محـاولة إنقـاذ الموقع الوطني الأكبر وتراجيديا الأزمة والاستحقاق الرئاسي

لاحظ س. حداد

20 أغسطس 2007

 

1- التحجّر والسياسيين،

يبدو أن جميع أفرقاء النزاع السياسي في لبنان قد حجروا داخل أنفسهم أراءَ لا تمتُّ إلى واقع الوطن بقدر ما تقدِّرُ مواقع أشخاصهم فيه فباتوا، أسرى هذا التحجّر، في أشدّ الحاجة إلى من يلقوا أثقالَ ضمائرهم عليه ويحلَّهم من عقدِ الذنب التي يعانونها نحو الوطن. كما إن التشنُّج الذي يضبغُ تصرف هؤلاء يؤكد أن ما مِن أحد منهم على استعداد للتراجع أو التساهل أو حتى التروي في إثبات صحة نظرته إلى الأمور وكأن الوطن كله مرتبطٌاً بتحقيقها.

نظرات الجميع [ نظرياتهم]، قد تكون، من حيث المبدأ سليمة وصحيحة، أقلّهُ في نظرهم، لكنها جرَت وتجرُّ على الوطن وشعبه ويلات أسالت وتسيل عبرات الندم والشوق إلى العودة إلى الينابيع؛ لكنهم، مع الأسف، يتماهون في الانزلاق في التصعيد المؤدي إلى الهاوية، حيث لن يبقى لأحدٍ منهم مقام ولكيان وطنهم بين الأمم مكان.. لا، ليس هكذا تدار الأوطان!

 

إن ما حصل في جولة انتخابات متن لبنان، ورغم كافة مظاهر الديمقراطية التي أحاطت بها، أظهر بما لا يقبل الشك أن بعض القادة من أبناء مارون قد تخلوا عن قيمه وتقاليده العريقة وأعادتنا إلى أيام المقدميات ولم تنفع معهم نداءات وإرشادات أبِ طائفتنا التي كانت تستجاب، يومذاك، لمجر التلويح والإيحاء.. أين منهم وهاتيك الأيام! 

 

كما أن نتائج تلك الانتخابات بينت بوضوح مدى الخلل الذي أصاب نفوس أبناء طائفتنا جرّاء عمليات غسل الدماغ المتراكمة مفاعليلُها مع تركمات الصبر على إذلال التسلّط الغريب على مقدراتهم الفكرية والمادية والخوف على المصير الذي لم تتبلور أبعادُه الأساسية بعد.. تذكروا أن صابون الغرباء فقاقيعه لا تنظّف!

وهذا تجلى بعنف في التشتت الفكري الذي ضرب عمقَ يقظتهم الوطنية فباتوا حيارى بين تصديق نتائج ثورة أرزهم المتشبثة قياداتها بأساليبَ اعْتُبِرَت جامدة، بين أحابيل الساسة الذين اتكلوا على الحس الوطني التقليدي وحده، الذي أنساهم مؤقتاً صلابة اتخاذ الموقف الأنسب، دون الالتفات إلى مصداقية تنفيذه. الأمر الذي أدى بأكثرية أبنائنا إلى ترددٍ ملحوظ في انتقاء ممثلهم، وطبعاً مقادون بغوغائية سياسية اعتمدت الأنا الوطنية الجامحة، صعبة التحقيق، حيناً والأنا العاطفية التقليدية حيناً آخر. هذا التردد المؤسف أنتج، لدى أولئك القادة، تصلباً جاء أكثر مرارةً لدى الناس وزاد في تحجّر المنتصر عددياً وبعضَ أملٍ لدى المنتصرين سياسياً.. وبئس الانتصارات الخادعة والمخدوعة!                                 

 

2- ثِقلُ الضمائر والموقع الوطني،

جولات الردَّة إلى الوطن وقيمه التي قادها أبُ الطائفة، منذ انحسار الضغط الاسرائيلي عن جنوبنا عام 2000، وأفلح في فتح "كوى" صغيرة في مواقع القرار الدولي أنتجت تشريعَ أبواب اليقظة الوطنية العارمة على الأرض، بدءً من جبل لبنان الأشم وعمَّت لاحقاً كافة الربوع اللبنانية، إن بترددٍ غير مُستغرب؛ كما أشعلت أمال اللبنانيين في كافة أصقاع المعمورة وأعادت إلى الصرح الذي له أُعْطِيّ مجدُ لبنان، مكانةً لم يستطع الغير أن يتبوءَها.. هكذا نبتت ثورة الأرز.

هذا الموقف أثبت للملأ أن في لبنان موئلاً لا نزاع حوله يمكن الركون إليه في الملمات الوطنية الكبرى كالتي يواجهها الوطن اليوم. كما أكّدَ لللبنانيين، بخاصةٍ المسيحيين، أن أثقال ضمائرهم وحلّ عقد ذنوبهم بحق الوطن لا مناص من استيداعها بركة هذا الصرح أو الموقع الوطني الأكبر شريطة أن ترافقها إرادة المستكبرين تواضعاً.. إن كانوا يعلمون!

3- بكركي والملمّة الوطنية الكبرى،

عندما أطلقت بكركي مسلماتها الوطنية، قبل أشهر، أعادت إلى ذاكرة اللبنانيين جميع القيم الدستورية والوطنية التي قام عليها الوطن. لم تكن صرختها آنذاك إلاّ في سبيل استعادة أبناء الوطن إليه ومعها استعادة حقيقة رسالة وطنهم الكبرى في العيش المشترك التي أكدها الإرشاد الرسولي للبابا القديس الراحل.. وقتذاك دخلت ثورة الأرز مرحلة اليفاعة.

 

استجاب اللبنانيون للنداء وعاد الاطمئنان إلى نفوسهم سيما وأنهم أدركوا أن هناك، في القمة، من لا زال يراهم ويرعاهم ويحمي وطنهم، ولكن.. لم يلبث السياسيون أن مارسوا ديماغوجيتهم الخلاّقة مجدداً وأدخلوا بنودَ بيان المسلمات، الأكثر جدية في تاريخ لبنان المعاصر منذ مؤتمر مدينة الطائف وإلى اليوم، في متاهات مماحكاتهم السياسية البلهاء في محاولةٍ لاستغلالها في مصلحة كلٍّ منهم الخاصة. وهكذا أهدروا فرصةً مهداة من الموقع الوطني الأكبر ودفعوا بها، وكأنها لم تكن، إلى غياهب النسيان وانطلقوا مجدداً في غيِّهِم الصبياني، غير مبالين بما سيترتب من تصرفهم من تدخلات غير لبنانية في شأنٍ لم ولن يكن غير لبناني.. لقد تعالَوا على قمم لم يصلوا إلى أخامصها!

وذرَّ قرن التصلُّب في العهر السياسي، ما أفقد الرؤية للواقع تماماً حتى أمسى مصير لبنان بأكمله في المحك. وتنادت دول الأرض،عربية ودولية، لانقاذه. كل ذلك وكأنما سياسيونا، أهل عبقر، لم يعد يطيب لهم عيش ما لم يثبتوا للكون أنهم هم، وليس وطنهم، محورَ اهتمامه. وقد فاتهم أن لصبر العالم حدوداً لن يلبث أن يتجاورها ويتخلى عنهم هم ولكن ليس الوطن.. وطن الأوطان.. أوَليسَ كلَّ مغتَربٍ في العالم هو سفارة رسالة لبنان!  

 

4- الأزمة الوطنية والاستحقاق الرئاسي،

إن الأزمة السياسية المفتعلة في لبنان لم تعد بخافيةٍ على أحد. فالجميع يعلم أنها من نتاج الصراع القائم اليوم بين الدكتاتوريات الإرهابية، التي لاناقة للبنان فيها ولا بعير، وبين حرية الديمقراطية، التي يتزعمها لبنان في المنطقة الشرقأوسطية، هو السبب الرئيس فيما يعانيه الوطن من تفككومع ذلك، لا نزال نرى إلى سياسيي لبنان وهم غير عابئين بما يُستدرجون إليه، من قبل كلا الطرفين، من انخراط كلّي في صراعهم. وهكذا أدخلوا وطنهم، من حيث يدروا أو لا يدرون، دائرة هذا الصارع القاتل. فالأزمة السياسية، إذن، لم تنشأ من فراغ بل كانت نتيجةً حتمية جراء الدخول إلى هذه الدائرة.. إنها دائرة طبشورية سحرية يدخلها الديك فيبهرُ بياضُها عينيه فيحتسبها ناراٌ شاوية فيخشى الخروج منها، وكلُّهُم أضحوا ديَكة!          

 

وتأتي أزمة الاستحقاق الرئاسي في المقام الأول من الأزمة السياسية المفتعلة. فهذا الاستحقاق سوف يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود؛ فإمّا أن يستردَّ لبنان كامل ديمقراطيته ويستكمل بناء دولة الاستقلال الثاني وإمّا ينخرط نهائياً في سلك الدكتاتوريات. وإذ ذاك، لن تنفع المناداة بالاصلاح أو التغيير، من أنى أتت، إذ يصبح أيُّ منادٍ مجرد قضيب زعرور رفيع من ضمن عصبة من عصيٍ غليظة تطارد ضميره.. ولات ساعة مندمٍ.

 

5- بكركي والرئاسة الأولى،

اجتياح السياسيين اللبنانيين، لا سيما الموارنة منهم، للصرح البطريركي، يؤكد ما لهذا الصرح من قوة الفرار النهائي في شأن موقع الرئاسة؛ وهؤلاء في أغلبهم من المسترئسين. وقد فاتهم أن بكركي لن تمنح بركتها إلاّ لمن يستحقها عن جدارةٍ قد لا تتوفر لدى الكثيرين منهم لا يخفيها معسول كلام أو أناقة مظهر.. وربطات عنق ذات ألوان زاهية!

جموح بعض هؤلاء المسترئيسين، والتماهي في محاولات ابتزاز صاحب الصرح والبعض الآخر في استفزازه، لن تجد لدى صاحب الصدر الرحب سوى كلّ عطف وتعاطف وتسامح لكن ليس الرضى والقبول الذي يجب أن يكون متبادلاً بين نهجهم وبين ضمير الوطن الأول والأخير.. أبِ الطائفة وحامي لبنان.

6- رؤية البطريرك،

أكثر من مرة أعطى صاحب الغبطة ملامح واضحة لصفات من يجب أن يتسلم دفة قيادة البلاد لكن الجميع، مع الأسف، جميع المسترئسين يرون في أنفسهم بعضَ تلك الصفات ويعتبرون ذواتهم كاملي الأوصاف وليس من أحد فيهم يرى في نفسه جندياً مجهولاً لن يُطلب منه سوى التضحية ببعض الأمامية الشخصانية. إنه غرورُ من لم يجـد له صـادًّ.

 

7- رؤى المسترئسين،

قد يتراءى للبعض، تكتلاً كانوا أم مستقلين، موالين أو معارضين، أن حلّ الأزمة السياسية لن يأتِ إلاّ على أيديهم.. ربما كان هذا صحيحاً لكنه غيرَ مؤكدٍ. وقد تكون طروحات البعض الآخر جيدة وربما ممتازة أيضاً لكن إمكانية تحقيقها تبقى رهن الاقناع بها والثقة بأصحابه. هذان العاملان الأساسيان، لم يعودا قيدَ التداول واستُعيضَ عنهما بكل ما يناقضهما من عوامل الحقد السياسي الأعمى والعنجهية، ونكاد نقول الشوفينية والأصولية السياسية؛ ونزيد: إن بعض الإرهاب الفكري لم يعد في منأى عن تداوُلهم.

 

في نظرنا، أن جميع هؤلاء المتراكضين إلى احتلال سدة الرئاسة الأولى، لن يحظوا بشرف حمل ثقل المسئولية المفترض تأكيد مقدرتهم على حملها. فالوطن والشعب لم يعودا بقادِرَين على البقاء في حقلِ تجارب هؤلاء الغيارى والمجَرَّبين.. ويقال: مَن جرَّبَ المجرَّب كان عقله مُخّرَّباً؟ فكيفَ يُرادُ من البطريرك الاقتناع بإمكاناتهم والثقة بمستقبل لبنان بين أيديهم؟  

 

8- صراع الأشقاء،

لبنان هو آدم.. المعارضة هي قابيل.. والموالاة هي هابيله؛ ويمكن افتراض العكس أيضاً.

فإذا قتل قايين الجديد هابيلاً تنشقُّ الأرض مجدداً، أرض دمشق عاصمة بلاد الشام [ دم - شق ] فتمتص دمَهُ، كما امتصت دم هابيل القديم، لن يعد لقايين مكان يأوي إليه ويتيه في الأرض وعلى جبينه علامة فارقة تمنع قتله فيصبح لعنة الأوطان والشعوب وتاريخهما.. فهل هذا هو المبتغى. إذن لماذا لا يتخلى قابيل وهابيل معاً عن نيوايا القتل ويعودا إلى أبيهما ويضعا قرابين أحلامهم بين راحتيه فيقيهما ذنوب ضميريهما.. أَوَ ليسَ هذا أكثر مرضاةً وتشريفاً لكليهما؟ 

 

9- صوَرٌ من واقع ما هو مطلوب واليوم ... في لبنان.

** العوام والرعاع..

الأغراب، بكافة اتجاهات استراتيجياتهم السياسية، يتربصون بلبنان وأهل البيت عنه لاهون،

أصحاب الدكتاتوريات، يرغبون فيه دكتاتورية صغرى ومتنفَساً لصراعاتهم،

الأصوليّون، يريدونه ساحة تنفيس لأحقاد خيباتهم،

الإرهابيّون، يتأبطون تجاربهم الفاشلة عالمياً لينفذونها: صورة مصغّرة ومضخَّمة لبطشهم،

** الخاصة..

قومٌ بأحلام التسلّط، انتقاماً لإفشالات سابقة تسببت بها رعونة أنانيتهم.. أقوالُ بُطلٍ يُراد بها الحق!

قومٌ باحلام التسلّط، استعادةً لأدوارٍ وطنية تخلوا عنها للإغيار والغرباء.. نعم العودة وطيب المقام شرط الثبات!

قومٌ بأحلام التسلّط، تحقيقاً لأهدافٍ باطنية مؤجلة.. ظهر الحق وزُهِقَ الباطل!

** والملحقون..

منهم، مًن تعوّدَ الانبطاحية (تشبيه للوائلي الكبير).. استقامتهم تتطلب قدرات إلهية!

منهم، مَن داوم الإثراء غير المشروع.. فأمسوا مدمني الخيانة!

منهم، مَن لا زال يصارع طواحين المياء الهادرة على جياد نبتَ الشعر في أرجلها.. صدرٌ عامر في عجزٍ عاجز!

** المرتكبون،،، الجرائم.. والمحكمة ذات الطباع الدولي .. 

وكانت المحكمة ذات الطابع الدولي،

مسؤولون محليون، ارتكاباتهم الاجرامية كشفتها التحقيقات الدولية، مستعدون بالتضحية بكل وطني تهرُّباً،

أحزابٌ محلية، منخرطة في الإرهاب كشفها العالم، تقفز إلى الأمام وتغطي السماوات بقباوات الانتصارات الإلهية،

دولُ تميز تاريخ أنظمتها بالاجرام السياسي، مرتعبة من أحكام محكمة ستطال أعناق ساستها، لا تمانع من ضرب قوميتها بالذات وعقائد دينها للتخلص من قصاص العدالة، ولو أدى ذلك إلى مواجهة حرب عالمية.

** ثورة الأرز وما إليها..

شعبٌ مكبوت هبَّ منتصراً لكرامته الوطنية فأخرج للمحتل جيشه. 

كانتشار النار في الهشيم، عمّت ثورة الأرز أصقاع الأرض فاستحوزت احترام العالم،

قادة مستعيدة العنفوان، صمدت بدماء الشهداء، رفع العالم قبعته لهم احتراماً وإجلالاً،

وبات الولاء للبنان قبل الإنتماء القومي والديني أيماناً مطلقاً لا يمارى،

** عصبة الانصار.. المحتل،

صفوة الملحقين والمرتكبين، نهضت تستدرك خروج الغاشم الذليل وتكيل له المديح والعرفان!

عامة من فقدوا حبَّ الحرية وتعودوا نير العبودية واستماتوا في سبيل بقاء سطوة الدكتاتورية،

آلافهم، من كلِّ حدبٍ وصوب، تظاهرت شعارها الوفاء.. ليس للوطن،    

والغريب ادعاؤهم الدفاع اوطان قبل وطنهم .. بئس الدفاع وتعس الانتماء.

وتستمر جولات الانتقام.. تدميراً في مناطق محددة واغتيالاً.. والشهداء يسقطون مرتفعين عالياً!

** المحاورون والمحاربون..

ويفرضُ حوار مقتصَرٌ نفسَهُ.. في مكان لا صفة دستورية له.

ويتجاذب المحاورين المحاربين.. ولاءَهم والانتماء ويخرج الجميع راضين غير مقتنعين وللتصعيد مستعدين،

ويشعل الانتماء حرباً ويستنصر بالولاء.. وينصر هذا لذاك.. ويدفع لبنان وشعبه الثمن ثمن الغرور الإلهي. 

** وتستكمل المحكمة ذات الطابع الدولي طريقها، فيستقيل المستقيلون ويتعطل الدستور وتتحتجز المؤسسات.. وتُحتل الساحات.. وتشرئب الفينة المذهبية والطائفية بعنقها.. الخ.

 

لم ننتهي بل نتوقف عند ما هو معلوم ومعروف.

 

والآن، لنتخيّل أن هذه الصور مجتمعة، يواجهها اليوم استحقاق رئاسة جمهورية لبنان..وكأن شيئا لم يكن، يتابع السياسيون مساراتهم وعن شعبهم المضنك منصرفون.. تُرى، ماذا هؤلاء المسترئسون فاعلون؟ 

 

10- الاستحقاق الرئاسي.. وتدخل الغيارى.. 

معارضة تتشبث بمواقفَ إن طُبِّقت، أضحى لبنان كبش فداء العقيدية الدينية القائمة على الإرهاب والأصولية واستراتيجية الدكتاتورية في منازلة الديمقراطية الغربية، مالكة القوة العسكرية المستعملة، حتى الآن في اسوء مظاهر الدكتاتورية.

موالاة تتشبَّث بمواقف، إن طُبقت أصبح لبنان فعلاً محطة انطلاق للديمقراطية واسترد رسالة السلام والتعايش بين الاديان المزمع قيامها في العالم..

 

وهكذا، ولهذه الأسباب يتدخل محبوا السلام ومريدو عكسه، وكلّ منهما، شاؤوا أم أبوا، يجعل من لبنان ساحة صراع ليس للبنان إرادة أو رغبة فيه.. هذان الفريقان، إذن، يتربصان بلبنان شراً مستطيراً. 

ومن هنا جاءت أهمية اختيار رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.. رئيسٌ ذو مقدرة على معالجة عويصَ هذه العقدة المستعصية على سياسييه.. رئيسٌ ذو حنكة وحكمة يقلب الطاولة على الجميع، وينظّف الوطن من كافة المتطاولين والدخيلين والطارئين عليه، ومن ثم ويعيد ترتيب البيت اللبناني على ما يجب أن يكون عليه المستقبل الواعد الذي ارتضاه اللبنانيون بحسب دستورهم.. سيّما وأن الجميع بات مقتنعاً بضرورة العودة إلى هذا الوطن.   

 

الرئيس المنتظر ومحاولة الانقاذ،

يجب أن يكون ذا رؤية واضحة وإرادة حديدية الليونة وشفافية دبلوماسية يعيد الاحترام إلى الموقع الذي أفقده أياه سياسيو لبنان وأولياء أمورهم خلال عقودٍ طويلة، منذ أن سُمِح للغيارى، من أصحاب المنافع والمصالح، بالتدخل في شئونه إن بسبب الضيوف أو الأشقاء أو الأصدقاء على حدٍ سواء.. آن للبنان وشعبه الناضج أن يقف على رجليه ويتمتع بسيادته واستقلاله؛ وكفانا ارتماءً بأحضان أولئك الغيارى وكفانا تجاربَ الحروب الداخلية والخارجية التي جرت وتجري على أرضنا. وكفانا اهتماماً بتحقيق مآرب الجميع وأهدافه دون أهدافنا. فمن أراد محارب أعدائه فليحاربهم من على أرضه ومن يرغب في تجربة أسلحته فليجربها على أرضه ومن شاء أن يقيم دولةَ عقيدته فليتفضل ويقمها في أرضٍ غير أرضنا وبين شعبٍ غير شعبنا. فأرضنا تضيق بخاصةِ شعبها وشعبها لديه تخمةَ من العقائد ما يوزعه على العالم ولا تنقصة عقيدة.   

 

فاصلة،

نحن شعبٌ، تاريخه حفل برفض الحروب لكن قط لم يجبن أمام جحافل الغزاة والمتسلطين وضحى حتى الشهادة بكل معانيها، مادية كانت أم بشرية. وطالما قادَ مقاومة الأعداء حتى عقر ديارهم.. نتذكّر تضحية أهل صور أمام الاسكندر المقدوني ومقاومة هنيبعل ومواجهته عظمة روما ومعلقي المشانق العثمانية ومقاومة الانتداب الأجنبي الذي جلب الاستقلال لوطننا وضرب افضل الأمثلة لغير مدعي.. فلا يزايدنَّ علينا أحد!

أما أن يُفرض علينا أن نحاربَ عن بعض مدعي الأخوة الخاملين أو نشر ايمان وعقيدة غير عقائد شعبنا، فهذا بات مرفوضاً كلياً..

نحن شعبٌ كرة العسكر والعسكرة ويجب على الرئيس الموعود أن يعي هذه تماماً أنه آن الأوان لوطننا أن يستريح ولشعبنا أن أن يعيش، دون قتال ولو لمدة توازي مدة حروب الغير على أرضنا.

على الرئيس أن يأمِّنَ ويسعى لتأمين كافة السبل لإبعاد الوطن وأهله عن كل ما يعيق استرداد مساره الحر في عالمٍ عجَّ بأنواع متعددة من مسارات الدمار والإرهاب والانكباب على تثبيت أركانه ولو بإعادة نظر شاملة، على نارٍ هادئة غير مشتعلة أو منشغلة بالأحقاد والشوفينية التي زرعها الغيارى في نفوسنا.

 

أخيراً،

هذا الرئيس، سوف يجب أن يكون له وعدٌ إلهي يوظفه في إنهاء أزمة الوطن وليس في إدارتها، فهل هناك مَن يستطيع إعطاء هذا الوعد ويقيّد نفسه به ويشرِّف كلمة وعدِه؟  

 

سنبحث عن هذا الوعد الإلهي في رسالة مقبلة.

 

صانك الله لبنان

لاحظ س. حداد

التيار السيادي / نيوزيلندا