اللبنانيون
ونظرية
المؤامرة
بقلم/الكولونيل
شربل بركات
يعتبر
الشعب
اللبناني من
الشعوب
الفطنة والتي
تتعمق
بالتفاصيل
وتفتش عن
الأسباب وراء
كل حدث، ومن
هنا نرى أن
نظرية
"المؤامرة"
رافقت كل فئات
الشعب
اللبناني
خلال سنوات
الحرب لدرجة
أنه لم يعد
هناك من قيمة
للتفاصيل
التي تتسبب
بالجولات
القتالية،
لأن "المؤامرة"،
بحسب
الاعتقاد،
مستمرة. فما
هي هذه
"المؤامرة"
وهل بالفعل
تستحق أن يبقى
البلد في حالة
خراب بعد
حوالي نصف قرن
على بدء القلاقل؟
إن
استقلال
لبنان كسلسلة
عمليات
الاستقلال التي
جرت بعد نهاية
الحرب
العالمية
الثانية لم
تكن بسبب نضوج
الحركة
الاستقلالية
في البلد أو
اكتمال عناصر
الوعي
والمقدرة على
الحكم الذاتي
لدى الشعب
اللبناني كما
صور لنا،
بالرغم من
مرور حوالي
عشرين سنة على
نشؤ لبنان
الكبير (والذي
كان لحق
الادارة
الذاتية في
عهد المتصرفية
وعهود الإمارة
السابقة)، لأن
هذا الشعب،
وقبل أن ينسى
رواسب حكم
فيصل في الشام
والخلاف
الفرنسي
البريطاني
حوله، لاحقته
تطورات
انطلاقة
النازية في
ألمانيا الهتلرية
وتصادمها مع
اليهود ما جعل
المخابرات الألمانية،
كما يعتقد
البعض، تدفع
لنشؤ الفكر
القومي في
المشرق والذي
وجه باتجاه
خلق المشاكل
في فلسطين،
المنطقة
الحساسة
للتاج
البريطاني،
ما أدى إلى
ثورة 1936 وما
بعدها بين
العرب واليهود
وقد دعمها بكل
قوة الحزب
القومي
السوري (النسخة
المشرقية
للنازية)، وهو
يفسر أيضا ما لقيه
الحاج أمين
الحسيني مفتي
فلسطين يومها من
ترحاب وتأييد
في برلين.
ولكن السبب الأساسي
للحركة
الاستقلالية،
خاصة بعد الحرب
العالمية
الثانية، كان
حاجة
بريطانيا التي
خرجت منهوكة
من هذه الحرب لإعادة
التموضع
والتقليل من
الانتشار
فكانت فكرة دعم
حركات التحرر
بشكل غير
مباشر
للمطالبة بسحب
الجيوش
البريطانية
وهو ما جرى
تباعا في الهند
ومن ثم الشرق
الأوسط
وأخيرا
أفريقيا.
لقد
فرض
البريطانيون
على فرنسا
الحرة في 1943 وقبل
انتهاء الحرب
العالمية
الثانية، كما
كان يقول
المغفور له
العميد ريمون
إده، اعطاء لبنان
استقلاله،
وهو بالضبط ما
قاموا به هم أنفسهم
في فلسطين في 1948.
وبالرغم من أن
الوضع في
لبنان كان يبدو
صالحا
للاستمرار،
لأن المنافسة
السياسية فيه
قامت على
كتلتين
أساسيتين
تلخصان القوى
السياسية
الفعلية في
البلد على
طريقة الدول
الديمقراطية
وتضمان كافة
فئات اللبنانيين
وطوائفهم
وهما الكتلة
الدستورية
والكتلة
الوطنية ومن
المفترض أن
تتناوبا على
السلطة كما هي
الحال في كل
الديمقراطيات،
إلا أنه وفور
انتهاء الحرب
العالمية
الثانية،
وبالرغم من خروج
ألمانيا من
الميدان،
عادت الحركة
القومية
لتلعب دورا في
فلسطين حيث
كانت أفواج
الناجين من
أفران هتلر
تسعى إلى
إيجاد ملاذ
لها بين
المجموعات اليهودية
هناك. وبين
الحقد الذي
يعيش داخل
هؤلاء
الناجين من الإبادة،
والحقد
المقابل الذي
تزرعه بقايا
النازية المندحرة،
تولدت ثورة
غضب جديدة
وأعمال عنف أشعلت
المنطقة
بكاملها
فوصلت
نيرانها إلى لبنان؛
أفواجا من
اللاجئين
وغضبا عم
الجوار بكامله.
ثم
جاء عهد
الثورات التي
بدأت تتماثل
جزئيا بالبلشفية
السوفياتية،
حيث قضت حركة
الضباط
الأحرار على
الملكية في
مصر أولا، ثم
حاولت نشر
تجربتها
باتجاه
سوريا،
فأعلنت ولادة
الجمهورية العربية
المتحدة التي
أعادت إلى
الأذهان التمددات
الامبريالية
ولكن تحت
شعارات ثورية
وأحلام الفتح.
وهكذا سقطت
الملكية في
العراق ومن ثم
في اليمن
وليبيا
وتهددت
السعودية
والأردن وإمارات
الخليج بالمد
الثوري. في
هذا الوضع القلق
والغير مستقر
في المنطقة
كلها حاول لبنان
أن ينجو من
الحركات
الانقلابية
والمحافظة
على النظام
الديمقراطي
الذي يؤمن
حقوق الفئات
اللبنانية
المختلفة من
خلال
القوانين، فاصطدم
بالناصريين
في 1958 ثم
بالقوميين
السوريين في 1963
وبعدها
بالبعثيين
بشقيهما
السوري
والعراقي. ولم
يستقر الوضع
الثوري في دول
المنطقة إلا
بعد نكسة 1967 حيث
ظهر جليا أن
كل الخطب
والنظريات
التي تعبأ بها
الجماهير
فارغة من
المحتوى، وأن
هذه الأنظمة
الثورية
وشعاراتها لن
تصل إلى
نتيجة، فهي
قامت على
شعارات العدالة
والرفاه فلم
تفلح، وقامت
على شعارات التعبئة
ضد اليهود
لاسترجاع
فلسطين ولم
تفلح، وعادت
"جماهير
الثورة"
تستجدي العمل
عند الأمراء
والملوك في
الدول
المستقرة.
قد
يكون فعل
الصدمة التي
عاشتها مصر
أثرّ على قيادتها
الجديدة بعد
عبد الناصر
فقامت بإعادة
التقييم
وقررت وقف
برامج
الشعارات
والتعبئة
للتفرغ إلى ما
يجدي، وهكذا
كانت عملية
تحرير قناة
السويس
العسكرية
الناجحة التي
أدت باعتماد
التفاوض إلى
السلام مع
إسرائيل ما
حرر كامل
الأراضي
المصرية
المحتلة في 1967
وأعطى مصر
فرصة للاستقرار
والاهتمام
بأوضاع الناس
الاقتصادية
وتطوير البلد.
ولكن الوضع في
سوريا لم يسمح
بخيار
السلام، كما
تعتقد
القيادة
السورية، لأن
السلام يتطلب
رفع الضغط
الأمني والتوجه
أكثر فأكثر
باتجاه
الديمقراطية
ما قد يؤثر
على النظام،
من هنا اعتماد
شعارات سلبية
حتى عند
القبول
بالتفاوض تحت
الضغط. فيوم
يقوم السادات
بمبادرته
للسلام
تتزعم
سوريا الأسد
"جبهة الصمود
والتصدي"، ويوم
يفرض مؤتمر
مدريد
التفاوض على
السلام يخلق
السوريون
مصطلحا جديدا
"نعم للسلام
ولا للتطبيع"،
ويوم يصبح
للفلسطينيين
دولة وسلطة
منتخبة تحاور
بإسمهم
للاتفاق على
التفاصيل،
يزايد النظام
السوري عليهم
باختراع جديد
هو "محور الممانعة"
الذي لا يفعل
إلا منع
الحلول.
اللبنانيون
بفتشون دوما
على ما يجري
في الخارج
وعلى القضايا
الإقليمية
والعربية
ولذا كان لا بد
من هذه الجولة
التاريخية،
ولكنهم بكل
المقدرة على
الغوص في
الأسباب
والموجبات
نسوا بالفعل
البديهيات
التي يقوم
عليها أي بلد،
وهي أولا
الاستقرار
والاهتمام
بالشأن
الداخلي وقيام
دولة القانون
وعدم تهديد
المواطن كل يوم
بحياته ورزقه
ومستقبل
أبنائه. فليس
هناك من "مؤامرة"
على لبنان
بسبب تعددية
مجتمعه، ولا بسبب
الحرية فيه،
وليس هناك من
"مؤامرة"
لتوطين
الفلسطينيين،
إذا لم يشأ
ذلك
اللبنانيون أنفسهم،
فالفلسطينيون
قادرون على
التفاهم فيما
بينهم إذا ما
تركوا وحدهم،
وقادرون على التوصل
إلى قواسم
مشتركة مع
إسرائيل، وهم
حتى قادرون
على استرجاع
الملايين من
اخوتهم للعمل
في مشاريع
بناء دولتهم
العتيدة
والتعاون مع الاسرائيليين
في مشاريع
اقتصادية
كثيرة، والاسرائيليون
أيضا قادرون
على التنازل
عن دروع
الحديد
والنار
والتفضي
للتعاون
المثمر مع
الجيران، فهم
يتعاونون،
ولو بخجل، مع
الأردن ومصر وقطر
وبعض دول شمال
أفريقيا،
فلما لا
يتعاونون
أيضا مع لبنان
وسوريا
والعراق
وغيرهم من دول
المحيط، وهم
تعاونوا مع
تركيا وإيران
على مدى عقود،
وهاتين
الدولتين
أصبح لهما
تأثيرا جديا
بين شعوب
المنطقة
وقبولا على
مستوى الأنظمة
والحكام.
اللبنانيون
يضيعون اليوم
في متاهات
التحرير
والمقاومة
وحقوق
الفلسطينيين
والقومية
العربية وبعض
المصطلحات
الأخرى،
ولكنهم
يتيهون عن
الأساس
والضروري، عن
الخبز
اليومي، عن
بناء الدولة
وقيام
المؤسسات
بعملها، عن
التعاون فيما
بينهم من أجل
التقدم
والتعاون على
الخير. يريدون
أن يحلوا كل
المشاكل العالقة
في العالم قبل
أن يحلوا
مشكلة الرغيف والكهرباء
والماء
عندهم، وهذه
من البديهيات
في عالم
اليوم. فهل
يعقل أن دولة
تعيش في عصر
"القرية
العالمية" لا
تزال تنقطع
فيها
الكهرباء
يوميا؟ وهل
يجوز أن تذهب
مياه أنهر
لبنان في
البحر وشعبه
يتحسّر على
قطرة ماء؟ وهل
تكديس السلاح
والصواريخ
أهم من إنشاء
السدود
وتجميع
المياه
وتنظيم توزيع
الكهرباء؟
ومن هو الذي
يحتل أرضهم أو
ينافسهم على
مصالحهم
الاقتصادية
في المنطقة
وحول العالم؟ وهل
يجوز أن تقوم
حرب من أجل
تغيير مسؤول
في المطار أو
نقل مدير من
إدارته؟
"المقاومة"
الفعلية في
عالم اليوم،
حيث مشكلات
الأرض وتكاثر
السكان
وحاجاتهم
الضرورية
أصبحت تتطلب
رؤية مستقبلية
ومشاريع وخطط
للمدى
الطويل، هي
باستغلال
الطاقات
بالشكل
المناسب ومنع
تزايد مشكلات
الأرض التي
تنعكس على
الجميع، هي
مقاومة التصحّر،
ومقاومة
الجفاف،
ومقاومة
الاحتباس
الحراري، هي
نشر ثقافة
الحياة
والتعاون
البشري وتوسيع
مفاهيم
العدالة
والتقليل من
استعمال العنف
للمساهمة في
عمل الخالق
الذي أقامنا
حراسا على
كرمه لنسهر
على حسن سير
الطبيعة التي
خلقها لنا
ونسهم في
صيانتها
ليكتمل عمل
الله بخلائقه.
إن
اللبنانيون
المتقاتلون
اليوم على
المحكمة
الدولية لم
يعودوا بحاجة
لها للاستدلال
على القاتل،
فهناك من
اعترف بعمله
وهو يدافع عن
المجرمين بكل
وقاحة، فهل
بعد من حاجة للتوضيح؟
ولكن هل يمكن
أن يستمر
التخفي خلف نظرية
"المؤامرة"
وترك القتلة
والمجرمون
يسرحون ويستبيحون
حياة الناس؟
إن
حاجة لبنان إلى
الأمان
والاستقرار
هي الأهم،
وسوف تتحقق
فقط عندما
يلتفت
اللبنانيون
إلى أمورهم هم
أولا،
فينظفون
البيت من كل
سلاح بدون
تمييز بين سني
وشيعي، مخيم
وحي، مقاومة
فلسطينية أو لبنانية
أو إيرانية أو
عثمانية... ثم
يعملون سوية
على مصالحة
كاملة تشمل كل
الفئات،
وخاصة
الجنوبيين،
ويقبل فيها
الكل
بالاعتراف
بحق الآخرين
بالحياة
والطمأنينة
والاستمرار. ولن
تفعل
الأصولية
والاستعانة
بالغير إلا زيادة
المشاكل،
فليعتمد
اللبنانيون
على القانون
الدولي
والمنظمات
التي ترعى
حقوق الانسان كإطار
أساسي لحل
المشكلات،
وليكن
التعاون مع
الكل في سبيل
مصلحة البلد
شعارا يرفعه
اللبنانيون،
فلم يعد في
هذا الوقت من
فرق بين عربي
وفارسي وبين
كردي وتركي
وبين يمني
وحوثي وبين
سني وشيعي
وبين ماروني وأرثوذوكسي
وبين سرياني
وأرمني أو
آشوري
وكلداني وحتى
بين فلسطيني
وإسرائيلي،
فالكل يعيش في
منطقة واحدة
مهددة بالجفاف
من جهة
وبتعاظم الشر
المقيت الذي
يفسد المجتمعات
ويمنع الإنتاج
ويصر على نشر
الأحقاد
مستعينا
بالدين تارة وبالاثنية
أو الطائفة
تارة أخرى،
وكل من يعتقد
بأنه يزرع في
لبنان ما يلهي
شعبه عنه
سيذوق من طعم
السم عينه لا
بل مع
تفاعلاته
التي لن تترك
له مجالا
للاستقرار.
إن
ذكاء
اللبنانيين
يجب أن يقودهم
إلى التلفت
نحو الذات وحل
المشاكل بنزع
أسبابها،
وعندما يصبح
لنا دولة
مستقرة تقوم
على العدل
والديمقراطية
قد نساهم في
تفاهم
الآخرين على
حل مشاكلهم،
في حال عدم
توصلهم إلى
الحلول قبلنا.
فليكف
اللبنانيون
عن التشاوف
بقدراتهم
الفوقية
وليستعملوا
عقلهم
وذكاءهم لمصلحة
أبنائهم فقد
آن الأوان
لفعل ندامة عن
كل الأخطاء
السابقة التي
طالما
رميناها على
الآخرين وحتى
في كثير من
الأحيان على
الله عز وجل.
12-
كانون الأول-2010
تورونتو
– كندا