باني
وحدة الشهداء
بقلم:
الياس الزغبي
14 شباط ليس يوما
جامدا في المكان
والزمان. لم يعد
ذكرى وافدة من
الماضي، تتضاءل
وتتوارى في الحنين
سنة بعد سنة، واحتشادا
بعد احتشاد. رفيق
الحريري لم يستشهد،
فقط، على جادة
البحر في بيروت،
في يوم وساعة ودقيقة
مجمّدة في الاجندا
المرقّمة للدم
اللبناني. هو سقط
ايضا في الأشرفية،
وفي النبطية وبعقلين
وجونيه، وفي
كل لبنان.
قبله سقط
كمال جنبلاط
وبشير الجميل وحسن
خالد ورينه معوض
وداني شمعون، وآخرون
كثيرون.
بعده سقط
14 رمزا استقلاليا
وعشرات المواطنين
الاستقلاليين.
سقطوا في أكثر
من مكان في لبنان،
تعاقبوا على ريّ
ثراه بدمائهم.
لم يسقطوا
عن مدينة أو حي
أو طائفة أو حزب
أو عشيرة. سقطوا
على أرض واحدة،
بقرار واحد، لقضية
واحدة.
لو فهمنا منذ
ثلاثة عقود حقيقة
شهادة من استشهد،
لكنّا حقنّا دما
غزيرا.
لو أدركنا
وحدة دمائهم واستدركنا
شرذمتها،
لاختصرنا المعاناة
المديدة، وقرّبنا
مسافة الاستقلال.
توهّمنا
أن سقوط شهيد من
طائفة هو اضافة
الى عمر طائفة
أخرى.
استرسلنا
في مديح "شهدائنا"
وذم "قتلاهم". هكذا
صنّفنا الضحايا
أمام الموت.
وكان القاتل
يضحك، في سرّه،
ويحرّضنا على الايغال في
الشماتة.
هلّلنا
كثيرا لمصائب الآخر،
وحسبنا أنها فوائد
لنا.
حملنا عدّادا ورحنا
نحصي عدد "قتلاهم"
في حادثة أو كارثة،
نتحرّى عن أسمائهم
كي نكتشف مذهبهم
وانتماءهم، فنفرح
أو نحزن، ونعيد
العد، ونستطلع
اللوائح.
استهان
القاتل بنا طويلا،
طويلا. ولغ
في نزيفنا، وفي
الجرح استراح.
وضع "القتلى" و "الشهداء" في
حساب واحد.
وجاء 14 شباط:
خربط حساباتهم،
ألغى المسافة بين
"قتيل" و "شهيد"،
ومزج دماء السابقين
واللاحقين، فكانت
وحدة دمائهم أساسا
متينا ل "ثورة الأرز".
هذا هو
المعنى العميق
لاستشهاد رفيق
الحريري. فلا يسألنّ
سائل، بعد اليوم،
عن سر هذه الشهادة،
وعن سر "14 اذار".
انه سر توحيد
الشهداء.
لا يستطيع أحد،
بعد اليوم، الفصل
بين دم ودم، ولا
يستطيع أهل شهيد
أن يسحبوه من سجل
الشرف، أو شطب
اسمه من لائحة
الكرامة.
من ينسحب
لن تلحق به
دماء شهدائه، هي
انصهرت في وحدة
الشهادة الأبدية،
باتت ملك لبنان،
أمانة في عنق الأحياء
الامناء.
حسب رفيق
الحريري، في خماسيته،
أنه باني وحدة
دماء شهداء لبنان.
13 شباط/2010