الدرس الأوكراني لثوّار الأرز

بقلم/ جان عزيز – صدى البلد

الأحد, 09 أبريل, 2006

 ثمة دروس كثيرة وعميقة لنا أن نتعلمها من أوكرانيا، وهي لا شك أبلغ من عطاءات رقيقها الأبيض، المتحول احدى علامات عارنا على شاطئنا الأسود.

ففي أوكرانيا، كما عندنا، تعددية حضارية. حتى ان هانتنغتون مرّر خط حدوده “الصدامية” الشهيرة في قلبها بالذات، بين الأونيات والأرثوذكس، تماماً كما مررنا نحن خطوط تماسنا في قلب العاصمة، قبل حروبنا وبعدها.

وكما عندنا، فلأوكرانيا أيضاً “أخ أكبر” لا يعترف بها. ولها غرب لا تعترف به، الا في سرّ توقها وتطلعها وتغرّبها.

لكنها ظلت أسير خوفها من الأخ الروسي، الذي لم ير فيها غير “جزء سليب”، كيف لا، واسمها نفسه في اللغة الروسية القديمة، لا يعني غير “الأراضي المجاورة”.

وكما عندنا، نجح الأخ الروسي الأكبر في ابتلاعها وضمّها وترسيخ هضمها طيلة قرون، بدءاً باستراتيجيا “التجنيس” على الطريقة القيصرية، بنقل جماعات سكانية روسية اللغة والاثنية والولاء، وتوطينها في أوكرانيا، وصولاً الى أممية فلاديمير ايليتش المعممة على كل الجنس البشري، فكيف ببشر أرضنا المجاورة...

المهم انه بعد قرون من واقع “الانصهار الوطني” الأوكراني ومن “الشعب الواحد في دولتي” النسر ذي الرأسين، حصل التقاطع التاريخي: انهارت موسكو، واهتم الغرب بتركتها، وقامت أوروبا تنافس ناشئة، فولدت اللحظة وصارت لواشنطن “سياسة أوكرانية”، وفق قاموس جفري فيلتمان.

هكذا بين ليلة وضحاها ولدت “الثورة البرتقالية”.

حتى لونها استعاروه، بتوارد الأفكار طبعاً، من فرعية بعبدا ـ عاليه، حيث كان نجل رئيس الرابطة المارونية مرشح حزب البعث ووليد جنبلاط معاً.

تقاطع الضغط الغربي مع “المومنتوم” الأميركي ومع الفشل الروسي وانهيار السلطة المن صنيعته في كييف، فنزل شباب أوكرانيا الى ساحات حريتها، وأسقطوا “تمديداً رئاسياً” لسلطة الوصاية، وأوصلوا رئيساً من يحمل حفراً على وجهه وجسده، آثار محاولة اغتياله من قبل “النظام الأمني الروسي ـ الأوكراني المشترك”.

بعدها، احتفل الشباب الأوكراني بانتصاره. وكما كل وقود الثورات وحطب مراجل وصولييها، أهدوا انتصارهم الى الطبقة السياسية الموجودة، وعادوا هم الى صفوفهم وبيوتهم وأعمالهم...

أقل من سنتين كانتا كافيتين لاجهاض المعجزة ودفن الانجاز والاجهاز على الثورة والعودة على بدء.

أقل من سنتين من مماحكات الطبقة الحاكمة الجديدة ـ القديمة، رافقها تبدل في أولويات الغرب واهتماماته ووسائل سياساته في تلك المنطقة، كانتا كافيتين لتعود روسيا الى العاصمة الأوكرانية، عبر صندوق الاقتراع بالذات، ولتعيد أرضها المجاورة جرماً سابحاً سعيداً في فلك هيمنتها، باسم التاريخ والجغرافيا والمسار والمصير.

انه درس أوكراني طازج، يصلح طبقاً آنياً لسياسيي طبقة “ثورة الأرز”.

هل يتعلمون؟

أم يظلون مكتفين بطلاسم التخدير والتطمين العوكري؟

ففيما يبدو سعد الحريري منهمكاً بترجمة خطاب باسم السبع حول آل الوحش للقائد أحمد جبريل، وفيما وليد جنبلاط متفرغ لهواية البقاء حياً كل يوم، حتى صباح اليوم التالي، وفيما سمير جعجع منكب ربما على اعداد خطابه التالي لحفل تكريم زوجته الثاني قبل المئة، وفيما “الثوار الآخرون” متفرغون لانضاج ثمار الثورة، من تعيين نجلَي نائبين أكثريين في مؤسسة مالية رسمية، الى ترقية ابن شقيق نائب أكثري آخر الى موقع مفصلي في وزارة سيادية، الى اعداد قانون يعفي الورثة من رسوم انتقال الملكية، رغم نفي الوزراء المعنيين هذا الخبر في جلسة الحكومة الأخيرة...

في هذا الوقت، لم يعد ينقص شباب “ثورة الأرز” الحقيقيين الا من يعيد نشر مؤلفات جورج أورويل، أو من يعطيهم موعداً جديداً في ساحة جبران، ولو في غيابه، أو بالأحرى، بسبب هذا الغياب، ولأجله.