رسالة إلى الجنرال ميشال عون
من جندي في التيار السيادي لم يعد مجهولاً
بقلم/لاحظ حداد
المشاركة!
ستة أشهرٍ انقضت منذ أن أرسلت لك رسالتي الأولى (22 اكتوبر 2006)، داعياً أياك إلى العودة
إلى حياض الوطن الذي بناه الجدود بعزيمةٍ لم يتمكن الاستبداد العثماني ولا الانتداب الأجنبي
أو حتى الهيمنة الأخوية من التغلُّب عليه أو استقطاعه.
تحية لبنانية،
عزيزي الجنرال،
بعد كل الذي جرى ويجري من تحولاتٍ في السياسة الداخلية والخارجية مما يدعو إلى الخوف على مصير الوطن وتشتت شعبه! ألا ترى في ذلك مدعاةًَ لكَ إلى إعادة النظر في كافة مواقفك السياسية وتستعيد موقعكَ الطبيعي في حاضر الوطن؟
ما سبق أن حذّرناك منه، تلميحاً ومباشرةً، من أن التحوّل عن الخط الوطني الذي أحببناكَ لريادته، في الوقت الذي خلت الساحة السياسية اللبنانية من روّادٍ سياسيين مكتملي الأمان، إلى حين انطلاق ثورة الأرز الكبرى التي احتضنتكَ، لم ولا ولن يُقنِع أحداً بصدقية انتهاجه مع مَن تفاهمتَ معه. إذ أن الخط الوطني الصميمي المبني على الديمقراطية المدنية الصحيحة التي ننشدها معاً، تسير في خط متوازٍ مع الخط العقائدي المبني على الدكتاتورية العقيدية الدينية التي ينتهجها مَن تفاهمتَ معه، وبالتالي هما خطان متوازيان لا يلتقيان قط مهما ألبسناهما من قشيب االأزياء الملونة بالأبيض والأسود.
وقد اتضّح للعالمَين، العربي والدولي، أن العائق الوحيد الذي يقف أمام استكمال قيام دولة السيادة والاستقلال التي ينادي بها الجميع، وأولهم أنتَ، هو هذا الخط البياني، الساطع الصوت والصورة، للنهج الذي يتّبعه منَ تفاهمتَ معه، عن حسن نيّة أو رغبةً منكَ في إثبات ما لم يثبت إلى الآن، أي استدراج أو استقطاب صاحب هذا النهج إلى داخل الخط الوطني الصميمي الذي أعلنتَه واتّبعته طويلاً؛ وعوض تحقيق ما فكّرتَ به مخلصاً، لمصلحة الوطن، رأيناكَ قد جُرِرْتَ أنتَ، ربما مُحرَجاً، إلى أحضانه ومن بعد إلى خارج الوطن.
الموقف الأخير الذي التخذَهُ مَن تفاهمتَ معه، للأسباب أعلاه، يعيد كلَّ الأمور إلى موقع الصفر، وهذا ما أكده وتؤكده يومياً بيانات أعضائه الدينية العقائدية والنيابية. وفي اعتقادنا أن هذا الموقف لا بدَّ أن يكون قد هزًَّ ضميركَ الوطني الذي نعهدُهُ سليماً معافى ومترفعاً عن أعزَّ المُغريات وأهمّ الطموحات. من هنا نود أن نطرح عليكَ بضعَ أسئلة ضميرية لا نتوخى منها سوى أجوبةٍ عملية مباشرة، وعلى أرض الواقع.
أولاً: المشاركة،
هل أن مشاركة الطائفة الشيعية الكريمة التي يطالب بها المتفاهِمُ معكَ تعنيه وحدَه أو تعني الطائفة الشيعية الكريمة بأكملها؟ وإذا كان هذا صحيحاً فلماذا لا ينبري باقي أطياف الشيعة إلى مساندته ودعم مطالبه عوضَ توجيه اللوم ورفض تصرفاته وادعاءاته بل نجدهم يرفضون سياسة الترهيب والاستكبار وضرب مفهوم المشاركة الحقيقية؟ ونحن، كلُّنا يسمع أقوال الجميع ويعلم آراء الجميع ولم يعد هناك سَتْرٌ مُغطّى، كما يقال. أوَليسَ التعاون مع الأصل أفضل الباقي من الدخيل الزائل؟
والسؤال هو: لماذا التعلُّق بأذيال فئة لم تعد تمثّل إلاّ ذاتها وباتت مرفوضة حتى من غالبية الطائفة الشيعية بالذات ولا نأخذ بأراء أولئك المعارضين من الشيعة، وفيهم ومنهم العديد من أعرق العائلات الشيعية التي صانت لبنان وعاشت أجمل أيامه وشاركت فعلاً وفعلياً في الحياة السياسية اللبنانية إلى أن تسلَّطَ عليها هذا المتفاهم معكَ وقبله ذاك الذي من رحمِِ "أملهِ" خرج إلى الوجود. ألا تذكر أيامَ عزّ المجلس النيابي في عهودٍ سابقة للحرب التي ساقها إلينا النظام السوري؟
ثانياً: المشاركة أيضاً،
لنفرض أن الوطن، كما ترتؤون هو شركة مساهمة بين طوائفها المتعددة. وهذا قطعاً ليس صحيحٌ؛ فأرباح الشركة المساهمة تكون بمقدار ما يدفعه كل شريك. اليس كذلك؟
لنرى معاً إلى هؤلاء الشركاء ومستحقاتهم: وليس العددَ هنا مهمٌّ بل الشريك!
المتفاهم معه: لنفرض جدلاً أن المتفاهِمَ معكَ قد دفعَ، دون أن يَطلب منه أحد لا بل رغم إرادة اللبنانيين الذين قبلوا قسراً وقهراً بإرادة النظام السوري، الذي حاربتَ وجوده، التي أبقت على سلاح المتفاهم معكَ وفرضت على جميع أفرقاء النزاع في الحرب اللبنانية نزع سلاحَ قتالهم، دونه وحده. وقد فعلوا صاغرين ومقتنعين أمام الحالة الدستورية التي أمِلوا ضمانةَ حمايتهم جميعاً.
النظام السوري: كما ولا شك تعلم، قد جاهر أكثر من مرة بأنه الحامي والمدافع عن المتفاهم معه. أما أسباب هذه الحماية فقد بانت للجميع أنها إنما كانت حماية معكوسة من المتفاهِم معه للنظام السوري بالذات. ولم يكن إبقاء سلاحه لمحاربة إسرائيل سوى ذريعة آبقة لإبقاء شعلة الحرب قائمة على حدود وطننا وراقدة في داخله، كي لا تنطفئ شمس الأرض السورية المحتلة نهائياً وكي لا يُستَثنى النظام السوري من عملية السلام المنشود في الشرق الأوسط؛ وربما تحسُّباً ليوم، وقد أتى، يضطرُّ فيه النظام السوري إلى الاعتكاف داخل أرضه أو الخروج إلى إسرائيل ... وقد خرج!
هذا المتفاهم معه، خدم النظام السوري بكل حسن نيّة، لعلّها كانت أحياناً لبنانية صافية، لم يألُ جهداً في جهاده المزعوم ضدَّ إسرائيل إلى أن قررت هذه إلى الانسحاب من الجنوب اللبناني الذي لم يصدقه يومها أحد وقالوا فيها الخديعة ورأوا فيها فخاً يُنصَب (جزين). قرار إنسحاب إسرائيل من الجنوب، لم يكن كله نتيجةَ كفاح المتفاهم معكَ وحده بل رافقته عدة تحولات ضاغطة أهمها مجريات الأمور في الداخل الفلسطيني الإسرائيلي. ومع ذلك ارتضى اللبنانيّون، جميع اللبنانيين، إضفاء صفات البطولة والنصر عليه.
كما حصل مع المجاهدين الفلسطينيين بعد معركة "الكرامة" الأردنية التي قامت قوات الجيش الأردني بمساعدة القوات الفلسطينية، الحديثة التكوين والتنظيم، على سحق القوات الإسرائيلية المعتدية ومن ثمَّ أحالت النصر بأكمله إلى الفلسطينيين؛ الأمر الذي نفخ في أوداج هؤلاء وظنوا خطأً بأنهم المنتصرون وبالتالي ساقت بهم غوغائيتهم إلى الاعتداء على كامل المملكة الأردينية في محاولة لاقتناص الحكم فكان ما كان من انتفاض الأردنيين عليهم وطردهم إلى... لبنان.
وكما حصل مع الفلسطينيين من تخلي النظام السوري عنهم أثناء طردهم من الأردن وترحيلهم إلى لبنان لوضعهم تحت رحمته مباشرةً، وكلنا يذكر نتائج هذه الرحمة وليس من داعٍ لسردها وإعادة تدوينها، ويكفي الإشارة إلى الأعداد الهائلة من الشهداء الفلسطينيين الذين ذهبوا ضحية مؤامرة النظام السوري والتي لا زالت فاعلة حتى يومنا هذا. كذلك رأينا في السابق وسنرى نتائج رحمة وحماية هذا النظام الاستغلالي من تخلي عن محمياته اللبنانيين قريباً وقريباً جداً.
سيدي الجنرال:
لعله من المفيد للتذكير هنا ببعض نتائج العراك أو الكفاح الذي قام به المتفاهم معكََ على الوطن وبنيه، وبشكل خاص على أبناء الجنوب اللبناني. وكم من مآسي تسبب بها هذا الكفاح من تدمير وتهجير ومقومات للحياة الانسانية في وسع الوطن، ما أحوجَ الدولة اللبنانية (تحت الوصاية السورية آنذاك) إلى مد يد التسول واستجداء المساعدة الانسانية التي قدمها لبنانيو الداخل والانتشار والمؤسسات الانسانية في العالم كله ما عد النظام السوري الذي رفض مد يد العون الى الشقيق ألهمَّ سوى محطة أو جزء من محطة للتوليد الكهربائي مستعملة وباعنا أنتاج بتروله الردئ بأغلى الأثمان. هذا ولا بد من التذكير بالمعارك الشرسة التي كانت تُستَدرج إسرائيل إليها في الجنوب وكيف كان النظام السوري الحليف والحامي والمدافع يقف متفرجاً، ولولا ديناميكية رئيس وزراء لبنان (الشهيد الكبير رفيق الحريري)، غير المسبوقة التي حولت المتفاهم معك من حركة إرهابية مشبوهة عالمية وذات تاريخ إرهابي معروف إلى حركة مقاومة وطنية اعترف بها بعض العالم، لما كانت لهذه الحركة أن تقف على رجليها الآن وتدعي مقاومتها.
إذن، هذا الشريك، المتفاهم معك قد أخذَ مستحقاتٍ، فرضها النظام السوري، في الوطن لم يكن لينال مثلها لو أنه كان جُرِّدَ من سلاحه كما حصل مع الآخرين. ومع ذلك يأتي اليوم ليطالب بالمشاركة! مشاركة لم تعُد أسبابها بخافية على أحد.
السؤال هو: أين هي حقوق أبناء الطوائف الأخرى الذين عانوا الأمرين، راضيين مقتنعين أو مُجبرين ورغم إرادتهم، من تهجير وتهديم بيوت وسقط منهم شهداء أموات وأحياء طوال أكثر من خمس عشر سنة. وأين هي حقوق الدولة اللبنانية التي كان عليها تحجيم واجباتها نحو مجموع أبناء الشعب اللبناني واقتصاره على معالجات من ساقته استراتيجية المتفاهم معكَ العسكرية التي أصرَّ ويصرُّ على اتباعها إلى اليوم وهل على الشعب اللبناني أن يدفع جنى عمره الجنوبي في مقابل تفاخر المتفاهِم معكَ بمقاومة لم تأتِ على البلاد إلاّ بالويلات. ترى ألا يستحق هؤلاء بعضَ تفكيرٍ منكَ بمستحقاتهم؟
ثالثاًً: المشاركة أيضاً وأيضاً،
أنتَ أيضاً تبحث عن المشاركة. مشاركة المسيحيين الكاملة في النظام اللبناني. أنتَ على حقٍ في ذلك. ولكن أن تأتي هذه المشاركة عن طريق المسيحيين فهذا قول فيه نظر. وأن تأتي عن طريقهم مع غير طائفة فهذا ذو فائدة إذا كانت هذه القاعدة شاملة لجميع الطوائف إذ تثبت أن الديمقراطية التوافقية تأخذ طريقها الصحيح وهي مدعاة أمل في تحوّل بطيء من الطائفية إلى المواطنية، إذا سلُمَت النوايا، وتقود بنتائجها بعيدة المدى إلى الاستغناء التام عن الطائفية بالكامل. أما القول بتمثيل الأغلبية المسيحية فهذا قول ينقصه الكثير من الدقة.
وكون مجموع النواب المسيحيون المنتخبون بأصوات مسيحيين لا يتجاوزوا ال 19 نائباً. وهذا يعني فقط أن 38 % من أصوات المسيحيين المفترض أنهم يمثلون نصف مجلس النواب اللبناني، منهم 18 نائباً انضووا في تكتلكَ، فيكون حساب بيدرك لا ينطبق على حساب الحقل المسيحي العام وبالنتيجة أنت لا تمثّل سوى جزء ضئيل من المسيحيين. أما أولئك النواب المنتخبين بأصوات مختلطة أو إسلامية صرفة فلا يجوز احتساب أصوات المسيحيين في خانتك وإلاّ كان على النصف المسلم من نواب المجلس أن يحتسبوا أصوات المسلمين الذين أُعطوا للنواب المسيحيين في خانتهم وبهذا يُفقد التوازن المسيحي المسلم بأكمله.
على أيّ حال، نحن لسنا مؤهلون للدخول في الانتخابات الماضية وكيفية حصولها بحسب التحالفات الإنتخابية المعهودة، وأفضل مَن شرحها وإثبت مجرياتها هو الأستاذ الياس الزغبي الذي تخلى عن العمل معكَ بعد ثبتَ له انحراف الخط الوطني الذي آمن وآمنّا به. أما الخلل الذي يقال في القانون الكنعاني، نريد فقط أن نؤكد أنه كان عليك اتخاذ الموقف الشجاع الذي عهدناه منكَ ورفض إجراء الانتخابات بموجب ذلك القانون لاسيما وأن وزير الداخلية الشاب فرنجية كان قد طرح صادقاً إجراءها بموجب قانون العام 60 الذي كان أنقذ الجميع وغيّرَ كافة المعادلات الانتخابية. ويُسأل في هذا الجالس سعيداً عن يمينكَ عن كيفية تصرفه تجاه القانون بعد انسحاب رئيس مجلس النواب ولماذا.
لا بد لنا هنا من التذكير والتذكير فقط، ان انصباب أصوات المسيحيين في خانتكَ أكثر ما تسبب به كان غياب أكبر قوة مسيحية عن الساح السياسية اللبنانية، أعني بهم قوات المقاومة اللبنانية المسيحية بجميع أطرافها الأحرار والتي تاريخها في الدفاع عن لبنان لا يمكن لأحد، مهما علا شأنه التنكّر له؛ فلو أن قائد هذه القوات كان خارج سجنه واستقطع الوقت الكافي لاستعادة أنفاس حزبه وباقي الأحزاب اللبنانية المسيحية الذين شاركَ شبابَها شبابُ التيار الوطني في خوض جميع معارك
الشرف ضد الأمن السوري اللبناني المشترك الذي استكتب هؤلاء الشباب، وأحياناً أهلهم، وثائق عدم التحدث أو التعاطي في السياسة، هذا إذا كنت لا زلت تذكر؛ وهذا الذي لم يحصل، ولو أنه حصل، ما لم يكن إلاّ ليغيّر المعادلات الانتخابية أيضاً.
إذن، ليس من اللائق والصحيح الادعاء بأنكَ تمثل أغلبية المسيحيين في لبنان. وليس من الجائز لقائد عسكري ملهَم مثلكَ أن يهضمَ حقوقَ وجهودَ جميع ضباط أي معركة اشترك هو في آخرها ويجيز لنفسه تجييرها لنفسه. وبالتالي نسأل أين ذهبت مستحقات هذا الفريق الأساسي من المسيحيين الذين أسهموا مساهمة تاريخية في منع توطين الفلسطينيين للبنان وتحويلة دويلة خاصة بهم! ترى ألا يستحقون جزاء ما دفعوه بإرادتهم الحرة دفاعاً عن الوطن وليس دفاعاً عن نظام الوصاية السورية؟ أم تريده جزاء سنمار الذي لاقاه رئيس الشهداء اللبنانيين الذي تعرفه تماماً وتعرف عنفوانه الذي لا ولم ولن يضاهيه عنفوان المنتصر الإلهي؟
والسؤال هنا: هلا يستحق هذا الخلل الذي جاء في مصلحتك تماماً أن تعيد النظر فيه وإصلاحه؟
سيدي الجنرال، دعنا لا نستذكر كل هذه الأمور وإلاّ كان علينا الانجرار إلى نتائج كل تلك المعارك التي قمت بها لأسباب لم ينسها أحد، وأقلها تفشيل انتخاب رئيس للجمهورية وضرب جميع القوى المسيحية القادرة على دعم الجيش اللبناني في حرب تحريرك ضد السوريين. الحرب التي جاءت بنتائج تدميرية وأفسحت في المجال أمام الاحتلال السوري للبقاء في لبنان طوال الحقبة الماضية. وكشف كهذا يسيء بكل تأكيد إلى نتائج تتوخاها في الانتخابات المبكرة التي تطالب بها.
رابعاً: المشاركة المسيحية،
المشاركة المسيحية، سيدي الجنرال، لا تكون في تفكهات بروبسبير أو ملاسنة فقهاء التكفير والتخوين والمتفذلكين على شيوخ الكلمة الوطنية وأباء الأمة اللبنانية وأئمة السلام والعدل والمحبة الذي ما انفكوا يوماً عن طرق حديد السياسيين البارد وسيأتي يومٌ نرى إلى سخونةٍ تحرق أيدي ملامسيه فيعلموا آنذاك أن مجد لبنان أُعطي لهم وأبواب الجحيم لن تقوى عليه.
المشاركة المسيحية التي تطالب بها لن تأتي قط على فراشات صواريخ المتفاهِم معك وعلى أجنحة طائرات السلاح الايراني المرسلة إليه أو طي فتاوى عقيدية صادرة من خارج الوطن بل، تأتي فقط في عودة صريحة وصافية إلى الصف المسيحي الأصيل الذي بنى ويعيد بناء دولة الوطن في مشاركة فعلية وحقيقية مع أركان السيبة اللبنانية القوية والمتينة القائمة على انصهار الارادة الوطنية للدفاع عن الوطن. ونحن، ولأول مرة نلمس ونعيش نتائج هذا الانصهار بعد عودة العقل اللبناني الذي أعاقته تجارب الماضي الأليم إلى جسم الوطن وباتوا اليوم يُطلقون نداء "لبنان أولاً".
إن السيبة التي نتكلم عنها سيدي الجنرال، قامت وتقوم على التفهّم والتفاهم "الصائبي". السيبة الوطنية التي أسسها رجالات الاستقلال الأول في سجون راشيا وعلى هضاب بشامون وفي ساحات الشهداء والبرلمان اللبناني وساحات بلدان الانتشار اللبناني.
أين نحن من رياض الصلح والخوري وفرنجية وإرسلان وجنبلاط وشمعون والجميّل وغيرهم الكثر من أبناء المسلمين والمسيحيين الذين رفضوا الانتداب ومن قبله الاستبداد وقادوا الأمة العربية كلها إلى مواقع التحرر والتحرير الوطني؟ تلك كانت المشاركة الحقيقية في بناء وطن الاستقلال الأول حيث تخلى الجميع عن صفاتهم الدينية ليتحولوا إلى مجاهدين وطنيين، بكل مافي هذه الكلمة من معنى، والأسمى في تلك الذكرى موقف المغفور له رياض الصلح في ترئيسه المغفور له أيضاً حميد فرنجية للوفد اللبناني تيمناً بصفته المسيحية في سبيل إنجاح مهمة ذلك الوفد. هذه كانت قمة الوطنية. ألا تذكر هذه الشئون سيدي الجنرال؟
الحرب على لبنان قدمت الدروس الغالية لكل فئات الشعب اللبناني وقدمت فعل ندامتها على أخطاء المشاركة فيها. والله قبل ندامة النادمين. قلةٌ فقط هم الذين لم يجدوا المخارج الأنسب للعودة إلى الوطن بعد لأسباب هم يعلمونها وليس من الجائز اغلاق أبواب الأب (الوطن) في وجهوهم بل الأجدر بالجميع التماهي في احتضانهم ليعودوا سالمين.
فئةٌ صغيرة، أوثقت نفسها بأغلال الغيبية أو الأصولية لن يكن لها مكانٌ في لبنان ما لم ترعوي تماماً وتسلم بقيامة الوطن وإلاّ كان على الجميع نبذها ومحاسبتها على ما اقترفت أيديها من موبقات بحق الوطن ولا زالت، راكبةً جنون العظمة والاستكبار وخيول الحرب المطهمة في وقت لم يعد لمثل هذه الخيول من مهام تذكر إلاّ في أذهانهم وحدها.
فهل من العقل والتعقّل ركوب خيولٍ لا نملك زمامها ونساهم في تفكيك الكيان، كما يتمنى أصحاب تلك الخيول، أم الانخراط في ديناماكية قيام الدولة وضمان استمراريتها في أجواء ديمقراطية لم يسبقها علينا أحد في منطقة الشرق الأوسط كله؟
المشاركة المسيحية أيضاً،
لم يعد في لبنان كله من يقبل أو يريد عسكرة لبنان. فلماذا تريدنا والمتفاهِم معكَ أن نثابر على ذات المنوال. وهل إن تحرير القدس من قيود إسرائيل يتطلب من لبنان أن يبقى على جهوزية عسكرية حربية تامة لاعلان حرب تحرير القدس في حين أن أهل القدس ذاتهم يتولون الأمر بأنفسهم وأهل القرار العربي الأكبر يساومون عليها وفيما سوريا العروبة والصمود والتصدي تهرع إلى نسيانه قبل نسيان جولانها إذ لم يتبقى لديها سوى ورقة مهزوزة للمتفاهم معك قد تبيعها في أية لحظة.
ألا يستحق لبنان استلقاط بعض أنفاسه قبل أن يخسر المزيد من النفوس، اغتيالاً وتهجيراً أو تفقيراً؟
المشاركة المسيحية، سيدي الجنرال، تكون بإعادة النظر في موقفك وإعادة الحق لأصحابه ابتداءً من فخامة الرئيس أمين الجميل الذي أفقده دفاع عائلته اللبنانية عن الوطن شهداءَ أعزّاء لن ينسَهم تاريخُ الوطن ما بقي هذا الوطن في الوجود؛ وهو سيبقى طالما بقي في الأرض لبنانيون. وإلى من قضى سنوات العزلة في منازل السجون وإلى كل من فقد غالٍ في سبيل قضية عقيدتها الوحيدة لبنان، وفي مقدمهم أولئك المدفونين تحت التراب والمحتجزين في السجون السورية وفي الداخل الإسرائيلي.
المشاركة المسيحية المطلوبة هي بالترفّع عن المنازلات السياسية واستعادة الرونق المسيحي، وهو قوة السيبة اللبنانية وزهرتها المتفتحة على كل أمل ديمقراطي ووعي قومي ووطني.
سيدي الجنرال: الموقف الآن بات يتطلب شجاعة فائقة تعودناها منكَ.
لمنع قيام الفتنة التي بدأت تذرّ قرنها لن تقتصر على فئات لبنانية محددة كما يبدو للبعض لكنها سوف تشمل جميع الفئات وهذا ما لا نتصورك تقبله. كل هذا بسبب تعنّث غير مبرر من قبل المتفاهم معهم. لذلك بات من الملحّ جداً أن تتخذ الموقف التالي:
أولاً: رئاسة المجهورية التي ترغب في استلامها لم تعد مأمّنة لكَ شخصياً، بات الأولى بكَ اعتماد البرنامج الخاص بك لقيام الدولة المدنية المحافظة على حقوق الطوائف، وتختار شخصاً موثوقاً منكَ ومقبولاً من الجميع، معارضة وموالاة، وتترك لغير فئة أن تختار شخصاً مماثلاً يحظى بذات النهج البنائي المستقبلي.
ثانياً: أصلح المواثيق التي يمكن اعتمادها لاختيار رئيس للجمهورية هي وثيقة البطريركية المارونية التي ارتضى بها الجميع إذ هي تشمل جميع أساسات النظام اللبناني الذي يطالب به الجميع.
ثالثاً: المبادرة المطلوبة منكَ شخصياً هي أن تطالب المعارضة بفتح جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية من بين المرشحين أو الثلاث المقبولين من الجميع مع إبقاء رئيس الجمهورية الحالي في موقعه إلى نهاية ولايته الممدة، إلاّ إذا شرّففَ موقفه بالاستقالة مع ضمان حصانته.
رابعاً: تشكيل حكومة إئتلاف وطني تحمل ذات البرنامج البنائي المستقبلي تضم وزراء من كل طائفة وتتمثل فيها المعارضة والموالاة ولا تقتصر على أعضاء المجلس النيابي الحالي بل تضم أعضاء من خارجه.
خامساً: تحديد مهمام هذه الحكومة في المرحلة الحالية بِ:
الانتهاء والبت في موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي بعد تحديد مهامها القانونية.
توثيق نتائج مؤتمر باريس3 والمباشرة في تنفيذها، تحقيقاً لاستنهاض الوضع الاقتصادي.
التعاون مع مجلس الأمن الدولي لتنفيذ قراراته، لاسيما تلك المتعلقة بمزارع شبعا وتأمين الحدود اللبنانية واستكمال
ترسيمها.
سادساً: تسلُّم الرئيس المنتخب زمام الحكم واختيار حكومته وتحديد مهامها بِ:
عقد مؤتمر صلح وطني يشارك فيه جميع الفاعليات اللبنانية يخرج بميثاق وطني جديد موقّع وموثق.
اقتراح تأسيس مجلس الشيوخ المنصوص عنه في الدستور. مرجعية عليا تتولى شأن الأمور القومية الكبرى.
اقتراح إنشاء لجنة دستورية تتولى مراجعة الدستور اللبناني بنصّيه القديم والحديث واقتراح التعديلات النهائية له.
وضع قانون انتخابي جديد يوضع قيد التنفيذ في الانتخابات المقبلة.
إجراء انتخابات نيابية بموجب القانون الجديد.
سابعاً: اختيار حكومة وحدة وطنية جديدة تحدد مهامها بِ:
1. الاتفاق مع الحكومة السورية على إعادة النظر في كافة الاتفاقات المعقودة مع لبنان.
2. الاتفاق مع الحكومة السورية على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين.
3. إقتراح اعتبار لبنان دولة ذات "حياد إيجابي" وتأمين اعتراف الأمم المتحدة بها. لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم!
سيدي الجنرال،
هل ترى فيما نطلبه منكَ كثيراً على لبنان أم أنكَ ترى رأينا فيه؟
وَ... أليس هذا المطروح أفضل من المعارك اللافائدة منها ولا طائل تحتها بل، وأفضل من مماحكات مجلس الأمن والأمم المتحدة التي قد تذهب بجيل كامل من اللبنانيين قبل استرداد الوطن من أيدي ذوي النويا السيئة؟
هل تفعل وتكسب لبنان محبة واحترام غالبية شعبه المسيحي والمسلم معاً؟
لبناننا أيها الجنرال أهم بكثير من تسجيل مواقف حادة، صحيحة أو غير صحيحة، يتخذها عنكَ وباسمكَ شبابٌ آمن بنوا بكَ وبنهجكَ الوطني المستمد من أصالة لبنانية مسيحية ومسلمة لا زالت متجذرةٌ عروقُها في قلوب جميع محبي الوطن الخالد لبنان.
صانكَ الله ... لبنان
لاحظ س. حداد
التيار السيادي _ نيوزيلندا