قداس الشهداء" والتعتيم

جان عزيز

الأثنين, 26 يونيو, 2006

لم تكن المرة الاولى التي يحتفل "قدامى" القوات اللبنانية بذكرى رفاق رحلوا استشهادا. غير ان الحشد الذي حضر في كنيسة مار يوسف ــ الحكمة في الاشرفية مساء الجمعة الفائت، كان غير مسبوق. اكثر من 1700 شمعة وزعت على مداخل الكنيسة عن ارواح "شهداء وحدات الدفاع ــ بيروت"، وظل كثيرون من المشاركين من دون تذكار المناسبة.

المراقبون تداولوا غزيرا في سر الحشد ودلالاته وخلفياته. بعضهم عزاه الى اسباب بيروتية، او "قواتيةاو مسيحية، او لبنانية عامة، او مبدئية انسانية في زمن احتكار "الشهادة" وجعلها امتيازا حصريا للبعض، موتى او احياء... والأرجح ان تكون تلك الأسباب، وسواها من الاخلاقي البحث المرتبط بالوفاء المجرد، خلف تلك الظاهرة.

لكن ما لفت المراقبين اكثر، كان غياب الغالبية الساحقة لوسائل الاعلام المرئي والمسموع عن المناسبة. واللافت في شكل أدق غياب الوسائل الاعلامية "المسيحية" عنها. حتى تلك المرتبطة تاريخاً وواقعاً جغرافياً وحزبياً وبيئياً وسياسياً بالشهداء المصلّى لهم، غابت كلها تماما كما كانت هذه الوسائل الاعلامية نفسها تغيب عن مناسبات مماثلة طيلة الاعوام الـ 15 الماضية. يومها كانت تبرر الأمر بأوامر النظام الأمني وتعليمات ضباطه، خصوصا بعدما بات لهؤلاء اكثر من "موطئ قدم" وغير قدم في تلك الوسائل. ما جعل العديد يسألون: وما الذي "أمر" باستمرار الغياب اليوم؟

بعض الجواب على جوانب اخرى من المسألة كان يتبلور في الوقت نفسه، وبفارق زمني شبه متزامن، على طاولة عشاء قريبة من القداس المقصود، في الأشرفية نفسها. فالى مائدة نائب ووزير مسيحي اكثري حريري، التقت مجموعة من الأثرياء ورجال الأعمال، بسفير "احدى" الدول العظمى لتناول طعام العشاء.

لم يكن بينهم سياسيون محترفون، ولا معارضون بالطبع. لكن الحوار مع السفير لم يلبث ان اتخذ طابع السجال بين سياسيين معارضين من جهة، وبين "دبلوماسي حاكم" من جهة اخرى. سألوه عن سياسات بلاده في بيروت والعواصم المجاورة، وعن الوعود المغدقة من دون نتائج عملية، وعن التصور الممكن للخروج من المرحلة الراهنة الى اخرى اكثر وضوحا واستقرارا. سألوه عن احتمالات تطور الاوضاع في الملفات المرتبطة بالملف اللبناني، وعن كيفية تأثير ما يحكى عن خروج من العراق وتفاوض مع ايران وجمود مع سورية. وسألوه خصوصا لانهم من بيئة "مهنية" بدأت تستشعر صعوباتها الذاتية، ولأنهم من بيئة "سياسية" بدأت تترنح تحت ضغوط الاحراج في كونها موالية للأكثرية الحاكمة.

ولم يتمكن السفير من السكوت طويلا، ردّ وشرح وساجل وجادل.

انتهى قداس الأشرفية من دون اعلامها ولا إعلام شهدائها. وانتهى عشاء الأشرفية من دون نقاش ومن دون اقتناع. الأكيد الأكيد، ان لا رابط بين الحدثين، وبين أمثلة سابقة، مثل كلام غازي كنعان "اللطيف" لاحدى الاعلاميات التي روت طرفة عنه، او كلامه الدستوري حول رفع الأيدي للياس الهراوي، على مأدبة عمر كرامي سنة 1995. ولا يمكن بأي شكل المقارنة بين المرحلتين واشخاصهما واساليب عملهما. لكن الأكيد الأكيد ايضا، ان ثمة اموراً مفروضة واخرى مرفوضة في دولة سيادة الأكثرية الحاكمة، باسم شهيد أوحد ودعم اكثر من سفير.