الفيدرالية في لبنان طرح جدي أم للاستهلاك الإعلامي

 المحللان السياسيان اختلفا على "الطائف" أحدهما رأى فيه

 حلا وآخر رأه عمق الاختلاف وجعل لبنان يحكم من الخارج

 تقي الدين وقزي لـ "السياسة": إذا أردنا تحويل الفيدرالية إلى بعد جغرافي سيتحول البلد إلى أحياء

 بيروت من سوسن بو كروم:29/8/2005

في كل حوار سياسي حول الوضع في لبنان نسمع كلاما عن ضرورة ايجاد نظام سياسي جديد يتناسب مع الصيغة اللبنانية القديمة الجديدة وبين تلك الافكار يطرح بقوة موضوع الفيدرالية اذ تتعدد الاراء حولها كنظام دستوري جديد ملائم للبنان فيرى فيها الاغلبية نظام وحدة كونها كمفهوم وجد لحل النزاعات بين مختلف فئات البلد إن على اساس قومي او لغوي او جغرافي.

فهل هي النظام الانسب للبنانيين وعلى اي اساس يمكن تطبيقها في ظل جغرافيا صغيرة وتعدد طائفي لا مثيل له في اي من البلدان التي تطبق نظام الفيدرالية, وهل تطرح الفيدرالية بشكل جدي وهل هي امتداد لما يجري في المنطقة? وفي الحوارين التاليين مراجعة تاريخية لبعض الاحداث التي مرت في لبنان والتي منعته من الوحدة الفعلية ولماذا توصلنا للحديث عن الفيدرالية وما مدى قدرتها على حل الازمة اللبنانية.

المحامي والمحلل السياسي سليمان تقي الدين يقول ان الفيدرالية هي صيغة سياسية حضارية لبناء وحدة دول على اساس ضمان حق الاختلاف والتعدد وهي حل لمشكلة التعددية في المجتمعات, ولكن خلافا للانطباع السائد عنها الذي يعتبر انها صيغة تقسيم فهي صيغة توحيد لمعالجة مشكلات الاختلاف ببناء الوحدة وارقى دول العالم تعيش في ظل النظام الفيدرالي, وهي صيغة وحدوية عند صعوبة ضبط النزاعات التي يصعب ضبطها في ظل الدولة المركزية الواحدة. واساس الفيدرالية انها فكرة جغرافية بالدرجة الاولى لا تتم الا على اساس جغرافي فالدول الاتحادية نتكون من مجموعة اقاليم معينة لها اداراتها الذاتية بما فيها من جماعات متعددة او متمايزة بامور معينة اهمها اللغة والقومية او الوحدات الجغرافية.

اما في لبنان طرح موضوع الفيدرالية عام 1976 مع بداية الحرب الاهلية وتبنته او طرحته بشكل اساسي الاحزاب المسيحية وخصوصا حزب الكتائب بل تيارات من حزب الكتائب لكن المفهوم طرح على اساس طائفي وهنا كانت الفكرة الجديدة في هذا الموضوع التي لم توجد قبل على اساس طائفي, وهذا الطرح كان ملتبسا في لبنان بين ان يكون تقسيم لدولتين مسلمة ومسيحية وبين ان يكون نظام فيدرالي مبني على الكانتونات.

والتعددية اخذت بمفهومها الديني وتجسيدا وبلورة لها وذهبوا الى القول بكانتونات طائفية, والصيغ التي طرحت لا تتعدى ثلاثة او اربعة كانتونات بمعنى الاعتراف بالكانتون المسيحي والكانتون السني والشيعي والدرزي علما وهنا المعضلة الاساسية ان البلد مكون من سبعة عشر طائفة والان اصبحوا ثمانية عشر, فاذا فكرة الكانتونات كما طرحت تطمس بعض التمايزات الاخرى وتطمس الحقائق والوقائع لان الكانتون المسيحي بدوره متنوع بين ماروني وكاثوليكي وارثوذكسي وضمنها ايضا الارمني وهناك اقليات اخرى لهذا اعتبر انها انطلقت من فرضية غير صحيحة وتتجاهل هذا المعطى. بحيث اعتبرت المارونية السياسية نفسها في قيادة المسيحيين وهي فعلا قادت المسيحية السياسية خلال الحرب وهذا لا ينكر ادوار الطوائف الاخرى, خصوصا ان هذه الطوائف بقواها الاساسية لم تشارك في هذا التوجه لان الباقين ليس لديهم هذا التوجه بل قامت المارونية بهذا الطرح نيابة عن جميع المسيحيين. وبالموضوع الاسلامي جرى الحديث عن الطوائف الثلاث الكبرى الشيعية السنية والدرزية رغم ان هناك طوائف اسلامية اخرى.

ثانيا المشكلة الاساسية تاريخيا, وبالدول التي اعتمدت النظم الفيدرالية اما انها اخذت اقاليم ذات هوية تاريخية معينة جمعتها (الولايات المتحدة الاميركية).

اما في الصيغة اللبنانية هناك مشكلة حقيقية كبيرة هي ان هناك مناطق ذات لون طائفي غالب لكن ليس هناك مناطق ذات صفاء طائفي حتى قبل الحرب, واثناء الحرب صفيت بعض المناطق وبعض البؤر الغيت لكن مع ذلك ما يزال القسم الاكبر من التلاوين المناطقية اللبنانية تعددي وبالتالي الفيدرالية بهذا المعنى هي عملية جراحية خطيرة.

ونستدرك هنا ان لبنان يعيش فدرالية الطوائف لكن ليس على اساس جغرافي بل على اساس قانون الانتخاب واساس التمثيل الطائفي الى حد ما, يعني الطوائف تستقل بكثير من شؤونها الداخلية وتشارك بدولة مركزية واحدة واخذت ابعادا اكبر مع الوقت حيث لكل طائفة جيشها وميليشياتها واعلامها ومدارسها ومستشفياتها ومراكز خدماتها الاجتماعية.

لذا وعندما نفكر بالفيدرالية كحل لنزاعات التعدد يفترض اننا نقوم بحل سلمي لهذه النزاعات لكن مأساة طرح الفيدرالية في لبنان انها مشكلة بحد ذاتها لانها مجرد محاولة لرسم خريطة المقاطعات او الاقاليم او الولايات عمليا نحن نفرز السكان بكل المناطق وهذا امر بغاية الخطورة, وبهذا المعنى تاريخيا عولجت تجربة النزاع الطائفي في نظام فيدرالي بمعنى ما خاص اسمه نظام الطائفية وكان بدعة لمعالجة نظام تعددي دون الفرز الجغرافي.

وعندما وقعت الحرب في الاربعينات نشأت منطقتان وحل فيدرالي وهما المنطقة الدرزية والمنطقة المارونية لكن بعد حين اكتشفوا ان في المنطقة الدرزية هناك الكثير من المسيحيين الذين يريدون استقلالهم وفي المنطقة المسيحية هناك قلة من الدروز يريدون ايضا استقلالهم ولا يمكن فرزهم جغرافيا فكان هذا النظام الطائفي والتمثيل الطائفي الذي تبلور بشكل خاص في المتصرفية.

لذا نحن لدينا فيدرالية طوائف لكن ليس على اساس جغرافي بل الى حد ما تمثيل خاص للجماعات وهذا شكل من اشكال الفيدرالية. وان اردنا تحويله الى بعد جغرافي فنحن امام مشكلة حقيقية اذ تصوري كيف يمكن ترسيم حدود الاقاليم في لبنان, فسيتحول لبنان الى احياء.

من هنا فان الفيدرالية بالحالة اللبنانية ان اخذت شكلا جغرافيا هي مشكلة وليست حلا والذي يحصل الان ان النظام الطائفي يتضمن شيئا من مفهوم الفيدرالية وكونه كذلك جاء الطائف ليبحث عن حل للموضوع وينزع باتجاه مزيد من التوحيد واقترح صيغة هي مجلس الشيوخ لكن المشكلة ايضا ان الطائف لم يطبق وطوال خمسة عشر سنة الماضية كانت النزاعات السياسة تؤدي الى تطوير النزاع بين الطوائف الى ان وصلنا الى هنا, ولو طبق الطائف بحذافيره وبامانة لما كنا في هذا الوضع.

* أمام هذا الواقع الحديث المتكرر عن الفيدرالية في لبنان هل ترى انها مطروحة بجدية?

- بمعنى ما ارى انه يعاد الحديث عن الفيدرالية في ضوء تطور مهم جدا اسمه اعادة الخوف والقلق الى جميع الطوائف اللبنانية نتيجة انتقال لبنان من موقع اقليمي معين الى موقع اقليمي اخر, وهذه المرحلة الانتقالية تشعر كل الطوائف بالخوف على مصيرها والنظام السياسي يعاد تكوينه من جديد من حيث العلاقات وتوازنات القوى وهذه الاعادة تجعل الطوائف مستنفرة للحفاظ على مصالحها.

وجاءت الانتخابات النيابية لتجسد هذا الاستنفار في استقطاب طائفي حاد حول مجموعة من الزعامات المركزية في كل طائفة, وهذه الزعامات المركزية تجسد الان شكلا من اشكال مفهوم الفيدرالية بمناطقها بالمعنى السياسي.

والموضوع فعليا مطروح اذ بمجرد الحديث بتوتر طائفي في البلد نحن نحتاج الى صيغة سياسية جديدة, وعندما نتحدث عن هذا التوتر وبمداراته فورا تكون احد الحلول المطروحة هي الفيدرالية. لذا فان الموضوع يفرض نفسه في ضوء الواقع السياسي وليس برغبات اشخاص. والخطورة ان في السنوات الماضية بعد الطائف لم نذهب بخطوات قوية باتجاه الوحدة ولو حصل ذلك لما كنا سنطرح مشروع الفيدرالية الان. فاذا هي تطرح لان هذه السنوات كنت تعمق الانقسام الطائفي وقد رفع الغطاء عن هذا الموضوع واصبحت الطوائف معسكرات تقف بوجه بعضها البعض وهذا السبب الاول. اما السبب الثاني فهو ما يجري في المنطقة من اندلاع رهيب للعنف وصعود للعصبيات والاصوليات والسلفيات ومن الفرز الطائفي والمذهبي بدءا بالعراق وامتدادا لكل المنطقة, وفي هذا المناخ يعاد طرح الهويات الطائفية وعند تبلور هذه الهويات باطار سياسي تكمن الخطورة وعندما تقدم نفسها كمؤسسة سياسية وتطرح نفسها ذات هوية سياسية يعني دخلنا في مفهوم الفيدرالية حكما.

ويأتي هذا ليساعد ويجسد ويدعم المشروع الاسرائيلي الاصلي في المنطقة بتقسيمها الى دويلات واضعافها وتقوية هوياتها الاقلية, واذا كان كذلك فاذا المنطقة تعيش في هاجس فعلي من امتداد هذا التوجه لكل انحاء المنطقة.

* إذا ليست الاحداث الامنية سببا رئيسيا لما يجري في لبنان?

- ليس هذا بالطبع بل لان النظام الاقليمي هو جزء من النظام الدولي وسابقا كان يشكل النظام الدولي توازنا يحمي الدولة القطرية وضمن الدولة القطرية كان للعرب نزوع نحو الوحدة الاقليمية كعرب, لكن مع انهيار النظام الدولي الذي اصبح احادية انهار معه النظام الاقليمي, وهذا الانهيار للنظام الاقليمي وانكشاف الوضع العربي جعل من الدولة القطرية نفسها موضوع سؤال.

والمشكلة الان مشكلة الدولة القطرية وليس وحدة العرب, وغير مطروح وحدة العرب بل وحدة كل دولة على حدا اي وحدة العراق والسعودية ودول الخليج ووحدة فلسطين او الاردن, وبمشروع شارون الاردن هو الحل البديل حيث عاد الى الفكرة الاسرائيلية الاساسية بان الاردن هو الدولة الفلسطينية. والذي يحكى عن الفيدرالية ليس وهما بل تطرح نفسها لان مجريات الواقع تتجه باتجاهها.

وواحدة من المشكلات الحقيقية ان القوى السياسية تتصرف على النحو الذي يدعم ويتجه بهذا الاتجاه, لان تصرف القوى السياسية تجاه الدولة تقاسما لها على اساس المحاصصة بشكل قوي والابتعاد عن توحيد المصالح خصوصا بعد الحرب واصبح هناك حدة بالتقاسم الوظيفي في الدولة وهذا يعني اننا نمارس الفيدرالية واقعيا, وليس هناك من طرف سياسي لبناني يملك مشروعا لدولة لبنانية موحدة فعليا, الا ان هناك قوى موضوعية مع فكرة الدولة.

لكن لا احد يطرح هذا الحل مباشرة لان هذا الطرح في لبنان ليس حلا سلميا بل يكاد يوازي اعلان الحرب الاهلية لهذا يخجلون من هذا الطرح, لكن فعليا طرح الفيدرالية على اساس مناطقية جغرافية هو مشروع تفكيكي وليس توحيدي لان الدولة في لبنان بانظمتها وقواعدها بمستوى متقدم للوحدة لذا تكون الفيدرالية حل الى الوراء وهي ان ننتزع من الدولة الواحدة الكثير من صلاحياته, لذلك لا يطرحونه علنا لكنهم يمارسونه فعلا. لماذا لانه ليس هناك من قوة سياسية تملك مشروعا لدفع الوحدة اللبنانية الى الامام التي تجسد ببناء الدولة لكل اللبنانيين. ويفترض ان الطائف اعطى نظرية معينة لكيفية بنائها لكنها لم تبن وبالتالي واقعيا كلما ضعفت الدولة قويت الكانتونات الطائفية ونحن الان امام حالة ضعف في الدولة المركزية لانها لا تتطور ولا تزداد قوة لا في مؤسساتها ولا في فكرة القانون فيها ولا في فكرة المواطنة, والمجالات التي هي اساس المواطنة تنتزعها الدولة والطوائف. وقبل الحرب كانت مطالب الناس تحميل الدولة مسؤولية الاعباء التربوية والاجتماعية وغيرها فيما الاتجاه الان الى تحميل الطوائف هذه الاعباء وبناء حصص طائفية وعلى كل المستويات. لذا نحن امام وضع يقف على راس دبوس اما ان ينقلب باتجاه دولة الوحدة او باتجاه دولة التفكك.

* أيهما أسهل على اللبنانيين?

- الوحدة اسهل وكلفة التفكك في لبنان غير قابلة للتخيل, لان التفكك سيكون مشروع حروب متواصلة والرهان عند اللبنانيين هو على وعي لهذه المشكلة لان مشكلات بناء مثل هذه الوحدات كبيرة ولو ان القوى السياسية تستسهل بناءها لفعلت ولم تنتظر الى الان, لان لا حد ادنى من التوازن في لبنان ولدينا دولة مركزية قديمة, والتفكك الدولي سيقسم لبنان الى مناطق غنية واخرى فقيرة والانقسام لن يحدث التوازن, هذا لان خدمات الدولة مركزية كما ان هناك مركزية مرفقية هائلة في لبنان وكيف يمكن تقسيمها, ولن يكون لكل المناطق قدرات اقتصادية.

ومن ناحية اخرى فان الديمغرافيا اللبنانية خطيرة جدا بهذا المعنى فتجربة الحرب حيث كانت هناك كانتونات قيد الدرس بمعنى كل منطقة تحت قيادة طائفية معينة, لكن داخل هذه الكانتونات كان هناك تناقضات هائلة ومجرد التفكير باعطائها حالة قانونية مستقرة تتفجر تناقضاتها.

* ما هو الحل الانسب للبنان الان?

- الحل موجود, اذ انه تاريخيا فان النظام الطائفي هو الحل لمشكلة التعدد والفرق ان النظام الطائفي استعمل من قبل القوى السياسية باتجاه تفكيكي اكثر مما استعمل باتجاه توحيدي, وجاءت اصلاحات الطائف لاعادة التوازن في النظام وتفتح افاق نحو المستقبل, وقال بان الطوائف في لبنان كيانات اجتماعية وثقافية ..تحتاج الى ضمانات لتشعر بانها مطمئنة الى مصيرها والى هويتها, وهذه الضمانات مكان تامينها في مجلس الشيوخ وهذا المجلس تناط به مسؤولية تامين ضمانات للطوائف ومعالجة مشكلة الخوف عند الطوائف وعند المجموعات من انتقاص حقوقها في حين ان المواطن هو مواطن يتمثل في مؤسسات مواطنية صافية هي مجلس النواب. لذا فان الحل الفعلي هو بتطبيق اتفاق الطائف حرفيا ولو نفذ بامانة لما تطورت الاحداث لتصل بنا الى هنا.

من ناحيته قدم الباحث والمحلل السياسي سجعان القزي رؤيته الخاصة حول ما يجري في لبنان وحول الفيدرالية اذ راى انها مثل اي نظام دستوري له حسناته وسيئاته وفيما يلي نص الحوار:

¯ هناك تطبيق غير مباشر للفيدرالية في لبنان عبر نظام سياسي يقوم على المحاصصة فما قولك?

اظن اننا نقلل كثيرا من قيمة الفيدرالية او من اي نظام دستوري نقارنه بالمحاصصة لان هذه الاخيرة هي ذهنية عند رجال السياسة يمكن ان تطبق في اي نظام دستوري موجود اكان مركزي او لا مركزي فيدرالي او كونفدرالي او في دولة مقسمة او موحدة.

المحاصصة لا علاقة لها بالنظام الفيدرالي بل لها علاقة بالممارسة السياسية وبالذهنية السياسية.

الفيدرالية واحدة من النظم الدستورية وهو موضوع في كتب العلم الدستوري في خانة الانظمة الموحِّدة وليس في خانة الانظمة التقسيمية, واعتقد ان الفيدرالية نظام تلجا اليه الشعوب لحل مشاكل تعايشها وعندما يكون هناك عدة اثنيات في دولة واحدة وعدة مناطق جغرافية تنتمي الى تاريخ مشترك ونزاعات حدودية داخلية وحزازات مناطقية (اميركا الجنوبية والشمالية المانيا وسويسرا..) واكبر دول في العالم اليوم واكثرها تقدما اقتصاديا وتماسكا وطنيا هي دول فيدرالية او كونفدرالية اي دول اتحادية.

بداية وقبل ان نقول اذا كان النظام الفيدرالي يصلح او لا يصلح للبنان يجب ان نفهم ان الفيدرالية ليست مسالة سياسية يمكن ان تستعمل كسلاح بين اطراف متقاتلين انما هي دستور يمكن ان يكون حلا لبعض المشاكل وهو نظام سياسي مثل الانظمة السياسية الاخرى له حسناته وسيئاته وكما النظام المركزي لا يطبق في كل مكان كذلك لا يمكن للفيدرالية ان تطبق في كل مكان.

"وقال ديغول نقلا عن الفيلسوف تولو عندما سئل اي دستور افضل في العالم فقال لهم قولوا لي اي دولة لاجيبكم اي دستور" وليس هناك من دستور في العالم صالح بالمطلق لان الدستور ياخذ شكل الدولة والمجتمع والشعب الذي يعيش فيه, من هنا الفيدرالية احد الانظمة التي اخترعها علماء الدستور لحل المشاكل في الدول المتعددة الاثنيات او المذاهب او الطوائف او القوميات وحتى الان اثبت هذا النظام في مثل هذه الدول نجاحه اكثر من الانظمة المركزية الحتمية.

هل هناك صيغة معينة للفيدرالية يمكن تطبيقها في لبنان?

ارى ان افضل صيغة كان يمكن للبنانيين ان يعيشوا في ظلها هي صيغة سنة 1943 مع تعديل بسيط يزيد من دور الشيعة من جهة ومن دور الدروز من جهة اخرى لان هذه الصيغة صحيح انها صيغة مسيحية اسلامية مركزية ولكنها ارتكزت اساسا على المارونية السياسية والسنية السياسية, فشعر بالجانب الاسلامي وكان المسيحيين قاموا بصفقة مع السنة لكسب ود العالم العربي على حساب الدروز في الجبل الذين هم رفاقهم عبر التاريخ ومع الشيعة في الجنوب والبقاع اللذين واجهوا معا اكثر من عدو خارجي مشترك فحصل نوع من الحقوق المهضومة عند الشيعة وعند الدروز من الصيغة التي وضعت ذلك العام.

وعندما جاء اللبنانيون 1989 لتعديل صيغة 1943 في ما سمي باتفاق الطائف نزعوا صيغة 43 ولم يعطوا صيغة افضل منها لان في الطائف, وانا لست ضد الطائف لانه اعطى صلاحيات للسني على حساب الشيعي او للشيعي على حساب الدرزي او للدرزي على حساب الماروني, بل انا لا اؤيد اتفاق الطائف رغم انه نص على مارونية رئيس الجمهورية (وانا ماروني) ونص على المناصفة المسيحية الاسلامية ولا اؤيده لانه دستور غير قابل للحياة لانه خلق نظاما فيدراليا من فوق لا مركزي في الوسط ومركزي من الاسفل بل قام بالفيدرالية ببدعة ما يسمى بالرؤساء الثلاثة واصبح عندما يجتمع رئيس الجمهورية مع رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب يظن بان رؤساء ثلاث دول اجتمعوا في قمة, في ما في الدول الاخرى عندما يجتمع الثلاثة او اثنين منهما لا يتحدث احد عن الموضوع حتى في وسائل الاعلام المحلية, كما اضيف لهؤلاء الثلاثة رئيس رابع من خارج الثلاثية هو الزعيم الدرزي الذي هو حاليا وليد جنبلاط وعلينا ان نعترف الان ان جنبلاط هو الزعيم الاقوى في الطائفة الدرزية, هذه هي الفيدرالية في الاعلى وفي الوسط لا مركزي حيث مجلس الوزراء ومجلس النواب الذي فيه التصويت والاقلية والاكثرية اذا هناك لا مركزية معينة, اما في الاسفل المجتمع والادارة مركزية.

وهذه اول نقطة ضعف في الطائف "وكان احدهم خلق طفل منغولي بالتعبير الشعبي لهذا المرض", والناحية الاخرى وعوض ان يخلق الطائف توازنا بين السلطات خلق لا توازن بينها, ما خلق اختلافا داخليا وجعل البلاد لا تحكم الا من جهة اخرى خارجية, وفي مرحلة معينة لو كان الطائف موجودا اثناء وجود ياسر عرفات في لبنان 1975 كان حاكم لبنان في ظل الطائف هو عرفات, ولكن السوريين هم الذين كانوا اثناء هذه المرحلة ومن حكم لبنان ولعب دور المصلح "او الذي كان يشعلها ويطفئها" هو السوري, اما اليوم من الذي يحكم لبنان ويحاول خلق التوازن في الطائف هما السفيران الاميركي والفرنسي مع السفير السعودي, اذا هذه النقطة الثانية.

اما النقطة الثالثة وهي ان هناك اجراءات دستورية في الطائف غير موجودة وظاهريا اعطيت الصلاحيات ونقلت من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء لكن ظن رئيس الحكومة المسلم السني ان بيده اصبحت الصلاحيات وتم اختصارها اثناء حكم الرئيس رفيق الحريري, اذا الصلاحيات التي كانت محصورة برئيس الجمهورية لم تعد موجودة في اي مكان والدليل هو تعطيل القرارات من قرار تزفيت طريق الى قرار المشاركة بحرب او سلام كما لا يوجد في العالم كله ولا في اي نظام رئيس جمهورية لا يحضر مجلس الوزراء او لا يصوت اثناء الاجتماع, حتى في فكرة المقر الخاص لمجلس الوزراء يبدو وكان الدول اللبنانية تنتقل الى مكان محايد او دولة محايدة للاجتماع. وبالنتيجة مهما كانت طائفتي اعتبر ان اتفاق الطائف هرطقة دستورية بغض النظر اين توجد الصلاحيات الدستورية.

* هل تعتبر اذا ان اتفاق الطائف هو الذي اوصلنا الى مرحلة نبحث فيها عن نظام سياسي جديد?

لا بل اعتبر ان الحرب اوصلتنا الى الطائف وخاصة معركتين اساسيتين "معركة عون التي سماها حرب التحرير ضد الاحتلال السوري ومعركة ما سميت معركة الالغاء بين عون وجعجع" اضيف لها رواسب الحروب من 1975 الى 1988 ادت الى اتفاق الطائف, ولا يمكننا ان ننكر ان هذا الاتفاق وجد على عجالة لان اميركا كان لها اهتمامات اخرى حينها وكانت الدول الكبرى مع دول الخليج تريد انهاء الوضع في لبنان باي ثمن. ولا يمكن وضع دساتير لدول باربع وعشرين ساعة بل تحتاج الى مجموعة خبراء يبحثون على اسابيع واشهر بالنظام الدستوري فيما بعض من كان في اجتماعات الطائف هم اميون, وكيف يمكن ان نطلب من مجموعة غير مؤهلة بكاملها من نص دستور يشكل مناعة الحياة والاستمرار لسنوات والدليل ان الطائف سقط في اليوم الثاني حين بدات المعركة بين جعجع وعون, وهل من الضروري ان يتقاتل مسيحي مع مسلم كي يكون فشل الاتفاق وما حصل ان القتال وقع بين مسيحي ومسيحي بل بين لبناني ولبناني, وبعدها فشل الاتفاق بانتخاب رئيس الجمهورية الياس الهراوي الذي لا يمثل المجتمع المسيحي, ووضع رئيس حكومة هو رفيق الحريري من خارج القيادات الاسلامية التقليدية.

لذا ليس الطائف الذي يوصلنا او ممكن ان يوصلنا الى الفيدرالية بل ان كان للبنانيين رغبة بان يعيشوا سويا هناك طريقتان اولهما الاتفاق على نوعية الحياة الاجتماعية والثقافية والحضارية قبل الاتفاق على الشكل الدستوري ومتى اتفقوا على نوعية الحياة يصبح اي شكل دستوري بما فيها الشكل الدستوري المركزي مناسبا, وليس كما هو حاليا حيث لكل منطقة حضارة خاصة ونمط اجتماعي خاص, اذا لا يمكن لشعب اصبح متمايزا حضاريا واجتماعيا وتربويا بهذه الدرجة ان يعيش بدولة مركزية.

ثانيا هناك انقسام بين اللبنانيين حول السلطة والحكم في لبنان, وكل فئة من الفئات تطالب بحقها بممارسة دور اكبر. ولكن منذ 1943 حتى اليوم لم تثبت التجربة المركزية نجاحها رغم صوابيتها النظرية بل فشلت على الارض.

والنقطة الثالثة التي يختلف عليها للبنانيين هي تاثير الاحداث الخارجية وبمرحلة معينة ظننا ان لا حل للقضية اللبنانية الا بحل الصراع العربي الاسرائيلي بل توصلنا اليوم الى قناعة بانه لا يرتبط فقط بهذه القضية بل اصبح مرتبطا ايضا بالحالة الخليجية والحالة الاصولية والمشروع الاميركي في المنطقة والمشروع الفرنسي في المنطقة ايضا ومرتبط بايران وسلاحها النووي وبالعراق وبكل شيء وكل طرف خارجي لديه ممثل طائفي او سياسي داخل لبنان, ما يجعل لبنان بعيدا عن اي استقلال حقيقي ما دام مرتبطا ومتاثرا بكل هذه القضايا الخارجية.

ومن هنا ادعي بغض النظر عن اي نظام سياسي الى الطرح مجددا وبدون حياء تحييد لبنان عن الصراعات التي تحدث حولنا لان لبنان ادى قسطه للعلى "ادى قسطه للقومية العربية, ولقضية الوحدة العربية, وللقضية الايرانية, وللقضية الفلسطينية فعرفات والفلسطينيون خربوا البلد وفي الجنوب قبل اي منطقة اخرى".

واعلم ان رأيي هو راي اقلية من اللبنانيين ولكنني أرى ضرورة حياد لبنان عن كل هذه القضايا لكن هذا الحياد لا يعني ان يصبح ضد الفلسطينيين والعرب وسورية ومع الاعداء ان كانوا اسرائيليين او اميركيين او غير ذلك بل لبنان يحافظ على تضامنه مع كل القضايا العادلة لكنه هو من يحدد مدى قدرته على المساعدة في حل هذه القضايا.

وحول ما اذا كان يرى بصيص امل بايجاد الحل المنشود قال حين ينظر الى الشعب اللبناني اتفاءل وحين انظر الى القادة اتشاءم وابدى قلقه حول مصير لبنان انطلاقا من نوعية القيادات الموجودة حاليا في المجتمع اللبناني عند كل الطوائف اللبنانية وعند المسيحيين قبل المسلمين. ولكن حين انظر الى الشعب وعند المسلمين قبل المسيحيين اتفاءل وهذا الشعب عليه ان يخلق ديناميكية تقلب القادة السياسيين وان لم نتخلص من هذه الهياكل السياسية القائمة ومن المؤسسات السياسية القائمة فلا نظن ان لبنان سينجو, لان مشاكلنا في الاساس هي عدم قدرة اللبنانيين على الاتفاق بين بعضهم ولماذا لم يستطع الفلسطينيون ان يبنوا دولة داخل دولة في اي دولة عربية الا في لبنان.

وحول تاثير ما يجري في العراق على لبنان راى ان العالم العربي متجه نحو كيانات اصغر من الكيانات القائمة حاليا ويتبين تدريجيا ان الكيانات التي نحن كعرب وصفناها بانها من صنع الاستعمار ووليدة اتفاق سايكس-بيكو يتبين ان المستعمر رحمنا اكثر مما نحن رحمنا انفسنا, وقامت هذه الاتفاقية بتحديد مساحة لبنان 10452 كلم2 ونحن نقسمها الان وكذلك الامر في سوريا حيث هي الان على ابواب فتنة داخلية والعراق الذي كان من اقوى دول العالم يتفتت الان وفي السعودية اليوم ان سئل شعبها عن نوعية الحكم الذي يفضلون سيختار كل مجموعة قبلية الحكم الذاتي والبحرين كذلك, اذا الاستعمار انشا كيانات لهذه الدول اعتبرناها اصطناعية وصحيح انها كانت اصطناعية لاننا كنا نبحث عن دول اصغر على مستوى قبائلنا ومذاهبنا, واليوم ومباشرة بعد رفع سيف صدام حسين عن العراق اصبحوا يريدون التقسيم حتى بالفيدرالية لا يقبلون بل احدهم يطالب بامارة او ولاية.

* لكن ما دور التدخلات الخارجية في هذا الموضوع?

يجب ان نسال لماذا لا يستطيع الفرنسي مثلا ان يؤثر على القرار الالماني, ولماذا لا تؤثر اميركا بالقرار عند الشعب الاوروبي وحتى عند الكنديين والمكسيكيين, هذا لاننا بكل بساطة لم نصل بعد الى مرحلة المواطنية بل انتقلنا من شعب ملحد او وثني الى شعب طائفي دون المرور بالحالة الوطنية, لهذا السبب لا خروج لمشاكل لبنان الا بالعلمنة.

ولكن ليست ايضا العلمنة على الطريقة الغربية اي بالغاء الدين بل لنشعر بان هناك مسيحية في لبنان ويوجد شيعية في لبنان ... اذا فصل الدين عن الدولة ولكن ليس العلمنة بمعنى الغاء الدين من المجتمع واذ لم نصل الى هذه الحالة لا يمكن للبنان ان يبقى دولة موحدة ومركزية, ولبنان سيذهب الى التقسيم ان لم يتغير نمط الحياة الاجتماعية.

والمفارقة ان احدا لا يطالب بالفيدرالية لكننا نمارسها على الارض ومن قبل كل الفئات اللبنانية وفي كل المناطق.

* ما هي الصيغة الافضل للبنان اذا?

- لا افضل اي نظام للبنان بل افضل صيغة التعايش لانه اي نظام في ظل هذا التعايش سيكون الافضل للبنان ولتكوين علاقة جيدة بين كل الفئات والطوائف.

اظن ان النظام الفيدرالي هو نظام صعب ومزعج تطبيقه في دولة صغيرة الحجم جغرافيا ومتداخلة طائفيا واثنيا لكن علينا ان نختار هل نريد الحكم اللبناني الذي نعيشه منذ1920 حتى اليوم بحيث نعيش حربا كل عشر سنوات تقريبا وهل يمكن ان نسمي جيلا واحدا في لبنان لم يعش الحرب كي لا نعود الى قبل.

ومن هنا ارى اما العلمنة مع وحدة حضارية مركزية واما الفيدرالية مع المحافظة على الحالة الطوائفية وهذا وقت تطبيقهما في ظل هذه الحالة الدولية والاقليمية التي تبحث في مصير الشرق الاوسط.

وليس عبثا ان تكون انجح دولة عربية هي الامارات العربية المتحدة التي هي فيدرالية من سبع امارات وفي ظل وجود قبائل متعددة.