الحريري ونصر الله والطائف الثاني قراءة في المقارنة والخفايا

بقلم/ جان عزيز

4 مارس, 2006 –البلد

كل الدلالات تشير الى أن لبنان دخل فعلاً مرحلة الطائف الثاني. مع الطائف الأول كان ثمة حوار نيابي حول مسائل سياسية مختلفة، اصلاحية دستورية وسيادية دولتية. واليوم حوار مماثل نيابي ــ أقطابي حول قضايا مماثلة الى حد كبير، منها المعلن ومنها المضمر. وفي مدينة الطائف كانت ثمة "طبخة رئاسية" تعدّ خارج طاولة الحوار، وان على ارتباط وثيق به، لملء الرئاسة الشاغرة في حينه منذ نحو عام وأسبوع. وفي مكان مجاور لوسط بيروت اليوم "طبخة رئاسية" أخرى، يتم انضاجها ببطء، لملء الرئاسة الملتبسة الفراغ أو الشغور منذ نحو عام وثلاثة أشهر. وعام 1989 استحدثت آلية لتوقيع طبخة الرئاسة على حوار النواب، عمادها شخصان: سيد وشيخ. السيد لم يكن غير رئيس المجلس النيابي آنذاك حسين الحسيني، والشيخ "الوسيط السعودي كما كان يسمى في حينه، رفيق الحريري". وعام 2006 تبدو ثمة آلية مماثلة قد انطلقت قبل أيام، وعمادها أيضاً سيد وشيخ أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله والنائب سعد الحريري. يقول مصدر سياسي مطلع أن سرّ التطورات المقبلة في الأسابيع والأشهر الآتية يكمن في لقاء الاثنين في قريطم قبل 3 أيام. الحريري جلس الى طاولة الساعات السبع ومعه تفويض كامل من حليفه وليد جنبلاط وضوء أخضر واضح من العواصم المتواصلة معه: الرياض وباريس وواشنطن. ونصرالله جاء الى الطاولة ومعه التفويض والأضواء نفسها، على الأقل من دمشق وطهران.

ويقول المصدر نفسه ان الحوار كان صريحاً، بأوراق مكشوفة وعناوين شفافة. الأميركيون ومن معهم عندهم شرطان: استكمال المسار السيادي وصولاً الى رئاسة الجمهورية واستحقاق رئاسي ينسجم مع مندرجات القرار 1559. السوريون من جهتهم لديهم مسلمتان: الموافقة على ما يوافق عليه "حزب الله" في موضوع سلاحه. وترك التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري للآليات الدولية القائمة من دون "مساهمات" محلية في الاعلام والسياسة والجيمسبوندية المستجدة منذ نحو 8 أشهر. عند هذا الحد بدا المتحاوران على الطريق نفسها أو يقرآن على الأقل في خريطة طريق واحدة. وبدا أن المسافة بينهما أقرب بكثير من المسافة المقابلة والقائمة بين المسيحيين "المتفاهمين" مع كل منهما. غير أن الحريري ونصرالله بدوا واثقين على الأرجح من قدرة كل منهما على "التفاهم" حول أي اتفاق مشترك محتمل بينهما، مع المسيحيين "المتفاهمين" مع كل منهما، أياً كانت المسافات المسيحية القائمة خارجهما. ومع ارتسام هذه الصورة بين المتحاورين صار الانتقال طبيعياً الى وضع آلية تنفيذية، للبحث في الاشكالية أو لتطبيق الحلول. وفي حين تمسك الحريري بلغة أطراف 14 شباط حول أولوية البند الرئاسي، انتهى النقاش على ما يبدو الى الاقرار بمبدأ "الرزمة الواحدة" لمقاربة المشاكل واقرار المعالجات. فكما أقر في الطائف الأول مبدأ التزامن الدقيق ــ في النص على الأقل ــ بين الاصلاحات والانسحاب والانتخابات الرئاسية، هكذا أيضاً أقرّ في الطائف الثاني التزامن بين ضمانات سلاح "الحزب" وتطمينات العلاقة مع دمشق واختيار الرئيس العتيد. ويشرح المصدر نفسه ان هذا الاتفاق المبدئي والأولي، ينطلق من ضوابط واضحة، في البنود الثلاثة فضمانات السلاح تظل بين حدين، أدناهما ورقة التفاهم بين نصرالله والعماد ميشال عون، وأقصاهما ما جاء في البيان الوزاري للحكومة الحالية، وما كرره مراراً رئيسها فؤاد السنيورة وتطمينات دمشق بين حدين آخرين: السيادة في الوضع الداخلي والتنسيق والتضامن في الوضع الاقليمي. أما اختيار الرئيس فعلى قاعدة لا من المسيحيين المتفاهمين معنا، ولا من أولئك المتفاهمين معكم، بل من "سلة ثالثة" لا تزعج واشنطن ولا تستدرج "فيتو" المتحاورين، وتحظى ببركة بكركي... فانطلق "طائف ساحة النجمة".

ما هي حظوظ هذا السيناريو في الواقع الفعلي؟ المصدر نفسه يعتبرها كبيرة. فالعواصم الغربية المعنية بأحد الطرفين أعطت موافقتها وايعازها لتحريك مبادرة عربية في هذا الاتجاه. والعاصمة السورية المعنية بالطرف الآخر أخذت علماً بذلك وأبلغته مباشرة أو بالواسطة الى 3 جهات لبنانية: بعبدا و"حزب الله" وقيادة مؤسسة رسمية غير مدنية كما ان دولة خليجية أدخلت على الخط للتمهيد والتسهيل وتقديم الخدمات والضمانات. خصوصاً وأنها تتمتع بدعم دمشق من جهة وأفضلية التنافس مع السعودية من جهة أخرى، وبأسبقية الخدمات المتبادلة مع أحد المراجع المعنية منذ العام 1999. يبقى فارق واحد بين الطائفين الأول والثاني. الدور المسيحي متراجع حتى الغياب في هذه المرحلة. فهل يظل كذلك، أو يتبدل أو يملك القدرة على العرقلة، كما لم يفعل أيام الطائف الأول؟