جردة
حساب أُولى
الياس الزغبي
بعد
الهدوء
النسبي
للعاصفة
السياسيّة و"الكيانيّة"
التي سبّبتها
مواقف
البطريرك
الراعي المثيرة،
بات من الممكن
اجراء جردة حساب
أوّليّة،
بعقل أكثر
هدوءا وبرأس
أقلّ حماوة.
يجب
أوّلا رصد مدى
تأثّر الراعي
بارتدادات مواقفه
على أدائه،
والانتباه الى ثلاث
وسائل
استخدمها
للاحتواء
والاستيعاب:
- حاول
امتصاص غلواء
ما قاله في
باريس
وبعلبك، فنأى
بنفسه، في
الجنوب وما
بعده الى
المطار
وأميركا، عن
الحديث
السياسي
المباشر، مع
تسجيله خطأ
تقديريّا في
تلبية دعوات
ورفض أُخرى.
-
سارع
الى
تدبير 3 لقاءات
نوعيّة، في البلمند
ودار الفتوى
واجتماع
المطارنة في بكركي،
بهدف تعويم
مواقفه، فلم
يُوفّق، لأنّ
البيانات
الثلاثة
ذوّبت كثيرا
من حدّة
تصريحاته،
خصوصا بيان
المطارنة،
الذي، وخلافا
لما يظنّه
البعض، لم
يثبّت مقولتي
الراعي لجهتي
النظام
السوري وسلاح
"حزب الله"، بل
تجاهلهما،
واكتفى
بترضية
معنويّة من
خلال الاشادة
بـ"الشجاعة
والحكمة".
والمطّلعون
يعرفون الدور
الحاسم لبعض
الأساقفة في
رفض
المقولتين ومنع
ادراجهما
في البيان،
بصيغة كانت
معدّة سلفا،
أو بأُخرى جرت
محاولة
لتمريرها.
-
كلّف
رسلا في
اتجاهات عدّة
لتبرير
تصريحاته،
ولم ينجحوا في
توضيح
الالتباسات
بحجّة الاجتزاء
واتّهام
المنتقدين
بالسطحيّة
و"القصور" عن
الفهم وحسن
القراءة
والسماع، ولم
يقدّموا شرحا
مقنعا
ومنطقيّا لما
كُلّفوا به،
ولم يعرضوا
نصّا أصليّا
للتصريحات.
وفوق
هذا الفشل،
فشل آخر وقع
فيه من كلّفهم
النطق باسمه اعلاميّا
في وسائل "8
آذار"،
وخصوصا في
تلفزيون "حزب
الله"،
فتخبّط هؤلاء
المساكين في
دفاع عاطفي بعيد
عن الحجّة
والقدرة على الاقناع،
حتّى بلغت بهم
الحماسة حدّ
وصفه بـ"البطريرك
التاريخي"،
منذ الآن!
ولكانوا كرّروا
تلقيبه بـ"امام
البطاركة"
لولا ماء
الوجه!
وفوق
الفشلين،
يأتي ثالث لم
يكن محسوبا. اذ كيف
تقترن حركة
البطريرك
ومواقفه
بالنجاح، طالما
أنّ فريقا اعلاميّا
مكشوفا
بارتباطاته
وتبعيّته
وحقده الموروث،
يُحيط به
ويروّج له، بل
يروّج لمراكز
الارتباط من
خلاله؟ ولم
تُصحّح الخطأ محاولة
لتجميل قبح
الفريق باسم
من هنا أو
هناك.
وفي
الوقت الذي
يسعى الراعي الى حصر
الأضرار،
وربّما اعادة
التوازن الى
موقعه،
يتوغّل
المستثمرون
في تحريك
الماء العكر.
لم يتوان نظام
الأسد عن
تلقّف حركة
البطريرك،
ولو من خلال
وفد سياسي
ديني دون
المستوى، والاشادات
الاعلاميّة
التي لا
تنقطع. ولا
يتوانى "حزب
الله" ولفيفه
"المسيحي" عن
الاستثمار
وغرس الخناجر
والأسافين. لا
أحد ينتظر غير
ذلك، لكنّ بكركي،
وحدها، قادرة
على وضع حدّ
للعبة
التوظيف السافر،
وتلافي
أضراره على
صورتها
ودورها وموقعها.
أمّا
جردة
الحساب
الحقيقيّة،
فيجب أن تركّز
على خطورة التأثير
السلبي لمواقف
الراعي، غير
المحسومة
فعلا حتّى الآن،
على مستويات
ثلاثة، بهدف
التصحيح:
- العلاقة
مع أكثريّة
مسيحيّة
وسنيّة
ودرزيّة في
لبنان، عبّرت
عن موقفها
النقدي
بأسلوب راق،
عبر
سياسيّيها
وكتّابها
ونُخبها، ولم
تسفّ مثما
سفّ آخرون ضدّ
البطريرك
صفير.
- العلاقة
مع أكثريّة
عربيّة، على
الأقلّ من
سوريّا الى
الأزهر الى
الخليج. وهي
أكثريّة تحكم
أو تستعيد
الحكم، ولا
مصلحة
للمسيحيّين
في استعدائها
سلفا، بل
الربط معها
وفق مجرى
التاريخ،
وعبر أمانة
الكنيسة لرسالتها
المقدّسة في
نشر الحريّة
والعدل واغاثة
الملهوفين
والمضطهدين،
وخوض غمار
التجديد
والتغيير نحو
الأفضل. ولا
يجوز لها
التذرّع برفض
العنف
للتعامي عن
مآسي
الأبرياء،
وعن أنّ مصدر
العنف، في
الأساس، هو
السلطة
القامعة وليس
الناس.
- العلاقة
مع الغرب، من
أوروبّا الى
أميركا. هي
علاقة
تاريخيّة
ثابتة، حتّى
في مراحل التخلّي
(قصّة براون
الملتبسة سنة
1976). ولا يحقّ
للمسيحيّين
ضربها، تحت
عنوان تخلّي
الغرب عن
حماية
الأقلّيات، كما
في العراق
مثلا. فهل
انتبهنا الى
أنّ محنة
مسيحيّي
العراق تمّت
وتتمّ تحت حكم
أقليّة كبرى،
وليس حكم
أكثريّة
العرب؟ وهل نَبعد
عن الغرب في
زمن اقتراب
العرب
والمسلمين
منه؟ هذه
تُشبه تماما
نفور بعض
المسيحيّين من
السنّة حين
تبنّى السنّة
اللبنانيّون
قضيّة "لبنان
أوّلا"،
ودخلوا معهم
في شراكة حقيقيّة
لاستعادة
السيادة
والاستقلال
ورفع الوصاية!
انّها
مفارقة غريبة
تستوجب
العلاج، كي لا
يقع آخرون في
الخطأ
الجسيم، أي
تجربة النفور
من الغرب، كما
نفروا من
الاعتدال
السنّي. هؤلاء
هم، في
الواقع،
أعداء
المسيحيّة
والمسيحيّين،
بل أعداء
لبنان، بل مُسَحاء
دجّالون.
ليس
صعبا اجراء
مسح حسابي
أوّلي للربح
(هل هناك ربح؟)
والخسارة
(المحقّقة
فعلا) لدى
المسيحيّين،
بعد شهر من خضّتهم
الكبرى. هذا
واجبهم
جميعا، وعلى
رأسهم بكركي.
لعلّ
رحلة أميركا،
على
ارتجاجاتها
والتباساتها،
تُنعش الصفاء
السياسي
والروحي،
وتستلهم ارادة
الجاليات
المسيحيّة في
دنيا
الانتشار،
حيث الصدق
أكثر، وتلوّث
البصيرة أقلّ.
الاحد 2
تشرين الأول 2011