بلى الترسيم الدولي ممكن لو...

بقلم/جان عزيز- صدى البلد

الأثنين, 27 مارس, 2006

موقف الموفد الدولي تيري رود لارسن لجهة رفع أي مسؤولية مباشرة عن كاهل منظمة الأمم المتحدة، حيال قضية ترسيم الحدود في منطقة مزارع شبعا، أمر مفهوم، وان كان غير مقبول.

فحدود فهمه مرتبطة بالسقف السياسي الذي يعمل في ظله الدبلوماسي النروجي العتيق، عتق أوسلو وكواليسها وهو السقف نفسه الذي جعل المحقق الدولي الأول ديتلف ميليس يشطب أسماء تقريره في نيويورك، وجعل كل ما أعقب ذلك كلاماً مشفّراً في السياسة والقضاء والأمن.

غير أن موقف لارسن نفسه يظل مرفوضاً، لجهة تناقضه مع التطلع السيادي اللبناني الى انجاز ملف استعادة الأرض، بأي وسيلة كانت.

الا أنّ ما ليس مقبولاً ولا مفهوماً، هو موقف السلطات اللبنانية نفسها، وتعاملها مع الموفد الدولي حيال هذه القضية بالذات، أي ترسيم الحدود.

فما ان أعلن لارسن ان هذه المهمة ليست من صلاحية الأمم المتحدة، حتى ساد صمت القبول.

فيما الوقائع والسوابق تشير الى عكس ذلك.

يقول الخبراء القانونيون انه صحيح ان المنظمة الدولية يضطلع ميثاقها التأسيسي بأي صلاحيات مباشرة لجهة نزاعات الحدود بين الدول المتجاورة.

وصحيح أيضاً ان هذه الحالات تركت تاريخياً للاتفاقات الثنائية، أو لتحكيم محكمة العدل الدولية في لاهاي.

لكن الصحيح أيضاً أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن مكلفان حفظ السلام والأمن الدوليين.

وهما مضطران استنباط الآليات اللازمة لتأمين هذه الوظيفة.

حتى ولو بدا بعض هذه الآليات جديداً بالنسبة الى المنظمة الدولية، أو غير مسبوق.

وفي هذا المجال يشير الخبراء الى سابقة ثابتة وشهيرة بالنسبة الى مجلس الأمن الدولي، هي تلك المتعلقة بما سمّي "الحالة بين الكويت والعراق".

فبعد اجتياح الكويت عام 1990، وسلسلة القرارات الدولية التي أدت الى تحريره بالقوة، أصدر مجلس الأمن الدولي في 3 نيسان 1991، القرار رقم 687، وهو القرار الدولي الوحيد، المتخذ ضمن أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي تحت صفة القرار الملزم التنفيذ، والذي يرمي على الشرعية الدولية مهمة "تخطيط" الحدود الدولية بين دولتين عضوتين في المنظمة.

وللعبرة والافادة يذكر الخبراء بأبرز ما تضمنه هذا القرار السابقة، كما بسياقه الدولي الذي جعله ممكناً.

يقول قرار مجلس الأمن 687، انه "اذ يرحب برجوع السيادة والاستقلال والسلامة الاقليمية للكويت (...) واذ يلاحظ ان العراق والكويت بوصفهما دولتين مستقلتين ذواتي سيادة، قد وقعا في بغداد في 4/10/1963 على "محضر متفق عليه بين دولة الكويت والجمهورية العراقية بشأن استعادة العلاقات الودية والاعتراف والأمور ذات العلاقة".

معترفين بذلك رسمياً بالحدود بين العراق والكويت (...) وادراكاً منه (مجلس الأمن دائماً) لضرورة تخطيط الحدود المذكورة وادراكاً منه لضرورة اتخاذ التدابير التالية بموجب الفصل السابع من الميثاق (...)"، استناداً الى ذلك كله قرر مجلس الأمن في الفقرة الثالثة من القرار المذكور انه "يطلب الى الأمين العام (للأمم المتحدة) ان يساعد في اتخاذ الترتيبات اللازمة مع العراق والكويت لتخطيط الحدود بينهما مستعيناً بالمواد المناسبة. كما نصت الفقرة الرابعة على أن مجلس الأمن "يقرر أن يضمن حرية الحدود الدولية المذكورة أعلاه وان يتخذ جميع التدابير اللازمة حسب الاقتضاء لتحقيق هذه الغاية (...)".

لماذا لم يذكر أي من أهل السلطة في بيروت لارسن بهذا القرار؟

لأن الوضع مختلف؟ من قال ذلك؟

ألم تعتبر الأمم المتحدة ان سورية خرجت من لبنان تطبيقاً للقرار 1559، تماماً كما خرج العراق من الكويت انفاذاً للقرار 660 وما تلاه؟

ألم يكلف لارسن نفسه مهمة التحقق من هذا الانسحاب ورفع تقارير دولية حول تطبيقه والالتزام به؟

واستطراداً، ألم يطبق الأمر نفسه على الحدود الجنوبية للبنان، وفق منطق القرار 425، وبوجود الموفد الدولي نفسه؟

ماذا يبقى؟

يجيب الخبراء ان المتبقي هو سلطة لبنانية جدية، تذهب الى مجلس الأمن بمشروع قرار بترسيم حدودنا كاملة، بدءاً بمزارع شبعا، وتحت أحكام الفصل السابع من الميثاق، حفاظاً على الأمن والسلام الدوليين في هذه المنطقة من العالم.

ألا تمثل حكومة الأكثرية النيابية الحالية سلطة كهذه، رغم حيازتها الغالبية المطلوبة لمثل هذه الخطوة؟

طبعاً لا، يجيب العارفون.

ذلك أن مزارع شبعاً تحولت في الواقع "مسمار جحا" متعدد الاستعمالات لأكثر من طرف وغرض.

فليس النظام السوري وحده من يستخدم هذه الورقة على طريقة "أسلم المزارع، لكن ليس لهذه الحكومة".

لكن في بيروت أيضاً من يفكر انه "في ظل نظام مغاير في دمشق، قد نضطر الى موقف مغاير من مزارع شبعا".

أما قيل لبشار الأسد في 14 شباط "أنت أقلية عابرة".

 

جان عزيز