العالم
في مواجهة
الدمويين
بقلم
الكولونيل شربل
بركات
09
شباط/15
الوضع
في الشرق
الأوسط في
بداية العام
الجديد يبدو
مقلقا خاصة مع
تطور
الجماعات
الأصولية من
الاسلاميين
التكفيريين
الذين
يسوّقون للتسلط
بالقوة
المبنية على
الدم
والغطرسة والتوسع
على حساب
الدول القائمة،
مستعملين
أنواعا من
الارهاب (وقد
أصبحت الكلمة
مبتزلة لكثرة
استعمالها)
تذكّرنا بعهود
الظلام
الغابرة
وتصرّف
الغزاة الهمجيين
في مراحل عدة
من التاريخ
كان العالم قد
نسيها نوعا ما
وغابت عن
الذاكرة
الجماعية إلا
في الكتب التي
تروي الفظائع.
الشرق
الأوسط مهد
الديانات
السماوية
التي بدأت مع
موسى "كليم الله"
حيث حدد في
لوح الوصايا
ما يرضي الله
وأهمه أن "لا
تقتل"، نراه
اليوم وبعد
مرور ثلاثة
آلاف سنة على
شريعة موسى
والفي سنة على
السيد المسيح
والف وخمسمئة
سنة على
الرسول يعود إلى
القتل لا
للدفاع عن
النفس أو
الاقتصاص من
المجرمين بل
للتلذذ بسفك
الدم
والتشاوف بالقدرة
على ارتكاب
الجرم بدون
رادع.
ما
يقوم به جماعة
القتل هؤلاء
لم يكن ليعطى
من الأهمية لو
أنه يجري على
أيدي عصابة
محدودة ترتكب
الفظائع من
أجل السلطة أو
المال أو
غيره. ولكن
الخطر فيه أنه
يرتكب باسم
الدين وينفذ بغطاء
فتاوى الأئمة
التي تملأ
الاعلام وهو
يدخل كل
البيوت في
"القرية
العالمية"
فيولّد المزيد
من الدمويين
من جهة
وبالمقابل
ينمّي الكثير
من الحقد
عليهم.
من
جهة أخرى يعرض
نظام الملالي
في إيران نفسه
والتنظيمات
التي تتبعه
كمحارب لهذه
الجماعات
التي إنما
ولدت لتحسين
صورته
وإفرازاته في
لبنان
والعراق وصورة
حليفه أسد
سوريا. وبينما
تتلهى دول
المنطقة بالتركيز
على هؤلاء
وكيفية
التخلص من
شرهم، والصورة
البشعة التي
يعرضونها عن
الدين وأهله،
يستمر هذا
النظام
وزبانيته
بالتقدم على ساحات
الشرق الأوسط
القريبة منها
والبعيدة مستعملين
المذهبية
غطاء والعنف
سلاحا
لتغلغلهم وهم
بعيدين كل
البعد عن قبول
الآخر
والتعددية المطلوبة
التي وحدها قد
تكون الحل
لامكانية تعايش
وتعاون كافة
المجموعات
الحضارية التي
تؤلف هذا
الشرق.
يقول
قائل بأن
واجبات
المجتمع
الدولي التصدي
لهؤلاء وفرض
النظام
المرتكز على
القيم
المشتركة لكل
الشعوب والتي
تضمنتها
"شرعة حقوق
الانسان" وهي
تحمي الحقوق
البديهية
للبشر.
وبالرغم من
قيام تحالف
دولي يتصدى،
كما يقال،
لتوسع هذه
المجموعات
المتغطرسة
إلا أن
المحاربة
الجدية لها لم
تبدأ بعد لأن
هؤلاء القتلة
يتخفّون خلف
الدين
ويدّعون العمل
حسب قواعده
وبالنتيجة لا
يمكن استبعاد
دين بكل
أتباعه له من
العمر 1500 سنة
ومن الاتباع
حوالي
المليار
والنصف لا
يشبهون
بأغلبيتهم
هؤلاء القتلة.
من
هنا قامت بعض
الدول
الاسلامية
وخاصة الخليجية
تحمل مشعل
التصدي
لهؤلاء
فأصدرت لوائح تمنع
دخولهم إلى
أراضيها لا بل
ساهمت بقيام
تحالف دولي
لمواجهتهم
وهي تدفع بشكل
فعلي نحو
التخلص منهم.
ولكن وبالرغم
من ذلك لم نرى
بعد تغييرا
أساسيا في
عملية التصدي
للفكر الذي
يدعمهم، ولو
أن ولي عهد
البحرين وضع
الاصبع على
الجرح حين
شبههم
"بالفاشية الدينية"
لأن الخطر في
هذه
المجموعات
يكمن في
تفسيرها
للدين
وسلاحها
معادات
البشرية لفرض
سلطتها على
الجميع بقوة
سفك الدماء
واستعباد
الآخرين بدأ
من المراة
وصولا إلى
بقية المختلفين
عنهم. فهل
سيتمكن
التحالف
الدولي من حسم
الموضوع ووئد
هذه الفتنة في
مكانها والتخلص
من القتلة
والمروجين
لهم؟ أم إن
القضية أعمق
قليلا وهي
تتطلب نوعا من
الجهد
المشترك خاصة
من جهة أصحاب
الشأن؟
صحيح
بأن الفتح
الاسلامي قام
بحد السيف
ولكنه كان
يومها مشابها
لغيره من
القوى التي
تداولت
السيطرة على
المنطقة. فقد
كان
البيزنطيون وارثوا
الامبراطورية
الرومانية
والتي كانت
قامت على
أنقاض مملكة
الاسكندر
الكبير
اليونانية،
من جهة، والفرس
الساسانيون
وارثوا أحلام
الامبراطورية
الفارسية
القديمة التي
كان الاسكندر
نفسه قد
اسقطها
وحولها إلى
رعية من
رعاياه، من
جهة أخرى،
يتنازعان
السيطرة
عليها في
غزوات تشبه إلى
حد بعيد تلك
التي قام بها
العرب الذين
وحدّهم الاسلام
فانطلقوا
لأول مرة خارج
حدود الجزيرة
يمارسون
كغيرهم
السيطرة على
الممالك
والدول.
ولكنهم وبسبب
اللامركزية
التي
اعتمدوها في
الحكم، ربما،
وضعف القوى المواجهة
لهم، أسرعوا
في الانتشار
شرقا وغربا
قبل أن يبدأوا
كغيرهم
بالخلاف على
السلطة وتقسيم
التركة مناطق
واقاليم
تتعاون أحيانا
وتتناحر في
الغالب. ولكن
قطع الاعناق
وقتل الأعداء
لم يكونا
اختراعا
عربيا أو خاصا
بالاسلام لا
بل اعتبر
الاحتلال الاسلامي
في كثير من
الاحيان أرحم
من غيره ومن
هنا التوسع
السريع
وانضمام
الاقاليم إلى
الدولة
الحديثة لا بل
تحول بعض
الشعوب إلى
الدين الجديد.
وقد بقيت أكثر
القوى
والممالك في العالم
تعتمد الحروب
اساسا للتوسع
والسيطرة وما
الحملات
الصليبية
التي دامت
حوالي
الثلاثة قرون
ومن ثم غزوات المماليك
والمغول
والتتر ومن
بعدهم السلطنة
العثمانية
إلا استمرارا
لتمدد القوي
وفرض سيطرته
على المغلوب.
ولكن خبرة
البشرية في تنازع
السلطة
وتتالي
المآسي
وقراءتها
للأحداث بترو وهدوء
واتخاذ العبر
منها والعمل
على إيجاد قواسم
مشتركة تخفف
من الاقتتال،
هي محاولات لنقل
البشرية من
حالة الصراع
الدائم إلى
حالة التعاون
من أجل التقدم
والاستمرار.
وهكذا وبعد
قتال مرير
وحروب عديدة
داخل أوروبا
كانت اتفاقات
جنيف لتخفيف
عبئ الحرب على
الأفراد وتحديد
المسموح
والممنوع حتى
في الحرب.
وبعد حربين
عالميتين
نشأت
المنظمات
الدولية التي
تحاول حل
المشاكل لمنع
حدوث الصراع
والتقليل من
مساوئه حال
حصوله.
التطرف
الاسلامي
و"دولة
الخلافة في
العراق وسوريا"
لا يشكلون
بالطبع صورة
الاسلام الحقيقية
ولا هم
سيتمكنون من مصادرة
وجه هذا الدين
ليجعلوا منه
دينا دمويا بالمطلق
يسمح بارتكاب
الفظائع.
ولكن، والتاريخ
يشهد، بأن
مواجهة هذه
الموجات يجب
أن تقوم على
عاتق حاكم قوي
يفرض سلطته
المدنية ليحمي
الدين من
الاستغلال،
ورجل دين
متنزه يستلهم
روح الرحمة
التي ترافقت
متكررة مع اسم
الله تعالى
ليمنع الرعاع
من استعمال
الدين ستارا للبغي
والغي. من هنا
أهمية زيارة
الرئيس السيسي
لجامعة
الأزهر الشهر
الماضي كونه
رئيس دولة
عريقة تسكنها
أكثرية مسلمة
ويبدو حتى الآن
قادرا على ضبط
الأمور بينما
تشكل جامعة
الأزهر أحد
المراكز
المهمة في
الفقه السني
(وهو المذهب
الذي يتبعه
أغلبية
المسلمين).
وقد فهم من
كلامه بأنه
حاول تذكير
الأئمة
بدورهم في قيادة
الفكر مشيرا
إلى أن مليار
ونصف المليار
من المسلمين
لا يجب أن
يعادوا
السبعة
مليارات الأخرى
التي تعيش على
هذا الكوكب
ومن هنا عليهم
أيجاد المخرج
الملائم لكي
يستطيع المسلمون
أن يعيشوا
بسلام في عالم
متنوع
المشارب والمذاهب.
ولكن الفكر
الأخواني
الذي سيطر لفترة
ليست
بالقصيرة على
هذه الجامعة
لا يزال يقاوم،
كما يبدو،
منطق قيادة
الاعتدال
والانفتاح
على عالم
اليوم ولذا
فقد رأينا
نوعا من المواجهة
لعملية عزل
المجرمين
المتسترين
بالدين حتى
الآن.
فهل
سيقدر
المجتمع
المصري، الذي
تخلّص منذ فترة
وجيزة من
سيطرة
الأخوان على
السلطة، أن يدفع
نحو تغيير في
سير الأمور
وحث الأزهر
لاتخاذ موقف
باتجاه عزل من
يشكلون لطخة
عار على وجه
الاسلام ومن
ثم البدء
بتحرير الدين
من هواجس
السلطة؟ أم أن
الفكر المتحجر
سيناور ليمنع
أي مشروع
لتحديث
النظرة الواقعية
للدين
وتخليصه من
رواسب الزمن
الغابر وبعض
قواعد العيش
التي سادت
المجتمعات
القبلية منذ
أكثر من 1500 سنة؟
وهل يمكننا أن
نشبّه ما يحصل
اليوم بحالة
الفوضى
والعنف التي
سادت في
أوروبا عند
نشأة
البروتستانتية
وما تبعها من
الاصلاحات في
الكنيسة
والفكر
الديني ما أدى
إلى مبدأ
القبول
بالآخر؟ أم
أننا لا نزال بعيدين
عن الحلم بهذا
النوع من
التطور ولا بد
للعنف أن يأخذ
مجراه حتى
يتعب
المقاتلون أو
ينتهي جيل
التكفيريين
وأئمتهم بشكل
أو بآخر؟ وعندها
هل سيبقى شيء
من حضارة
الخير والرفاه
التي منّ الله
بها على
الكثير من
بلدان الشرق
الأوسط منذ
فورة النفط؟
*الكاتب
ظابط لبناني
متقاعد وخبير
في شؤون الإرهاب
رابط
المقالة في
جريدة
السياسة
الكويتية