هل وجّه براميرتس كتاباً "سرّياً"؟

جان عزيز  03 تموز 2006

في الحلقة الضيقة المطلعة على التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري، تحديداً لجهة العلاقة بين الجهات الدولية وتلك اللبنانية المعنية، همس ووشوشة حول مسألة بالغة الدقة والحساسية.

 

  اذ يؤكد بعض أطراف تلك الحلقة ان الأيام القليلة الماضية، والتي أعقبت صدور التقرير الثالث عن اللجنة الدولية المختصة، في 15 حزيران الماضي، شهدت حدثاً بارزاً، جاء نتيجة أشهر طويلة من مراجعة المعنيين. وتمثل هذا الحدث في توجيه كتاب خطي من قبل المحقق الدولي سيرج براميرتس، الى الجهات القضائية اللبنانية التي يتعامل معها حول الملف، يعلمها بموجبه، ان "لا مانع لديه"، استناداً الى مجريات التحقيق ونتائجه، من اخلاء سبيل أحد الضباط الأربعة الموقوفين في قضية الاغتيال.

ويجزم الأطراف المعنيون بأن هذا الكتاب قد ووجه بقدر مطلق من السرية والتكتم لأسباب عديدة ومعروفة.

 

أولاً لأن هذه الخطوة الجزئية تشكل تراجعاً عن اجراء كان قد اتخذه خلف براميرتس، الألماني ديتليف ميليس قبل نحو 10 أشهر، حين طلب في 29 آب الماضي توقيف المسؤولين الأمنيين الأربعة، وبينهم الضابط المقصود في كتاب براميرتس المزعوم.

 

ثانياً لأن جهة الدفاع عن الضابط نفسه، كانت قد قامت خلال هذه الأشهر بأكثر من مراجعة قانونية لدى السلطات القضائية اللبنانية المختصة، لاطلاق سراح موكلها، وكانت تواجه في كل مرة بالرفض، استناداً الى مقتضيات التحقيق الدولي المستمر وموجباته. حتى ان وزير العدل اللبناني شارل رزق تبنى قبل أيام هذا الموقف، ما اعتبره المحامون المعنيون بالملف، خروجاً عن الأصول وتخطياً لصلاحياته.

 

ثالثاً لأن الضابط المقصود بكتاب المحقق الدولي براميرتس، هو أبرز الضباط الموقوفين وأكثرهم اثارة للجدل، نظراً الى دوره الأمني والسياسي طيلة الأعوام الخمسة عشر الماضية، كما الى خصومته مع اطراف الأكثرية الحالية.

رابعاً لأن أي تراجع من قبل السلطة الراهنة عن قرار توقيف هذا الضابط، ستكون له وفق حساباتها تداعيات سلبية على أكثر من صعيد: ان على مستوى الملف نفسه لجهة مسار الاتهام المطلوب وأشخاصه الآخرين، أو على المستوى السياسي، وحتى على مستوى تركيبة مؤسسات السلطة، المستجد منها والموروث. وذلك لما لهذا الضابط من قدرات ونفوذ، خصوصاً في حال خروجه "بريئاً" من القضية الموقوف فيها.

 

لهذه الأسباب مجتمعة ولسواها ربما، تؤكد الأطراف نفسها، ان رسالة براميرتس المزعومة تلك، شكلت كرة نار تقاذفها المعنيون بها قضائياً. ذلك أن مرجعاً معنياً مباشرة بالتحقيق في الملف تنصل من موجباتها، مبلغاً أهل الشأن أن لا حول له ولا قوة في مسألة حساسة كهذه. فيما تولى مرجع آخر مسؤولية طي الموضوع، عبر تجميده وسحبه كلياً من التداول أو البحث.

 

ما هو مقدار صحة هذه المعلومات؟ جهات أخرى ضمن الحلقة الضيقة نفسها، من المطلعين على علاقة التحقيق الدولي بالتحقيق اللبناني، تشير الى وجود شيء ما من هذا القبيل. لكنها تعتقد أن الموضوع لم يأخذ شكل كتاب خطي، بل مجرد آراء ومشاورات شفوية بين الطرفين اللبناني والدولي. فيما تصر جهات ثالثة في الاطار نفسه على نفي المسألة برّمتها جملة وتفصيلاً. غير أن الأوساط التي تجزم بوجود الكتاب الخطي، تؤكد انه تسرب الى جهتين سياسيتين على الأقل، وان نسخة منه باتت في حوزة جهة الدفاع عن الضابط المعني بمضمونه.

 

أما لماذا لم يبادر وكلاء الدفاع الى اثارة هذه القضية في حال صحتها، وفي حال امتلاكهم نسخة عن الكتاب، فتجيب الأوساط نفسها، ان هؤلاء يخشون من أن يؤدي ذلك الى مزيد من "الكيدية" في التعاطي مع موكلهم. وهم لذلك يعملون على تحريك الموضوع في بعض الدوائر الفاعلة بدل طرحه على الاعلام والرأي العام. وتتابع الأوساط نفسها ان جهة الدفاع هذه، تدرك ربما صعوبة ايجاد من يناصرها في طلب تخلية شخص، تعتبره غالبية اللبنانيين من سياسيين ومعنيين بالشأن العام، صاحب "أفضال" سابقة على الكثيرين، طيلة 15عاماً. لكن ماذا لو لم تكن هذه "الأفضال" مشتملة على جريمة 14 شباط؟

 

دوامة فعلاً، ان تبحث ولو نظرياً، في حق من لم يكن يعترف بحق، لا نظرياً ولا فعلياً. غير أن دوامة كهذه تميز وحدها رجل الحق عن سواه.