صوت بكركي
بقلم/بيار عطاالله
"قلبي
على ولدي وقلب
ولدي على
الحجر"، لا
اعرف لماذا
قفز هذا المثل
الشعبي الى
ذهني عندما
دخلت الصرح البطريركي
في بكركي.
الهدوء
يلف المكان
ويغمر التلال
الخضراء المحيطة
به، ولا
ضجة في المكان
في غياب حركة
الزائرين، الا صوت
طوافة تعبر الاجواء او بوق
سيارة بعيد
وصدى حركة
العسكريين والامنيين
من حراس الصرح
في غدوهم
ورواحهم.
اخر مرة
زرت فيها بكركي
كانت قبل عشر
سنوات مع
الشهيد جبران تويني.
ومنذ ذلك
الحين تغير
الكثير من الامور
لكن الصرح
المبني من
الحجر الصخري الابيض لا
يزال كما هو
معنويا وماديا،
والكثيرون
مروا من هناك
ورحلوا والدير
وسيده لا زالا
صامدين في وجه
كل التحولات.
الكنيسة
الجديدة في
الباحة والتي
ترتفع على جنباتها
لوحة فسيفسائية
تجمع بابا
روما الراحل
يوحنا بولس
الثاني والبطريرك
الماروني،
تبدو مثل
حاضنة تشمل
جهات العالم الاربع.
وعلى قبتها ايقونة
سيدة ايليج،
رمز اعرق
كراسي
البطريركية
المارونية
والتي قال
فيها الاب
ميشال حايك :"انها
حيث صلى
البطاركة
وبكوا
وتعذبوا
وغفروا واحبوا
المسيح".
وتتجه هذه الايقونة
بنظرها غربا الى بكركي،
وربما كان الامر
مقصودا من اجل
دعوة
المسيحيين في
لبنان والموارنة
تحديدا الى
الاقتداء
بالبطاركة في
البكاء
والصلاة والغفران
ومحبة المسيح
الذي طلب منهم
ان
"كونوا واحدا".
تعم
السكينة مقر
قيادة
الموارنة
الروحي والجميع
يتكلم بصوت
خافت خشية ان
يخدش هدوء
المقر وسلامه
الروحي. لكن
الوجوه هناك
تشي بالكثير
من الالم
على حال لبنان
ومسيحييه.
وعلى مثال
البطاركة
القدامى الذين
تعذبوا وبكوا
من قهر
الخلفاء
والمماليك
والولاة
العثمانيين
واستمروا على الايمان
والتمسك بالامل،
يبدو سيد
الصرح نصرالله
بطرس صفير كمن
يختبر دروب
القهر والالم
والعذاب، من
حال شعبه
المشتت قبائل
متنافرة ومتباعدة،
على رغم كل ما
يتعرض له من
قمع ومحاولات
هيمنة وتهجير
واستبعاد على
يد الاخرين
لأسباب
مختلفة.
عند
مدخل الصرح اباريق
ماء زجاجية
للشرب
واللوحة
شاعرية وايمانية،
اذ يفترض
بالكنيسة والانجيل
وتعاليم
السيد المسيح ان تروي
العطشى الى
البر والمحبة
والحقيقة،
ولكن لا يبدو ان زوار
صرح بكركي
من المسيحيين
خصوصا يدركون
مدى اهمية
هذه الاباريق
في الارتواء
معنويا من نبع
واحد "يروي العطاش".
لكل
ناحية من
الصرح البطريركي
عناية خاصة
وشأن مع
التاريخ،
وكنيسة الصرح
هي الاكثر
استقطابا للاضواء،
خصوصا خلال
زمن الوصاية
والهيمنة
السورية،
عندما كان
اللبنانيون
ينتظرون "عظة الاحد"
نهاية كل اسبوع،
ليرتفع معها
صوت البطريرك
الطاعن في
السن ولكن
القوي، منددا بأنتهاكات
حقوق الانسان
ومطالبا
باستعادة
السيادة
والحرية
والاستقلال الى بلاد الارز، في
الوقت الذي
كانت قلة
قليلة من
اللبنانيين
تجرؤ على اعلان
موقفها في زمن
الخوف.
اما
الصالة
الكبرى فهي
مكان اجتماع
الزائرين والشكوى
من الاحوال
وتردي الاوضاع
وفي جنباتها
ترددت دائما
المواقف
السياسية
الصاخبة التي تختزل
كل معاناة
اللبنانيين.
وتبقى
الشرفتان:
الداخلية
المطلة على
الباحة
الداخلية للوفود
الصغيرة،
والخارجية
المطلة على
الباحة الخارجية
وهي لخطب
البطريرك في
الجماعات الكبيرة
والتظاهرات
الصاخبة التي
كثيرا ما امت
الصرح في الايام
الصعبة دعما
وتأييدا او
طلبا للمساعدة.
وبين كل هذه
الباحات
والشرفات
والقاعات
ترتفع صور
البطاركة
السابقين
الذين اعطي
لهم مجد
لبنان، وهم
يرمقون
الزوار من
عليائهم
بنظرة تجمع
بين الزعامة
والوداعة
والجدية رغم
المجد الذي اعطي
لهم،
كما كتب على
لوحة المدخل
الكبير.
لا
تضطلع مؤسسة
كنسية بحجم
المسؤوليات
التي تنهض بها
البطريركية
المارونية.
فهي مؤتمنة
على التراث
والتاريخ
والحاضر
والمستقبل،
وتجمع بين الديني
والمدني وانماط
عدة من العمل
الرعوي
والاجتماعي
الذي لا مثيل
له الا في
الكنائس الاميركية
اللاتينية
ربما. ويفترض
هذا الدور من
سيد بكركي
ان يتابع
الكثير من الامور
بدءا بلبنان
وصولا الى
بلاد
الانتشار
الواسعة .
في
المرويات
العربية ان
امرأتان
تنازعتا
رعاية طفل
صغير، ووصل
بهم الخلاف الى امام
الوالي وكل
واحدة منهما
تدعي امومة
الطفل. وبعد
نقاش وجدل، قر رأي
الوالي على
قسمة الطفل الى نصفين
كل لأمرأة،
فما كان من
والدته
الحقيقية الا
ان صرخت ارجوكم
دعوه كاملا
لها فأنا لا اريد قتل
فلذة كبدي، اما الام
المزيفة
فوافقت على
"قسمة" الطفل.
ربما كان هذا
حال
البطريركية
المارونية ام لبنان
الحنون.
بيروت
29 كانون
الثاني 2007