كي لا تتكرر 13 تشرين 1990

بيار عطاالله

 

كل سنة، نتذكر ما جرى صبيحة 13 تشرين الاول 1990 عندما اجتاح الجيش السوري المناطق الشرقية التي كانت خارجة على سيطرته، ومثل كل ذكرى تعود صورة الجنود السوريين الى البال وهم يرفعون شارة النصر على دباباتهم امام قصر الرئاسة في بعبدا.

 

لم تتغير الامور كثيرا منذ 13 تشرين 1990 ، ولبنان لا يزال مهددا بخطر الاجتياح وعودة نظام الوصاية والهيمنة، اما المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية فلا يزالون هناك، وسيادة منطق الدولة على اراضيها ليس الا حلما بعيد المنال، والمؤسسات مشرذمة والفوضى تضرب عميقا في كل بناها. وفي اختصار الزمن يستعيد نفسه لجهة الظروف والاوضاع والامكانات.

 

في اليوم الذي سقط فيه قصر بعبدا في يد مهاجميه، كانت مجموعات شبابية واهلية تستعد لأعلان المقاومة المدنية للاحتلال السوري الذي احكم قبضته على البلاد، ومع مرور الايام اخذت ملامح هذا النضال تتضح تدريجا في اشكال عدة، الى ان تبلورت في "المؤتمر الوطني اللبناني" ولاحقا "التيار الوطني الحر" الى جانب قوى سيادية كان في مقدمها "القاعدة الكتائبية" و حزب الوطنيين الاحرار ولاحقا "القوات اللبنانية" بعد اعتقال قائدها وحل الحزب رسميا.

 

وخلال 15 عاما من النضال السلمي نجحت تحالف هذه القوى مجتمعة ومنفردة في دفع نظام الوصاية السورية والمتعاونين معه في النظام اللبناني الى مآزق كبير، وخاتمة محتومة تمثلت في دفع شرائح اساسية من اللبنانيين الى السير في ركاب مشروع شعار "السيادة والحرية والاستقلال" للجمهورية اللبنانية المختلف عليها دائما. ونجح تحالف القوى السيادية وتحديدا المسيحية في الافادة القصوى من العوامل الدولية المتغيرة وفي مقدمها احداث "11 ايلول" من اجل انتزاع اعتراف المجتمع الدولي بحق لبنان في قيام دولة سيدة وحرة وجلاء الجيش السوري عن لبنان. وكان من النتائج المباشرة لهذا النضال الطويل واجتماع اللبنانيين على هدف واحد ان بوشرت حملة اغتيالات واسعة لكل الرموز اللبنانية التي سعت الى الخروج على الاحتلال السوري وممارساته.

 

لم ترفع القوى الوطنية المسيحية خلال نضالها الطويل خلال 15 عاما في مواجهة الاحتلال السوري المباشر للبنان، اي شعار خارج اطر عملية تحرير الوطن واستعادة السيادة، وتجنبت كل اشارة الى التعددية والنظام السياسي الذي يؤمن الحرية في لبنان. وفي الوقت الذي حاذرت فيه القوى المسيحية اي اشارة الى اشكال التعبير عن هذه الحرية تولت المؤسسة الدينية المسيحية وتحديدا الكنيسة المارونية الكاثوليكية التعبير تكرارا وفي اشكال عدة عن رؤيتها الى مستقبل هذه الحرية في في لبنان التعددي، اكان في وثيقة السينودس ام في البيانات الدورية المتتالية التي صدرت عن مجالس المطارنة والبطاركة الكاثوليك وزخرت بالاشارة الى اهمية التعددية الحضارية وصونها. لكن تعابير الكنيسة لم تتطرق تفصيلا الى افكار عملية عن طبيعة التعددية المنشودة وآلية تطبيقها عملانيا على الارض. اما القوى الوطنية والسيادية المسيحية فقد التزمت الصمت وغالت فيه وبقي الحديث عن التعددية والاشارة اليها من المحرمات التي لا يجوز التطرق اليها منعا للتشرذم على المستوى الوطني. في حين لم تتردد المجموعات الطائفية الاخرى المشكلة للتعددية اللبنانية عن اعتماد خيارات ضربت عرض الحائط بكل تعابير الوحدة والتنوع والتعددية بدليل "التحالف الرباعي" الذي صادر تمثيل المسيحيين وهمش حضورهم، المهمش اصلا منذ 15 عاما الى امد غير معروف.

 

حمل المسيحيون بغالبيتهم الساحقة عبء مواجهة نظام الوصاية والمتعاملين معه في لبنان، ودفعوا ثمنا باهظا لقاء ممانعتهم تحويل الكيان الى محافظة سورية، وخسروا نتيجة ذلك مواقع اساسية في بنى الدولة ومؤسساتها المختلفة، وادى ضمور القيادة لدى المسيحيين وتفكيك احزابهم وتنظيماتهم وسياسة القمع المباشر والتنكيل والترهيب والتهميش، الى دفع الالوف من المسيحيين الى الهجرة. في حين كانت الجماعات الاخرى تندفع في تعزيز مؤسساتها الخاصة وحضورها الديموغرافي والاجتماعي في موازاة تمتين مكتسباتها ومراكز قواها داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية كافة. وكان يفترض بالقوى الوطنية المسيحية ان لا تنساق وراء مكتسبات آنية صغيرة في التحالف مع هذا الطرف او ذاك، بل ان تتجرأ على طرح التعددية الحضارية مشروعا مستقبليا لها، لمنع سقوط لبنان مرة جديدة تحت وطأة اجتياح جديد شبيه بالاجتياحات الاسرائيلية والسورية المتكررة للبنان في التاريخ الحديث.

 

كان يفترض ان يحتل موضوع التعددية والنظام السياسي الجديد للبنان مقدمة النقاش بين اللبنانيين، بدءا من قانون الانتخاب وصولا الى كل ما يؤدي الى تعزيز التعددية وصون التنوع. واذا كان اتفاق الطائف قد اشار الى اللامركزية الادارية مدخلا الى تحقيق الانماء المتوازن، فقد كان لزاما على القوى السيادية المسيحية، البناء على هذه المادة، مدخلا الى البحث في صيغ حديثة ومتطورة للنظام السياسي تبدأ من اللامركزية وتتدرج نحو اللامركزية الموسعة جدا ومن ثم المناطقية، وصولا الى الفيديرالية. لكن القوى المسيحية اندفعت بدلا من ذلك الى صراع عبثي تحت عناوين مختلفة، ادى في نهاية المطاف الى استبعاد المسيحيين عن اختيار من يتوسمون فيهم الامل الى منصب رئاسة الجمهورية، احد مراكز النفوذ التي تبقت للمسيحيين في فيديرالية الطوائف المسماة الجمهورية اللبنانية.

 

لم تتغير الامور كثيرا منذ 13 تشرين 1990 ، ولبنان لا يزال مهددا بخطر الاجتياح وعودة نظام الوصاية والهيمنة وتتحمل القيادات المسيحية بنسب متفاوتة، مسؤولية هذا التهديد لأنها تخلت عن دورها كصمام امان للدولة اللبنانية وحراس هيكلها، بين الجماعات اللبنانية المتصارعة على الامساك بالوضع. ولأستطاع المسيحيون لو احسنوا رص صفوفهم والافادة من الاهتمام الدولي ببلدهم ان يركبوا صورة مختلفة تماما للوضع اللبناني، غير تلك التي يخشاها اللبنانيون عموما والمسيحيون خصوصا وتتمثل امامهم بمشهد عودة الحرب الاهلية والاقتتال بين المسيحيين وتاليا هجرتهم ونهاية دورهم.    

 

8 تشرين الأول 2007