مقابلة من جريدة الأخبار مع الرئيس ميشال سليمان

نقولا ناصيف/الأخبار

29 تشرين الأول/09

 

*إن الخلاف الحكومي لم يعد سياسيّاً، بل أصبح إداريّاً

* لا تدخّل خارجياً في الأزمة الحكوميّة

*قريباً جداً أوقّع والحريري حكومة ميثاقية

*علاقة وطيدة بسوريا، مستمدة أيضاً في بعض جوانبها من

*أنني والرئيس الأسد نلتقي على مقاربة مشتركة للصراع العربي الإسرائيلي والأزمات الإقليمية

*نظامنا كما نصّ عليه اتفاق الطائف ميثاقي

*ديموقراطيتنا ميثاقيّة، لا توافقيّة

*دور رئيس الجمهورية موجود وفاعل وإن لم يُتح لكثيرين تلمّسه

 

على نقيض ردود الفعل المتبادلة بين الموالاة والمعارضة، يبدو رئيس الجمهورية ميشال سليمان أكثر ارتياحاً إلى قرب تأليف حكومة الوحدة الوطنية. مطمئن إلى الحوار والتفاوض الدائر بين الطرفين، وإلى الطريقة التي يدير بها الرئيس المكلف سعد الحريري جهود التأليف، وخصوصاً مقدار انفتاحه على خصومه

بكثير من الارتياح ينظر رئيس الجمهورية إلى تعاونه المرتقب مع الحريري على رأس السلطة الإجرائية. يقول لـ«الأخبار» إن التنسيق بينهما دائم. ورغم أن المشاورات رهن نتائجها، فإنها «كانت ممتازة مع توسيع الرئيس المكلف دائرة الحوار كي يشمل الجميع تقريباً».

يقول أيضاً: «انفتاح الحريري على المعارضة شكّل أول أساس لأدائه المقبل كرئيس للحكومة. وهذا الأمر يتخطى كل الجدل الحاصل حول الحقائب وعددها وتوزيعها والتنازلات التي ترافقها».

ومع استمرار الشكوك في عجلة حكومة الوحدة الوطنية يضيف سليمان أنّ «تأليفها قريب جداً. في وسعي القول إن الخلاف لم يعد سياسيّاً، بل أصبح إداريّاً. لا أوافق القول إن الأزمة الحكومية فتحت الباب على أزمة نظام. لكن ذلك لا يعني أن نظامنا لا تعتريه شوائب وثغر من الضروري تصحيحها في الوقت المناسب، بعدما لمسنا من خلال تجربة الأعوام المنصرمة من تطبيق اتفاق الطائف أن ثمّة ما يعوق آلية الحكم والعلاقات بين المؤسسات. هذا يعني أنها تحتاج إلى تصحيح، لا نحتاج بالتأكيد إلى نظام آخر لأننا لسنا في أزمة نظام. ولا أحصر الأمر بثغر في صلاحيات رئيس الجمهورية، بل أيضاً في جوانب أخرى من عمل مجلس الوزراء. نظامنا كما نصّ عليه اتفاق الطائف ميثاقي، واتفقنا على أن يكون كذلك. المناصفة بين المسيحيين والمسلمين أحد وجوه الديموقراطية الميثاقية التي نعيش في ظلّها وتمثّل دعماً رئيسياً لوحدتنا الوطنية. أنا لا أتحدّث عن ديموقراطية توافقية، ولا عن ديموقراطية عددية، بل عن ديموقراطية ميثاقية ألححت عليها في عدد من خطبي عندما تكلمت مراراً عن الشرعية الميثاقية. نصّت عليها الفقرة «ي» من مقدمة الدستور عندما نزعت الشرعية عن أي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. وهي القاعدة الأهم في دستورنا، بل في انبثاق مؤسساتنا الدستورية كلها، ومؤسساتنا الوطنية حتى. الميثاقية هي روح الدستور. لذا لا أتكلم إلا عن حكومة وحدة وطنية».

يقود هذا الموقف الرئيس إلى التأكيد «أنني والرئيس المكلف لن نوقّع إلا حكومة وحدة وطنية ميثاقية. نحن متفقان تماماً على هذا الخيار الذي أعدّه اقتناعاً عميقاً، وأتوقع حصول ذلك قريباً جداً».

مسحة التفاؤل بقرب حلّ الأزمة الحكومية يقرنها بإبراز دور السلطة الإجرائية الجديدة، وهو «بناء المؤسسات والإصلاح. لا بناء للمؤسسات من دون الإصلاح، والمشاورات والحوارات المسهبة التي يجريها الرئيس الحريري مع المعارضة لا تقتصر على توزيع الحقائب، بل تتناول كذلك سبل السير في الإصلاح في المرحلة المقبلة. لا أحد يقول إنه ضد الإصلاح، إلا أن كلاً منهم يريده على طريقته. مفاد ذلك أن الإصلاح قاسم مشترك يلتقي حوله الموالون والمعارضون».

انفتاح الحريري على المعارضة شكّل أول أساس لأدائه المقبل كرئيس للحكومةيقول الرئيس: «البلد ممتاز. والأزمة الحكومية التي نشهدها اختبار لنا، لأن أحداً لا يمكن أن يصدّق أن تأخير تأليف الحكومة يؤدي إلى تخريب الديموقراطية. ليس صحيحاً ذلك. الأزمة الحكومية اليوم أبسط بكثير ممّا كانت. كانوا يقولون إنها أزمة سياسية أو أزمة نظام. أنا أراها أزمة إدارية، وليس أكثر من ذلك، لأن الجميع يتحدّث بالطريقة نفسها، وهي سبل توزيع الحقائب. أنا أقول إن لبنان في خير وإنه متعاف. الحالة جيدة. كذلك الأمن. لا سبب إذاً للقلق ممّا يحدث، لأن ما نعيشه اليوم سبقتنا إليه دول كثيرة كانت تواجه أزمات حكومية، وأحياناً حل مجلس النواب أكثر من مرة. طبعاً كنت أفضّل أن لا يطول تأليف الحكومة إلى هذا الوقت. لكن ما يحصل ليس نهاية العالم. كل فريق يتحدّث في خطابه السياسي عن مبرّرات مواقفه ومطالبه، ويقول إنها لمصلحة لبنان ومصلحة الدولة، ولا أحد من هؤلاء يقول إنه يولي مصلحته الخاصة على المصلحة العامة، بل يقول أيضاً إن لديه برامج وقدرات وخططاً من أجل تنفيذها كي يحصل على ما يطالب به. لذلك لا أستطيع اتهام أي طرف لبناني بأنه يعمل ضد مصلحة الدولة. في أحسن الأحوال يراعي مصلحته السياسية والمصلحة العامة، ولا يعلن أن مصلحته تتناقض مع مصلحة الدولة. في المقابل، الطرف الآخر، من هذه الجهة أو تلك، يتهم منافسه بالعمل ضد مصلحة الدولة. في هذه الحال لا أصغي إلى ردود فعل كهذه، ولا يمكنني التعويل على مثل هذا الوصف وهذه الشعارات. الكل في الغالب يقول إنه يريد حكومة وحدة وطنية وبناء الدولة والمؤسسات. حسناً، ما دام الأمر كذلك، فلنترجمه».

دور رئيس الجمهورية

لكن رئيس الجمهورية لا يوافق الرأي القائل إن الأزمة الحكومية عطّلت دوره وصلاحياته، ولا ما يشاع في بعض الأوساط عن أن الأزمة حيّدت الرئيس عن أي جهد من أجل المساهمة في إيجاد الحلّ. يلاحظ أن إشاعة هذا المناخ في الشارع تنطوي على مزيد من التضليل لأن «دور رئيس الجمهورية موجود وفاعل وإن لم يُتح لكثيرين تلمّسه، ولأن على رئيس الجمهورية الاضطلاع بدور الظلّ من أجل إنجاح الجهود». يقول سليمان: «في كل مراحل تأليف الحكومة، منذ التكليف الأول حتى اليوم، لم يغب لحظة دور رئيس الجمهورية. صحيح أن موقعه التوافقي يحول دون إبرازه، بيد أن ذلك لا يحجب حقيقة أنه اضطلع بالفعل بدور حاسم منذ أول خطوة سلكتها مراحل التأليف، وتحديداً مذ وُضعت معادلة 15+10+5 لتحديد توزيع المقاعد بين الموالاة والمعارضة، مروراً بالتشبّث بحكومة وحدة وطنية ثم الموقف من توزير الخاسرين في الانتخابات. نحن الآن في المرحلة الأخيرة ممّا بقي من تفاصيل التأليف حول حقيبة أو اثنتين عالقتين. لرئيس الجمهورية دور في هذه المرحلة رغم أن الدستور ينيط الاستشارات والمشاورات بالرئيس المكلف. هل عليّ أن أذكّر بأن رئيس الجمهورية واكب مرحلة التأليف في أدقّ تفاصيلها مع الكتل الأساسية في المجلس؟ طبعاً ليست مسؤوليتي توزيع الحقائب في مرحلة التأليف والمشاورات. في وقت لاحق أجلس مع الرئيس المكلف ونعمل معاً على تأليف الحكومة وفق ما ينصّ الدستور. الصمت الذي أحاط بدور رئيس الجمهورية هو سرّه. لست استعراضياً ولا طرفاً مع فريق سياسي ضد آخر، كي أجهر بكل ما أفعل. جمعت الرئيس المكلف والعماد عون، واجتمعت في ما بعد بالعماد عون، والتقيت النائب وليد جنبلاط، وأجتمع باستمرار مع الرئيس نبيه برّي. كذلك ألتقي النائب سليمان فرنجية وحزب الله. اجتماعات متلاحقة لكي نصل إلى الساعات الأخيرة التي نحن على أبوابها الآن. هل أذكّر باتصالي بالرئيس بشار الأسد قبل القمة السعودية ـــــ السورية في دمشق، ثم بعدها؟ وعندما تقرّرت القمّة ثم انتهت بما انتهت به عن لبنان كان مفتاحها معي. لرئيس الجمهورية دور دائم، وهو ليس ممّن يبحثون عن دور في الأزمات».

جردة عهد بناء الثقة

وعندما يُقال له إن الناس ربما لا يعرفون تفاصيل كهذه، يجيب: «عندما يطلب الناس من رئيس الجمهورية دوراً ما، فهذا يعني أنهم يثقون به وبما يمكن أن يقوم به. عامل الثقة بيني وبين الناس هو أول ما استعنت به عند انتخابي، وهو أول شعار طرحته للعهد، وهو الشعار الذي أوتي ثماره في سنة وخمسة أشهر من عمر العهد. البعض يقول إن العهد لم يبدأ، والبعض الآخر يقول إنه لا أحد يريده أن يبدأ. أنا أقول إن العهد بدأ فعلاً وأثمر. في وسعي الآن أن أجرد مغزى شعار العهد، وهو إعادة الثقة بلبنان ودولته، وهذا ما يقتضي المحافظة عليه لا إرساءه فقط:

لسنا في أزمة نظام رغم شوائب تعتريه وينبغي تصحيحها

أولاً، العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا، وهي خطوة تاريخية أدّت إلى تثبيت علاقات جديدة بين البلدين قائمة على الثقة والتعاون واحترام كل من البلدين استقلال الآخر وسيادته. الجميع يعرف أن علاقتي بالرئيس الأسد قديمة، لكن قلة تعرف أنه قال لي أكثر من مرة إن بلاده ترغب في إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان وبناء قواعد جديدة بين البلدين. طبعاً هناك فضل كبير لمن أسهم في تحقيق التبادل الدبلوماسي بين البلدين، كذلك فإن الظروف المحلية والإقليمية ساعدت بدورها. إلا أن ما حصل لا يمكن مقاربته إلا على أساس أنه خطوة بالغة الأهمية بمقاييسها السياسية والتاريخية والجغرافية، وأيضاً الكيانية بالنسبة إلى لبنان. أسمع أحياناً مَن يقول: وماذا يسع السفير أن يفعل؟ في كل دول العالم ماذا يسع السفراء أن يفعلوا؟ ماذا يفعل أي سفير للبنان في أي بلد في العالم؟ نعرف اليوم أن علاقات الدول بعضها ببعض أصبحت مباشرة، ولا تمر بالسفراء الذين اقتصرت أو تكاد أدوارهم على المسائل الإدارية والبروتوكولية. في الواقع فَقَدَ السفير دوره السياسي كالسابق. الأمر نفسه بالنسبة إلى الدول الكبرى. ماذا تستطيع السفيرة الأميركية في لبنان ميشال سيسون أن تفعل عندما تريد الإدارة الأميركية مناقشة مسألة مع لبنان؟ لا تعتمد عليها، بل على اتصالات مباشرة معي ومع الحكومة اللبنانية، أو توفد مسؤولين أميركيين إلى هنا لهذه الغاية. العلاقات الدبلوماسية أعادت الثقة بين لبنان وسوريا، وأعادت الثقة بالدولة اللبنانية خصوصاً.

ثانياً، عضوية لبنان غير الدائمة في مجلس الأمن عامي 2010 و2011، وهي خطوة بالغة الأهمية أيضاً لكوننا سنجلس إلى أهم طاولة قرارات في العالم. ستجعل عضويتنا هذه كل الدول ملزمة التحدّث معنا سواء صوّتنا معها أو ضدها أو امتنعنا عن التصويت. لكننا أصبحنا جزءاً من قرارات مجلس الأمن في السنتين المقبلتين. نحن نمثّل مجموعة كبيرة في مجلس الأمن، ما يحمّلنا مسؤولية مزدوجة هي قضايا لبنان وقضايا العرب، وسننطق باسمها إلى الطاولة وندافع عن مصالحها. لكن عضويتنا تعني أيضاً ثقة المجتمع الدولي بنا كدولة سيُصغى إلى رأيها، ومسؤولة عن الأمن والسلام في العالم. إنه دور آخر وحتمي للبنان.

ثالثاً، بعدما كنا نقول لبنان باريس العرب في الثقافة والسياحة، وكنا نقول إنه سويسرا الشرق، استرجعنا موقعه هذا كمركز مالي. مراراً كرّرت ذلك في جولاتي على الدول سعياً إلى إعادة لبنان إلى الخريطة المالية، بعد إعادته إلى الخريطة السياسية والدبلوماسية. هل ينبغي أن أذكّر هنا بموجودات المصارف الخاصة ومصرف لبنان واحتياطي الذهب، وقد بلغت حتى الآن أرقاماً قياسية؟ وهل ينبغي أن أذكّر بأن لبنان أصبح أولى الدول المتقدّمة في اجتذاب السياحة؟ ألا يعني ذلك كله استعادة الثقة بهذا البلد؟

رابعاً، عودة الانفتاح على لبنان ونظرة الاحترام إلى دولته. وهل يقتضي أن أذكّر بأنه، في كل قضية إقليمية أو لبنانية، تأتي الوفود الدولية لتتحدّث إلينا مباشرة وتصغي إلى وجهة نظرنا؟ فلنقس ذلك بالوفود الغربية وجهود السلام والتسوية التي تجعل من بلدنا إحدى محطات تلك الجولات كي يقال للبنان إنه بات في الإمكان الثقة بدوره. كانوا سابقاً يتحدّثون مع أفرقاء لبنانيين أو مع دولة معنية بالوضع اللبناني. اليوم يحاورون رئيس لبنان وحكومته. ألا يُعدّ ذلك مؤشر استعادة الثقة بالدولة؟

خامساً، تدفّق السياح على لبنان وخصوصاً المغتربين اللبنانيين، وأخصّهم الذين هاجروا منه قبل عقود طويلة وعادوا إليه هذا الصيف. قابلت وفوداً منهم ولمست عن قرب دوافع عودتهم إلى وطنهم الأم. لا أودّ مناقشة ما يمكن أن يكونوا قد أنفقوه في لبنان، لكن ما سمعته دلّ على ثقتهم به. يجعلني ذلك كله أضفي على العهد شعار استعادة الثقة. أو فلنقل عهد بناء الثقة بلبنان. قطعنا شوطاً كبيراً، ولا يزال أمامنا الكثير. لكن المهم المحافظة على هذه الإنجازات بالتزامن مع بناء المؤسسات. في اعتقادي أن بناء الدولة يرتكز على بناء الثقة. الآن ينتظرنا بناء المؤسسات».

منصّة الجنوب

ولا يخفي الرئيس قلقه ممّا حدث ليل الثلاثاء بإطلاق صاروخ من الأراضي اللبنانية إلى إسرائيل، لكنّه يعتبر هذا العمل «ذريعة لإسرائيل كي تستمر في انتهاك السيادة اللبنانية، وترجمة فورية لما قالته من أنها ستتمادى في نشاطها الاستخباري في لبنان بسبب وجود حزب الله. بالتأكيد إطلاق الصاروخ من لبنان يصبّ في مصلحة هذا الهدف الإسرائيلي، ومنفّذه عميل إسرائيلي. لذا لا أستبعد أن تكون إسرائيل وراء إطلاقه. مسؤولية إسرائيل هي أحد الأسباب وأهمها. عوض اللجوء إلى ردّ الفعل لتبرير انتهاكها السيادة اللبنانية، أعتقد أن على إسرائيل معالجة المشكلة الرئيسية المتمثلة باعتداءاتها على القدس وغزة ورفضها حق العودة، وإمعانها في بناء المستوطنات، وإعطاء الحقوق لأصحابها».

بيد أنه يؤكد التزام لبنان قرارات الشرعية الدولية، وخصوصاً القرار 1701 الذي يعتبره «في خير، في ظلّ التنسيق بين الجيش والقوة الدولية». يقول الرئيس أيضاً: «لسنا منصّة لخرق القرارات الدولية. قلت ذلك في أثناء زيارتي الأخيرة للجنوب، وشدّدت على أننا لن نسمح لأيّ طرف، أياً يكن، بخرق قرارات الشرعية الدولية».

سوريا

رئيس الجمهورية كان حاضراً وفاعلاًً في كل مراحل التأليف

يتحدّث سليمان عن علاقة وطيدة بسوريا، مستمدة أيضاً في بعض جوانبها من علاقة شخصية تربطه برئيسها: «لم تنقطع علاقتي بها، حتى في أحلك الظروف التي مرّت بها علاقات البلدين، إضافة إلى أنني والرئيس الأسد نلتقي على مقاربة مشتركة للصراع العربي ـــــ الإسرائيلي والأزمات الإقليمية والتضامن العربي الذي عملت له بلا تردّد. هل أذكّر بجهود لبنان لمصالحة سوريا والسعودية؟ مراراً تحدّثت مع الملك عبد الله، وكذلك مع الرئيس الأسد، وجعلت لبنان جسر تواصل بينهما إلى مصالحتهما في الكويت في كانون الثاني الماضي. كان موقفي في قمّة الدوحة حينذاك في صلب المحافظة على التضامن العربي، من خلال رفضي التخلي عن المبادرة العربية للسلام. لم يكن كل الزعماء والقادة العرب في قمّة الدوحة، واعتبرت التخلي عن المبادرة التي أطلقتها قمّة بيروت بمثابة التخلي عن نصف القادة والزعماء العرب وقطع جسر التواصل بينهم. كان هذا الموقف سبيلاً كي نعود جميعاً إلى الاجتماع في قمّة الكويت التي كرّست المصالحة السعودية ـــــ السورية».

ولا يؤيد رئيس الجمهورية القول باتساع وطأة التدخّلات الخارجية في لبنان.

يبسّط المشكلة كي يبدو الحلّ أكثر بساطة: «يدخل الهواء البارد على لبنان مقدار ما نفتح الأبواب أمامه ونشرّعها. طبعاً هناك أنماط أخرى من التدخّلات أعدّها إيجابية شأن الاستثمارات ودعم الاقتصاد اللبناني والمساعدة في بناء المؤسسات والتعاون مع الخارج. أما ما أنكره وينكره معي اللبنانيون، فهو إتاحة المجال أمام تدخّل في شؤوننا ومشكلاتنا التي نقدر أن نجد لها، في ما بيننا، الحلول المناسبة».

لكن الرئيس يجزم بأن لا تدخّل خارجياً في الأزمة الحكومية، ويعزو تأخير التأليف إلى عقبات داخلية أكثر منها خارجية: «طبعاً لا يمكننا نفي تأثير أزمات المنطقة على بلدنا. الأمر الذي يقتضي إبعاد هذا التأثير بحدّ أدنى من التضامن لتخفيف وطأة التداعيات. غالباً ما ردّدت أن علينا الاستفادة من إيجابيات التحوّلات في المنطقة لا من سلبياتها ونزاعاتها. قلت ذلك للمرة الأولى في بداية العهد، ولا أزال أصرّ على تجنيب لبنان وزر نزاعات المنطقة».

 

أزمـة إداريّـة أكثر منها سيـاسيّـة

الأخبار/29/10/09 أجرى رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، مساء أمس في قصر بعبدا، محادثات رسمية مع رئيس منظمة فرسان مالطا الأمير ماثيو فستينغ تناولت العلاقات التي تربط بين لبنان والمنظمة في ميادين عدة أبرزها المجالات الإنسانية والاجتماعية. وبعد لقاء سريع، وتبادل الأوسمة، عقد لقاء لبناني ـــــ مالطي موسع، رحب خلاله سليمان بضيفه، مشيراً إلى أن لهذه «الزيارة معنى أساسياً، وخصوصاً لجهة الدور الإنساني والعالمي الذي تقوم به المنظمة ذات السيادة والمساعدات الإنسانية والاجتماعية التي قدمتها ولا تزال إلى الشعب اللبناني في مختلف الظروف التي مر بها لبنان».

من جهته، شكر رئيس المنظمة للرئيس سليمان حفاوة الاستقبال، مشيراً إلى أن «لبنان مصدر إلهام لأنه يمثّل رسالة عيش مشترك للعالم». وفي ختام المحادثات الموسعة، وقّع وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ عن الجانب اللبناني، ورئيس وزراء المنظمة وزير خارجيتها جان بيار مازيري اتفاق تعاون بين حكومة الجمهورية اللبنانية ومنظمة فرسان مالطا يهدف إلى «دعم التعاون الإنساني والصحي بين لبنان والمنظمة، وإلى تسهيل هذا التعاون وتنويعه وتنميته في مختلف المجالات».

وكان الرئيس سليمان قد استقبل أمس المشاركين في الملتقى السعودي ـــــ اللبناني الخامس في حضور وزير التجارة والصناعة السعودي عبد الله بن أحمد زينل علي رضا. ورأى رئيس الجمهورية خلال اللقاء أن «الأزمات السياسية تحصل في معظم دول العالم، لكنها لا تعطل النظام الديموقراطي»، لافتاً إلى أن «المسألة الحكومية الراهنة في لبنان باتت تصح تسميتها أزمة إدارية أكثر منها سياسية، وخصوصاً أن الجميع توافقوا على شكلها وعدد الحقائب الأساسية فيها، وبات النقاش حول حقيبة أو اثنتين والبدائل الموازية لها، في وقت لم تتوقف الدينامية السياسية والاقتصادية والثقافية في البلاد، وهذا أمر جيد». وإذ كشف أن «انتخاب لبنان للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن لعامي 2010ـــــ2011 يؤكد الثقة الدولية به، فإنه أكد أن ذلك يحمل الجميع على التعاطي معنا بصرف النظر عن موقفنا الذي سيكون لمصلحة بلدنا أولاً والمصلحة العربية ثانياً». وشدد الرئيس على «أننا سنؤدي دورنا كاملاً في مجلس الأمن ونبدي رأينا بالتفاهم مع أشقائنا العرب الذين نمثلهم». وأبدى ارتياحه إلى «نجاح لبنان في تجاوز الأزمة المالية العالمية واستعادة مركزه المالي، ومردّ ذلك أيضاً إلى الثقة العربية».

عدد الخميس ٢٩ تشرين الأول ٢٠٠٩