العروبة
تبحث عن لجوء
سياسي: جرير
يهجوها وأبو
نواس يتهكم
عليها
والخنساء
تبكيها
بقلم سجعان
قزي – النهار 18/2/2006
نشأ عن قيام
دولة اسرائيل
سنة 1948 صراع
عربي – اسرائيلي
في ظلال "حرب
باردة" بين
الولايات المتحدة
الاميركية
والاتحاد
السوفياتي.
موازين القوى
بين الدولتين
العظميين
جعلت كل الحروب
العربية –
الاسرائيلية،
في تلك
الفترة، مضبوطة
(1948 ، 1956، 1967، 1973، 1978، و1982)
وكل مبادرات
السلام محدودة
(فك الارتباط
في الجولان
سنة 1974، مؤتمر
جنيف سنة 1975،
اتفاقات كمب
ديفيد سنة 1978،
واتفاق 17 ايار سنة
1983).
تداعيات
الصراع
العربي –
الاسرائيلي،
خصوصا الهزائم
العسكرية،
عززت
التيارات
القومية العربية،
فاستغلتها
حركات عسكرية
لانتزاع السلطة
بالقوة في عدد
من الدول
العربية كمصر وسوريا
والعراق
والجزائر
وليبيا
والسودان واليمن...
عسكرة
الانظمة
ضاعفت
الهزائم امام
اسرائيل وادت
الى نكبتين
اضافيتين هما:
1) تغييب
الديموقراطية
عن المجتمعات
العربية. 2) حرب
بين الانظمة
العربية
الملكية
والجمهورية امتزج
فيها الصراع
الاميركي –
السوفياتي مع
الصراع
العربي –
الاسرائيلي.
ونتج من هاتين
النكبتين:
قوانين
الطوارئ، حظر
الحريات، تعطيل
الحياة
السياسية،
وقف النمو
الاقتصادي، وتجميد
حركة النهضة
والتقدم في كل
المجتمعات
العربية
باستثناء
لبنان، الى ان
قبض عليه بجرم
ممارسة
الديموقراطية
خلافا لعادة
محيطه، فحكم
عليه بالسجن
العسكري مدة
ثلاثين عاما
(1975/2005)...
و"بفضل"
الواقع
العربي
التعيس تمكنت
الاقلية
الاسرائيلية
من الانتصار
على الاكثرية
العربية
و"تحيدت"
دولة اسرائيل
نسبيا فتفرغت
لبناء ذاتها
والدخول في
نادي الدول
المتقدمة بل
المتفوقة
عسكريا
وعلميا واقتصاديا.
كانت اسرائيل
مستوطنة
فصارت دولة
(واي دولة؟!)،
وكان العرب
دولا فصاروا
انظمة (وأي انظمة؟!).
شعرت الشعوب
العربية
بالذل
(وتاريخها
مجيد) وبالغبن
(اراضيها
محتلة)
وبالقهر (حقها
مصادر). ولما
لم تتمكن من
تغيير واقعها
لا عبر الديموقراطية
ولا عبر
الثورة، نقمت
على الآخرين
كل الآخرين:
اسرائيل التي
اغتصبت
فلسطين، الانظمة
العربية التي
قمعت
مواطنيها، دول
الغرب التي
ايدت
اسرائيل،
والاتحاد
السوفياتي
الذي نقض
الاسلام
(الشيوعية)
وحاربهم في افغانستان.
نقمة الشعوب
العربية ظلت
تحت سقف الفكر
القومي طوال
ثلاثة عقود (1948 –
1980)، وتمكنت
الثورة الفلسطينية،
المتعددة
المنظمات
والولاءات،
من ان تحتوي
قسما منها في
السبعينات
على حساب
الانظمة
المتضاربة
المصالح. لكن
هذا الاحتواء
تلاشى
تدريجيا مع
حصول الثورة
الايرانية
الاسلامية
عام 1979 وانتهاء
الحرب
السوفياتية –
الافغانية
عام 1989 وانخراط
منظمة
التحرير
الفلسطينية
في عملية
السلام مع اسرائيل
على حساب كامل
الارض وكامل
الحقوق عام 1992.
مع هذه
الاحداث
التاريخية
فقدت الشعوب
العربية
والاسلامية
آمالها في
الانظمة
الحاكمة والمنظمات
الفلسطينية
والاحزاب
القومية وفي
كل مؤسسات
المجتمع. وغارت
في حالة ضياع
فكري وانحطاط
ثقافي وتشرد
حضاري وخيبة
عقائدية،
وتمزقت بين
الانتماء
القومي
الوطني والانتماء
القومي
الديني. ولما
ادارت هذه
الشعوب وجهها
نحو تاريخها
تستغيثه، لم
تجد عمرو بن
العاص يفتح
مصر ولا موسى
بن نصير يبلغ
الاطلسي، ولا
طارق بن زياد
يدخل الاندلس
ولا ابا عبيدة
الجراح يصد
البيزنطيين
في دمشق. لم
تجد سوى جرير
يهجوها وابي
نواس يتهكم
عليها والخنساء
تبكيها.
شكلت هذه
الغصات،
مضافة الى
النقمة،
مناخا نفسيا
دفع لاحقا
العديد من
الفئات
العربية والاسلامية
نحو التيارات
الاصولية
علها تجد في
الرسول محمد
والامام علي
ما ينعش العقل
والوجدان. ولم
تسلم الساحة
الفلسطينية
من هذا التطور
فنمت
التنظيمات
الاسلامية الجهادية
(الجهاد
وحماس)
واعتمدت منطق
الثورة ضد نهج
التفاوض.
اغوت الحالة
الدينية
الاصولية هذه
الشعوب الباحثة
عن مثل عليا
جديدة واحلام
اخرى وقدمت لها
صيغة بسيطة
تقوم على ان
يدفع المرء
هنا (في
الدنيا) ويقبض
هناك (في
الآخرة). ومس
الاغواء كل
الطبقات
الاجتماعية
الفقيرة منها
والغنية. عدا
ان هذه
"الصيغة – الوعد"
تحتاج الى
برهان حسي،
ادعت
الاصولية انها
حل لكل مشاكل
العرب
المسلمين،
وبديل من كل
قيم العالم
وحضاراته،
ونظام حكم
يغني عن مختلف
الانظمة
الملكية
والدستورية،
الديموقراطية
والديكتاتورية،
وعن آل سعود
والهاشميين،
وعن البعث
والناصرية،
وحتى عن مذاهب
الفقه الاسلامي
الاربعة
الاساسية
(الحنفي،
والمالكي
والحنبلي
والشافعي).
وصارت
العروبة تبحث
عن لجوء سياسي
خارج الاسلام
وأرضه.
والأدهى من
كل ذلك ان
دعاة هذا
"النظام
البديل"
وأتباعهم لا
يعون مدى
تخلفهم، بل
يخالون انفسهم
رسل التقدمية
الحقيقية
والمثل
والمثال
للانسان
الجديد. لذا،
عوض ان تأخذ
الاصولية
الاسلامية
الشعوب
العربية نحو
فكر الاسلام
الحقيقي، اي
الى الايمان،
أعادتها الى
زمن الاسلام الاول،
اي الى
الجهاد،
فتركت
انطباعا لدى
البعض كأن
الاسلام حركة
جهادية دائمة
وفتح عسكري
مستمر.
نزعت الحالة
الجهادية
الهوية
الوطنية وحتى العربية
عن كل قضايا
الشعوب
العربية
وأعطتها
انتماء
اسلاميا
مغايرا
للاسلام
المألوف بمنأى
عن رقابة
الانظمة
وبدون اعتبار
سيادة الدول
وحدودها. عولم
الاسلام
الاصولي
الصراعات،
فلم تعد من
المحيط
الاطلسي الى
الخليج العربي
بل من القدس
حتى
اندونيسيا
مرورا
بأفريقيا واوروبا
وأميركا
واوستراليا.
وما أعطى
نماذج دافعة
للجهاد
الأصولي
بشقيه السني
والشيعي
تجارب
المنظمات
الفلسطينية (خطف
الطائرات،
احتجاز
الرهائن،
الاغتيالات)،
والثورة
الايرانية
(تصدير
الثورة،
احتلال
السفارات او
تفجيرها، نسف
مراكز
المارينز
والفرنسيين
في بيروت)،
والحرب
السوفياتية
في افغانستان
(تدريب المقاتلين،
حرب الجبال
والوهاد)،
والحرب العراقية
– الايرانية
(قتال
الخنادق،
إضعاف أقوى دولة
عربية وأقوى
دولة اسلامية
وفتح الصراع السني
– الشيعي)
والحرب
الجزائرية
(العسكر ضد السياسيين
والثوار ضد
الشعب)
واجتياح
العراق للكويت
(خرق الحدود
الدولية
والمس بميزان
القوى
النفطي).
لم تكن هذه
النماذج
بغالبيتها
حروبا بين المسلمين
والغرب او بين
العرب
واسرائيل، بل
معارك في دار
الاسلام وقلب
المسلمين
امتدت حتى روسيا
الآسيوية
(الشيشان).
ورغم ذلك، بدت
هذه التحولات
طبيعية في
التحليل النفسي
الجماعي،
فالفكر
القومي هو
رديف الهزائم ضد
اسرائيل
بينما الفكر
الديني جسد
الفتوحات
الإسلامية
القديمة (من
مكة حتى
الصين) واحتلال
اوروبا
(السلطنة
العثمانية)
والانتصار على
امبراطورية
شاه ايران
(الثورة
الخمينية) وعلى
الاتحاد
السوفياتي
(انسحابه من
افغانستان). غير
ان الاصوليات
التي استحكمت
بالشارع العربي
لم تكن عربية
الهوى بل
اسلامية
آسيوية كون الحدثين
الركنين في
الحالة
الاصولية
(ايران الخمينية
وافغانستان
الطالبانية)
هما اسلاميان
غير عربيين.
فمولت الاولى
(ايران)
الحركات
الاسلامية في
العالم
وسلحتها فيما
صدّرت الثانية
(أفغانستان)
المقاتلين
الجهاديين من
الجزائر حتى
اندونيسيا
مرورا
بالعراق.
ظنت الحركات
الاسلامية
الاصولية
انها ستبعث
معارك
الانتصار
الاسلامي على
الاعداء كمعارك
تبوك وبيسان
واليرموك
وقرطاجة
واسبانيا
والقسطنطينية
وملازكرت،
لكنها أحيت
فقط معارك
الاقتتال بين
المسلمين
كمعارك أحد
وصفين
والخوارج وكربلاء
وحراء
والزاب(1).
ورغم ذلك
تفاقم انتشار
النزعة
الاصولية في المجتمعات
الاسلامية،
العربية وغير
العربية، ولا
سيما بعيد
سقوط الاتحاد
السوفياتي عام
1990 اذ فقد العرب
(الحليف
المفترض)
وباتوا رهن
القرار
الاميركي
المتصل في بعض
جوانبه
بالمصالح
الاسرائيلية،
وبعد اجتياح
الولايات
المتحدة
الاميركية
(العدو
المفترض)
الخليج
العربي تحت
ذريعة تحرير
الكويت من
العراق. ولا
نغفل هنا ان
الولايات المتحدة
الاميركية
شجعت في مراحل
معينة من الحرب
الباردة،
الحركات
الاسلامية
للحد من
انتشار النفوذ
السوفياتي
(الملحد) في
عدد من الدول
العربية
والاسلامية،
لكنها أخفقت
في السيطرة عليها
بعد سقوط
الاتحاد
السوفياتي
(ايران، افغانستان،
الجزائر،
الضفة
الغربية
وغزة...).
وهكذا رأينا
الحروب
الاهلية
الاسلامية
تشعل العالمين
العربي
والاسلامي
مجددا: العراق
يحارب ايران
ويحتل الكويت.
ايران تسيطر
على جزر أبي
موسى وطنب
الكبرى
والصغرى
وتهدد
الامارات
ودول الخليج.
اليمن
الشمالي ينهي نظام
اليمن
الجنوبي
فتفتح
السعودية ضده
جبهة على حدود
الربع الخالي.
الجزائر
تغتال ثورة المليون
شهيد وتغرق في
حرب داخلية
همجية.
السودان
يترنح بين
الاصولية
الدينية
والنظام
العسكري ويفشل
في قمع حركة
تحرير جنوبه.
تنظيم
القاعدة يعيد
الاسلام الى
جاهلية
العصور ويعلن
حرباً عالمية
على الدول
الاسلامية
والغربية.
واخيراً يسقط
العراق
ويتمزّق شعبه
بين شيعة وسنة
واكراد
ومسيحيين،
وتنتصر
"حماس" على
"فتح" في انتخابات
25 كانون
الثاني 2006،
والآتي اعظم...
فانتصار
"حماس"
انتهاك
للهوية
العربية
(الاسلامية – المسيحية)
للقضية
الفلسطينية.
في مرحلة ما،
وفي محاولة
لاستيعاب
الاحباط العربي،
سعت اميركا
الى اطلاق
مؤتمر مدريد
للسلام (30
تشرين الاول 1991)
بالتنسيق مع
الدول الكبرى
الاخرى. لكنها
اخفقت في
تلبية طموحات
الشارع العربي
الذي اعتبر
استسلاماً
السلام بين
اسرائيل
ومنظمة
التحرير
الفلسطينية
(اتفاق اوسلو في
13 ايلول 1993) وبين
اسرائيل
والاردن
(اتفاق وادي
عربة في 26
تشرين الاول 1994). والحقيقة،
ان اسرائيل
استغلت هذه
التحولات لتطرح
مشروع الشرق
الاوسط
الجديد قبل ان
تنهي
نزاعاتها
الحدودية مع
لبنان وسوريا
وقبل ان تحسم
مصير الدولة
الفلسطينية.
وفي هذا السياق
تناسلت مكاتب
التمثيل
الاسرائيلية
في قطر وعمان
والمغرب
وتونس
وموريتانيا،
الخ...
لقد اخطأ
الاميركيون
والاسرائيليون
في استسهال مفاوضات
السلام مثلما
اخطأ العرب في
الاستهتار
بالحروب ضد
اسرائيل. في
مفاوضات
السلام كان
ميزان الحق
لمصلحة العرب
لكن اسرائيل
فاوضتهم على
اساس قوتها
ففشلت، وفي
الحروب كان ميزان
القوة لمصلحة
اسرائيل لكن
العرب حاربوها
متسلحين
بحقهم
فانهزموا.
والعالم
العربي، الذي كان
حتى
التسعينات
تحت احتلال
واحد (الاسرائيلي)،
امسى بعد
الحادي عشر من
ايلول 2001 تحت
ثلاثة
احتلالات
رئيسية:
اسرائيلي
يريد اساساً
الارض،
واميركي يريد
الانظمة
والنفط،
واصولي يريد
الارض والناس
والانظمة
والنفط... والجنة.
في هذه
اللوحة
السوداء نقطة
بيضاء (لا
تخلو من
الغيوم) هي
لبنان. يكاد
هذا البلد،
المشتبه بعروبته،
ان يكون
الاستثناء
القدوة: فوحده
تخلص من
احتلال عدو
(اسرائيل) ومن
احتلال شقيق
(سوريا)،
ووحده من بين
الدول
العربية
والاسلامية
وجه بندقيته
ضد اسرائيل
(جبهة الجنوب)،
ووحده يدعو
تنظيماً
كـ"حزب الله"
ذا المنطلق
الاصولي الى
الانخراط
السلمي في الدولة
المدنية.
ووحده بعد
اغتيال رفيق
الحريري اعطى
امثولة في
التعايش بين
الاديان (ساحة
الشهداء). لكن
هذه الفورة
العاطفية لم
تتحول الى فعل
سياسي. لقد
كان "نيتشه"
محقاً حين
كتب: "قيمة
المشاعر ليست
في قوتها بل
في استمراريتها"...
ولان المشاعر
عندنا موقتة،
تعود الاحداث
الينا بقوة
متفجرة
وبـ"حماس"...
(1)
حصلت هذه
المعارك
تباعاً سنوات
631 – 635 – 636 – 698 – 711 – 716 – 1071 – 625 – 657 – 678 – 680 – 683 – 750.