سجعان القزي للسياسة الكويتية: حزب الله لا يستعجل تأليف الحكومة حفاظاً على دويلته المكتملة الأركان      

السياسة الكويتية

 17 Sep. 2009   

رأى المفكر السياسي وعضو قيادة "حزب الكتائب" اللبنانية سجعان القزي، أن "لبنان يعيش أزمة نظام ناتجة عن الصيغة اللبنانية التي لم تعد صالحة للمرحلة الحالية، مع الإقرار بوجود أزمة حياة مشتركة بين اللبنانيين"، معتبراً "ان جزءاً كبيراً من الأزمة في لبنان في العقود الأخيرة، كان نتيجة لخيانة البعض، وغباء البعض الآخر. ولبنان لن يخرج من أزمته إلا باعتماد نظام مركب يقوم على اللامركزية الموسعة التي تصب في نظام اتحادي، لأن الدولة الاتحادية تبقى أفضل بكثير من الدويلات المنفصلة عن الدولة اللبنانية".

القزي رأى في حوار أجرته "السياسة" معه، "أن مرتكزات الدولة الاتحادية تقوم على اعتماد المجتمع المدني والعلماني والحياد اللبناني الإيجابي"، معتبراً أن لبنان بعد انسحاب إسرائيل من جنوبه وبقاعه الغربي في العام 2000، وبعد خروج الجيش السوري في ابريل 2005، يعيش تحت رحمة مجلس وصاية خارجية يتألف من السعودية وسورية وإيران والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وهذا يشكل إهانة للكرامة اللبنانية، كاشفاً عن ان "حزب الله" ليس على عجلة من أمر تأليف الحكومة، لأن لديه دويلته، ولا يريد أن يقوي بنية الدولة اللبنانية، ولا يريد في المرحلة الحالية أن يكون مقيداً بالدولة، كي لا يجد نفسه أمام قرار مشابه للقرار 1701 في حال اعتدت إسرائيل على الجنوب والبقاع الغربي، كما يريد إخضاع كل المؤسسات التي لا تسيطر عليها الطائفة الشيعية لمخاض عسير كما فعل عندما عطل انتخاب رئيس الجمهورية ستة أشهر، وكما فعل اليوم بالنسبة الى رئيس الحكومة السني، مستغرباً "كيف تم انتخاب رئيس المجلس بغضون 24 ساعة؟! وقال: إن الأكثرية تتحمل قسطاً وافراً من هذا الخطأ، مقترحاً عليها "أي الأكثرية" عقد اجتماع لقياداتها لوضع ستراتيجية جديدة للمرحلة المقبلة. وتساءل: "لماذا يحتاج كل استحقاق دستوري إلى مؤتمر في دولة ما؟"، مطالباً "بتمثيل "الكتائب" في الحكومة بمستوى حجمها وليس فقط بمستوى عدد نوابها". كما طالب قزي العماد عون بالاعتراف بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، كما اعترفنا له بنتائج انتخابات عام 2005، وبأنه لا يمثل اليوم أكثر من 47 في المئة من المسيحيين. وفي ما يأتي نص الحوار:

 

• هل نحن أمام أزمة حكومة، أم حكم، أم نظام؟

 

كنت من الأوائل الذين اعترفوا بأن لبنان يعيش أزمة نظام، بغض النظر عن وجود أزمة حكومية أو أزمة دستورية. أزمة النظام في لبنان ناتجة عن الصيغة اللبنانية التي لم تعد صالحة للمرحلة الحالية، لأن اللبنانيين تغيروا والوضع الديمغرافي تغير، ونظرة اللبنانيين إلى الكيان تغيرت، والولاء للوطن تغير. وهناك نوع من الالتباس بين الولاء والامتلاك. في المرحلة الأولى، كانت المطالب الإسلامية بالمشاركة ينقصها ولاء للبنان، اليوم، بعد اعتراف اللبنانيين قاطبة بـ "اتفاق الطائف" بلبنان وطناً نهائياً، وبعدما تجسد هذا الأمر في "ثورة الأرز" بشعار "لبنان أولاً"، وبعد مقاومة الطائفة الشيعية وخصوصاً لإسرائيل ودفعها ثمناً لعملياتها والحروب التي خاضتها معها، أصبحت كل المكونات اللبنانية أكانت مسيحية أم إسلامية، تشعر بأنها شريكة في تأسيس هذا الوطن: لبنان الجديد، في بداية القرن الواحد والعشرين، تماماً مثلما كان الموارنة مؤسسين للبنان الجديد الآخر عام 1920 مع بداية القرن العشرين. وعوض أن يوظف الجميع هذا الولاء لبناء الدولة حولوه مادة تمنين لامتلاكها.

منذ عقود لمسنا أن النظام القائم لم يعد صالحاً. فأول أزمة أُصيب بها كانت في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي عند التجديد للرئيس بشارة الخوري. الأزمة الثانية: كانت في العام 1958 وأريقت فيها الدماء. الأزمة الثالثة: حصلت في العام 1969 مع "اتفاق القاهرة". (هو اتفاق وقعته الدولة اللبنانية مع منظمة فتح). الأزمة الرابعة: كانت في العام 1973 وتمثلت بالاشتباكات بين الجيش اللبناني والفلسطينيين. والأزمة الخامسة: كانت بانفجار الحرب سنة 1975. ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم، جرت إصلاحات دستورية عديدة: من الوثيقة الدستورية، إلى المسلمات الوطنية الـ 14 في عهد الرئيس الياس سركيس، أو اتفاقات جنيف ولوزان في عهد الرئيس الجميل. إلى أن أتى "اتفاق الطائف" فتبين ان هناك صعوبة بتطبيقه، وخصوصاً من ناحية روحيته بين الطوائف، ومن ناحية النصوص الدستورية بين المؤسسات الدستورية الثلاث: رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس ورئاسة الحكومة، إلى أن بانت حقيقة أزمة تطبيق الطائف مع الانسحاب السوري من لبنان.

عامل آخر أضيف إلى هذه المعطيات ويتمثل بالصيغة اللبنانية التي وضعت سنة 1943 أي الميثاق الوطني. إن صيغة لبنان ـ التعايش الإسلامي-المسيحي ـ أخضعت لمنطوق الميثاق أم لمنطوق اتفاق الطائف لا تتحمل وجود تيارات أصولية متطرفة تسيطر على الطوائف الأساسية في لبنان. واليوم مع الأسف، نلاحظ بروز التطرف عند الأطراف قاطبة، فهناك التطرف من خلال عقائد أصولية وعقائد جهادية ونظريات انعزالية. هذه الحالات الأصولية الغريبة عن تقاليد حياة اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، أدت إلى سقوط الصيغة اللبنانية.

من هنا نجد ان الخلاف مع "حزب الله" على سلاحه يخص سيادة الدولة، ولكن الخلاف مع حزب الله" على أصوليته يتعلق الصيغة اللبنانية. وإذا كان يهمنا حل موضوع السلاح الذي نعتبره خارجاً عن قرار الدولة، هناك أيضاً نمط الحياة الذي أوجده "حزب الله" داخل الطائفة الشيعية بغض النظر إذا كان جيداً أم سيئاً، هو نمط لا ينسجم مع الحياة اللبنانية عموماً، ومع تقاليد الشيعة في لبنان عبر تاريخهم. كما أن الحركات السلفية المتطرفة التي تحتكم إلى السلاح والإرهاب لدى بعض السنة، و"تيار المستقبل" يواجهها للحد من انتشارها، فهي أيضاً لا تشبه سُنة لبنان.

وإذا وجد في المجتمع المسيحي غداً تيارات أصولية على غرار التيارات المسيحية الأصولية في ولايات أميركا، فهذه التيارات الأصولية لن تكون شبيهة بالمسيحية اللبنانية بوجهها المشرق، المنفتح والمعتدل. إذاً، هناك فعلاً أزمة نظام، لا بل أزمة حياة مشتركة بين اللبنانيين.

 

• ما الحل برأيك؟

 

الحل الذي يرد بشكل مباشر، وعفوي وغبائي الذي يخطر ببال البعض هو "التقسيم" طالما الحياة المشتركة صعبة لهذه الغاية. ولكن تقسيم الأوطان، ليس مثل تقسيم قالب الحلوى. الوطن لا يُقسَّم، فالوطن واحد لكل اللبنانيين، أو لا يكون. فلا أرى لماذا تريد أن تسلخ المناطق المسيحية عن الشيعة، وأن تسلخ المناطق الشيعية عن المسيحية، والمناطق السنية عن المسيحية والشيعية. إذاً، من يفكر بالتقسيم في لبنان، يفتقر إلى أبسط مفاهيم النظرة إلى الوطن.

عدا أن التقسيم خيانة، فهو غبا،ء، ومفعول الغباء أحياناً أقوى من الخيانة، خصوصا في لبنان. أعتقد أن جزءاً كبيراً من الأزمة في لبنان في العقود الأخيرة، كانت نتيجة خيانة البعض وغباء البعض الآخر. فمفعول الغباء الجماعي في لبنان رغم الذكاء الفردي للبناني أقوى من مفعول الخيانة الوطنية. هذا، وفق ما بدا لي طوال مراقبتي أحداث لبنان طوال العقود الأخيرة.

إذاً، الحل هو باعتماد نظام مركب يتناسب مع تعددية لبنان. نظام يعتمد على اللامركزية الموسعة التي لا بد من أن تصب بشكل أو بآخر في نظام اتحادي، ولا نخاف من هذه الكلمة. وهناك مثل عربي يقول: في الاتحاد قوة. ولا أرى كيف أن البعض يخاف من كلمة لبنان دولة اتحادية. هل يفضلون على الدولة الواحدة المتحدة، دويلات منفصلة عن الدولة اللبنانية؟ النقطة الثانية من الحل، هي السير في مجتمع مدني أو علماني، بشكل أن يكون المواطن اللبناني ينتمي بكل ما يمت إلى السياسة بصلة إلى مؤسسات الدولة، وليس إلى المؤسسات الطائفة أو المذهب. الأمر الثالث، هو اعتماد الحياد اللبناني الإيجابي الذي لا نطالب به للتملص من التضامن مع القضايا الإنسانية أو العادلة، في لبنان والمنطقة، وفي طليعتها قضية الشعب الفلسطيني، إنما نطالب بالحياد الإيجابي، لأن الأمرين اللذين يختلف اللبنانيون بشأنهما هما: السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية، ولا حل لهذا الخلاف إلا باعتماد الحياد. فالحياد يحل تلقائياً موضوع السياستين الخارجية والدفاعية اللتين سببتا منذ سنين وسنين بالعدد الأكبر من الأزمات.

 

• هل تعتبر ما اقدم عليه الرئيس المكلف دستورياً؟

 

لست خبيراً بالعلم الدستوري، لكن كل مواطن يمتلك حاسة التمييز بين الصواب والخطأ، حتى في القضايا الدستورية والسياسية والقانونية. نحن من الذين دعونا رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إلى اتخاذ مبادرة ما للإسراع بتأليف الحكومة، لأن البلد لا يستطيع الاستمرار بلا حكومة، ولأن انتظار حل العقد قد يأخذ أشهراً، بل سنوات. والعقد الحقيقية العملية المحيطة بتأليف الحكومة ليست أسماء وحقائب فقط، هذه عقد تغطي الصراع الموجود في منطقة الشرق الأوسط والصراع الإقليمي، فنحن نعيش اليوم قيام مجلس وصاية خارجي على لبنان مُكوّن من سورية والسعودية ومصر وإيران وأميركا وفرنسا. وهذا أمر يشكل إهانة للكرامة اللبنانية. فما ان فرحنا بالانسحاب الإسرائيلي، ثم الانسحاب السوري، وبالتحام اللبنانيين في موقف وطني موحد، حتى رأينا أنفسنا مجدداً أمام وصاية جديدة بشكل أو بآخر. وللأسف إن اللبنانيين مسؤولون عن عودة الوصاية من خلال عدم قدرة الأطراف السياسيين، إن في "14 اذار" أو في 8" آذار" على التفاهم في ما بينهم من دون عراب خارجي أو وسيط خارجي، أليس هذا ما رأيناه لدى انتخاب رئيس الجمهورية في مؤتمر الدوحة، وما نراه الآن في معرض تشكيل الحكومة.

أن يتقدم رئيس الحكومة المكلف بتشكيلة فهذا أمر جيد، ولكن هذا لا يعني أن رئيس الحكومة يشكل الحكومة بالأسماء والحقائب ويسلمها إلى رئيس الجمهورية. فهذا أمر نرفضه جملةً وتفصيلاً، لأن ما نتمناه هو أن يجلس رئيس الحكومة المكلف مع رئيس الجمهورية ويتداولان في الأمر معاً. وإلا كان بإمكان الرئيس المكلف أن يرسل التشكيلة مع دراج إلى القصر الجمهوري. لكن هناك أطرافاً ديبلوماسية تعتقد أن ما أقدم عليه الرئيس المكلف كان بالتنسيق مع رئيس الجمهورية.

 

• ماذا تريد المعارضة أكثر مما قدمه لها الرئيس المكلف، وكم يلزم من الوقت كي تتجاوز المعارضة عقدة الأسماء والحقائب، وتشارك بالحكم من دون شروط تعجيزية؟

 

المعارضة الأساسية في لبنان هي "حزب الله"، لأن قوى المعارضة الأخرى، إما ضعيفة ولا تشكل ثقلاً في الحياة السياسية اللبنانية، وإما قوية مثل "التيار الوطني الحر". أما "حزب الله" فمعارضته مرتبطة بعلاقاته المتشعبة على الصعيدين العربي والإقليمي، و"حزب الله" ليس في عجلة من أمر تأليف الحكومة، وفق تحليلي وذلك لأسباب عدة:

ـ أولاً: لديه دويلته بكل معنى الكلمة، من المساحة الجغرافية إلى السكان، إلى الميزانيات المالية إلى القوة العسكرية، إلى كل البنى التحتية المدنية وغير المدنية.

ـ ثانياً: "حزب الله" لا يريد أن يقوى بنية هذه الدولة، لأنه لا يؤمن بها بحالتها الحاضرة.

ـ ثالثاً: أن "حزب الله" يعتبر أن المرحلة الحالية محفوفة بالأخطار، وبالأخطار الخارجية، من صراع على الملف النووي الإيراني، وقد يتطور إلى ضربة عسكرية، كما أن الوضع في الجنوب والبقاع الغربي قابل للانفجار في اي لحظة إذا كان هناك قرار إسرائيلي وأميركي بذلك. ويفضل "حزب الله" في هذه الحالة، الا يكون مقيداً بموقف الدولة اللبنانية والحكومة، كي لا يجد نفسه أمام قرار 1701 رقم 2.

ـ رابعاً: أن "حزب الله" كما نلاحظ، منذ سنوات أخذ قرارات بأن كل ما يتعلق بغير مؤسسات تسيطر عليها الطائفة الشيعية، يريد أن يخضعها لمخاض عسير قبل أن يملأ فراغها. رأينا هذا الأمر حين حان استحقاق رئاسة الجمهورية. بقيت البلاد من دون رئيس مدة ستة أشهر. ونرى الأمر اليوم بالنسبة إلى رئيس الحكومة السني. في حين عندما كان الاستحقاق يتعلق بانتخاب رئيس مجلس النواب وهو من الطائفة الشيعية، تم الأمر خلال 24 ساعة. وأعتقد أن الأكثرية النيابية تتحمل قسطاً وافراً من هذا الخطأ، لأن ما كان عليها أن تقبل بانتخاب الرئيس نبيه بري أو غيره من المعارضة لرئاسة مجلس النواب، قبل أن تتفاوض مع الأقلية على تشكيل الحكومة.

اليوم لم يعد في يد الأكثرية إلا الأكثرية العددية كورقة تفاوض عليها. ونحن نعرف أن في لبنان الأكثرية العددية مسألة فيها نظر، أما الأوراق السياسية الأخرى التي كان يجب أن تحتفظ بها بعد انتصارها في انتخابات السابع من يونيو النيابية، فقد عـقَّمتها ولم تعد تجدي نفعاً. من هنا يجب على الأكثرية أن تعيد النظر في سياستها، وأنا، منذ زمن، اقترحت أن تعقد قيادات الأكثرية أو ما بقي من قيادات "14 آذار" خلوة سياسية فكرية تضع فيها ستراتيجية جديدة للمرحلة المقبلة.

 

• هل يعني أننا بانتظار مؤتمر دوحة جديد لتشكيل الحكومة؟

 

إذا كان كل استحقاق في لبنان، أكان انتخاب رئيس جمهورية، أو تأليف حكومة أو تنظيم هيئة حوار، يحتاج إلى مؤتمر في دولة ما، فهذا يعني فعلياً أن لبنان ليس دولة قادرة على أن تحكم نفسها بنفسها، وهنا قد يستعيد البعض حنينه إلى الانتداب الفرنسي، والبعض الآخر إلى الوصاية السورية، إلخ... وهذا أمر مؤسف، في حين أننا كلبنانيين كنا أول شعب نال استقلاله في هذا الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية. وكنا أول دولة تتوحد بعد الحرب العالمية الأولى وتعتمد النظام الديمقراطي. لقد أنشأنا دولة كانت رغم كل شوائبها، أفضل دولة في الشرق الأوسط ومنطقة آسيا الصغرى. والمؤسف اليوم أن هذه الصراعات الداخلية، أصبحت مرتبطة بالخارج لدرجة أن كل استحقاق داخلي يتطلب تدخلاً خارجياً.

من هنا أعود إلى ما بدأنا فيه هذا الحديث الشيق بالأسئلة إلى أننا نعيش أزمة نظام. وهذه الأزمة تحتاج إلى إعادة تركيب البنية الداخلية للدولة اللبنانية. وأي إعادة نظر للبنية الداخلية لتركيب الدولة، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حتماً أمرين أساسيين لا مفر من احترامهما: مساحة الأراضي اللبنانية وميثاق التعايش بين اللبنانيين.

 

• كان لـ"الكتائب" ملاحظات على التشكيلة الحكومية التي قدمها الرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية قبل اعتذاره، هل المرحلة المقبلة ستعيد تصويب الأمور فتأخذ "الكتائب" حقها؟

 

الكتائب" لديها شعور أن حقوقها مهضومة على صعيد المشاركة في الدولة اللبنانية، وبقدر ما هي معتدلة ومنفتحة، وبقدر ما اتخذ الرئيس الجميل قرارات بتسهيل بناء الدولة وعدم جعل الكتائب حجر عثرة أمام هذا المشروع، فسر البعض هذا الموقف كأنه موقف ضعف، في حين أنه موقف "أم الصبي". ولكن لا نريد باسم الشعور الوطني أن نهضم حقوق الحزب بالمناصب النيابية أو الوزارية. إننا نعتبر أن وجود "حزب الكتائب" في دور فاعل ضمن المؤسسات الدستورية اللبنانية، ضمانة لميثاق التعايش بين اللبنانيين أولاً، ولمشروع السيادة والاستقلال الذي طالما دافعت عنه "الكتائب" مع حلفاء آخرين ينتمون إلى كل الطوائف والأحزاب. إذاً، نحن نريد أن يكون تمثيلنا في الحكومة المرتقبة بمستوى دورها وليس فقط استناداً الى عدد نوابنا. حتى لو أخذنا بعين الاعتبار عدد النواب نجد أن في حكومة السنيورة الحالية حصلت الكتل التي تتألف من خمسة نواب على حقيبتين. اليوم كتلة الكتائب مؤلفة من خمسة نواب ومن حقها المطالبة بوزيرين في الحكومة المرتقبة.

 

• ما زال العماد ميشال عون مصراً على أنه يمثل أكثر من 50 في المئة من المسيحيين علماً بأن كتلته النيابية 27 نائباً بينما الأكثرية تضم 34 نائباً من المسيحيين، لماذا هذا الطرق على وتيرة تمثيل المسيحيين والمطالبة بحصة أكبر من حجم تكتله؟

 

أولاً: مثلما اعترفنا للعماد عون بعد انتخابات عام 2005 بأنه يمثل نحو 60 إلى 65 % من المسيحيين، فليعترف معنا هو اليوم بنتائج انتخابات عام 2009. إن دراسة نتائج الإنتخابات تؤكد بالأرقام أن العماد عون لا يمثل أكثر من 47 في المئة من المسيحيين. وما كان ليمثل هذه النسبة لولا تحالفاته مع أطراف أخرى، ولكن المسألة ليست محصورة بالتمثيل المسيحي، إذا كان الأمر كذلك فلا يعود هناك مجال للحديث عن أكثرية وأقلية. هناك اليوم أكثرية مؤلفة من كل الطوائف وأقلية مؤلفة من كل الطوائف. نقطة الضعف الأساسية عند الأكثرية هي غياب العنصر الشيعي الفاعل، فلا يمكن اليوم تجاهل "حزب الله" وحركة أمل في التمثيل الشيعي، هذا واقع. ولكن على الصعيد المسيحي، المسيحيون في الأكثرية يمثلون المسيحيين خير تمثيل، إن كان حزب الكتائب أو القوات اللبنانية أو الشخصيات التي كانت تنتمي سابقاً إلى تكتل "قرنة شهوان"، أو الشخصيات المستقلة، أو الشخصيات التي تحالفت مع تيار المستقبل والحزب الاشتراكي.

إذاً، طرح العماد عون بالتمثيل النسبي يتطلب مسبقاً إجراء انتخابات على أساس النظام النسبي، أما وأن الانتخابات جرت على أساس النظام الأكثري، فالأكثرية هي التي تمثل الطوائف في مجلس الوزراء. أما تمثيل الطوائف ككل فليس محصوراً في مجلس الوزراء الذي يجسد ميزان الأكثرية والأقلية، في حين مجلس النواب يمثل الحياة الميثاقية الطوائفية في لبنان. أما إذا كانت كل الطوائف تريد أن تتمثل نسبياً في كل مؤسسة دستورية من المؤسسات الثلاث في لبنان، فعلينا إذاً أن ننتخب أيضاً 17 رئيس جمهورية و17 رئيس مجلس و17 رئيس حكومة، هذا أمر منافٍ لأبسط قواعد العلم السياسي.