاً
وواقعاً في
محله.
دال
– إنّي أرغب
بالتوقف
تكراراً لدى
جريمة اغتيال
الرئيس رشيد
كرامي لأنها
ما زالت موضع أخذٍ
وردٍّ وإثارة
في الرأي
العام حتى
اليوم، رغم
صدور العفو
منذ سبع سنوات
عن كل الجرائم
التي اتّهم بها
الدكتور جعجع
ورغم بقاء
الموفدين
الدوليين والسفراء
والوزراء
والرؤساء،
أكانوا من الشرق
ام من
الغرب –
باستثناء
سوريا – على
مواصلة زياراتهم
له دون انقطاع
بعد خروجه من
السجن.
أما
الجرائم
الأخرى التي
اتّهم بها
الدكتور
جعجع، ومنها
ما بُرئّ منها
في المجلس
العدلي ومنها
ما حُكِم فيها
عليه، فلقد
أَشرتُ قبلاً
إلى الثغرات
التي تعتور
الأحكام الصادرة
فيها وتجعلها
بالتالي غير
واقعة في محلها،
علماً ان
الادعاء لازم
فيها الصمت
زماناً
طويلاً، ما
يفيد ضمناً
انه غير متأكِّد
من صحتها.
وعليه ، فإنيّ
أُبدي بشأن
اغتيال
الرئيس كرامي
الملاحظات
الآتية:
من
الواقع
الأكيد، ان
الرئيس كرامي
كما سبق
بيانه، صار
اغتياله بعبوة
صغيرة
وُضِعتْ تحت
المقعد الذي
كان جالساً
عليه في
المروحيّة
العسكرية التي
يستقّلها
كعادته لدى
رجوعه من
طرابلس إلى
بيروت، كما
بالعكس لدى
إتيانه من
بيروت إلى
طرابلس،
فانفجرت
وقُتِلَ على
الفور ولم يُصب
أحد غيره
بأذىً، رغم
انه كان معه
بعض من محبّيه
ومرافقيه
بالإضافة
طبعاً إلى
قائد المروحية،
ومنطق
التحقيق وفنّ
التحقيق كانا
يقضيان قبل كل
شيء بالبحث
عمَّن وضع
العبوة في
المروحيّة،
وهذا أمر سهل
الوصول اليه،
بدلاً من
البحث عمَّن
أمرَ بوضع
العبوة أو قام
بتفجيرها أو
حرّض عليه،
وهذا أمر صعب
ويفتقر عادة
إلى الأدلة
الحسية
المقنعة.
أما
من وضع العبوة
في
المروحيّة،
وتحديداً تحت
المقعد الذي
يجلس عليه
الرئيس
كرامي، فتكاد
الوقائع
المادية
نفسها ان
تدلّ عليه
وتكشفه، إذ لا
بدّ ان
يكون منتسباً
للجيش
ومؤهَّلاً
للدخول إلى المروحيّة
لتنظيفها أو
لصيانتها بعد
كل اقلاعٍ
وهبوط ، كما
تتطلّب الاصول
المتَّبعة
لسلامة
الطيران، ولا
بدَّ أيضاً ان يكون قد
راقب مراراً اين يجلس
الرئيس كرامي
في المروحية واصبح
واثقاً بأنه
يجلس دوماً
على مقعد
معيّن ولا يغيّره
ابداً.
ولا
يركن قطعاً
إلى تقارير
سريّة مخابراتية
أو إلى قرائن
غير حسيّة
وغير كافية
للحكم بالإعدام،
وأكثر من ذلك،
وعلى فرض انه
قبض على الفاعل
واستجوب
واعترف
ولكنّه عطف
الجرم على شخص
آخر، في
محاولةٍ منه
لتخفيف العقوبة
على نفسه،
فهذا أيضاً
غير كافٍ قضائياً
للحكم
بالإعدام على
الشخص المعطوف
عليه الجرم،
وهذا ما يفسّر
لماذا منح
المجلس العدلي
الدكتور جعجع الاسباب
المخفّفة، إذ
إنه لم يكن،
كما سبق قوله،
مطمئناً
ضميرياً
للحكم عليه
فاستبدله
بالحبس
المؤبد. وقد
ألمح قرار الاتهام
إلى هذا
الشخص،
ولكنّه لم
يذكر اسمه ولم
يُستجوب،
فبقيَ مخفياً
حتى في
المحاكمة العلنية
أمام المجلس
العدلي، في
حين ان
هذا الشخص، لو
استجوب بدقة،
لكان من
المأمول ان
ينير
التحقيق. ولا بدّ
من الإشارة
إلى ان
حصل أكثر من
مرة في لبنان،
ولا سيما
في زمن
الهيمنة
السورية، ان
اتّهم أشخاص
بجناية ثم
تبين انهم
أبرياء، فعدا
جريمة كنيسة
الذوق
الشهيرة، هنالك
أيضاً جريمة "الكوليج
هول" في
الجامعة
الأميركية
التي اتُّهم
فيها بعضُهم
ثم حُكِم
ببراءتهم،
وهذا ما يُضفي
على اتّهام
الدكتور جعجع
بجريمة
اغتيال
الرئيس كرامي
ظلالاً كثيفاً
من الشك كان
يوجب تبرئته
منها قضائياً.
لقد
وصل لبنان،
ومسيحيّوه
بنوعٍ خاص،
إلى الحضيض في
زمن الهيمنة
السورية وكاد
اليأس ان
يستولي عليهم
جميعاً لو لم
يقع زلزال لم
يكن بالحسبان،
فأعمال الربّ
كلها بحكمةٍ
صنعت، ونحن
البشر لا ندرك
دائماً
مغزاها، وما
عند الله ليس
عند العبد،
فهو على كل
شيء قدير.
المحطّة
الأخيرة 14 شباط
2005
لبنان
َإلى التدحرج
البطيء
فالموت، أم إلى
النهوض
المستمر إلى
أعلى فالحياة
؟...
من
المتّفق عليه
والثابت في السوسيولوجيا
ان
الدولة، أية
دولة، لا تُبنى
على القهر، أو
الغشّ أو
الخداع أو الممالقة،
بل يُفترض ان
تتجَّسد فيها
أماني
أهاليها
كلّهم
الصادقة والحقيقية،
أو أكثريتهم
الساحقة على
الأقل.
وقد
رأينا من
دراستنا
المتجرّدة
المبينة في أعلاه
ان وجود
لبنان كما هو
الآن، إنّما
مردُّه تاريخياً
إلى لجوء
الموارنة والدروز
والشيعة اليه
لأسباب
متشابهة، وإن
كان قسم من
كلٍّ منهم قد
ضلَّ الطريق
في فترة من
الزمن،
بالترهيب أو الترغيب،
أو عن جهلٍ
أحياناً أو عن
مصلحة ذاتية
عابرة
أما
أهل السُنَّة
في لبنان أو
خارجه فكانوا
لا يعترفون
بوجوده الاّ
مسايرةً في
أحسن
الحالات،
لأنهم
يعتبرون ان
المنطقة
بأكملها هي
تحت رعايتهم،
والذين فيه من
غير السنّة هم
في حمايتهم،
إلى ان
حصلت أعجوبة
إلهيّة في 14
شباط 2005 غيّرت
عقولهم وقلوبهم
بأكثريتهم،
في لبنان على
الأقل. فلأول مرة
في التاريخ
يعلن الجمهور
السنّي
اللبناني
بأكثريته، أي
الشعب
السنّي، جهراً
ودون مواربة،
انه مع لبنان
أولاً قبل كل
شيء ومع ثورة
الأرز.
نعم،
إنّ اغتيال
رفيق الحريري
ورفاقه في 14
شباط 2005 أدّى
بنتيجته إلى
وقوع عجيبةٍ
إلهيّة كبرى،
ألا وهي خروج
الجيش السوري
من كل لبنان
بعد سبعين
يوماً،
وتحديداً في
26/4/2005، بعدما دام
احتلاله إيّاه
نحو ثلاثين
سنة، فلولا
تلك العجيبة
لَبقيَ
السوريون فيه
يتحكَّمون
بمقاديره إلى أن
يقضي الله
أمراً كان
مفعولاً، فكل
أعمال الربّ،
حقاً بحكمةٍ
صُنِعت، ونحن
عبيده لا نُدرِك
مغزاها
دائماً، وهو
يُمهِل، ولا يُهمِل
إلى ما لا
نهاية، وانا
بعد تأمّلٍ
طويل، أتّهمُ
بضميرٍ مرتاح
سوريا
بالاشتراك مع
بعضٍ من عملائها
الكثر في
لبنان بهذه
الجريمة
الشنعاء
المدروسة والمنفّذة
بعقل شيطاني،
ففجّرت
بنتيجتها الغضب
الشعبي، الذي
هو انبثاق من
الغضب
الإلهيّ صار
يتدفَّق
شلاّلاتٍ
هادرة تلو
شلاّلات دون
انقطاع، وذلك
بعد اغتيالات
سابقة عديدة،
اتّهم فيها
أيضاً سوريا
وعملاءها،
وأذكر منها
على سبيل
المثل، لا
الحصر،
اغتيال كمال جنبلاط
والشيخ حسن
خالد ورياض طه
وناظم
القادري وبشير
الجميّل
ورينه معوَّض
ومحاولة
اغتيال ميشال
عون ومروان حماده ومي شدياق
وغيرهم،
وغيرهم.
لاّ ان
النضال ضد قوى
الشرّ لم ينتهِ
بعد ولم
يُحسم، رغم
خروجها من
لبنان من الباب
العريض، بل
زاد ضراوةً
وشراسة، وإذ
تكشّفت الآن
على بشاعتها،
فهي تحاول
العودة إليه
من الشبَّاك،
وأصبحت
المعركة معها
معركة حياة أو
موت. وحدها
المصارحة
تنجّي، وحدها
الحقيقة
تنجّي. ان لبنان
لم يعد
عمليّاً
قابلاً للحكم
في وضعه
الحالي، فلا
أَمن ولا عدل
بالقدر
المطلوب، ولا
تغيير ولا اصلاح
ولا امكانية
لمكافحة
الفساد
المستشري،
والموضوع
أصبح الآن
محصوراً بأن
نبقى أو لا
نبقى، وكل ما
عداه حديث
خُرافةٍ يا
أُمِّ عمروٍ.
لذلك،
أدعو إخواني
السنّيين في
لبنان إلى
الثبات والتجذُّر
في مواقفهم
ومشاعرهم
الجديدة
الجميلة تجاه لبنان،
والى العمل
بكل قواهم على
نقلها بالحُسنى
إلى باقي
السنّيين
الذين لم
يهتدوا بعد إلى
الحقيقة.
وأدعو
العماد ميشال
عون، الذي
ابتعد الآن
عمّا كان
يُعرَف عنه وينادي
به في
الماضي، إلى
العودة إلى ما
كان عليه قبل رجوعه
من المنفى،
وأتضرَّع إلى
الله كي ينير عقله
وقلبه ويميت
فيه الأنانية
وشهوة السلطة
التي تُعطِّل
أو تُضعِف
البصيرة.
وأتضرَّع إلى
الله أيضاً من
أجل إخواني
الشيعة
الكرام، وهم أصيلون في
لبنان
وساهموا في
تكوينه، كي
يعودوا إلى أصالتهم
ويفكّوا
ارتباطهم بايران
وسوريا.
أما اخواني
الدروز،
وهم متجذّرون
أيضاً في
لبنان، فيبدو انهم
حسموا أمرهم
وعادوا بوضوح
إلى الالتصاق
بلبنان دون أي
تراجع،
فباركهم الله
ولِنتفاهم
من بعد بصدقٍ ومحبَّة
مع بعضنا
البعض على
ميثاق جديد
للبنان جديد.
عندئذٍ،
ينجو لبنان من
خطر الزوال، بل
انه يثبت
ويزيد قوةً
ومنعةً،
ويصبح قدوةً
لغيره مثل
سويسرا في
الغرب التي
اهتدت إلى
السلام بعد
حروب داخلية
طال زمانها،
ويشعّ
كالمنارة في
المنطقة
وينعم أهاليه
بالازدهار والإلفة
والمحبة مع
بعضهم البعض ،
وتتلاشى فيه
كلياً العصبية
الطائفية
رويداً رويداً
، وينأى بنفسه
عن كل الحروب،
بما فيها
الحرب مع
إسرائيل التي
شارك بحركشتها
منذ البداية
دون أية مصلحة
له فيها فعانى
منها الكثير،
على ان
يكتفي
بالدفاع عن
نفسه بقوّة
إذا ما اعتدى
عليه غريب ام
قريب.وإلاّ ...
فليأتِ ما سوف
يأتي ... وعلى
الدنيا
السلام !
اللَّهمَّ
أشهد اني
بلَّّغتُ وانا
على حافَّة
قبري.