الانتخابات المبكرة: بند في التسوية وسبب للانفجار؟

بقلم/جان عزيز -الأحد, 12 مارس, 2006 -البلد

 هل من أبعاد أخرى غير معلنة لانفجار الهيئة المكلفة اقتراح قانون جديد للانتخابات النيابية؟

تؤكد أوساط سياسية مطلعة ان ثمة تطورين أساسيين مرتبطين بهذا الملف، ويحرص المعنيون بهما على إبقائهما طي الكتمان، بعيدين عن الضوء والإعلام.

الأول يشرح توقيت الأزمة المثارة حول القانون العتيد، والثاني يضيء جوهر تلك الأزمة في خلفياتها الراهنة والمستقبلية.

لماذا الأصرار على إقفال ملف قانون الانتخابات الآن؟

ولماذا التعنت في تمرير شكل معين ومختلّ لهذا القانون؟ هذان هما السؤالان اللذان يجيبان على التطورين المشار اليهما.

حول السؤال الأول تكشف أوساط مطلعة ان توقيت انفجار القضية لم يكن ليأخذ هذه الجوانب المتوترة، لو لم يترافق مع معطيات داخلية ودولية تشير الى حصول تداول واسع النطاق في احتمال إجراء انتخابات نيابية مبكرة.

وتشرح الأوساط نفسها ان نظرية “تدوير الزوايا” التي باتت مطروحة لاستئناف حوار الغد، تتضمن في مختلف صيغها وتأويلاتها وقراءاتها المتعددة المصادر، بند البحث في تقصير ولاية المجلس النيابي الحالي والعودة الى صناديق الاقتراع.

وتضيف أن الفكرة انبثقت أصلاً من اقتناع الجميع في الداخل والخارج ببلوغ المأزق.

فلا قوى 14 شباط قادرة على التقدم، ولا تقاطع القوى الأخرى قادر على غير الصمود على حدود مواقفه. وبالتالي صار البحث ضرورياً في مبدأ التسويات الوسطية. هذا المبدأ بدأت قوى السلطة وبعض الجهات الاقليمية المرتبطة بها تتحدث علناً عن صيغه العملية.

فمثلاً، ماذا لو تم التوصل الى تسوية يخرج منها الجميع ببعض التنازل وبالأكثر من المكاسب. فماذا على سبيل المثال لو ربح فريق “المستقبل” جنبلاط إزاحة لحود، ويربح “حزب الله” شرعية موقتة لسلاحه، وتربح دمشق رئيساً غير معادٍ وتخفيضاً لسقف الاتهام في جريمة 14 شباط؟ وبدا سيناريو كهذا مثالياً لمنظّريه، لولا استدراكهم تفصيلاً ثانوياً:

وماذا يربح المسيحيون؟ الجواب على هذا السؤال لم يلبث ان تفرّع إجابات عملية: لا مشكلات مع مسيحيي السلطة، يبقى محور بكركي الرابية، عندها ولدت فكرة الانتخابات المبكرة.

من هذه القراءة انفجر الإصرار على إنجاز القانون الآن، وفوراً.

فاحتمال العودة الى صناديق الاقتراع في مدى زمني منظور، بات على أجندة الاتصالات الدبلوماسية الداخلية والخارجية. حتى ان المصادر السياسية المواكبة لهذه الاتصالات أشارت الى ان زيارة السفير الأميركي الى الرئيس سليم الحص، صاحب مشروع الانتخابات المبكرة منذ أشهر، ليست غير رسالة دبلوماسية في هذا الاتجاه. وهي رسالة مرشحة للتبلور أكثر في حركة السفير نفسه في الأيام المقبلة.

ليصير السيناريو المتخيل كالآتي: يضمن فريق “المستقبل” موافقة مسيحيي أكثريته، استناداً الى ضمانه لهم حصة أكبر في تركيبة السلطة المنبثقة من الانتخابات الجديدة، ويلوّح لمحور عون حزب الله بإمكان ان يقلب موازين السلطة التشريعية في “مباراة الإياب” أو “الثأر”، فتقبل بكركي بالدفع الحاسم الى إسقاط الرئيس اميل لحود، وتقبل واشنطن بأي موازين قوى جديدة تنتج من صناديق الاقتراع، تماماً كما كان موقفها قبل الانتخابات الفلسطينية الأخيرة.

حتى ان بعض المراقبين لا يستبعد ان يكون قرار فريق الأكثرية تعليق البت في استقالة وزير الداخلية حسن السبع، مرتبطاً في شكل ما بهذه الاحتمالات ذلك ان خمسة أسابيع كاملة قد مرت على هذه الاستقالة من دون أي تداول وزاري في شأنها، لا بل في ظل سعي واضح من قبل أكثرية السلطة الى جعل المسألة منسية في السياسة والإعلام.

لا قبول للاستقالة ولا رفض لها ولا بحث في شأنها في جلسات متعاقبة لمجلس الوزراء، وحتى في ظل انكفاء إعلامي للوزير بالوكالة، كأنما الهدف منه عدم التذكير بالملف العالق.

علماً ان ثمة تفسيرات عدة قد أعطتها جهات السلطة حول الموضوع، منها الاستهلاكي على طريقة ان “التغيير الكبير” بات وشيكاً ولا لزوم لهذا الاشغال عشية استقالة الحكومة كاملة عقب انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ومن هذه التفسيرات ما هو أكثر جدية، كتجنب الدخول في تفاوض مع الرئيس لحود، مقابل توقيعه على مرسومي قبول استقالة السبع وتعيين بديله، وهما توقيعان لا يمكن تخطيهما دستورياً. لكن تفسيراً جديداً قد تكشف أخيراً، وهو احتمال اللجوء مجدداً الى أداء السبع في إدارة انتخابات مبكرة، وهو ما بات مطلباً حيوياً لفريق “المستقبل” منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في نيسان الماضي.

هكذا، إذا كانت حراجة الموقف والمأزق قد فرضت إنجاز القانون الانتخابي العتيد الآن، تحسباً لمقتضيات التسوية، فماذا تفرض المقتضيات نفسها حول مضمون هذا القانون؟

ولماذا بات ينقل عن الوزير فؤاد بطرس رئيس الهيئة المكلفة وضع اقتراحه، تهديده بالخروج عن صمته وقول الأشياء كاملة حول “الطائف” والنظام والقانون؟ انه السؤال الأخطر.