هل تخفق
النخبةُ كما
فشِل
السياسيون
سجعان
قزي
النهار
في 30 حزيران 2008
حين
يتحدّث
البعضُ عن
النُخبة
يظـنّها جنساً
مُجتمعيّاً
مميَّزاً،
ويَضعُها
آليّاً في
مواجهةِ
الشعب
(متفوِّقة
عليه)
والطاقمِ السياسيّ
(أكفأ منه)، في
حين أنّ
النخبةَ
تنتمي إلى كلّ
فئات الشعبِ
وطبقاته. ولا
قيمةَ إضافية
للنخبة إلا مِقدار
ما تساهمُ في
التقدِّم
العام
وتلتزمُ مسؤوليةَ
نهضةِ
المجتمع.
النُخبةُ
ليست طبقةً بل
نوعيّة،
والنُخبويّ
ليس
مُبشِّراً بل قُدوة.
بين
أفضلِ عشرِ
شخصيات
نُخبويّة
اختارها الفرنسيّون
العامَ
الماضي، لم
يَرِد اسمُ أيِّ
شخصيّة
سياسيّة مع
أنّ
السياسيّين
الفرنسيّين،
عموماً،
نخبويّون
بامتياز. بَرز
طاهٍ وكاتبٌ
وموسيقار
وتقنيّ
ومهندس
معماري وفنّانٌ
تشكيلي
ومُخرج
سينمائي. وعام
2006، صنّفت
مجلةُ فوربس Forbes العالمية
الطاهي
الفرنسي ألان
دوكاس Alain Ducasse ضُمن أهمِ
مئةِ شخصٍ
مؤثّرين في
العالم.
النخبة
إذن
متعدِّدةُ
الطاقاتِ
والمستويات
وعابرةُ كلّ
المهن: هناك
النخبُ
الفقيرة والغنيّة،
الأكاديميّة
والنقابيّة.
هناك النخب
التقليديّة
والتجديديّة،
الدينيّة والعَلمانيّـة.
هناك النخب
الشعبيّة
والبورجوازيّة،
المدينيّـة
والمناطقيّة.
هناك النخب
اليمينيّة
واليساريّة،
العسكريّة
والأمنيّة.
هناك نخبٌ
تَستهويها
السياسةُ
سبيلاً إلى
عملٍ وطنيّ،
وأخرى تتلهّف
إلى السياسة
شَغفاً
بوجاهة. هناك
نخبٌ تحبّ
الشأن العامَّ
كجُزءٍ من
عملٍ
اجتماعيٍّ
وإنساني،
وأخرى
تُفضِّل
الشأن الخاص
رافداً
يَصبُّ في
الازدهار
العام. وهناك
"نخبٌ"
تَجتَرُّ
أنانيّتَها
ونرجسيّتَها
وتعيش في
عالمٍ آخر:
نيرفانا التفاهة.
والحال،
لا شيءَ
يَضمَنُ أنّ
كلَّ
نـخبويٍّ يتمتّع
حتماً
بمناعةٍ
أخلاقـيّـة
ووطنـيّـة
أقوى من
السياسيّين
الذين نشكو
منهم، أو يَملِك
حدْساً
صائباً
يتفوَّق على
حدْسِ الناس
العاديين،
فإيّـانا أن
نَستخِفَّ بـ"حِكمة
الشعب". من هنا
الاستنتاجات
الثلاثة التالية:
1) ليست
الشِهاداتُ
العالية
والمهارات
فقط ما تصنعُ
الـنـخبة. 2) لا
يكون المرءُ
نُخبويّـاً
إذا حصَر
طاقاتِه في
إثراءِ ذاتِه ماديّـاً،
ولو حَلالاً
واستحقاقاً. 3)
لا يُصنَّـفُ
نخبويّـاً
إلا أصحابُ
كرامةٍ ومبدأٍ
ومناعةٍ
وشجاعة.
الأذِلّـةُ،
الوصولـيّـون،
الجبناء،
والخونةُ
ليسوا
نخبويّين ولو كانوا
علماءَ
وفلاسفةً
وقادة. ومن
المؤسف أنّ
النجاحَ ليس
دائماً
مرادِفاً
للالتزام بالقيَم،
ولا التقدمُ
العلميّ
والتكنولوجيّ
مرادِفٌ للتقدّم
الأخلاقيّ.
الأخلاقُ
لا تعني
التهذيبَ فقط.
التهذيبُ عِلم
البرتوكول،
والأخلاق
عِلم القيم.
والنخبويُّ
هو من يلتزِم
بها ويَصدّ
التجاربَ
الشريرة، وهو
من يتحلّى
بالصلابةِ
أمام الترغيبِ
والترهيب،
لاسيما تجاه
المال والقوة.
المثاليةُ
ليست خَيالاً:
إنها من هذا العالم،
وهي فضيلةٌ
قابلةُ
التطبيق.
والفسادُ ليس
قدَراً: إنه
آفةٌ
مندَسَّـةٌ
على الطبيعة
البشريّـة
وهي قابلةُ
القهر. لذا،
إنّ محاولةَ
تحييد
الأخلاق
والقيَم عن
العمل الوطنيّ
هي ذريعةٌ
لاستباحةِ
الساحةِ
السياسية،
ولتبريرِ
تعاطي أشخاصٍ
لا
يتمـتّـعون
بالمواصفاتِ
المطلوبة
الشأنَ
السياسيّ. إنْ
لم يكن السياسيّ
نزيهاً لا
يكون حراً.
ومن لا يكون
حراً ليس
نخبويّـاً،
ولا يقود
شعباً.
في
البدء، ما
نَشأت
الدولةُ
لهدفٍ
سياسيٍّ بل
لحاجةٍ
إداريّـة هي:
الاهتمامُ
بشؤونِ الجماعةِ
وحُسْنُ
تنظيمِ
الشأنين
العامّ والخاص.
ومن ثم صار
شَكل الدولةِ
الناشئةِ
ديكتاتوريّـاً
أو ديمقراطـيّـاً،
وسياستُها
سلميّـة أو
عدائـيّـة،
وعقيدتُها
يمينـيّـة أو
يساريّـة. لكنَّ
التطوّر
الإنسانيّ
حتَّـم، مع
الوقت، تآلفَ
الإدارة
والسياسة أي
تلازُمُ
الأخلاقِ
والوطنـيّـة،
فبرز مفهومُ
النخب.
في
تاريخه
الحديث عرَف
لبنان
مجموعةَ
نُخبٍ
مخضرَمة
(لبنانـيّـة ـ
عروبـيّـة
ولبنانـيّـة
ـ غربـيّـة)
نقلَتْه، رغم
اختلاف
مشاربها، من
التمزّقِ والاحتلال
والانحطاط
والفقر إلى
الوحِدة والاستقلال
والنهضة
والازدهار.
الـنـخبة
الأولى كانت
مارونـيّـة،
خاطرَت
وطالبت
بلبنان الكبير
(أي لبنان
التاريخي).
الثانية كانت
مسيحـيّـةً
شاملة، آمنَت
بالكِيان
المنبعِث
وجاهدت لتسويقِه
لدى مختلفِ
الطوائف
اللبنانـيّـة.
الثالثة كانت
مسيحـيّـة
وإسلامـيّـة،
جَـمّدت
أهواءها
الإقليميّـة،
تعايشت مع
الانتداب
الفرنسي،
وبَنت دولةً
ديمقراطـيّـة
بمؤسّساتِها
الدستوريّـة
والإداريّـة
والتربويّـة
والاقتصاديّـة.
تَحَـيّـنَت
هذه
الـنـخبةُ
الوطنـيّـة
اللحظةَ
التاريخـيّـة،
فانتزَعَت
الاستقلالَ
من
الفرنسيّين
وابتدَعَت
ميثاقَ تعايشٍ
طائفيّ
ووطنيّ عُرف
بالصيغةِ
اللبنانـيّـة
النموذجـيّـة.
وفيما كانت
هذه الـنـخبة
المتَعدِّدَةُ
الطوائفِ
والمذاهب
تَحكم لبنان،
استمرّت نخبٌ
أخرى
مسيحـيّـة
وإسلامـيّـة
تَحِنُّ إلى
لبنانَ صغير،
أو تَتوق إلى
لبنان
متَّحِدٍ
بأمّـةٍ
سوريّـةٍ
جغرافـيّـة
أو بأمَّـةٍ
عربيّـة
إسلامـيّـة.
وإذا كان
مُكوِّنُ النخبةِ
المسيحـيّـة
الأخيرة
التحق
تدريجاً بمسيرةِ
الاستقلال،
فمكـوِّنها
الإسلاميّ،
قَـبْـلَ أن
يُقسِمَ على
لبنانَ
أولاً، عاندَ
عقوداً مستمِدّاً
حيويّـة من
المدِّ
الناصريّ
والثورةِ
الفلسطينـيّـة
وانتشارِ
الفكرِ العقائديّ
القوميّ
واليساريّ.
كل تلك
النخبِ
المتتاليةِ
تَستحِقُّ
التقدير:
فمنها من
أسهَم في
تأسيسِ وطنٍ
سحَر الشرقَ
والغرب
عقوداً وإنْ
أصيبِ فتـيّـاً
بجراثيمَ
ذاتـيّـةٍ
ودخيلة. ومنها
من أطلق فكراً
قوميّـاً
جريئاً
خَصَّب المنطقةَ
العربيّـة
وإنْ مات
جنيناً بداءِ
الثورات
المزوّرةِ
فالأصوليات
الجامحة.
لكنَّ
تلك النخبَ
ارتكبت، في
القرن
المنصرِم،
أخطاء استراتيجيّـةً
قَوّضَت
مشاريعَها
وأحلامَ
الشعب اللبناني.
ومن ثقوبِ تلك
الأخطاءِ
تَسلَّلت الحروبُ
إلى لبنان:
المَوارنةُ،
الذين تَشبَّـثوا
بالأمّـةِ
اللبنانـيّـة،
مارسوا الحكم
وكأنَّ
لبنانَ
أمّـةً
مسيحيّـة.
والمسلمون،
الذين
تَقـبَّـلوا
الكِيان
اللبناني،
أشرَكوا بولائِهم
له.
والعقائديّون
اللبنانـيّون،
الذين اعتبروا
لبنانَ
جُزءاً من
كياناتٍ
أوسع،
تجاهلوا طغيانَ
الدينِ
الإسلاميِّ
على فِكرهم
القوميِّ
العَلمانيّ
وأَمْسوا
مُعتمَدين
محليّين
لأنظمةٍ
عربية.
والزعماءُ،
الذين أرسَوا
النظامَ
الديمقراطيَّ،
أبقَوْا
لبنانَ إقطاعيات
وراثـيّـة.
ولما تنـبّه
بعض تلك النخب
اللبنانـيّـة
إلى أخطائه،
وأسرع
يُصحِّحها، وجَد
أنّ الزمنَ
أدرَكَه، فلم
يجِد لا أمّـةً
مسيحيّـةً
ولا أمّـةً
لبنانـيّـةً
ولا أمّـةً
عربيّـةً ولا
ميراثاً
يُـوَرِّثه.
الدولةُ
العصريّـةُ
أصبحت
ذِكريات
العَجَزة، والصيغةُ
النموذجيّـة
صارت مُتحفَ
شَمع،
والوطنُ الكبير
تحوّلَ
مجموعةَ
أوطانٍ قيدَ
الإنشاء.
منذ أن
اندثَرت
الـنُـخبُ
الأولى (1920 / 1989)،
بدأت عملياتُ
البحثِ عن
نخبةٍ جديدة.
شاقةٌ المهمّـة،
فدخول النخب
إلى الحياة
السياسية
اللبنانية
أصعبُ من
"إدخالِ
جَمَلٍ في
خِرْمِ إبرة".
الطاقَمُ
السياسيّ في
القرن
الماضي، وكان
نخبويّـاً
رغم أخطاء،
خرج تِباعاً
من رَحَم
المتصرفـيّـةِ
والانتدابِ
والاستقلالِ
والإرسالـيّـات
الجامعيّـة
والمقاومة
اللبنانـيّـة.
أما الطاقَم
السياسيّ
النخبويّ
المنشود فمِن
أين سيُطِلّ؟
من خنادقِ الحرب،
وقد كانت في
فصولها
الوسيطةِ
والأخيرة
قذرة؟ من صناديق
الانتخابات
النيابيّـة،
وقد كانت في مُجملها
مزوَّرةً
بالقانون
والمال
والتحالفات؟
من مراكز
المخابرات
السوريّـة،
وقد كانت
مهمّـتُها
حتى 26 نيسان 2006
مطاردةَ
النخب واضطهادِها
(ليالي
الذُلِّ في
عنجر
والبوريفاج)؟
ما عدا
السهو
والغلط، إنَّ
أسوأ أنواع
الوصوليّـين
والانتهازيّين
والمتزلِّفين
ظهر في صفوف
النخبِ
اللبنانية في
السنوات
العشرين
الماضية. يكفي
أن نستعرضَ
الأسماءَ
"النخبويّـة"،
وأن نعرف كيف
انسلَّ هذا
النخبويّ إلى
لائحةٍ
انتخابيّـة،
وكيف هبط ذاك
النخبويّ على
مقعَدٍ
وِزاريّ،
وكيف احتلَّ
ذلك النخبويّ
منصِباً
إداريّـاً أو
حزبيّـاً أو
استشاريّـاً.
وكيف وضع
نخبويّون
كفاءتهم في
خِدمة أميّـين
لأنهم
أثرياء، أو في
خِدمة حاكمين
لأنهم أصحاب
سلطان. وكيف
انتقل
نخبويّون من
يمينٍ إلى
يسار، من
عَلمانيّة
إلى أصوليّة.
يكفي أن نكتشف
هذه الحقائق
المؤلمة،
لنُدركَ أنّ
لبنان يعيش
مَغيبَ
القِـيَم
وكسوفَ
الأخلاق، ولنَتَأنّى
في تحديدِ
النخب
الحقيقية. إن
السوقَ
اللبنانـيّـة
مغمورةٌ
بالنخب
المزوَّرة.
النخبُ
الصحيحة
خالفتْها
الظروفُ في
السنوات
الماضية:
النخبُ
المسيحيّةُ
قرَعت أبوابَ
الأحزاب
والدولةِ فلم
تُفتح لها.
النخبُ
الشيعيّـةُ اصطادَتْها
الأصوليّـةُ
فخرجت من
مألوفِ المجتمع
اللبنانيّ.
النخبُ
السنيّةُ
انتَهزَتْها
تيارات
المالِ
والبحبوحةِ
فيَسَّرَت
شؤونَها.
النخبُ
الدرزيّـة لم
تَجهَد نفسَها
فالتَزَمَت
إجمالاً
ثنائيّةَ بني
معروف. أما
النخبُ
المتمرِّدةُ
على التصنيفِ
الطائفيِّ،
وهي نُخَبٌ
مميَّـزةٌ،
فـتُـقيم
ندواتِ تفكيرٍ
هي أشبهُ
بمجالسِ
عزاء، إذ
تَعجِز عن
ترجمةِ
تفكيرها
الجديد، وعن
تحويلِه
واقِعاً تغييريّـاً.
حَـتَّـامَ
نَقبل بذلك؟
أين دَورُ هذه
القوى
الحيّـة، أين
مؤسّساتُها
ومبادراتها؟
أين تصميمُها
ومثابرتها؟
أين تأثيرُها
في السياسيّين
والشعب؟ أين
تمرُّدها
وعصيانها؟ أين
انقلابُها
الأبيض؟ أين
تضحياتها
لإنقاذ لبنان
من واقعِ
الانحطاط
الحضاريّ
والسياسيّ
والفكريّ
والطائفيّ؟
ما عدا
بعضَ
الشخصيّات
الوطنيّة،
الطاقَمُ السياسيّ
الحالي
هَجينُ
المنشأ: فئةٌ
ضَخَّمَتها
المنظّماتُ
الفلسطينيّة إبّـانَ
سيطرتِها على
أجزاءٍ من
لبنان. فئة صنّعها
الاحتلالُ
السوريّ
واستَـنْسَخها
بالعشرات.
فئةٌ بَقيت من
فُلول
الميليشيات.
فئة اختلَست
النيابةَ
سنةَ 1992 عبرَ
انتخاباتٍ قاطعتها
غالِبيّـةٌ
شعبيّة. فئةٌ
نَصبّها المالُ
الحَرام أو
الحلال. فئةٌ
خَرّجَتها
الثورة الإيرانـيّـة
وأغدقت المال
عليها
والسلاح. فئةٌ
خلقَتها
تياراتٌ من
العَدم وأتت
بها من المجهول.
فئةٌ
استغابَت
أصحابَ
الكراماتِ
والجِباه
العالية
فاعتاد
الشعبُ
خدماتها الخاصّة
على حساب
خِدمة الوطن.
فئة خرجت من
بطون أمهاتها
فوجَدت
مقاعدَها
جاهزةً مع
"المُـغْلي".
وأخيراً،
فئةٌ قليلةٌ
جدّاً بَلغت
مواقِعها بنضالِ
السنين
ومقاومةِ
المحتلّين،
فاضطُهِدت
سنوات، أو
عُزِلت، أو
أُقصِيت، أو
نُفيت، أو
سُجنت، أو
اسُتشهدت.
ورغم معاناةِ
هذه الفئة
القليلة،
فأكثريةُ
شخصيّاتِها
لم تَتعلَّم
كفايةً من
تَجاربها
القاسية ولا
من الهزائمِ التاريخيّـة
والمآسي.
واللافتُ
أنَّ كلَّ هذه
الفئات
تَضُمُّ في
صفوفِها أو في
حدائقها الخلفيّة
نُخباً ـ
بمفهوم
حَمَلةِ
الشَهادات ـ
تَتصرّف
وَفْـقَ
دفترِ شروطِ
نُخب البَلاط.
إنّ
ظروفاً
سلبيّـةً
وأخرى
إيجابيّـة،
تسمح اليوم
بأن تخرجَ
النخبُ
الحقيقيّـة
من تردُّدِها
وتقتحمَ
الساحةَ
الوطنيّة.
الظروف السلبيّـة
هي: تعثّر
القوى
السياسيّة
اللبنانيّة
كافة. فالقوى
المسيحيّة
منقسمة،
والقوى الشيعيّـة
أسيرة سلاحٍ
انحرف عن
مساره المعلَن
وصار أداةَ
تنفيذِ
مشروعٍ
مبَـطَّن.
والقوى السنـيّـة
أُصيبَت
بـ"دِفرْسوار"
عسكريّ
ونكسةٍ
سياسيّـة،
والقوى
الدرزيّـة في
الجبل تشعر،
على بسالتها،
بحالة حصار
جغرافيّ.
والمؤسّسات
الدستوريّة
والرسمـيّـة
والإداريّـة فَقدَت
توازنَها
وفعاليّـتها.
بكلمة، كلّهم
أمام مأزق.
منهم من فَشِل
ومنهم من
فشَّـل تحقيق
مشروعِ
الدولةِ
المستقلَّة
الحرّة رغم
انتصار سنة 1982،
وتحريرِ سنة
2000، وانتفاضة
سنة 2005، وصمود
سنة 2006،
وأسطولٍ من
القرارات
العربيّـة
والدولـيّـة.
أما
الأسباب
الإيجابيّـة
فهي: انتخاب
رئيسِ جمهوريّةٍ
جديد، ورغبةُ
فئاتٍ واسعة
من الشعب
بالرِهان على
الدولة الجديدة
بَدل بعضِ
الكتلِ
والأحزابِ
التي خيَّبت
أمالها في
السنوات
الأخيرة.
تشجيع
المجتمع الدولي
اللبنانيّين
على تجديدِ
حياتِهم السياسيّة
من خلالِ
مجموعاتٍ
سياسيّـةٍ
جديدة. ووجودُ
ملامحِ
تطوّرات
إقليميّـة من
شأنها أن
تعطيَ قوةَ
زَخمٍ لفكرة
التغيير
والتجديد في
لبنان وعددٍ
من دول
المنطقة.
مسؤوليةُ
النخبِ أن
تلتقِطَ
مختلَفَ هذه
العناصر
والظروف
وتُحوّلَها
قاعدةَ
انطلاقٍ في
الشأن العامّ
على أسسٍ
وطنـيّـة
وأخلاقـيّـة
مرتكزةٍ
أساساً على
المفاهيمِ
التالية:
العملُ
على جمعِ
شَمْلِ
التجمّعات
النخبويّـة
في منظومةٍ
مؤسّساتـيّـة
وطنـيّـة
جديدة تتخطّى
الانقسامات
السياسيّـة
الحالـيّـة،
فتكون مَلاذَ
الراغبين
بالعمل في
الشأن العامّ
في إطارٍ
ديمقراطيّ
حقيقيّ. إن
استمرار
التجمّعات
النخبويّـة
تتناسل
كالفُطْرِ من
دون أيِّ
تنسيقٍ في ما بينها
سيُبقيها
عقيمة،
لاسيما وأنَّ
الحسدَ
والأنانـيّـة
بين النخب
تفوقان
أحياناً
الصراعات بين
أهل السياسة
(قلّما وقعتُ
على نخبويٍّ
يُشيد
بزميله).
مهمّة
هذه
المنظومةِ
المؤسساتـيّـة
وضعُ مشروعِ
تغييرٍ
يتعدّى
العملَ
السياسيّ إلى
نمطِ التفكير
والأداء
العامّ في
المجتمع والحياة.
وعلى أساس هذا
المشروع
تَرسم المنظومةُ
حدودَ
علاقاتها
بالقوى
الموجودة. إنّ
سببَ فشل
النخب
الحالـيّـة
في أن تكون
بديلاً ذي
صُدقـيّـةٍ
عن الطاقم
السياسي
الحالي، هو
تردّدُها في
قَطع "حَبْل
السُرّةِ" مع
القوى
التقليديّـة،
وبلوغُها
بالمفَـرَّق بعض
المناصب من
دونِ احترام
المبادئ التي
كانت تنادي
بها قبل
وصولها (أو
وصولـيّـتها).
الإيمانُ
بقضيّـةٍ
والاستعدادُ
للتضحية في
سبيلها. مَن
يتعاطى
السياسةَ في
لبنان يجب أن
يكون صاحبَ
قضية، فلبنان
وطنٌ وقضية
قبلَ أن يكون
دولةً وإدارة.
ومن يَحمل
قضيةً لا يَربط
نجاحَه
بانتصارٍ
فوريٍّ
وسريعٍ، بل
بمسيرةٍ قد لا
يَقطفُ هو
ثمارَها،
إنما الأجيال
الآتية.
اعتبار
تولّي
المسؤولـيّـات
الدستوريّـة واجبٌ
وطنيّ يتعدّى
الطموحَ
الشخصيّ،
فيخوض
النخبويّون
كل استحقاقٍ
انتخابيٍّ من
دون خجل.
عدمُ
ربطِ العمل في
الشأن العام
ببلوغِ المناصب
النيابيّـة
والوزاريّـة
حصراً؛ فالسلطة
في العالم
الحديث لم تعد
مناصب
رسميّـة فقط،
بل مواقع
تأثير ونفوذ.
في أميركا
وأوروبا،
الاقتصاديّون
يصنعون
السياسية،
والإعلاميّـون
يصنعون
السياسيّين.
هذه
المطالعةُ
تضع
النخبويّين
أمام امتحانٍ
صعبٍ لأن
الشعوب
عموماً
تقليديّـة
ومحافِظة،
ولَـمّـا
تثور
فلِتغـيِّـر
أنظمتَها لا
لتغـيِّـر
نفسَها.
والمأساة، أنه
كلّما جمعت
فرصةُ
التغيير
الشعبَ
والنخب، ذهبَ
كلُّ واحدٍ في
طريق مختلفٍ
عن الآخر: الشعب
عاد إلى طبعه
واختار
التقليديّين،
والـنُـخب
نَأَتْ عن
المواجهةِ إذ
تَخال نوعيّـتها
تُعفيها من
النضال، وهذا
وَهْمٌ. مسؤوليّـة
الشعب أن
يختار
الأفضل،
وواجبُ النخب
أن تكافحَ
وتُقنعَ
الشعبَ
بمشروعها؛
فصعوبة التغيير
لا تَجعله
مستحيلاً بل
ضروريّـاً.
وأملي ألا
تخفِقَ
النخبة في
تولّي السلطة
كما فشِل السياسيّون
في بناء
الدولة.
*
صدر له حديثاً
كتاب جديد:
"لبنان
والشرق الأوسط
بين ولادة قيصرية
وموت رحيم".