مواعيد صفير في بيروت لا في واشنطن

جان عزيز

الثلاثاء, 20 يونيو, 2006

 من المتوقع ان تتكثف زيارات السياسيين من مختلف الاتجاهات، الى الصرح البطريركي الماروني، في اليومين المقبلين، وذلك عشية سفر صاحب الغبطة مار نصرالله بطرس صفير الى الولايات المتحدة، بعد نحو أسبوع، في 28 الجاري. ويسعى زوار الصرح الى استشراف أجواء الزيارة المذكورة أو حتى الى محاولة “تحميل” صاحبها مباشرة أو مداورة، آراءهم وتطلعاتهم وأغراضهم. علماً انه بات معلوماً حتى كتابة هذه الأسطر ان البطريرك الماروني لم يطلب أي موعد للقاء أي مسؤول أميركي. حتى انه لم يدرج العاصمة الأميركية واشنطن، على جدول زيارته المحدد حتى اللحظة.

كما ان مصادر قريبة من سيد الصرح، أكدت انه لن يغيّر موقفه هذا في ما تبقى من أيام فاصلة عن موعد الزيارة. بحيث سيحرص على اعطائها الطابع الرعوي البحت، والذي سيتوّج برعايته المؤتمر الماروني الوطني الرعوي (نام) في شيكاغو، يومي 6 تموز المقبل و7 منه. إلا ان المصادر نفسها أكدت ان عدم طلب أي موعد في واشنطن، لا يعني اطلاقاً إقفال الباب على مثل هذا الاحتمال. فسيد بكركي سيكون متجاوباً مع أي طلب يمكن أن يتلقاه من الادارة الأميركية نفسها، للقائه أثناء وجوده في الولايات التحدة. وحسب مضمونه ومصدره، يكون جواب البطريرك وتجاوبه.

وتقرأ المصادر نفسها من عندياتها، ان صاحب الغبطة يدرك تمام الادراك انسداد الأفق السياسي اللبناني في هذه الفترة. وبالتالي فهو يقدر لاجدوى الحركة الخارجية اليوم، على عكس ما كانت عليه الأمور في زيارتيه السابقتين في شباط 2001 وآذار 2005. وتضيف المصادر نفسها ان ثمة جدولاً مقارناً يمكن وصفه لمواقف الطرفين في المحطات الثلاث: فعام 2001، كان سيد بكركي داعية للسيادة اللبنانية، فيما كانت واشنطن أقل “سيادية” في الشأن اللبناني، وهو ما فرض ظروف تلك الزيارة وما رافقها من فتور أميركي. وعام 2005 كان الطرفان متوازيين في “سيادتيهما” اللبنانية، ما ترجم لقاء على مستوى القمة في البيت الأبيض في 17 آذار من ذلك العام. أما اليوم ، وبعد انجاز الجوهر الأساسي من مطلب السيادة، فتبدو واشنطن أقل “وفاقية” و”توازناً” لبنانياً مما ترفع صوته بكركي وتعمل له، وهو ما لا بد أن ينعكس، عودة الى دبلوماسية المستويات الدنيا، الأمر الذي سيتجنبه سيد الصرح حتماً.

إلا ان المصادر نفسها تلفت الى ان ثمة محاولة يبذلها فريق الحريري، لترتيب لقاءات أميركية للبطريرك. وتؤكد ان هذه المساعي المبذولة سراً، تبدو وكأنها تحاول مسبقاً معرفة الموقف البطريركي من الأسئلة الأميركية التي قد تطرح على الزائر الروحي الكبير، حيال موضوع رئيس الجمهورية خصوصاً، والملف الرئاسي عموماً. ونظراً الى الغموض الذي يعتري محاولة استشراف هذه الأجوبة، تبدو المساعي الحريرية المذكورة راكدة في خانة من التردد وعدم الحسم، لجهة المساهمة في “تدبير” المواعيد، أو ترك الأمور على حالها.

وفي المقابل، تتابع المصادر نفسها، يبدو وليد جنبلاط وقد نأى بنفسه عن هذه الحسابات والترتيبات. وكأن الزعيم الدرزي الأول بات أكثر تسليماً باقتناعات بكركي، وأقل رغبة أو توهماً بمحاولة إملاء اقتناعات أخرى عليها أو على سيدها، أو حتى على فريقها وشارعها. فبدل دراسة مدى قدرة واشنطن التأثير على المواقع المسيحية في الموضوع الرئاسي، اختار جنبلاط التوجه نحو هذه المواقع مباشرة، والتفاهم معها والأخذ بآرائها وهواجسها. وفي هذا السياق سجلت المصادر حركة ثلاثية متوازية وجدية، بين المختارة من جهة، وبكركي والرابية من جهة أخرى. ففيما أًصبحت العلاقة الجنبلاطية ـــ البطريركية أكثر شفافية وعمقاً، وفيما باتت العلاقة بين بكركي والرابية منظمة وفق آلية تنسيق جدية وعملية بعيداً عن الأضواء وعبر قنوات موثوقة، بادر الزعيم الدرزي الى نزع كل العوائق عن طريق المختارة ـــ الرابية، مبدياً كل الاستعدادات والنيات الطيبة. وهو ما ينتظر إنضاج ظروف أخرى للترجمة التثميرية، منها ما يرتبط بصدقية ميشال عون الكاملة مع حلفائه والأطراف “المتفاهم” معهم، ومنها ما يرتبط بالملفات المطروحة على طاولة الحوار بين جنبلاط و”الوجدان المسيحي” في صورته الأكثر عمقاً وأصالة. وهي ملفات يحرص عون على مقاربتها بعيداً عن أي استعراضية أو استهلاكية سياسية أو اعلامية.

هكذا قد لا تحفل زيارة واشنطن بمواعيد بارزة، غير ان مرحلة ما بعد الزيارة قد تشهد في بيروت لقاءات أبرز وأكثر ثمراً وخيراً.