انتصارات على ورق

بقلم/الياس الزغبي

 

لم يكن في حسبان أهل الانقلاب في لبنان كلّ هذه الصعوبات والمتغيّرات التي يواجهونها اليوم.

 

رسموا خطّتهم على الورق، وبدأوا ينفّذونها بثقة وسهولة: ضغطوا على الحلقة الهزيلة في الحكومة لاسترداد الوزير الوديعة، أسقطوها بالثلث المعطّل، عرضوا العضلات السوداء في بيروت وعاليه، أحرقوا مرشّحهم الأوّل لاغراء ثان يأتي لهم بثلاثة أصوات، بعدما ألحقوا بركبهم سبعة على رؤوس الرماح، وثامنا على الوعد بالتوزير وضمان المنافع. 

 

سهولة التكليف أوهمتهم بسلاسة التأليف، متسلّحين بفائض القوّة وبالنصر "الالهي" الجديد، وبأنّهم أردوا خصومهم بالضربة القاضية.

 

للوهلة الأولى، حاولوا الظهور بمظهر المنتصر المتواضع الذي "يعفو عند المقدرة"، فبادروا الى عرض الثلث المعطّل على المعارضة الجديدة، ثمّ سارعوا الى سحب العرض بسبب تغلّب طبع الغلبة على تطبّع الشراكة، واُصيبوا بشهوة السلطة المطلقة، وأفقدهم الاستيزار وقنص الغنائم والأسلاب حدود المنطق وأُصول التشكيل، وحقيقة الأحجام والأوزان.

 

أوّلهم ذهب في طموحه الى تأليف "حكومة تحرير الجليل"، واغتيال العدالة وتغيير الشرق الأوسط.

 

ثانيهم بحث عن موقع متهالك، فلوّح بالانتقام لثلاثين عاما، كان هو أبرز صنّاعها.

 

ثالثهم توهّم أنّه أدرك اللحظة "التاريخيّة" المناسبة لتحقيق الحلم المفقود، فخرج بسيوف سواه يخبط عشوائيّا لمنازلة كلّ الناس في بيئته، من رئيس الجمهوريّة، الى الكنيسة، الى الأحزاب، الى آخر قلم يكتب وصوت يقول لا للهوس المزمن القاتل. فتح نهم شهيّته على مداه، وأعماه الجوع العتيق عن وجود أحد سواه الى مائدة الحكومة. ولم ينتبه الى أنّ حجمه لم يزد بوصه واحدة.

ومع انقشاع غبار الانقلاب، بدا هؤلاء مصابين بالذهول لتهافت أوهامهم أمام:

 

-  رئيس جمهوريّة عميق الادراك لموقعه وصلاحيّاته، ليس يابسا ليُكسر ولا ليّنا ليُعصر.

 

-  رئيس مكلّف متمسّك بالوجه الوسطي الذي اختاره لنفسه، ومقيّد بثوابت وثيقة دار الفتوى التي انتسب اليها مختارا.

 

-  14 آذار متماسكة متجدّدة، واعية، ثابتة، مواجهة، تُعيد ربط ما انقطع، وتؤسّس ولادتها الجديدة في القول والفعل، على ثوابتها الثلاث: نعمان قويّتان للمحكمة والدستور، ولا حاسمة لوظيفة السلاح غير الشرعي.

 

- حسابات سوريّة جديدة نتيجة الحيويّة العربيّة المتصاعدة، والتي لا تتوقّف عند حدود دول وأنظمة بل تتمدّد في كلّ اتجاه. مع اشارة بسيطة الى اقدام النظام السوري على توزيع هبات ماليّة على آلاف العائلات في الأيّام الأخيرة، وطوابير الساعين الى المنحة لا تنقطع، الى اغراءات أُخرى ووعود بالاصلاح. فهل يُصلح عطّار المال ما أفسده دهر السياسة؟

 

- انكفاء التهليل لـ"شرق اسلامي ايراني"، مقابل توجّه سفن الانتفاضات العربيّة نحو ما لا تشتهي رياح الممانعين، وبدء اندلاع العاصفة في مخادعهم، على قاعدة ارتداد النيران على مضرمها، أو القاعدة الذهبيّة لالتهام الثورة أبناءها.

 

-  بدء "حزب الله" حسابا جديدا لميزان المواجهة مع المحكمة الدوليّة، وهل هي أفضل بحكومة ليست كما يشتهي، أو بدون حكومة فلا يتحمّل وزر ما تقوم به، ويبقى في خط الدفاع الخلفي. 

 

أمّا الكلام عن السيطرة على الجليل ومطاردة قادة اسرائيل في العالم، فلا يوازيه الاّ الكلام عن اجتياح لبنان وابقاء نصرالله في المخبأ، فالاثنان من طينة واحدة على قاعدة تعجيز الأهداف وتبادل خدمات التطرّف، ولا تغيب الحقيقة عن بال أيّ حصيف!

 

غايات عليا لا يريد أحد بلوغها، بل توظيفها في بلوغ مصالح دُنيا. هذا ما يحصل في لبنان منذ حرب تمّوز 2006: التهويل بالسلاح للخارج والتفعيل للداخل!

هذه هي دائما حال من يلتهم وجبة ثقيلة: يُصاب، على الاقلّ، بعسر الهضم، ولا تُشفيه عقاقير التشكيلات المصطنعة.

 

ويبقى أنّ الجرعة الزائدة التي تناولها الانقلابيوّن في لبنان، تهدّد "الانتصار" الذي توهّموه.

 

السبت 19 شباط 2011