عناق الغريقَيْن

بقلم/الياس الزغبي

 

في منطق الحياة، أنّ المهدًّد بالخطر يطلب المساعدة من القادر عليها، وممّن هم خارج دائرة الخطر.

 

وفي منطق السياسة، أنّ المأزوم يلجأ الى من يخفّف أزمته، والمعزول الى من يفكّ عزلته، والضعيف الى قوي، والمكتوف الى طليق.

 

أمّا أن يستقوي الضعفاء بضعفهم، ويتمسّك الغرقى ببعضهم، فمن البدائع والطرائف اللبنانيّة التي تُسقط منطقًي الحياة والسياسة كي تُعلي لامنطق الانقباض والانغلاق، الى حدّ الانتحار.

 

ضعفان لا يصنعان قوّة، وغريق لا يُنقذ غريقا، بل ينزلقان معا الى الأعمق.

 

هذا هو المشهد الذي قدّمه "حزب الله" والعماد ميشال عون في الرابيه: وفد رفيع من الحزب منح دعمه المطلق الى "أهمّ حليف أساسي في لبنان"، ولم يقل لنا ضدّ مَنْ هذا الدعم (في وجه "المجموعات المسلّحة" في المناطق المسيحيّة؟)، وبأيّ وسائل، وما اذا كان الدعم العاجل والاستثنائي جاء في اطار "تغيير قواعد اللعبة" نزولا عند "النصيحة" الذهبيّة التاريخيّة الشهيرة، أو فقط لرفع معنويّات الحليف في ورطة العمالة، والتفريج عن كربته، ومحاولة حصر النار المندلعة في هشيمهما المشترك.

 

انّه حلف المأزومَيْن، يقفان اليوم مذهولَيْن أمام تهافت خطّتهما الانقلابيّة في مراحلها المتعاقبة، منذ عثرتها الأولى في كانون الثاني 2007، مرورا بخيبة اعتصامهما الدهري وعدم اكتمال انقلاب 7 أيّار، وصولا الى فشل انقلاب الجنوب ضدّ "اليونيفل"، ثمّ التخبّط في محاولتهما كسر المحكمة الدوليّة.

 

في مشروعهما، منذ 5 سنوات، مناطحة السقوف الصلبة لاختراقها، واقامة جمهوريّتهما الخاصّة (الالهيّة)، تحت ثلاثيّة الرئيس والمقاومة والشعب، وليس المثلّث النظري "الجيش والشعب والمقاومة". ففي المشروع حصّة موعودة (وموهومة) للوعد الرئاسي الحارق وشبق السلطة.

 

كلّ السقوف أطبقت عليهما وجوّفت المشروع. ولم يبقَ الاّ السقف الأخير، سقف المحكمة، وهو الأصلب. وها هما في طريقهما الى الانكفاء الجديد:

 

بعد الحملة الشعواء على "المحكمة الاسرائيلية"، والوعيد بـ 70 "7 أيّار"، وحرب الفتنة، بدأ الحليفان بتنفيذ الانسحاب التكتيكي من المواجهة الخاسرة: نقدّم "القرائن والمعطيات" الى الدولة اللبنانيّة، و"لتصطفل" بما تفعل، ولترفعها اذا شاءت الى بلمار والمحكمة.

 

معادلة مضحكة: نعترف بالمحكمة بدون أن نعترف!

 

 

جميل هذا اللطو اللطيف وراء الدولة. لم تكن هذه "الدولة" قبلا، وفي أيّ لحظة، في حسبان الثنائي الانقلابي، ولم يُقيما وزنا للمجتمع الدولي والشرعيّة الدوليّة والامم المتّحدة "الأميركيّة" والنظام العربي.

 

ولكنّهما، في غمرة الحشرة، يحاولان تجريب لعبتهما الأخيرة: نلتفّ على المحكمة من بابها الخلفي، مسألة شهود الزور، ونُغرقها بلجان لبنانيّة تُربكها، فتقع الواقعة بين لبنان وبينها، وتضيع الحقيقة والعدالة بين الحابل والنابل.

 

ومن قال لهما انّ التحقيق والمحكمة يبنيان قراراتهما على افادات شهود زور، ومن يؤكّد، الى الآن، أنّهم كذلك، ومن يعرف مضمون شهادات مئات الشهود الآخرين، وهل التزوير يشمل المئات هؤلاء وعشرات آلاف الصفحات، وأطنان التحقيقات والوثائق والتسجيلات؟

 

واذا كانت اسرائيل وراء الجريمة، فمن سيتّهمها ويدينها غير المحكمة، فهل يريدون حماية اسرائيل؟

 

انّها لعبة أخيرة محكومة بالفشل مثل سابقاتها.

 

وحين يصبح الهرب الى الأمام سياسة في ذاته، تكون النتيجة معروفة مسبقا. لم يهرب أحد الى الأمام الاّ وأصبح في الوراء.

 

بعد "تفاهمهما" الخجول في بدايته، والمتحوّل بسرعة الى حلف "مقدّس" قاتل، عانق "حزب الله" حليفه حتّى كاد يخنقه. وميادين الحبّ الخانق كانت كثيرة، من الانتخابات النيابيّة والمحليّة الى المشروع الاقليمي، ومن كنيسة أفقا الى الصناعة الايرانيّة التلفزيونيّة في تشويه المسيحيّة. ووقف عرضها يعالج النتيجة، ولا يبدّل في الأساس.

واليوم، من هو الحليف الذي يستطيع تعويم الآخر؟ وهما معا يترنّحان فوق لجّتًيْ العدالة والعمالة.

 

مثير مسار هذين الحليفين: من عناق الاختناق الى عناق الغريقَيْن.

 

أين وسائط النجدة؟

 

الاحد 15 آب 2010