الاتّصال
الأخير
الياس الزغبي
السبت 22
تشرين الأول 2011
اذا كان
صحيحا، أو لا،
ما تناقلته
الأنباء عن
أنّ الاتّصال
الأخير الذي
تلقّاه القذّافي
قبل القبض
عليه كان من
دمشق، فانّ
للأمر معناه
العميق
والبليغ،
ودلالاته
المعبّرة.
من
الطبيعي أن
تكون
اتّصالات القذّافي
الأخيرة مع
حلفائه
الملهوفين
عليه، من كوريا
الشماليّة الى
فنزويلاّ وايران،
الى دمشق
التي لم تستطع
اخفاء
تعاطفها مع
حليفها
"التاريخي"،
على مدى 8 أشهر
من محنته.
وبينهما من
أسرار لبنان
وفلسطين والامام
الصدر وتمويل
العمليّات
"النوعيّة"
للنظام
السوري، ما
تضيق به
الكتب
الخضراء
والحمراء
المضرّجة
بدماء ضحاياهما
طوال أربعة
عقود ونيّف.
وليس
تفصيلا أن
يكون عمرهما
هو نفسه، فوق
الأربعين،
وأن يكون
قدرهما
معقودا
عليهما معا.
وقد سبق
الليبي مثيله
السوري ببضعة
أشهر في
الاستيلاء
على السلطة،
هي ذاتها التي
ستفصل بين موعد
نهايتهما. القذّافي
أقفل حسابه،
فكم شهر يبقى
في حساب
الأسد؟
وحين
يتلقّى القذّافي
اتصالا من
سوريّا على
هاتفه الخاص،
فمن البديهي
ألاّ يكون من
مواطن سوري
عادي، بل من
أعلى مرجع
فيها يليق
بالمقام،
فماذا
تُراهما قالا
وتشاكيا،
وبماذا تهاجسا؟
اذا
استطعنا
الدخول الى
ذهنيّة أيّ
دكتاتور وحميميّته،
نعرف أنّه
ممتلئ بذاته،
غارق في "ميغالومانياه"،
وواثق أنّه
باق باق،
والآخرون الى
رحيل! هو
الثابت وهم
المتحرّكون.
لا
شكّ أنّ القذّافي
طمأن الأسد الى وضعه
وقوّته، فيما
خناق الحصار
يشتدّ عليه، وأيدي
الثوّار تكاد
تُطبق على
عنقه.
أمّا
الأسد فدعاه الى
المزيد من
الصمود
والصبر، كي
يأتي الى
نجدته قريبا،
بعدما سحق
"الجراثيم"
المعارضة في
مدن سوريّا
وريفها، على
غرار سحق
"الجرذان" في
"الجماهيريّة
العظمى".
مشكلة
أيّ حاكم مطلق
أو أيّ طاغية
أنّه لا يصدّق
احتمال
تخلّيه عن
السلطة، حتّى
حين يصبح ساقطا
بين أيدي
أعدائه.
أظنّ
أنّ القذّافي
كان يأمل، في
لحظاته
الأخيرة،
أنّه لا بدّ
سيخرج من مجروره
شاهرا سيفه
ليقطع أعناق
مطارديه.
وأغلب
الظنّ أنّ
الأسد يعتقد
الأمر نفسه،
وهو اليوم في
حالة بين
حالتين: نشوة
بالدعم الروسي
الصيني الايراني
وتحريك آلاف
المتظاهرين تأييدا
له وتوهّمه
أنّه قضى أو
كاد على
الثورة،
وحالة انقباض
من مصير زميله
الليبي،
ورمزيّته
المقلقة.
لنتخيّل
بشّار الأسد
مسمّرا أمام
الفضائيّات، مصعوقا
بنهاية حليفه.
فهل يسحب
المشهد
الختامي على
نفسه،
ويتحسّس رأسه
على كتفيه،
ويتأكّد من
كرسيّه، أم
يكتفي بلوم زميله
على أخطاء
ارتكبها؟
الأرجح
أنّه لا يرى
أيّ تشابه
بينه وبين القذّافي.
فهو ليس
ديكتاتورا
دمويا، بل رجل
اصلاحات.
لا يقمع شعبه
بل يقوده الى
الخير، وما
الضحايا
الذين يسقطون
سوى عقاب بسيط
لفلول "الارهابيّين"
المعروفين
باسم
"الفئران" في
قاموس "ملك الملوك".
فأين بطش
الأوّل من
رقّة الثاني؟
المشكلة
أنّ الطاغية
لا يرى نفسه
طاغية. يأخذ على سواه
سوء التصرّف
مثلا، ولا يرى
في نفسه اعوجاجا.
هو الأكمل
والأعرف
والأطهر، بل
"أشرف الناس".
وهنا جوهر
الأزمة.
الأسد
ومن حوله، ومن
معه في لبنان،
لا يرون فيه
عيبا، فلا
حاجة لتقويمه بحدّ
السيف. بل
الحاجة
لتقويم
الآخرين فقط،
وبالسيف طبعا!
حين
يتناهى الى
أسماعهم
السؤال: من
التالي؟ لا
يرفّ لهم جفن. لا
يعنيهم
السؤال. هم
معصومون لا
يمسّهم سوء، وزعيمهم
فوق الشبهة وفوق
الخطر. ألم
نسمع مرارا
كلاما عالي
النبرة في لبنان
عن بقاء الأسد
ونظامه مهما
حصل، وكأنّه
من طينة غير
قابلة للتلف،
فقد حنّطوه في
أذهانهم
وقلوبهم،
مرجعا الى
الأبد، واذا
جاز الأخذ
بالشعار من
حافظ الى
بشّار: الى
ما بعد بعد
الأبد! أي
أبعد من الله!
مثيرة
للحزن والسخط
معا حالة
هؤلاء: الزعيم
خالد،
البطانة
مستفيدة،
الرعيّة
متعبّدة .... بينما
الثائرون
يدفعون ضريبة
أحلامهم
وحقوقهم،
ولكنّهم حكما
"غالبون".
"من
التالي"؟ ليت طرشان
النظام
يسمعون
السؤال، قبل
أن يسبقهم
الجواب.
لحظتئذ،
لا مجيب. ولا اتّصال
أخير.
سيادة "8
آذار"
الياس الزغبي
الاحد 9
تشرين الأول 2011
أربعة
أشهر كافية كي
يتأكّد
اللبنانيّون
والعرب
والعالم من
خطورة حكومة "8
آذار" وحقيقة
أدائها
وأهدافها.
هذه
الخطورة تبلغ
أقصاها الآن،
بتخلّي أفرقاء
"8 آذار" عن
السيادة
الوطنيّة، بل
بتواطؤ حكومتهم،
بوزاراتها
المعنيّة
خصوصا الدفاع
والخارجيّة،
مع خرق جيش
النظام
السوري،
مرارا وتكرارا،
للأرض اللبنانيّة
في الشرق
والشمال،
وارتكابه
جرائم اغتيال
وتخريب وخطف
واستباحة قرى
وممتلكات.
قرأنا
كتاب حكومة
ميقاتي من
عنوانه، منذ
تشكيلها
بعمليّة
انقلابيّة
موصوفة،
فاكتسبت بجدارة
لقب حكومة
"حزب الله" –
البعث، ولم
ننخدع يوما
بغاياتها: ضرب
المحكمة
الدوليّة،
تغليب الدويلة
على الدولة،
توليد
تبريرات اضافيّة
ووظائف جديدة
للسلاح غير
الشرعي، دعم
نظام الأسد
مهما أوغل في
القتل
والتنكيل،
تجويف المؤسّسات
وتحويلها الى
محميّات
مذهبيّة،
وتجريد لبنان
من أيّ شرعيّة
دوليّة وحبسه
في سجن
"الممانعة
والمقاومة".
وكنّا
ننتظر
تغطيتها كلّ الخروق
الداخليّة،
من الاستيلاء
على الأملاك
العامّة، الى
فجور لاسا
والاقتحام
المسلّح للادارات
و"التشبيح"
على أموال
الكهرباء والميكانيك،
وتسيير
دوريّات
الترصّد
والعسس
الليلي في عمق
الأحياء
السكنيّة،
والاستئثار
المذهبي
بمواقع
أمنيّة
حسّاسة، وفرض
العاجزين ثقافيا
في أعلى مراتب
مناهل العلم
والثقافة،
فقط لمكافأة
غدر سياسي حصل
ذات صباح
أسود...
كلّ
ذلك، اضافة
الى
النأي عن حقوق
العرب
ومعاناة
الشعب
السوري، كان
في حساب
اللبنانيّين.
استشرفوه من
تركيبة
الحكومة
وبيانها
وتوزيع
حقائبها
ونيّات عرّابيها
وراسمي
وظيفتها.
لكنّ
سكوتها
المخجل عن الاجتياحات
السوريّة،
يشكّل صدمة
غير محسوبة،
طالما أنّ
قائدها
الفعلي، "حزب
الله"، يشهر
سلاحه كمدافع
عن السيادة
والأرض
والعرض،
ويتباهى بدور
هذا السلاح في
حماية الحقوق
الوطنيّة، برّا
وبحرا، بما
فوق الأرض
والماء
وتحتهما، وما
بعد بعد
حدودهما، ويبحث
باستمرار عن
ذريعة
لبقائه، فما
باله لم يقتنص
الفرصة
ويُعلن، على
الأقلّ، أنّه
سيحمي حدود
بعلبك والهرمل!
وبما
أنّ الحقوق
والسيادة لا
تتجزّأ، فانّ
انتهاكها على
يد عدو أو
صديق يؤدّي الى
النتائج
والمفاعيل
نفسها.
قد
يكون في
حسابات "حزب
الله"
وحكومته أنّ
صديقا قاتلا
أفضل من عدو
قاتل، وأنّ
الموت على يد
حليف ليس
موتا، وأنّ
خرقا
"أخويّا" ليس
خرقا، وأنّ
السيادة تبقى
عذراء بلا دنس
اذا
مسّها شقيق!
الأكيد
أنّ هذه
الحسابات
خاطئة،
فالموت موت والخرق
خرق والتدنيس
تدنيس،
وكلّها
اعتداءات،
ولا يجوز
تصنيفها
والتفضيل
بينها. و"ظلم
ذوي القربى
أشدُّ مضاضة"،
عند العرب.
العداء
لا يُقاس
بمصدره، بل
بآثاره
ومقدار الأذى
الذي يُلحقه.
فكيف يكون
صديقا أو شقيقا
من ينتهك
ويطارد ويقتل
ويخطف ويهدّد
ويقمع.
وهل
نطلب من
اللبنانيّين
الذين خضعوا
للموت والقهر
والتهجير
والتنكيل 30
عاما تحت نير
النظام
السوري، أن
يصنّفوه
شقيقا؟!
وهل
هو شقيق من
يستبيح اليوم
خراج عرسال
وحدود عكّار،
ومن يطلب من
أطراف في
الأجهزة
اللبنانيّة مطاردة
الهاربين من
قمعه
واعتقالهم
وتسليمهم اليه،
كما فعلت
سابقا مع
الأشقّاء
الأربعة وشبل العيسمي
وسواهم، وكما
تفعل اليوم في
عكّار
والبقاع
الشمالي؟
تماما
كما يُطلب من
العرب تصنيف ايران
صديقة، وهي
حاربت أهمّ
دولة مركزيّة
عربيّة 8
أعوام،
وتحتلّ أرضا
عربيّة (الجزر
الثلاث)، وتُثير
الصراعات
المذهبيّة في
البحرين والسعوديّة
واليمن
ولبنان،
وتشطر فلسطين الى
نصفين،
وتستتبع
العراق
وتتورّط في
سوريّا، وتزعزع
أمن مصر
والمغرب....
ولا
يجد
اللبنانيّون
أيّ تبرير
لصمت وزارتي
الدفاع
والخارجيّة
عن انتهاكات
جيش النظام
السوري
ومخابراته.
ويصدمه كثيرا
بيان رسمي عن
مديريّة
التوجيه
يتحدّث عن اشكال
عائلي في تعنايل
ويجهّل حقيقة
أزمة الميكانيك،
ويتجاهل
الخروق
السوريّة،
وكأنّ ما جرى
ويجري هو في
مجاهل
الأمازون.
لقد
توّجت حكومة "8
آذار" مآثرها
المتعاظمة من
شهر الى
شهر، بنموذج
سيادي يصلح
للتدريس في
جامعات الحقوق
والعلوم
السياسيّة.
مفهومان
متناقضان
للسيادة تحت
سقف واحد.
سيادتان
في دولة
واحدة.
لبنانان لا
لبنان واحد.
رحم
الله صاحب
شعار: "لبنان
واحد لا
لبنانان".
وماذا
سيبقى من ماء
وجه هذه
"الدولة الفاشلة"
الهائمة على
قارعة الأمم!
شتاء
ايراني
الياس الزغبي
الاحد 16
تشرين الأول 2011
كأنّ
ايران
بلغت ذروة
عصرها الامبراطوري
الجديد، وبدأت
شمسُها
بالانحسار عن
قوسها
المعقود من
آسيا الوسطى
وأفغانستان، الى
سوريّا
ولبنان.
كلّ
ما يظهر على
سطح
التطوّرات
يكشف المشروع الايراني
التوسّعي
بخططه
السريّة
وأساليبه المخابراتيّة
وأمواله
"الطاهرة"،
بما يؤكّد أنّ
انكشافه هو
الخطوة
الأساسيّة في
انهياره.
وليس
تفصيلا كشف
واشنطن عن
المخطّط الايراني
لاغتيال
السفير
السعودي
لديها، وما
تردّد عن
تسميم السفير
السعودي في
القاهرة، وقد
يكون ما
ستكشفه
الأسابيع
المقبلة أشدّ
خطرا واثارة،
بعد فترة
طويلة من
الشكوك
والشبهات حول
ضلوع ايران
في أكثر من
عمليّة
اغتيال.
انّ عقل
حكم الملالي
والآيات نجح
في ابتكار
وسائل تنفيذ المشروع،
تحت غطاء
الهاء العالم
بالملفّ النووي.
فليس سعي
طهران الى
القنبلة
النوويّة
أشدّ أذى من
سعيها الى
زرع حروب
الفتنة في دول
العالم
العربي، وتشكيل
فرق موت
للتفجير
والاغتيالات،
وتخصيص موازنة
مهمّة
للعمليّات
الخارجيّة.
ما
أنفقته
وتُنفقه ايران
في لبنان
وسوريّا
والعراق
والكويت
والبحرين
ومصر وغزّة،
وحتّى في
اليمن وشرق
السعوديّة،
يفوق بكثير انفاقها
على الداخل الايراني.
فشعارها منذ
عقدين:
التوسّع
أوّلا، وليس ايران
أوّلا، خلافا
لحركة الربيع
العربي
القائم على
الأولويّة الوطنيّة
لكلّ دولة.
وقد أدّى ذلك الى حالة
اقتصاديّة
اجتماعيّة
لا بدّ أن تُعيد
احياء
الربيع الايراني
المقموع،
بعد أن يغسل
الشتاء الآتي
بقايا
المشروع المترنّح.
كان
ينقص العرب
والغرب بعض
الشجاعة وبعض
التخلّي عن
مصلحة هنا أو
هناك، كي
يُقدموا على
البدء بكشف
المخطّط الايراني،
وخير أن
يفعلوا
متأخّرين من
ألاّ يفعلوا
أبدا.
فواشنطن
حسمت أمرها
وأسّست لاجراء
رادع في مجلس
الأمن.
والسعوديّة
خرجت عن
تحفّظها وطول
أناتها، بعدما
دخل المشروع الايراني
أخطر مراحله،
أي تصفية
شخصيّات
وتمويل فتن.
والدول
العربيّة
المنتفضة
تبتعد أكثر
فأكثر عن وهم
الدعم الايراني
لقضيّة
فلسطين وحقوق
العرب.
وأوروبا
تدرك خطر التعملق
العسكري الايراني.
أمّا
روسيّا
والصين
فتقايضان
مصلحة أصغر باُخرى
أكبر، مع
الغرب.
وتتحيّن
تركيّا
حصّتها من
الوراثة
السياسيّة
والاقتصاديّة،
على أشلاء
المشروع الايراني.
ويبقى
النظام
السوري المستقوي
بايران. وايران
المتمسّكة به كآخر
نظام عربي
تتّكئ عليه.
وهو يستخدم
آخر أوراقه
الخريفيّة في
لبنان، ومنها
تكليف سفارته
في الحمرا
مهمّة مكتبي البوريفاج
وعنجر.
نظامان
يتقاويان
في مرحلة
الانحدار:
واحد دخل
خريفه
الأصفر، وثان
ينتظر شتاءه
العاصف. فمن
يسند من، ومن
هو عصا من، في
زمن
الشيخوخة؟
أمّا
فريق
المراهنين
عليهما فلم
يعُد له صوت أو
صخب الاّ
في بيروت،
بعدما أعاد
الكثير من عرب
ايران
حساباتهم،
ومنهم "حماس"
وبعض العراق
ومصر والخليج،
بمن فيه من حوثيّين
وشيعة في
البحرين
والكويت
والشرق
السعودي، أو التفكير
في اعادة
الحساب، على
الأقلّ.
والمضحك
المبكي في
لبنان، أنّ
"حزب الله" قد لا
يُلام على
رهانه،
فوظيفته
محدّدة منذ
نشأته، ولا
يُنكر أنّه
ملحق بالقرار الايراني
بفعل التزامه
مشروع الحرس
الثوري
ومرجعيّة الفقيه.
ولكنّ
ملحقات
الملحق تُثير
الشفقة في
تصدّرها معركة
الدفاع عن
النظامين
ووليدهما.
حتّى أنّها لم
تنظر بارتياح الى ما
بدا، لوهلة،
أنّه موقف بكركي
في الاتجاه
نفسه. فهي
تتمسّك بقصب
السبق، ولا
تقبل أن
يجاريها أو
ينافسها أحد
في الالتحاق والهرولة،
أو يعكّر
عليها
زعامتها، وفرادتها
"التاريخيّة"!
وقد
انطبق على ملحق
الملحق قولُ
الشاعر الجواهري
في قصيدة رثاء
عبد الحميد
كرامي:
"فعلامَ
يوغلُ في
الصبابة
راقصٌ
بأشدَّ ممّا
ينفخُ الزمّارُ!".
الأصل
والفرع،
الملحق
والملحق به...
جميعهم دخلوا
خريفهم، فشتاءهم.
وهناك
الصقيع وصرير
الأسنان.