مآزق السنيورة وحكم الموتى

جان عزيز  - البلد 29 نيسان 2006

ماذا لو قارن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة صباح اليوم، بين ما كان معروضاً عليه وعلى فريقه في آخر جلسة حوارية قبل 3 أسابيع، وبين ما حصل عليه في واشنطن، خصوصاً لجهة المسائل الخلافية الأساسية العالقة؟

في آخر لقاءات ساحة النجمة في 3 نيسان، كانت القضايا المعضلات الثلاث مطروحة على الطاولة. وكانت ثمة مبادرات وايجابيات ودلالات وتشنجات، تعامل معها فريق الأكثرية، وكأنها غير موجودة.

ففي قضية العلاقة مع سورية، والتي ترتبط بها عملياً ملفات متفرعة عدة، تطوّع السيد حسن نصرالله من تلقاء نفسه لتسهيل مهمة تحديد موعد للسنيورة في دمشق.

فلم يسمع على مبادرته أي جواب، لا بل مرّ الاقتراح وكأنه لم يُسمع.

وفي قضية "أزمة الحكم" ووضع الرئاسة، بات معلوماً ان النائب الياس سكاف بادر الى طرح الموضوع من زاوية وضع الجميع أمام جدية ترشيح العماد عون.

فعقب النائب بطرس حرب ان الموضوع يحتاج الى آلية، نظراً الى وجود مرشحين عديدين وكونهم باتوا معروفين.

وكانت المفاجأة من قبل النائب غسان تويني في إشارته الى وجود مرشح جدي واحد ووحيد. لكن الدلالة الأهم في هذه النقطة كانت في سؤال الرئيس أمين الجميل، عن صحة ما حكي عن استعداد الرئيس اميل لحود لتسهيل الحل، في حال قيام توافق حول مثل هذا الحل.

فجاءه جواب العارف ميشال المر، بالإعراب عن اعتقاده بأن هذا بات كلاماً في مرحلة مضت.

وهو ما جعل المتحاورين يدركون بخيبة متكررة متجددة، أنهم أضاعوا فرصة أخرى.

بقي الموضوع الثالث: سلاح "حزب الله".

انتهى الحوار وتوافق الجميع على أنه في 28 الجاري، أي اليوم، يحسمون البند الرئاسي نهائياً، سلباً أو ايجاباً، قبل الانتقال الى "البنود الأخرى".

لكن المفاجأة كانت، وسط محاولة البعض ترك البنود هذه في دائرة الضبابية واللبس، رفع السيد نصرالله سبابته، متوجهاً في "الكلمة الأخيرة" الى محاوريه: "في المرة المقبلة، سنبحث في سلاح حزب الله". فأدرك الجميع مرة جديدة أن مأزقاً آخر ونكسة أخرى ينتظران فريق الأكثرية...

بعد 17 يوماً على هذه الدلالات الثلاث، خرج السنيورة في 20 نيسان الجاري من مكتب ناظرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في واشنطن، بعد لقائه العملي الأبرز في زيارته الأميركية، نظراً الى الطابع الاحتفالي للقاء البيت الأبيض.

وبعد الاجتماع سئل الناطق باسم رايس، شون ماك كورماك، عما دار بين وزيرته ورئيس حكومتنا، حول النقاط الثلاث نفسها: العلاقة بين لبنان وسورية من زاوية مزارع شبعا وترسيم الحدود، وسلاح "حزب الله" من باب تطبيق القرار 1559، ورئاسة اميل لحود على خلفية ايراد لارسن في تقريره الأخير، بأن سورية فرضت التمديد بالضغط على النواب.

ويفيد النص الحرفي لأجوبة المسؤول الأميركي، انه احتاج الى نحو 1300 كلمة ليرد على هذه المسائل الثلاث، بالخلاصات الآتية:

بالنسبة الى مزارع شبعا وترسيم الحدود، "يجب حلها عبر التفاوض"، "بين كل الأطراف"، و"السبيل لبدء سلسلة أحداث تقود الى حل المسائل المحيطة بمزارع شبعا، هو أن يتفاوض لبنان وسورية".

أما مسألة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فحلها يبدأ "بنية سورية التفاوض حول حلها"!

بالنسبة الى سلاح "حزب الله"، جدد المسؤول الأميركي ان "توقيت حله وسبله أمره، يقرره اللبنانيون". "إنها مسألة على الشعب اللبناني حلها". مع أخذه العلم بأن "السنيورة وأعضاء آخرين في حكومته لديهم مصلحة في حل هذه المسألة"!

أما بالنسبة الى التمديد الرئاسي والضغوط السورية على النواب لذلك، وبالتالي المطالبة بإسقاط لحود اليوم، فلم يسمع ماك كورماك السؤال في المرة الأولى، فطلب تكراره معطياً لنفسه دقيقة اضافية لتحضير الجواب، الذي جاء في خلاصته: "الضغوط السورية ليست شيئاً جديداً". ملاحظاً ان "هناك حواراً في لبنان الآن حول مقاربة هذه المسألة". فهي "قضايا تحتاج الى إجابات عليها من الشعب اللبناني والقيادات السياسية اللبنانية"!

ماذا تعني هذه المقارنة في العمق؟ تعني ان المأزق كبير، وان بعضه عائد الى تحقق مقولة الفيلسوف الفرنسي ألان، من ان "الأموات يحكمون الأحياء"