المحلل السياسي سامي نادر ان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي "خرج عن ثوابت بكركي السياسية والتاريخية

المستقبل/حاورته: نانسي فاخوري

16 أيلول/11

رأى المحلل السياسي سامي نادر ان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي "خرج عن ثوابت بكركي السياسية والتاريخية"، معتبراً انه "كان من المفترض ان يصدر بيان تصحيحي عن بكركي يوضح حالة التأويل التي أعقبت مواقف البطريرك في باريس ويفسرها". وشدد على ان "خوف الاقليات المسيحية على وجودهم يجب ألا يؤدي الى تعلقهم بالديكتاتور، فهذه عقلية أهل ذمة وتضرب الأسس والقيم المسيحية"، مؤكدا ان "خوف المسيحيين من تغيير النظام في سوريا ليس في محله".

واشار في حديث الى "المستقبل" امس، الى ان "الخطر السلفي موجود فقط كعدة شغل الأنظمة القمعية التي تستخدمه كـ"فزاعة" لتستمر بحكمها". واذ تخوف من "حرب اهلية" في لبنان في حال أراد حزب الله "الانتحار"، اكد ان "اللبنانيين واعون بما فيه الكفاية".

 

وهنا نص الحوار:

كيف تقرأ كلام البطريرك الراعي الباريسي ومن ثم ملحقاته التوضيحية في بيروت؟

كلام البطريرك الماروني فيه خروج عن ثوابت بكركي السياسية والتاريخية، والملفت هو السرعة التي خرج فيها البطريرك الجديد عن هذه الثوابت، في أقل من 36 ساعة وخلال زيارة الى فرنسا تحديدا، هذا البلد الشريك الدولي القريب من بكركي تاريخياً، فالعلاقة بين بكركي وفرنسا تعود الى عقد لويس الرابع عشر وهي قديمة جداً. والعلاقة مع فرنسا مبنية على ثوابت تتعلق بسيادة لبنان وحريته، ومن الملفت جداً خروج بكركي عن هذه الثوابت، لاسيما العتب من فرنسا على كلام البطريرك التي اعتبرته مخيباً للآمال ومفاجئاً. وأيضاً البطريرك خرج عن نصوص أساسية لا سيما السينودس من أجل لبنان وأيضاً سينودس البطاركة من أجل لبنان الذين ينادون بمنطق مختلف، فهم أولاً على مسافة واحدة من كل الأفرقاء السياسيين واليوم هناك خروج عن هذه الثوابت. والمفاجئ ايضا هو كلامه عن سلاح "حزب الله" وهو بذلك يضرب مقوّمات السيادة اللبنانية، ويضرب تمسك بكركي بأركان الدولة، والنصوص التأسيسية التي قام عليها مشروع الكنيسة في السياسة، ويضرب الثوابت التقليدية لدى بكركي. كما أن كلام البطريرك ضرب علاقة بكركي مع سائر العالم لا سيما مع الشريك الفرنسي والشريك الغربي والعربي. وكلامه عن أحداث سوريا والخوف من تداعياتها، ومقاربته لهذا الموضوع يتناقضان مع تصريحات الفاتيكان لا سيما تصريحات قداسة البابا بنيديكتوس السادس عشر الذي قال وكرر ضرورة أن تحترم السلطات السورية المطالب المشروعة للشعب السوري وأن تحترم الكرامة البشرية، وهذا يتناقض مع كلام البطريرك.

 

البطريرك الماروني أكد ان هناك تأويلاً وسوء فهم لكلامه.

لو كان هناك تأويل لكلامه، لكانت طريقة تعامله مع هذا التأويل اختلفت، فمن المفترض ان يصدر بيان عن بكركي يصحح ما قاله ويفسره، لكن الطريقة التي واجه بها التأويل وكلامه في المطار لا يطمئنان. يجب أن يعيد تفسير الموقف الذي اتخذه بالنسبة الى السلاح والأحداث في سوريا.

 

هل برأيك الحراك العربي نحو الحرية والعدالة والتعددية يشكل تحدياً وجودياً للأقليات في العالم العربي؟

إعتمد البطريرك من حيث يدري أو لا يدري منطق الأقليات وهذه هي الخطورة في الموضوع، فالمسيحيون في لبنان ليسوا أقليات وإلا لما كان لبنان. اما في سوريا، فهناك جزء من المسيحيين خائف من تغيير النظام وجزء آخر مستفيد من النظام القائم وهم أقلية، وهذا الشيء يجب ألا يؤدي الى تعلق المسيحيين بالديكتاتور من أجل حماية وجودهم، فهذه عقلية أهل ذمة وتضرب الأسس والقيم المسيحية. فالمسيحية منذ الأساس قائمة على الحرية واحترام الكرامة البشرية، إضافة الى أن هناك شخصاً مسيحياً اسمه ميشال كيلو جاء ليذكر بأن خوف المسيحيين ليس في محله، وهذه الثورة قائمة على مبادئ المشاركة والحرية. وتبقى مسألة الإخوان المسلمين وهذا يخيف المسيحيين، لكن من قال ان هؤلاء هم الأكثرية في سوريا؟، ومن قال انهم سيكونون الصوت العالي أو أنهم سوف يربحون الانتخابات؟، فليس هناك من جو في العالم يؤشر الى أن هذا الطرف سيكون هو المنتصر لا سيما في ظل غياب أي جو إقليمي أو عالمي يساند هكذا مشروع، فلا الشريك السعودي ولا التركي يقبل بهذا النموذج الاسلامي للحكم. وفي حال حصول أعجوبة ووصل الإخوان المسلمون الى الحكم، فسيصلون من دون أي حليف أو شريك عالمي، ولا سبيل لديهم سوى الديموقراطية والانفتاح لأن الاقتصاد العالمي يدفع بهذا الاتجاه، وحتى الصين ونموذج النظام الأحادي اضطر الى الانفتاح.

وفي مصر بالأمس دخل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مواجهة مباشرة مع الإخوان المسلمين، حينما دعا الى العلمانية، وأكد أنها ليست ضد الدين بل تحترم الأديان. اليوم من هو متهم بمساندة الحركات الأصولية الدينية ينادي بالعلمانية، والسعوديون أيضاً ينادون بحوار الأديان والدولة المدنية وهذا شيء مطمئن.

اضافة الى ذلك، فان الوثيقة الصادرة عن الأزهر إبان الثورة المصرية أيضاً تؤسس لدولة مدنية وسوف يصدر عن الأزهر وثيقة للثورات العربية ستنادي مرة أخرى بالدولة المدنية والدستورية. فلا شيء يدل على أن الغلبة سوف تكون للتيار السلفي بل أكثر من ذلك مقتل (زعيم تنظيم "القاعدة" الراحل) أسامة بن لادن وهو رمز المشروع السلفي. والخطر السلفي موجود فقط كعدة شغل الأنظمة القمعية التي تستخدمه كـ"فزاعة" كي تستمر بحكمها.

 

ما هي تداعيات أي تحوّل محتمل للوضع السوري على لبنان والمنطقة؟

ما يحصل في سوريا شئنا أم أبينا مواجهة مع إيران التي تدعمه بكل الوسائل، وأي تغيير يحصل في سوريا، سوف يكون على حساب مصالح المحور الإيراني ـ السوري، وهذا ينعكس علينا في لبنان لأن الطرف الأقوى هنا متحالف مع المحور الإيراني ـ السوري المتمثل بـ "حزب الله". التغيير الذي سوف يحصل في سوريا يتوقف على كيفية تعاطي "حزب الله" معه، هل سيتعاطى معه بسياسة التنكّر والمواجهة بالقوة؟ وفي حال أخذ هذا الخيار فسوف تكون له تداعيات طبعاً، وإذا سقط الحليف السوري استراتيجياً لن يكون لديه القدرات نفسها، وإذا اختار الدخول في مغامرة انتحارية أصبح هذا شأنه. من هنا حتى حصول التغيير في سوريا، يمكن أن يلجأ النظام الى سيناريو حرب أهلية كي يوسع المشكلة ويفرض نفسه كحالة قوة من خلال هذه الحرب التي لا يمكن أن تحصل في سوريا لانتفاء أسبابها، بخلاف الوضع في لبنان حيث هناك توازن بين الطوائف ومن السهل وقوع حرب أهلية فيه. ويجب أن يكون الأفرقاء المسيحيون حذرين، وهنا الكلام موجه الى (عضو كتلة "الكتائب اللبنانية" النائب) نديم الجميل، بطريقة التعاطي مع هذه المسألة، اذ يجب التعالي عن الكبت الذي أفهمه، من دون الانزلاق الى الفخ المنصوب أي إغراق لبنان في حرب أهلية، محاولة من النظام السوري كي ينقذ نفسه.

 

كيف تقرأ كلام رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع عن المعادلة التي أوجدت "حزب الله" وسقطت؟

المعادلة لم تسقط بعد بل هي ضعيفة وعلى حافة الهاوية. اليوم هناك أصوات في إسرائيل خائفة من سقوط (الرئيس السوري بشار) الأسد، هل هذه الأصوات سوف تؤثر وتحاول إبقاء الأسد؟، لكن لا شك أن الطوق يشتدّ على النظام السوري الذي لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه، وحتى لو استمر، وأنا أرى أنه لن يبقى بالقوة نفسها، فالنظام السوري بالحد الأدنى سوف يتغير، مما يضعف المعادلة الإيرانية ـ السورية وهذا سيكون له تأثير كبير على "حزب الله". وما يخيف خيار "حزب الله" الانتحاري الذي يمكن أن يأخذه، فهناك سيناريوهان اثنان انتحاريان قد يلجأ اليهما، إما سيناريو حرب أهلية في الداخل، أو سيناريو حرب مع إسرائيل، لتحويل الأنظار عن سوريا. وأعتقد أن الإسرائيليين لن يقعوا في الفخ واللبنانيين لديهم الحكمة الكافية، وهناك استحالة حرب أهلية لأن هناك طرفاً واحداً يحمل السلاح.

The End