مخالفتان حكوميتان وعون يستعد للردّ

جان عزيز

, 01 يوليو, 2006

 بحلول صبيحة هذا النهار، الأول من تموز 2006، تكون الحكومة اللبنانية قد سجلت على نفسها مخالفتين صريحتين لما كانت قد تعهدت به في موضوع القانون الجديد للانتخابات النيابية، والهيئة التي كانت قد أنشأتها لذلك.

فمن المعروف ان مجلس الوزراء اتخذ في 8 آب الماضي قراراً قضى بتشكيل "الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية"، وسمى أعضاءها الاثني عشر. لكن المهم أن قرار الحكومة نفسه، وبعدما وضع تفصيلاً آلية عمل الهيئة، أكد في البند السابع منه، ما حرفيته، ان الهيئة بعد انجاز عملها "تضع تقريراً عن مهمتها مرفقاً باقتراحاتها وترفعه الى رئيس مجلس الوزراء الذي يعرضه على مجلس الوزراء مع ملاحظاته عليه عند الاقتضاء، خلال 15 يوماً على الأكثر من تاريخ استلامه له".

التقرير والاقتراحات سلمتهما الهيئة الى فؤاد السنيورة في الأول من أيار الماضي، وذلك بعد تمديدين لمهلة عملها الأساسية، وبعد سلسلة اشكالات اعترضت مهمتها، كان أبرزها استقالة عضويها المارونيين، الدكتور ميشال تابت والمحامي زياد بارود، مطلع آذار الماضي، ثم عودتهما عن استقالتيهما بعد سلسلة اتصالات وضمانات وتطمينات استمرت أكثر من أسبوعين.

وبالتالي كان مفترضاً بالسنيورة عرض توصية الهيئة على مجلس الوزراء منتصف أيار الماضي، وفق ما التزمه في قرار انشائها، الأمر الذي لم يحصل حتى اليوم. وهو ما أدى عملياً الى وقوع الحكومة في مخالفة ثانية لتعهداتها، لجهة انتهاكها بيانها الوزاري الذي نالت على أساسه ثقة المجلس النيابي مطلع آب الماضي. ذلك أن البيان المذكور أكد في هذا المجال انه بعد انجاز الهيئة خلاصة عملها، "تتعهد الحكومة بدورها بتحويل المشروع المناسب خلال شهر واحد بعد ذلك الى مجلسكم الكريم، ليأخذ مجراه القانوني عبر اللجان ولدى الهيئة العامة". وبالتالي فان الأول من تموز، أي اليوم، يشكل استحقاق هذا الالتزام الذي تجاهلته الحكومة، وتبدو ماضية في تجاهله حتى أمد غير منظور.

المتابعون للقضية يؤكدون ان المخالفتين الحكوميتين غير مقبولتين اطلاقاً، لكنهما مفهومتان لجهة الخلفيات والدوافع، استناداً الى حسابات أطراف الأكثرية الحاكمة حكومياً ونيابياً. فهذه الأكثرية تواجه في موضوع قانون الانتخابات النيابية الجديد، مأزقاً مزدوجاً لا حل له. أولاً مأزق لجهة اعتماد أي صيغة قانونية جديدة، تحفظ للأكثرية احتمال بقائها أكثرية في أي استحقاق انتخابي مقبل. وثانياً مأزق لجهة احتمال تزايد المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة في حال جهوز القانون الجديد ونفاذه وفق الأصول.

والمأزق الأول عبرت عنه أطراف الأكثرية الحاكمة فور صدور مشروع الهيئة مطلع أيار الماضي. اذ انتقده عدد من الوزراء، وسارع بعض أركان الحكم الى اعتباره غير ملزم. فيما التزم أطراف آخرون بالصمت المطبق، تماماً كما فعلوا منذ تشكيل الهيئة، عبر مقاطعة عملها فعلياً، وعدم التقدم منها بأي اقتراح أو صيغة أو حتى فكرة عامة.

والمأزق الثاني تعبر عنه الحاجة الماسة والضرورية للفريق الحاكم، للبقاء في السلطة، حتى تطرأ التغييرات الدولية المأمولة لصالح هذا الفريق. واستناداً الى هذين المأزقين يرجح المتابعون أن تتحول المخالفتان الحكوميتان المذكورتان، انتهاكاً متمادياً ومستمراً، وان ينام مشروع الهيئة والقانون الجديد، في أدراج السلطة الى اشعار غير محدد.

لكن البارز حيال هذا الوضع ما كشفته أوساط مطلعة عن تحضيرات بدأها "تكتل التغيير والاصلاح" النيابي، برئاسة ميشال عون، لتلقف المشروع الذي أنجزته الهيئة الوطنية، وتبنيه، ومن ثم تحويله اقتراح قانون يتقدم به نواب التكتل من المجلس النيابي عبر رئاسته. ولا تستبعد الأوساط نفسها، ان يعمد تكتل عون قبل ذلك، الى ادخال بعض التعديلات على المشروع المذكور، بما يضمن مطابقته أحكام وثيقة الوفاق الوطني في هذا المجال، وبما يصحح ما اضطرت الهيئة الى مجانبته، نتيجة مداخلات سياسية واعتبارات قد تكون تعرضت لها. ومن التعديلات المحتملة في اقتراح عون المرتقب، اعادة عدد النواب الى 108 بدل 128، التزاماً بوثيقة الوفاق، والابقاء على محافظة جبل لبنان دائرة واحدة عملاً بمبدأ المعيار الواحد، واعادة مرجعيون وحاصبيا قضاء واحداً، كما نص قانون 1960.

ويتوقع المراقبون ان تؤدي هذه الخطوة الى احراج الأطراف المعنيين كافة، خصوصاً قوى الأكثرية التي عينت الهيئة والتزمت مسبقاً نتيجة عملها. غير أن هذا الاحراج قد يظل مؤجلاً حتى منتصف تشرين الأول المقبل عملياً، في انتظار العقد العادي لمجلس النواب، وفي غياب أي دورة استثنائية راهنة، كما بات مرجحاً.

 

جان عزيز