شهر على غزوة الأشرفية في 5 شباط

جان عزيز - الأحد, 05 مارس, 2006

في وقفة مستقطعة بين جلسات حوار الطائف ــ 2، تتذكر منطقة الأشرفية مرور شهر كامل على "غزوتها" في 5 شباط الماضي. أربعة أسابيع مضت على ذلك "الأحد الأسود"، ظهرت خلالها أضاليل كثيرة وتعميات أكثر. لكن الأهم ان أسراراً دقيقة حول ما جرى ذلك النهار صارت في متناول الكثيرين.

أحد أبرز أعضاء 14 آذار لا يزال يصرّ على ان المعلومات التي قدمتها حركته في بيانها الشهير بعد يومين على الحادثة، صحيحة ودقيقة مئة في المئة. لكنه يضيف ان مسؤولاً حكومياً فضّل تجاهلها وإسقاطها لأسباب مناطقية ومذهبية معروفة. وفي حين ذهب المسؤول نفسه الى رواية الموقوفين الأربعمئة والأكثر من نصفهم سوريين، جاءت التطورات الرسمية التي أشرفت عليها سلطات هذا المسؤول، لتتخطى قصته وتجعل منها مجرّد مناورة للاستهلاك الإعلامي وامتصاص النقمة والصدمة فور وقوع الحدث.

هل يعني ذلك ضمّ هذا الملف الى سواه من فضائح مماثلة وقعت طيلة الأعوام الماضية؟ أياً كان أداء السلطة تؤكد مصادر موثوقة ان ثمة نقاطاً ثلاثاً دقيقة وحساسة جداً، باتت في متناول المعنيين، وهي الآتية:

1 ــ كيف وقع "الأحد الأسود"؟ تؤكد المصادر ان القصة بدأت حين توجه عدد من "الفاعليات" الى مرجع روحي، عارضين عليه الضغط الذي يقعون تحته في شارعهم، نتيجة اتهامهم بالتحول الى بيادق لدى "السياسة الأميركية الامبريالية"، في حين يتعرض اخوتهم لارتكابات تلك السياسة في غير منطقة من المحيط والعالم. وعرض هؤلاء فكرة تنظيم هذه التظاهرة، في بيروت بالذات، تأكيداً على تضامنهم مع قضايا أمتهم. نقلت الفكرة الى تيار سياسي فاعل في السلطة، مقرونة بخلفياتها وحوافزها، مع التوصية بالموافقة عليها. عندها بدأ التحضير للخطوة، وكأنها حدثان منفصلان: المرجعية الروحية والتيار السياسي يدعوان الى تظاهرة سلمية في 5 شباط، و"الفاعليات" صاحبة الفكرة تدعو الى "النزول لإحراق السفارة الدنماركية في الأشرفية".

وتؤكد المصادر الموثوقة نفسها ان المعلومات المقلقة حيال ذلك الأحد، بدأت تتجمع لدى وزير الداخلية حسن السبع قبل 72 ساعة. فاتصل يوم الجمعة 3 شباط بالمرجع الروحي المعني ناقلاً اليه ما بلغه وطالباً إلغاء الخطوة. والفكرة نفسها نقلت الى "حزب الله"، الذي ردّ عبر أحد مسؤوليه، الحاج وفيق صفا، مؤكداً عدم المشاركة في التظاهرة. يوم السبت تكرر الاتصال نفسه بالمرجع الروحي من دون جدوى. عندها أبلغه السبع بلهجة صريحة جداً، ان التظاهرة قد تؤدي الى أمر من اثنين: اما فتنة أهلية واما سقوط الحكومة.

وأضاف السبع انه يدرك عدم قدرة البلاد على احتمال أي منهما ولذلك فهو سيقدم استقالته كبش محرقة لتجنبهما.

2 ــ هل كان ثمة أطراف أخرى على علم بما حصل؟ تجيب المصادر نفسها بالتأكيد. وتعطي على ذلك دليلاً حاسماً، مفاده الآتي: في مبنى الممثلية الدنماركية في الأشرفية، تقع مكاتب تابعة لشركة مقاولات هندسية، هي نفسها من لزّم بناء السفارة الأميركية في بغداد. وفي هذه المكاتب يرجح ان تكون ثمة خرائط ودراسات تعود الى هذا المشروع الهندسي الضخم. قبل نحو أسبوع من وقوع التظاهرة، تقول المعلومات ان مسؤولا في الشركة اتصل من الخارج طالباً منهم سحب جميع الدراسات والخرائط وتفكيك الأقراص الصلبة الموجودة في أجهزة كومبيوتر الشركة، وذلك فوراً ومن دون أي تفسير. ماذا تعني هذه المعلومات في حال صحتها؟ يشير الأمر الى ان القرار "بإحراق السفارة" كان قد بات متداولاً لدى جهات مطلعة، ونقل منها الى الأميركيين، ليبلغ الشركة المعنية.

3 ــ ماذا جرى فعلاً ذاك الأحد؟ تكشف المصادر الموثوقة نفسها ان تصويراً تلفزيونياً كاملاً قد جرى لأحداث غزوة 5 شباط، وان هذا التصوير قد خضع لتوليف يظهر أخطر المجريات، ويعرض في شريط من 23 دقيقة صوراً حساسة جداً لعملية التحريض على الغزوة والقائمين بها، ويظهر جوانب دقيقة، قد يؤدي كشفها أمام الرأي العام الى ردود فعل مختلفة وتوليد اقتناعات مغايرة تماماً لما ذهبت اليه روايات السلطة. ولكن الأهم ان هذا المضمون المصوّر يظهر فاعلين كثراً لا يمكن محاسبتهم وفق أعراف هذا البلد ونظامه، أو على الأقل يستحيل ذلك من قبل هذه السلطة بالذات.

هل يفضي ذلك كله الى ضرورة الإقرار بطي الصفحة والاكتفاء بتحميل الدولة ــ أي المواطنين جميعاً، ومن بينهم المنكوبون ــ كلفة تعويض الأضرار عبر الهيئة العليا للإغاثة؟ تجيب المصادر الموثوقة ان المسألة بالغة الدقة، لكن المطلوب ان يكون أهل السلطة قد أدركوا فعلاً حقيقة ما حصل، خصوصاً وان هذه الوقائع، ومنها الشريط المصور، باتت في أيدي أكثر من قطب معارض، وهي تجزم بما لا يقبل الشك بأن الدكتور سمير جعجع كان على حق في تعليقه الأول حول هوية المتظاهرين والجهات السياسية التي ينتمون اليها.