قصر المختارة اعداد أمير جديد

عن مجلة الشراع

عدد يوم الجمعة 9 تشرين الأول/09

أقصر الطرق لفهم خلفيات قرار وليد جنبلاط توريث ابنه تيمور زعامة الدروز على نحو مبكر، هو اخضاع هذا القرار لبعده النفسي، والرواية الشائعة التي حفظها الاحفاد عن الاجداد في منطقة الشوف، والتي اخبرتها العجائز للأولاد الدروز، تفيد بأن زعماء آل جنبلاط يقضون نحبهم غيلة قبل ان يتم احدهم عمر الستين عاماً.

جد وليد جنبلاط لجهة الأب، وهو فؤاد جنبلاط قضى نحبه قتلاً وهو على مشارف العقد السادس من عمره، قتله شكيب وهاب على اثر خلاف حول كيفية مواجهة قرار من القنصل الفرنسي آنذاك باعتقال كل عائلات الثوار الدروز في جبل لبنان للضغط على الاخيرين لينفكوا عن تأييد الثورة العربية الكبرى، فؤاد جنبلاط حاول آنذاك احتواء الضربة الفرنسية لبني جلده، فعمد الى لقاء القنصل الفرنسي، واقناعه بأن يقوم هو نفسه بمهمة اعتقال هذه العائلات، بدل ان يدخل العساكر الفرنسيون الى مخادع النساء الدرزيات، ويروعون اطفالهم، اما شكيب وهاب، فكان يرى ان الاسلوب الامثل لمواجهة هذه الأزمة مع الفرنسيين، هو المزيد من التصدي لهم ومقاتلتهم. وافضى هذا الاختلاف في الرأي، الى قيام وهاب بملاقاة فؤاد جنبلاط في طريق عودته من لقائه بالقنصل الفرنسي وقتله. علماً ان معلومات اخرى تقول ان قتل فؤاد جنبلاط تم خطأ ولم يكن مقصوداً بعد ان بدل حصانه للتمويه فوقع ربما ضحية ذلك.

ولم يبق من تراجيع هذه الحادثة، الآن داخل قصر المختارة، سوى عبرة ((لعنة)) الاغتيال التي تصيب زعمائه مع بلوغهم سن الستين، ففي عام 1977 كان جسد كمال جنبلاط ابن الستين عاماً نجل فؤاد جنبلاط والزعيم الجنبلاطي الاشهر في سلالة هذه العائلة، مسجى في دارة المختارة، وقد اخترقت جبهته عدة رصاصات ببلسم ابيض واسدلت يداه على جانبيه، فيما المواطنون الدروز يمرون من امامه، هلعين، وقد ايقنوا ان ((لعنة)) القتل التي تحيق بزعماء المختارة في سن الستين، اصبحت قدراً لا مرد له.

بلغ وليد جنبلاط سن الستين يوم 9/8/2009 وبمقاييس اعتى الاعتقادات غيبية في مجتمع ريفي، وداخل اروقة قصر المختارة، المحافظ على تقاليد توريث الزعامة، فان وصول الزعيم الجنبلاطي الى عقده السادس من العمر، يعني ان ساعة الخطر على حياته قد دنت او اصبحت محتملة.

ويمكن التكهن بكثير من الثقة، ان وليد جنبلاط المثقف والاشتراكي العلماني والمتنور فكرياً، رغم لقب البك اللصيق بموقعه وبممارسته للزعامة، لا يمكنه ان يستقبل عامه الستين من دون وجل، ومن دون ان تتحرك بأعماقه هواجس ان تصيبه ((لعنة الاغتيال)). فداخل القصور المحكومة بتقاليد التوارث العائلي للزعامة، تنتقل الهواجس من الزعيم الجد الى آخر حفيد في الزعامة، عبر جينات غير مكتشفة طبياً، وبواسطة النظرات الصامتة التي يتبادلها المخضرمون من موظفي القصر العريق.

واذا كان وليد جنبلاط هو الآمر الناهي في قصر المختارة، الا انه في نهاية الامر احد سكانه وهو سواسية مع الآخرين فيه، لجهة وقوعه تحت تأثير الايحاءات التاريخية التي تصدر من غرفه الخازنة لذكرياته وأكثرها مثولاً ((لعنة الاغتيال)) التي تضع لزعمائه حداً لحياتهم عند عمر الستين.

وانسياقاً مع اشاعة ((لعنة الاغتيال)) السائدة في مجتمع الدروز الموحدين اللبنانيين، والماثلة في قصر المختارة، يتهامس محيطون بوليد جنبلاط، انه قرر تسريع عملية تحضير ولده لوراثته السياسية واتمامها قبل ان يدهمه عمر ((الستون)).

وبعيداً عن الخوض في موضوع مدى عمق تجسد اشاعة ((لعنة الاغتيال)) في سن الستين داخل عوالم جنبلاط النفسية الداخلية، فإن الثابت في تأثيراتها عليه، انه عبر عنها علناً في غير اطلالة اعلامية، وقبله كمال جنبلاط كان يهدس بها، ويقول ((نحن لا نعمر))، و((نموت غيلة))، يعبر عن اعتقاده بوجود ((لعنة الاغتيال)) و((قدر اسروي)).

وانطلاقاً من هذا الموقع النفسي الذي تحتله ((لعنة الاغتيال)) داخل التفكير المتوارث للزعامة الجنبلاطية، ثمة من يؤكد ان البعد النفسي في موضوع توريث تيمور، شكل لدى وليد جنبلاط احد الدوافع الاساسية الذي قاده للشروع بهذا الخيار في هذا الوقت عشية بلوغه سن الستين.

وقد يكون وليد بك الذي اختبر حراجة وصعوبة الانتقال المفاجىء من عبث الشباب واللهو الى مسؤولية الزعامة وادارة تعقيدات مجتمع التقاليد والمعادلات الكبرى المحيطة به، بعد استشهاد والده، يريد ان يجنب نجله تيمور الدخول في التجربة نفسها، ولذلك فهو قرر ان يبني زعامة نجله على ((حياة عينه)) وان يمهده للحظة الزعامة وان يقارب مسألة التوريث السياسي من بعده، على نحو معاكس للطريقة التي اتبعها والده مع مسألة توريثه. فكمال جنبلاط لم يكن يحفل بإعداد نجله وليد للزعامة، والاخير كانت اهتماماته في زمن مجد والده تتفاعل خارج قصر المختارة وهمومها وشؤونها، وحينما جاءت لحظة تحقق اشاعة ((لعنة الاغتيال)) عام 1977، كان الامير النجل (وليد)، لا يملك من مواهب الزعامة وادواتها، الا عباءة المبايعة التي ألقاها على كتفيه جمهور هلع ومصدوم من هول فاجعة اغتيال زعيمهم الذي كانوا يعتبرونه ((عمود السماء)) تيمناً بلقب استحقه احد أئمة الموحدين الدروز السالفين.

تقاليد الثبات السياسي

.. والى جانب العامل النفسي الذي يحيط بعملية توريث تيمور، هناك جوانب اخرى على درجة من الاهمية، وجميعها تجد مبرراتها من خصوصية الساحة الدرزية داخل المعادلة اللبنانية.

يقول الرئيس حسين الحسيني ((ان المختارة هي آخر امارة متبقية في لبنان))، ويعني هذا التوصيف، بقدرة الزعامة الجنبلاطية على جعل الثبات السياسي التقليدي اهم سمات الوسط الدرزي. والواقع ان آل جنبلاط لا يبخلون بتقديم السوابق التي تدعم استمرار التفكير العام الدرزي باحترام الثبات السياسي. وهم لا يمارسون هذا الاحترام للثبات السياسي عندما يتعلق الامر بتأكيد مكانة قصر المختارة فقط، ولكن ايضاً عندما يتعاملون مع اليزبكية، ندهم التاريخي فوق ساحة الثبات السياسي الدرزي التقليدي، فقصر المختارة اعتاد ان يترك هامشاً لتأكيد شراكة دار خلدة الارسلانية في الزعامة الدرزية، ويبدو ان الجنبلاطيين الذين جاؤوا الى لبنان كعسكر، ثم تسللوا الى الزعامة الدرزية وانتقل اليهم قصر المختارة من جراء مصاهرتهم لآل القاضي، ادركوا ان الخطر يأتي من الوافدين، وان استمرار استقرار الثبات السياسي التقليدي، يتم ادراكه بالمحافظة على كل اشكاله، والاكتفاء فقط، بتعديل موازين معادلاته، وليس إلغاؤها، وهم مقتنعون بمغزى الحكمة الهندية التي تقول: ان القديم له عدو حقيقي واحد، هو الجديد.

ورغم ان كمال جنبلاط كان يقاتل على الساحة الدولية والعربية واللبنانية تحت لافتة الاصلاح والاشتراكية الدولية، الا انه داخل حدود ((امارة المختارة))، كان اميراً ومحافظاً ويقيس توازنات الثبات السياسي في جبل لبنان الصغير بميزان الذهب. وخلال الحرب الاهلية التي قاد خلالها كمال جنبلاط جيوش اليسار، كان يرفض ان تصل نار الحرب الاهلية الى الشوف، وكان يبرر ذلك بالقول، ان احتراق جبل لبنان يعني سقوط صيغة لبنان، بينما الحرب في مناطق لبنان الكبير الملحقة بلبنان الصغير، يمكن انهاؤها بتسوية. وفي آخر انتخابات نيابية قبل الحرب الاهلية (1975) كان كمال جنبلاط يدعم ترشيح ارثوذكسي بوجه ميشال المر، ولكنه عندما زار بتغرين لدعم مرشحه، قام بزيارة لميشال المر اولاً، وقال جنبلاط آنذاك، انه يدخل بيت العلاقات السياسية في جبل لبنان من ابوابها وبمعايير تحافظ على اللياقة.

ولم يكن تعبير اللياقة الآنف الذي برر به كمال جنبلاط زيارة خصمه الانتخابي المر، قبل زيارة مرشحه، سوى ((استتاراً بالمألوف)) غرضه تعميم فكرة احترام الثبات السياسي وتقاليده في جبل لبنان، على الصديق والحليف والخصم في آن.

ولعل اخطر ما يواجه الجنبلاطية السياسية في هذه المرحلة، هو شعورها بأن الارض بدأت تتثاءب تحت هياكل تقاليد الثبات السياسي الدرزي بخاصة واللبناني بعامة، فعلى المستوى الدرزي، قادت تفاعلات الازمة اللبنانية الداخلية خلال العامين السابقين على اتفاق الدوحة، وما بعده، الى حدوث ارهاصات من التململ السياسي غير مسبوقة.

ولعل تعاظم الرغبات السياسية لدى كل من مؤسسة العرفان من ناحية وجماعة الداعي عمار من ناحية ثانية، لايجاد مناخ لا يشاطر المختارة رأيها نفسه في تحديد التحالفات والتناقضات، شكل لدى ((امير المختارة)) قلقاً على استمرار استقرار تقاليد الثبات السياسي فوق الساحة الدرزية، وهنا بدا للمختارة، ان امواج التحديات بوجه استمرار الزعامة الجنبلاطية، ليست فقط خارجية، بل داخلية، وعليه فمن الانسب ان تخاض معركتا التوريث وفرض الثبات السياسي في لحظة واحدة.

ويلاحظ ان وليد جنبلاط يتصرف في موضوع توريث نجله، على نحو يوحي بأن انتقال الزعامة لتيمور، تحتاج اكثر من احتفال تقليدي يتم خلاله خلع عباءة الخلافة عليه، فهو يقاربه بأسلوب يشبه الى حد بعيد، مسارات التوريث في دول العالم الثالث وليس داخل الطوائف والعشائر، والطريقة نفسها التي نقل فيها الاسد الأب الرئاسة لنجله بشار، او الملك حسين العرش لنجله عبدالله، يتم الآن محاكاتها داخل قصر المختارة والحزب التقدمي الاشتراكي والطائفة الدرزية في مجال عملية تحضير توريث تيمور.

والبداية، هناك، كما هنا، تبدأ بتسليط الضوء على الوريث من دون ان يتم تسليمه مهاماً رسمية، وكانت سرت توقعات قبل عقد المؤتمر العام الاخير للحزب التقدمي الاشتراكي، ان تسند الى تيمور مهمة مركزية في الحزب، ولكن وليد جنبلاط فاجأ الجميع بعدم اسناد اي منصب لنجله، وبدل ذلك قام بتجيير كل المناخ السياسي الجديد الذي بثه داخل الحزب خلال المؤتمر لمصلحة مشروع نجله المستقبلي وذلك عبر الايحاء بأن مرحلة جديدة داخل الحزب التقدمي الاشتراكي قد بدأت والجديد هنا له عنوان واحد هو تيمور.

والواقع ان النقد الذاتي والفكري الذي قدمه جنبلاط خلال المؤتمر، يخدم بالاساس فكرة ان القديم اصبح بحاجة لتغيير، وان المرحلة الجديدة لها عدتها الفكرية والتنظيمية.

ولقد نجح جنبلاط بايصال هذه الرسالة الايحائية الى كل مفاصل الحزب القطاعية وفي القواعد ايضاً، وأحد مسؤولي الحزب يصف هذا الامر بالقول: بعد مؤتمر البوريفاج في 2 آب/اغسطس الماضي بات كل عضو حزبي من القاعدة الى رأس الهرم، يشعر انه في مرحلة انتقالية وبشكل تلقائي بات يشعر ان المقبل له عنوان واحد هو تيمور.

ويضيف: ما فعله وليد جنبلاط من تحول سياسي خلال مؤتمر البوريفاج، كان له هدف اساس - لخصه هو نفسه لشخصية عربية - وهو مراعاة ((الخصوصية الدرزية)) وتطويعها واعادة تشكيل مناخها وذلك قبل مراعاة اية معادلات اخرى.

والخطوة الثانية التي ينفذها الآن وليد جنبلاط بعد صناعة مناخ التوريث داخل الحزب والطائفة، هي تطبيق معادلة، كان نفذها ايضاً الاسد الاب لمصلحة ابنه داخل النظام والحزب في سوريا في مرحلة التمهيد لتوريث بشار، وقوامها البدء بعملية تغيير بنية صناع القرار الحزبي والدرزي، لمصلحة انتاج قيادة جديدة شابة تكون من الفئة العمرية التي ينتمي اليها الامير الوريث والشاب.

وتحت شعار تجديد دم الحزب، كتطبيق اولي لمفاعيل تغيير المناخ السياسي والتنظيمي داخل الحزب التقدمي الاشتراكي، قرر جنبلاط الاب ان تبدأ اطلالة نجله على الحزب من ((تحت الى فوق)) ولوحظ في الاسابيع الماضية ان تيمور محاطاً بثلة من قادة الحزب الشباب، ابرزهم ريان الاشقر مسؤول الشباب التقدمي ووائل ابو فاعور وقيادي آخر من آل رباح بدأ يقوم بجولات واجتماعات بمدراء الفروع في المناطق.

ويرمي هذا النوع من الحراك داخل الحزب، الى بث مناخ فيه يخدم فكرة احداث ثورة عمرية شابة داخل الحزب، يكون عنوانها احداث تغيير على قياس تيمور، واذا كان متعارفاً عليه، ان أي تغيير يحتاج الى قضية وشعار ومضمون فكري، فإن جنبلاط في آخر مؤتمر عام للحزب في البوريفاج، تقصد جذب اكثر اهتمام اعلامي اليه على خلفية ان المختارة تتغير سياسياً وفكرياً او لجهة رؤيتها لموقعها السياسي الجديد.

ولا يعني ما تقدم ان جنبلاط لم تكن لديه اسبابه السياسية الاخرى والعامة، للقيام ((بانقلاب البوريفاج)) ولكن في قلب هذا الحدث الذي اختار توقيته وأسلوبه، كانت تكمن فكرة بدء صناعة المناخ الملائم لتوريث تيمور داخل الساحة الدرزية، واستطراداً داخل الساحات الاخرى الأبعد.

اعداد امير جديد

عام 1982، رزق وليد جنبلاط نجله الاول، وأطلق عليه اسم تيمور، كانت الولادة تحفل لجهة توقيتها وايضاً لجهة الحيثيات الاجتماعية اللصيقة بها، بالكثير من المعاني التي تسمح بالاعتقاد بأن صرخات المخاض الاولى التي انتهت الى ولادة الطفل تيمور، تضمنت رسائل سياسية طيرت الى غير مكان وجهة التساؤل الاول عن سر التسمية، فتيمور تسمية تذكر بجذور جنبلاط الكازخستانية في آسيا الوسطى، وفي تاريخ سوريا القديم يوجد فصل كامل عن تيمور الذي أحرق دمشق، و((جيرفيت)) ام الرضيع الذي وضعته على سرير قصر زعامة المختارة، شركسية الاصل، وفي صلب هذا المشهد لولادة الحفيد الذكوري الاول لكمال جنبلاط، كان يقف وليد الذي جعل من الدروز في تلك الآونة وفي اطار حرب الجبل، فرقة من ((الشراويل المرقطة)) ويوم ولادة تيمور لم يكن مضى على استلام وليد جنبلاط الزعامة سوى خمس سنوات، عندما قام الشيخ محمد ابو شقرا بإلباسه عباءة والده الذي سرت اشاعات قوية في الجبل تتهم سوريا باغتياله، وبعد اربعين يوماً فقط من دفن الجسد المغتال، كان نجله وليد يزور دمشق ويلتقي الرئيس حافظ الاسد، ويترك يده الطرية في يد الاول المجرب والمحنك والممسك بأسرار معادلات البقاء والزوال في لبنان.

وعندما عاد وليد بك جنبلاط من سوريا، قال لمعترضين دروز على الزيارة، احنيت رأسي لدمشق حتى لا يضطر كل الدروز لاحناء رأسهم الى الابد.

.. ولادة تيمور جاءت ضمن زحمة احداث كبرى واكبت الحقبة الاولى من توريث والده الزعامة الدرزية، فولادته كنجل بكر لوالد حديث الوراثة ولجد مغتال كرمز لمجتمع منهك بمشاهد الدم، يمكن الافتراض انها احيت معاني الحياة البخيلة في حقبة امتازت بالاغتيالات والموت والحروب.

وأغلب الظن ان وليد جنبلاط اختار تسمية نجله من وحي مشاهد العنف التي دشنت وواكبت بداية توريثه، وبهذا المعنى، فإن عودته الى الجذور لانتقاء اسم لنجله، لم تكن فيها رسالة للغير، بقدر ما كانت رسالة لنفسه الباحثة عن آمال البقاء والاستمرار وسط مستنقع الاغتيالات والقتل والحرب.

واكب تيمور رحلة والده السياسية كمراقب من بعيد، أي كل مسار طفولته حتى سفره الى باريس لنيل العلوم العليا، كان يقدمه على انه واحد من ابناء طبقة الزعماء في لبنان، خلال المرحلتين الابتدائية والتكميلية والثانوية، تلقى تعليمه في الانترناسيونال كولوج (IC) وتخرج منها على غرار والده الذي تخرج ايضاً من المدرسة نفسها، ثم اكمل في الجامعة الاميركية التي درس فيها مادة العلوم السياسية، وعلى طبقات الدراسة - في هذه الجامعة تعرف الى ديانا زعيتر من شيعة البقاع، اصبحت لاحقاً زوجه بعد تخرجهما من الجامعة، ولقد جرى آنذاك تأويل سياسي لزواجه من ابنة عشيرة بقاعية كبيرة وقوية البأس والشكيمة، وشاع ان جنبلاط الاب تقصد عقد مصاهرة سياسية مع الشيعة، ولكن عارفين بكواليس المختارة، ينفون ان الزواج حصل خارج حسابات حب مجرد جمع بين قلبي طالبين وأكثر من ذلك فهم يتكهنون بأن وليد جنبلاط صرف فترات غير قصيرة مع نجله، وهو يقنعه بتأخير كل فكرة الزواج.

وفي جامعة السوربون في باريس التي قصدها تيمور لاكمال دروسه العليا، لم يصل من اخباره الى لبنان ما يوحي بأن الابن يملك حياة صاخبة كتلك التي عاشها الاب (وليد) في شبابه..

ويقال ان تيمور، كان يتردد في العاصمة الفرنسية على الدكتور غسان سلامة الذي ترك فيه تأثيرات معينة، ويوصف تيمور بأنه ميال للصمت والاستماع والاستغراق في المراقبة وظهوره في مهرجان ((الانتصار)) في الضاحية الجنوبية الذي أقامه حزب الله، كان - على ذمة مقربين منه -مدروساً من قبل والده وهدفه ارسال ابعد الرسائل التي تؤكد ان المناخ الجديد الذي صنعه وليد في مؤتمر البوريفاج مهدى بالكامل لنجله تيمور.

ولقد تقصد جنبلاط الاب ان يرسل مع نجله الى مهرجان ((الانتصار)) في الضاحية القيادي الذي حمل ميدانياً مسؤولية التصدي في الجبل لقوات حزب الله في احداث 7 ايار/مايو وكان الهدف من ذلك الايحاء بأن اعتى المشاكسين لخيار وليد جنبلاط بالتقارب مع الحزب، لا يستطيعون الا السير بخطوات منضبطة وراء تيمور لدى توجهه الى عرين حزب الله في الضاحية لتطبيع العلاقة الدرزية - الشيعية.

وأصدق وصف للمرحلة التي يمر بها تيمور اليوم ضمن عملية تأهيله لوراثة الزعامة، هو ذاك الذي اطلقه وليد بك الذي قال: انه يتلقى في المختارة علم ((دروزجولوجيا)) أي علم الطائفة الدرزية.

وربما يكون قصر المختارة، اهم بكثير من جامعة السوربون، اذا كانت المادة اللاغية في المنهاج الذي يتخصص به تيمور، هي كيفية ادارة المعادلة الدرزية في لبنان؟!

وبانتظار ان يصل الامير الشاب والوريث المحاط بكل عناية وحنكة والده الى الحصة الاخيرة من مادة ((دروزجولوجيا)) على مقاعد قصر المختارة، تظل الاسئلة مسلطة كحد السيف داخل ذهن الامير الاب الذي قارب عمره الستين، وجميعها تتفرع من سؤال اساسي: هل يستمر ثبات المسار السياسي التقليدي فوق الساحة الدرزية وفوق المعادلات الداخلية والخارجية المحيطة بها، فيتم خلع عباءة الخلافة لتيمور، ام ان التحديات الراهنة تسقط هذا المسار؟!

تحديات توريث تيمور

يقدم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط نفسه على انه قارىء ومتابع، وهناك ميل شديد لدى النخب اللبنانية، لتصديق هذه الصورة عنه، فالمختارة قصر يقرأ، وأهم اسلحته المنصوبة على جدرانه التي تسيجه، للدفاع عنه، هي المعرفة بالمعنى الاستشرافي والمعلوماتية الوقائية.

كان كمال جنبلاط يذهب الى الهند، ليحصل معرفة عن نفسه وعن مواطىء القوة الروحية في جسده، ولم يكن هذ السلوك مجرد هواية، اذ غالباً ما قصد الهند عندما، كان لبنان يشهد أزمة وزارية، كان هو احد المسببين الرئيسيين لها، فـ((اليوغا)) كانت ايضاً احد اسلحته في صراع الارادات ضد خصومه السياسيين اللبنانيين.

ووليد جنبلاط، دافع عن اعادة تموضعه السياسي مؤخراً، بكلام فكري، على طريقة منظري اليسار الجديد في باريس الذين كانوا في عقد سبعينيات القرن الماضي، ينشرون كتباً فكرية وفلسفية مطولة، لمجرد تبرير اعتراض تفصيلي لهم على السياسة السوفياتية، لم يكن جنبلاط بحاجة لدعوة منسق قوى 14 آذار/مارس فارس سعيد، لمنازلة فكرية، لتبرير خلافه السياسي مع ثورة الارز، ولكن جنبلاط فعل ذلك، ليؤكد ان المختارة مثقفة وانها نوع وليس كماً. وقبل كل ذلك وبعده، اراد استخدام المتوفر من السلاح التقليدي في ترسانة آل جنبلاط في المعركة، وهو مدافع المعرفة والاستشراف الوقائي.

.. والمسألة الوحيدة التي لا تلجأ فيها المختارة الى سلاح المعرفة لتبريرها، هي التوريث السياسي. فهذه القضية تتم مقاربتها في اضيق زاوية تقليدية، ويتم التعامل معها على اساس انها احدى تجليات مفاهيم المجتمع المحافظ والمستغرق بإعادة انتاج مشهد الامس، وليس على اساس مواكبة ((حركة التاريخ)).

ويلاحظ ان كل المشاهد التي قدمها وليد بك، لنجله الذي يريد توريثه، هي مشاهد تقليدية، بل تتقصد ان تكون تقليدية: تيمور في الضاحية، وعلى مسافة محسوبة بقياسات التراتبية الاجتماعية، يسير خلفه اكرم شهيب احد صقور الحزب التقدمي الاشتراكي في احداث النـزاع العسكري مع حزب الله في الجبل في السابع من ايار/مايو وحتى جنبلاط، عندما سئل في جلسة خاصة عن الذي سيفعله تيمور في المختارة، قال: سأعلمه كيف يقود الدروز.

.. وتيمور نفسه، قال على ذمة الرواة: نحن اقلية، ويجب ان نتعلم صناعة البقاء!!

وقصارى القول، ان تيمور الشاب وابن العقد الثالث من عمره، وخريج جامعات باريس، يخضع الآن في المختارة، لتعلم ((التقليدية)). وكل استعداداته في هذه اللحظة، تتجه لضمان ان تكون ايقاعاته متوازنة وهو يتقدم من مشايخ الدروز ليلبس عباءة وراثة والده بعد وفاته.

ومنطقياً، لا يبدو المشهد مستعصياً على الفهم، رغم غرابته، فالامراء يولدون، بالعادة، على سرير التقليدية، ووحدهم العصاميون يحتاجون للوصول الى السلطة، الى لحظة انقلابية على المعايير الاجتماعية والسياسية السائدة.

ولكن معادلة التوريث السياسي في المختارة، يشوبها نوع من الابداعية، ذلك ان الوريث الذي يولد على سرير التقليدية، سرعان ما يضع نموذجه الذي يلفت اليه اعناق الاعجاب، بعد فترة وجيزة من تسلمه بيرق الزعامة، فحينما ورث وليد جنبلاط والده الاستثنائي، كان المشهد تقليدياً وبارداً، وكان السؤال هل يستطيع هذا الشاب عديم الخبرة وقليل الاهتمام بالسياسة ان يكون جنبلاط الثاني؟!

والحق يقال، ان وليد بك صنع نموذجه الخاص واللافت واثبت انه كان تقليدياً في وصوله للزعامة، ولكنه كان عصامياً في صناعة زعامته ومجده السياسي.

والسؤال نفسه يتكرر اليوم بخصوص نجله تيمور، فواقع ان ولادة مشروعه للخلافة تتم على مسرح من الخشب القديم والبارد والذي يذكر بحقبة التوريث الملكي البائد في انكلترا، لا يقمع خيال المشاهد عن توقع ان تيمور سيدخل بعد توريثه، فترة الولادة العصامية السياسية الابداعية الجنبلاطية.

ولكن بالمقابل، فان توقع استيقاظ جينات الابداعية السياسية الجنبلاطية في تيمور بعد توليه الزعامة لا يقمع، ايضاً، خيال المتحفظين على المنطق القائل بأن تجربة نجاح وليد ستتكرر مع تيمور، والسبب هنا، يعود لفوارق موضوعية بين التجربتين على صلة باختلاف الظروف التي تواجه لحظات توريثهما.

لقد اثبتت تجربة زعامات لبنان، ان صناعة ((القائد)) او ((الزعيم)) الجديد، تتم في اتون ازمة تواجه طائفته، وبالغالب ما تكون عسكرية، فالطوائف اللبنانية، تبحث عن تبديل في زعاماتها عندما تتواجه مع ذاكرتها عن البقاء، ومن هذه اللحظة تصبح الطائفة بحاجة لزعيم منقذ ولقائد جديد. وضمن هذه المعادلة، وصل نبيه بري الى الزعامة الشيعية، تحت هذا التأثير ذي الصلة بذاكرة البقاء، تخلى الشيعة عن اقدم عائلة اقطاعية، قادتهم لعشرات العقود، ولم يشذ بشير الجميل عن هذه القاعدة فآل الجميل، قبل نموذج بشير لم يكونوا عائلة سياسية، وكان متوقعاً ان يكون الشيخ بيار الجميل - الجد - اول جيل زعماء حزب الكتاب من آل الجميل وآخرهم، وبهذا المعنى، فان الذي صنع الوراثة العائلية والبيت السياسي لآل الجميل، هو بشير الجميل، الشاب والاحدث سناً بين اخوته، ولكنه القائد الذي التقط فرصة التجسد بصورة المنقذ لدى طائفته عندما كانت في لحظة مواجهة مع ذاكرتها عن البقاء خلال الحرب الاهلية، وبكلام آخر، فان الشيخ بيار كان زعيماً للكتائب لدى الموارنة، اما بشير فكان زعيماً مارونياً، وأسس لعائلة آل الجميل السياسية.

اما وليد جنبلاط، فكان يمكن ان يلاحقه السؤال عن اهليته السياسية، طوال فترة وراثته لوالده، ولكن ظروف توليه الزعامة التي تزامنت مع حرب الجبل في ثمانينيات القرن الماضي، اعطته سمات القائد المنقذ، وحولته من وريث في نظر طائفته الى ((زعيم)).

وتبرز خشية الآن من وجهة نظر العاكفين على ملف توريث تيمور، قوامها ان الظروف الراهنة لن تمنحه فرصة التحول الى قائد منقذ وزعيم في عيون طائفته. فالحروب الاهلية التي تصنع الزعامات، ربما، طوي زمانها، وعليه فان الوارثين الجدد ستظل صورتهم في عيون طوائفهم باهتة وغير قابلة للتلميع الآخاذ.

وتحاول فطنة وليد جنبلاط تدارك هذا النقص، وعليه، فهو يضخم قضية الخوف لدى الدروز، ليكبر قضية التوريث: الخوف من ان تتحقق اشاعة لعنة اغتياله القدرية، الخوف من الديموغرافيا التي تحاصر الطائفة، شيعياً من ناحية خلدة، كيفون، وسنياً من ناحية الاقليم، الخوف على البقاء عبر اعادة انتاج نظرية الخصوصية الدرزية الاقلية التي تنتج من داخلها عوامل الضآلة العددية والديموغرافية وحتى السياسية.

وكل هذه العناوين المثارة على لسان جنبلاط المثقف صحيحة، وعلمية، ولكنها كلها مفتعلة ايضاً، وتنتمي للمدرسة السياسية اللبنانية التقليدية، والحكمة من وراء اثارتها، هي اظهار الجنبلاطية، بوصفها مشروعاً متجدداً لحماية الدروز من الهواجس المتجددة.

ويدرك جنبلاط، ان لبنان الذي يقول تاريخه الرسمي عنه، انه وطن على شكل ملجأ لطوائفه، لا يمكن ان تولد الزعامة الطائفية فيه، الا على سرير الخوف والتخويف، ويدرك، ايضاً، ان اقصر طريق لخطف ولاء عامة الطوائف، هو اخذهم من ذاكرة هواجسهم.

تحديات درزية(؟!)

خلال حقبة الاستقلال الاولى الممتدة من الاستقلال حتى الحرب الاهلية، حكم الموارنة لبنان، وبنوا مؤسسات ومراكز تفكير سياسي، ولكن بنيتهم الاجتماعية ظلت تحافظ على عقلية ((الفلاح الماروني)). وفي كل صباح، كانت طوابير السيارات تحمل سكان جبل لبنان الموارنة الى العاصمة ليمارسوا وظائفهم.. وفي المساء، كانت هذه السيارات نفسها تعود بهم الى الجبل، وقراهم المعلقة على سفوح جرود المتن وكسروان، حيث امكنة اقامتهم، كان ((الفلاح الماروني)) يتعامل مع العاصمة بحذر، رغم انه يحكمها ويسيطر على مفاصل القرار السياسي الذي يديرها بوصفها ((مدينة العرب)) و((جنيف الشرق)). ويعود ذلك، لكون المجتمع الماروني مسكون بطبيعته الجبلية وبعلاقاته الريفية، وببركة مار مارون الذي كان ناسكاً ومتصوفاً بالمفهوم الاسلامي ومنعزلاً عن ملامسة الضجيج بالمفهوم الاجتماعي. فالمدنية المارونية، هي مدنية ارساليات تعليمية، محافظة ومدنية المدرسات الراهبات الصارمات.

ويشبه التركيب الاجتماعي النفسي الدرزي الى حد بعيد التركيب الاجتماعي النفسي الماروني، مع فارق ان الاول لم تلامسه نسمات الارساليات التعليمية. فالخلوات الدرزية، صارمة اجتماعياً ليس فقط مع ابناء الطائفة الدروز، بل حتى مع نفسها، وهي ليست فقط متحفظة في موضوع نشر اسرارها على الآخرين، بل ايضاً على ابناء جلدتها من العامة.. وبهذا المعنى، فإن الدروز اكثر محافظة من الموارنة، والفلاح الدرزي لا يتسم فقط بانشداد حاسم لأرضه، بل بانشداد عميق ووجودي للبقاء داخل ذاكرة الامكنة التي يعيش فوقها.

خلال الثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي، كان ((الكولاك)) (أي الفلاح الغني) هو اشرس المقاومين لانصار لينين الذين جاؤوا ليصادروا ارضهم تحت عنوان الاشتراكية. لقد انهارت البرجوازية الروسية بسرعة امام الثورة البلشفية اما ((الكولاك)) الذي جمع ثروته من جراء عمل عائلته مع الارض، فكان لديه قضية يدافع عنها ويقاتل من اجلها، الفلاح الدرزي يشبه الى حد بعيد ((الكولاك الروسي)) فهو بالاضافة الى ذاكرة انتمائه التاريخية الى مناطقه، لديه قضية صنعها من خلال قصة عمل عائلته مع حقله، وحينما صعد حزب الله الى الجبل، ليكرر مع ((الشوف)) الحرب الخاطفة التي خاضها في بيروت، وجد هناك المواجهة مختلفة، ووجد ان المقاتل العقائدي الشيعي يواجه الفلاح الدرزي المقاتل في حقله.

ورغم رغبة حزب الله في اعطاء المعركة بعدها السياسي، الا ان وقائع ذاكرة الامكنة لدى الفلاح الدرزي، حولت المواجهة الى صراع يشبه ذاك الذي اصطدم به لينين عندما ذهب ليحرر الحقول من ايدي ملاكها ويوزعها على الفقراء.

وخلاصة القول ان السياسة الدرزية، هي سياسة المكان الذي تبدأ المسافة والزمن فيه، انطلاقاً من ((وحدة)) او ((معيار)) الحقل والفلاح، وثبات العلاقة بينهما التي يتم تعميمها على شكل ثبات اجتماعي وسياسي واقتصادي.

.. وبهذا المعنى، فإن توريث تيمور لن يصطدم بمواقع اجتماعية درزية، فالمختارة هي القصر الوحيد في خضم بيوت الدروز المنتشرة على جنبات حقولهم.

ولا يقلل من صوابية ذلك بروز اتجاهات جديدة داخل الوسط الدرزي، ويظل ابرزها، مؤسسة العرفان التي تضم مؤسسات تعليمية عديدة، واكتسبت مدارس العرفان سمعة تعليمية جيدة، وباتت مع الوقت، اشبه بـ((بيت المستقبل)) الدرزي الذي يضم نخب الطلبة الدروز، ونظراً للتقديمات التعليمية التي تقدمها هذه المؤسسة، اصبح لها وجود بأكثر مما هو نفوذ، داخل شرائح اجتماعية درزية واسعة، ويُقال ان رئيس جمعية العرفان الشيخ علي زين الدين طرأت على سلوكه العام بعد احداث 7 ايار/مايو نزعات سياسية، وحاول مع آخرين ان يركب موجة الاعتراض على موقف جنبلاط المهادن للشيعة.

ولكن، تظل حالة العرفان مجرد موجة في بحر جنبلاط الدرزي، فالزعامة الجنبلاطية احتوائية، وقادرة على تجفيف السواقي السياسية المعارضة، وهي تستعين بذلك على سلاح استراتيجي، اسمه الشرعية التاريخية التقليدية الذي لا يوازيه من حيث فعاليته أي سلاح آخر في السباق على الزعامة الدرزية.

اما التطور الآخر المستجد، فيتمثل بما اطلق عليه الاعلام الاتجاه الدرزي الاصولي الذي تعبر عنه جماعة الداعي عمار الذين اشتبكوا مع حزب الله في منطقة الشويفات خلال احداث 7 ايار/مايو ومؤسس هذه الجماعة هو الشيخ ناصر الدين الذي توفي قبل سنوات وورثه نجله علام الذي قتل خلال مواجهة عسكرية مع حزب الله يوم 8/5/2009 ويتولى وجيه شقيق علام الآن قيادة المجموعة..

وجذور دعوة هذه الجماعة تعود الى عهد الفاطميين في مصر، وكانوا دعاة للخليفة الفاطمي في وادي التيم وكان الدروز الموحدون، في تلك الحقبة التاريخية، احدى ادوات الصراع بين الخلافة الفاطمية في مصر والخلافة العباسية في بغداد على المشرق، لقد وجد الفاطميون ان خلعة الحالات المحلية المؤيدة لهم في المشرق، اقل كلفة، واجدى من تجريد الحملات العسكرية لاخضاعها، وارتضى دروز وادي التيم هذا الدور، بعد ان وصل اليها مرسلاً من الخليفة الفاطمي حمزة بن علي الزوزوني ليصحح مسار الانتماء الى الفاطمية بعد ان انقلب عليها الداعية الاول نشتكين الدرزي.

ومن ناحية عقائدية، فان جماعة الداعي عمار، هم فاطميو النشأة، مع رؤية خاصة للعلاقة بين الدروز والاسلام، ولكن من ناحية اساسية تقدم جماعة الداعي عمار نفسها في هذه المرحلة، على انهم معترضون على مهادنة الشيعة في لبنان، على ان هذا المظهر العام لصورتهم الحالية، لا يعبر عن جوهر خاصتهم العقائدية والتاريخية والاجتماعية، تماماً كما ان اطلاق تسمية الاصولية (بحسب مفهومها الحديث الـ بن لادينية) عليهم، لا تتوافر فيها الشروط العلمية المطلوبة، فالحالة الدرزية اللبنانية، محدودة لجهة قدراتها على انتاج الحالات السياسية، وحتى الحزب التقدمي الاشتراكي، فهو حالة فكرية جنبلاطية، تتم ممارسته فعلياً خارج حدود امارة المجتمع الدرزي الصغير، والدروز بتركيبهم الخاص هم محافظون اجتماعيون وليسوا متشددين بالمعنى الراهن لمصطلح الاصولية، والداعي عمار الذي افترق عن احد معاني جذوره العقائدية حينما اختار مقارعة حزب الله والتصدي له في الشويفات، لا تملك حالته السياسية الا مراعاة قابلية المجتمع الدرزي الحريص على اعطائه بعده المحافظ اجتماعياً اولوية على اي بعد آخر فيه تأويل سياسي فكري.

والواقع ان الاسرة الجنبلاطية تظل هي الوعاء السياسي الاقدر على تجسيد الخيار الدرزي السياسي العام، فالجنبلاطية تمتاز بأنها ((اسرة بنماذج عديدة)) شأنهم في ذلك وان اختلفت خصوصيات المقاربة، شأن أئمة مذهب الاثني عشرية الشيعية، حيث الإمام الحسين يقدم نموذجاً للتعاطي مع التحديات، والامام الحسن يمثل نموذجاً آخر لمهادنتها واحتوائها والعباسي نموذجاً ثالثاً الخ..

وبهذا المعنى يصبح الخيار السياسي الشيعي، عملية مفاضلة وانتقاء ضمن التراث الديني الواحد، وليس خارجه، وكذا الحال، بالنسبة للاسرة الجنبلاطية، حيث فؤاد جنبلاط يقدم نموذجاً للتعاطي مع الغرب بأسلوب احتواء الهجمة ومهادنتها وليس التصادم معها، وكمال جنبلاط يقدم نموذج ابداع الدور الكبير لحماية الطائفة الصغيرة، ووليد جنبلاط اختار ان يبدأ حياته السياسية بنموذج خاص به، وهو الصدام على طريقة شكيب ارسلان وليس جده الاحتوائي فؤاد جنبلاط ومن ثم لاحقاً حينما ذهب بعيداً في مسايرة المحافظين الجدد في ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش ان يحاكي نموذج نظيرة جنبلاط التي كان لها اوثق العلاقات مع القنصلية الفرنسية في بيروت، والآن هو يحاول استعادة نموذج والده الذي قاد الدروز تحت لافتة اليسار الأحمر الواسع والقومية العربية الحاضنة للشعار الفلسطيني.

وامام تيمور ستكون غداً كل هذه الخيارات والنماذج مطروحة للمحاكاة، وعملية انتقاء هذا النموذج دون الآخر، وفق قراءة معمقة لظروف اللحظة، هي جوهر الموهبة السياسية الجنبلاطية.

ناصر شرارة

تيمور جنبلاط في عيون عدد من عارفيه

يصف شبان وسياسيون محيطون بتيمور جنبلاط الشاب الصاعد، بقولهم انه يعتبر نفسه طالباً مبتدئاً في مدرسة وليد جنبلاط، بعد ان استمعوا الى والده يقول انه اجتاز معمودية النار حين ذهب الى الضاحية لتمثيلي في مهرجان حزب الله الاخير.

وطالما الحديث عن وليد جنبلاط ونجله تيمور، فإن الشاب بتوصيف هؤلاء اقل حدة من والده في طباعه، وأقرب الى صفة الهدوء التي كانت مميزة للجد العظيم كمال جنبلاط. لكنه كريم كوالده لا يرد محتاجاً، وهو غير متسرع ويكثر من الاسئلة للاستفسار والدراية، ذكي ومتواضع ويحترم الناس، مستمع جيد اكثر مما هو متحدث، وشخصيته قوية كوالده، وبدأ التمرس بالعمل السياسي منذ كان طالباً في الجامعة الاميركية دون اعلان او اعلام.. وتابع التمرس بحرفية اكثر خلال وجوده في فرنسا، وكان حوله متابعون من اصدقاء والده.. وبطلب منه.