الرأي العام المسيحي متوتر جدا ويطرح تساؤلات كبيرة

هل يريدون لنا مصير مسيحيي العراق بتلقي الضربات؟

بقلم/بيار عطاالله

"دايرينها ربانية" "النا الله ""اذا زعمائنا مش سائلين عنا مين بدو يسأل""الله يساعد العالم ما معها تأكل، منين عم يطلعولنا بهالخبريات"

هذه بأختصار الاجواء التي سادت في الاشرفية والمناطق المسيحية عموما بدءا من جزين جنوبا، الى دير الاحمر شمالا بعد موجة "الاكتشافات" اول من امس وادت الى العثور على كميات من المتفجرات والقذائف موزعة عند مكبات النفايات وجنبات الطرق في المناطق والبلدات المسيحية. والرسالة اذا لم تكن متفجرة هذه المرة الا انها فعلت فعلها في اثارة الرأي العام المسيحي واستنفار مشاعر القلق لديه خصوصا ان دماء شهداء متفجرتي عين علق لم تجف بعد، والناس لا زالت على حذرها الشديد من مغبة حدوث الاسوأ، ويتجلى ذلك في تفتيش ركاب الباصات والبوسطات ومتابعة الغرباء عند مداخل القرى والاحياء والسؤال عن مقصدهم ونيتهم، لكن كل ذلك يبدو انه فشل في رصد واضعي الواح المتفجرات والصواعق.

المسؤولين المحليين في الاشرفية الذين خبروا الحرب اللبنانية بكل فصولها، والتي طالت الاشرفية متفجرات وعبوات دامية وسيارات مفخخة، قتلت العشرات من اهاليها وسكانها قدموا تفسيرا واحدا لأكتشاف العبوات: اما ان احدهم اراد التخلص منها من دون ان يتسبب باذية احد ولذلك عمد الى ابعاد صواعق التفجير عن الواح "ت أن ت"، لأن وجودهما معا قد يؤدي الى انفجار ضخم. وأما ان واضعي المتفجرات ارادوا فعلا ايصال رسالة غير دموية الى اهالي المنطقة تحديدا والمسيحيين خصوصا واللبنانيين عموما ان يد الارهاب طويلة وقادرة على الضرب في وسط العاصمة وفي منتصف النهار.

المنطقة التي عثر فيها على المتفجرات والصواعق "تعج" بالسكان وموقع اكتشاف الواح المتفجرات يقع عند مدخل نفق يمتد ما بين "اذاعة جبل لبنان" ومنطقة كرم الزيتون-البدوي، واستنادا الى الخبراء فأن هذه المنطقة تشهد زحمة سير خانقة صباحا ومساء واي تفجير عند مدخل النفق كان سيؤدي الى ربما الى اشتعال الاليات المجاورة ومحاصرة السيارات داخله والى مقتل العشرات، اما موقع العثور على الصواعق قرب مطعم "ديوان السلطان ابرهيم" فهو مجاور لمدرسة الحكمة التي تضم الاف التلاميذ الذين يخرجون في وقت محدد وينتظرهم الاهالي والباصات والبوسطات ويتسببون جميعا في زحمة سير هائلة تمتد الى كل انحاء الاشرفية.

الرسالة المشبعة برائحة الدم والمجازر على غرار مجزرة عين علق وصلت الى الاشرفية، واستنادا الى الاسلوب الذي استخدم في المتن الشمالي لجهة استهداف الباصات المحشوة بالركاب، فالخلاصة العسكرية، ان لبنان امام موجة جديدة من الارهاب الذي لا يستهدف السياسيين والزعماء وقادة الرأي فحسب، بل يضرب مباشرة تجمعات المدنيين العزل في حياتهم اليومية العادية، وهذا ما ينقل التوترات الامنية الى مستوى شبيه بالوضع في العراق حيث لا يعف الارهابيون عن المدنيين وحياتهم اليومية من اجل التأثير في الوضع العام ككل.

اهالي الاشرفية من الارثوذكس والموارنة والكاثوليك مع اقلية سنية وتتوزع انتماءاتهم السياسية على كل الاحزاب المسيحية من "القوات" و "العونيين" والكتائب والاحرار، الى اكثرية كبيرة لا تحازب احدا لكنها تقيم على ولاء شديد لقيم "الحرية والسيادة والاستقلال". يعرفون انهم مستهدفون دائما من القوى التي لا تريد الخير للبنان، وفي الاشرفية نفسها قتل سمير قصير ويرقد جبران تويني ورفاقه. والمخجل في الامر ان الرأي العام يتداول بقوة كلاما ثقيلا عن مغزى تكرار استهداف المسيحيين، الذين لا يملكون امنا يحميهم الا مشروع الدولة اللبنانية وقواها الامنية من جيش وقوى امن داخلي. ولدى الرأى العام المسيحي ان المناطق الشيعية مقفلة على زارعي الموت بسبب الامن الذاتي الذي يفرضه "حزب الله"، والمناطق ذات الغالبية الدرزية ايضا بسبب مساحتها المحدودة ومحدودية عدد سكانها مما يؤمن الانتباه الى كل شاردة وواردة.

وهذا ايضا ما ينطبق على المناطق ذات الغالبية السنية. في حين ان المناطق المسيحية كبيرة شاسعة ومترامية على مساحة كل لبنان وتحتل مركز الحياة اليومية اقتصاديا وسكانيا وتربويا، مما يصعب عملية ضبطها ومراقبتها الا في اطار خطة امنية متكاملة للامساك بمفاصلها الرئيسية واعتماد ما يسمى بالامن الوقائي ومراقبة كل البؤر المشبوهة التي يمكن ان توزع الارهاب على المناطق الاخرى.

الرأي العام المسيحي يعيش وسط توتر كبير فهو لم يكد يتجاوز صدمة عملية اغتيال النائب والوزير بيار الجميل حتى اصابته مجزرة عين علق في صميم حياته اليومية واتى العثور على المتفجرات امس في كسروان وجزين والاشرفية ليرفع منسوب التوتر والتساؤلات عما اذا كان المطلوب من مسيحيي لبنان ان يكونوا على مثال مسيحيي العراق في تلقي الضربات وسط الصراعات الاقليمية والمذهبية. والفارق الوحيد ان مسيحيي لبنان يملكون تراثا كبيرا في المقاومة وهم ولو سلموا امرهم الى مؤسسات الدولة الامنية الا انهم لا يصدقون ان السلطة عاجزة عن التوصل ولو الى خيط صغير في ملفات التفجيرات التي تقتل زعمائهم وتضرب احيائهم السكنية.