مقابلة مع  العلامة المجتهد السيد علي الأمين

أجرى المقابلة: الناشط والمعلق السياسي الإغترابي الياس بجاني

المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

20 كانون الأول/09

عناوين المقابلة

*عبّر غبطة البطرك صفير في موقفه الأخير بما يخص سلاح حزب الله عن عموم اللبنانيين وإرادتهم في قيام دولة المؤسسات والقانون التي تنحصر فيها مرجعيّة الأمن والسّلم والحرب.

*سلاح حزب الله استعمل في الداخل اللبناني ضدّ لبنانيين آخرين ولا توجد ضمانات من عدم تكرار تلك الحوادث.

*اتفاق الدوحة فُرض ليكرِّس الواقع الميليشياوي ويمنع تنفيذ الطائف الذي نص على حل كل الميليشيات دون استثناء والالتزام باتفاقية الهدنة مع إسرائيل

*الهدف من طرح إلغاء الطائفية السياسة دعائي وليس حقيقياً والذين طرحوه تحت شعار تطبيق الدستور كانوا أكثر الناس الذين خرجوا على الدستور وخالفوه.

*الذي يطرح الآن إلغاء الطائفية السياسية يريد أن يتخلص من الوصمة المذهبية التي التصقت به لبنانياً وعربياً بعد أحداث 7 أيار..

*الرئيس بري كان مشاركاً في اجتياح بيروت في السابع من أيار والاجتياح كانت دوافعه ومحركاته مذهبية صرف.

*أي سلاح خارج سلطة الدولة يخيفني ويخيف المواطنين كافة.

*نحن لا نطمئن إلا لسلاح الدولة الشرعي وسلاح حزب الله يجب أن يكون تحت سلطة الدولة وبأمرتها.

*عشرات المسلحين احتلوا دار الإفتاء الجعفري في صور وأخرجونا وأخرجوا معنا من كان فيها بقوة السلاح وهم لا يزالون يحتلونها ونحن ممنوعون من العودة إلى الجنوب والدولة عاجزة عن إرجاعنا أو حتى أن تعيد لنا حقوقنا.

*نحن كنا ولا نزال نحمل مشروع الدولة الذي أطلقه الإمام الصدر.

 *الدولة عاجزة عن أن تحمي أتباعها وأنصارها من أبناء طائفتنا في أماكن تواجد القوى الحزبية المهيمنة والتي تمتلك السلاح والسلطة.

*كشفت معظم المناقشات في مجلس النواب أنّ الرفض للبند السادس من البيان الوزاري ليس رفضاً لفئة خاصّة وإنما هو رفض وطني وشعبي لبقاء السّلاح خارجاً عن سلطان الدولة.

*من المستبعد أن تتمكّن الحكومة الجديدة من تحقيق برامجها الاقتصادية والسياسيّة والأمنيّة.

*الإستنابات القضائية السورية جاءت في غير التوقيت الصحيح.

*وصايا الشيخ محمد مهدي شمس الدين جاءت نتيجة تجارب عديدة مرّت على الساحة اللبنانية ونتيجة حوارات وأفكار متنوّعة وآراء مختلفة تمّ تبادلها معه.

*مسألة ولاية الفقيه ظهرت على الساحة السياسية مع وصول الإمام الخميني إلى السلطة وارتباط حزب الله بها هو مشكلة كبيرة.

*ولاية الفقيه في إيران لم تعد مرجعية دينية فحسب وإنما هي سلطة ونظام حاكم له طموحاته وتطلعاته في المنطقة وليس فقط داخل إيران.

*لا يمكننا أن نضفي على مسألة ولاية الفقيه الصفة العقائدية فالأصول العقائدية المسماة أصول الدين عند الشيعة على المشهور عند علمائهم معروفة وهي خمسة وولاية الفقيه ليست منهم.

*حزب الله عنده أيديولوجيّته الخاصّة به وهي مرتبطة بإيران.

*ارتباط حزب الله بولاية الفقيه ليس ارتباطاً دينياً فحسب خصوصاً في المنظور العقائدي الذي يلتزم به قولاً وفعلاً وهو يؤكد باستمرار بأن لا فصل بين الدين والسياسة.

*لا يوجد فرق كبير بين وثيقة حزب الله لسنة 1985 وبين وثيقته الجدية في الجوهر والمضمون، قد يكون هناك اختلاف في الشكل والصياغة وزيادة بعض المفردات فقط.

*سابقاً كنا نرى أنهم يكتبون "حزب الله الثورة الإسلامية في لبنان" على أساس أنه جزء من الثورة الإسلامية العامة في العالم الإسلامي في المنطقة، الآن يضعون بدل الثورة الإسلامية العامة "المقاومة "الإسلامية في لبنان".

*لا يزال حزب الله يرى لبنان ساحة من ساحات الجهاد للمشروع الإيراني.

*بمفهوم حزب الله الدولة هي تلك المقالة عن أعمالها والتي تعطيه غطاءً دون أن يكون لها دور مؤثر وفعال ويريدها فقط لتشريع سلاحه ولإيجاد صيغة قانونية لهذا التشريع.

*حزب الله لا يمثل كل أراء الطائفة الشيعية، ولو أتيح لأبناء الطائفة أن يُظهروا الرأي الآخر الذي يخالفه لكان الحال يختلف كثيراً.

*لا يسمح حزب الله للرأي الشيعي الآخر بأن يظهر والدولة اللبنانية عاجزة عن أن تتبنى وتحمي الذين يدافعون عنها من أبناء الطائفة.

*الفكر التسلطي المسلح ظهر جلياً في السابع من أيار السنة الماضية في غزوتي بيروت والجبل.

*نسأل ما الذي فعلته الدولة للمواطنين العزل في بيروت أو غيرها في السابع من أيار؟ بالواقع لم تفعل شيئاً.

*قوى الأمر الواقع المسلحة تسيطر حتى على الدولة اللبنانية، والإمكانات بكافة أشكالها التي تأتي للدولة هي مهيمن عليها حصرياً بما يخص طائفتنا.

*في اتفاق الطائف تم التوافق على الديموقراطية وليس على الديموقراطية التوافقية والفرق كبير وجوهري بين المفهومين،.

*قوى الأمر الواقع ألغت بالقوة النظام البرلماني الأكثري وفرضت مبدأ الديموقراطية التوافقية كما يناسبها وكما يخدم استمرارية هيمنتها على الأرض والدولة معاً.

*مصير الديموقراطية التوافقية التي تفرضها قوى الأمر الواقع هو عدم الدوام وسوف يؤدي فرضها في نهاية المطاف إلى الانفجار.

*مبدأ التزاوج بين الجيش والمقاومة يعني ببساطة إلغاء الدولة ويقول علناً إن سلاح حزب الله سيبقى طالما بقي الخطر الإسرائيلي قائماً.

* ادعاء حزب الله بتوازن الرعب مع إسرائيل كلام مفرغ من أي معنى ومصداقية وهو لدعم الحزب معنوياً فقط.

 *عنوان الستراتجية الدفاعية الذي يرفعه حزب الله هو فقط لتقطيع الوقت ولمنع اللبنانيين من بحث أمر ومصير سلاحه.

*طاولة الحوار لم تنتج شيئاً في الماضي ولن تنتج أي شيء لا حاضراً ولا مستقبلاً وحزب الله يستعملها لإعطاء سلاحه ودويلته الشرعية من قبل أركان الدولة اللبنانية.

*حرب 2006 كانت كارثية على الجنوب وأهله.

 

المقدمة

الرجال مواقف واليوم في لبنان رجال المواقف قلة، بل هم عملة صعبة يندر وجودها في زمن المصالح الذاتية والتقاتل المذهبي ورفض الآخر والانغلاق وتغليب منطق القوة على منطق العقل والفكر والإيمان. إن سماحة العلامة المرجع السيد علي الأمين المعروف بجرأته وسعة ثقافته وصلابة مواقفه وإيمانه الراسخ هو من الرموز الوطنية والدينية والعلمية الكبيرة التي يفاخر بها كل لبناني سيادي يؤمن بالتعايش والسلم وبشرعة حقوق الإنسان والانفتاح. سماحته ضحى وأعطى دون حساب وتحمل الصعاب بفرح وصبر بكبرياء وشموخ على كل أنواع الاضطهاد التي تعرض ولا يزال يتعرض لها بسبب تعلقه بلبنان الدولة والقانون والهوية والحضارة والتعايش. لقد كان لنا شرف إجراء هذه المقابلة مع سماحته أما أجوبته فجاءت مباشرة وصريحة وشفافة وفي منتهى الجرأة، وفيما يلي تفاصيل الحوار:

 

سؤال: ما هو تعليق سماحتكم على قول غبطة البطريرك صفير الصريح والمباشر: "في لبنان هناك جيشا نظامياً وجيشاً غير نظامي، ويجب أن يأتلف الجيشان، فما من بلد آخر فيه جيشان، جيش للدولة وجيش لغير الدولة"، و"هل من المعقول أن يكون هناك جيش غير شرعي يدير سلاحه مرة إلى الداخل ومرة إلى العدو؟"؟

جواب: لقد عبّر غبطة البطرك في موقفه هذا عن عموم اللبنانيين وإرادتهم في قيام دولة المؤسسات والقانون التي تنحصر فيها مرجعيّة الأمن والسّلم والحرب كما هو الحال في كلّ دول العالم خصوصاً وأن هذا السلاح قد استعمل في الداخل اللبناني ضدّ لبنانيين آخرين ولا توجد ضمانات من عدم تكرار تلك الحوادث ولذلك لا بدّ من جعل ضوابط لهذا السّلاح بإشراف الدّولة اللبنانيّة.

 

سؤال: ما هو موقف سماحتكم مما شهده مجلس النواب خلال جلسات مناقشة البيان الوزاري لجهة البند السادس من البيان الذي أقر بكيان مستقل لحزب الله عن الدولة وشرعن دويلته وسلاحه؟

جواب: لقد كشفت معظم المناقشات أنّ الرفض للبند السادس ليس رفضاً لفئة خاصّة وإنما هو رفض وطني وشعبي لبقاء السّلاح خارجاً عن سلطان الدولة اللبنانية ولكن في ظلّ الأوضاع المفروضة لا يمكن أن تفرض الدولة وجهة نظرها على أرض الواقع.

 

سؤال: هل تتوقع أن تتمكن الحكومة الجديدة من القيام بواجباتها وهي كما يعلم الجميع جاءت بنتيجة تسوية إقليمية وليست متجانسة بأعضائها الذين ما يفرق بينهم أكثر مما يجمع؟

جواب: من المستبعد أن تتمكّن الحكومة الجديدة من تحقيق برامجها الاقتصادية والسياسيّة والأمنيّة كما أشارت إلى ذلك التجارب الماضية مع بقاء الأمل في أن تكون بعض الأطراف في الأقليّة تريد طيّ المرحلة السابقة والبدء بمرحلة جديدة.

 

سؤال: ما هو تفسيركم للإستنابات القضائية السورية التي استهدفت شخصيات لبنانية وازنة معظمها مقرب من الرئيس الحريري، وهل هي دليل ايجابي أم سلبي لما يحكى عن علاقات ندية بين البلدين؟

جواب: في ظلّ الأجواء الإيجابيّة التي أشاعها البيان الوزاري حول العلاقات الأخوية المتساوية بين سوريا ولبنان نرى أن هذه الإستنابات القضائية جاءت في غير التوقيت الصحيح.

 

سؤال: يرد استمرار ذكر وصايا الشيخ محمد مهدي شمس الدين حول الطائفة الشيعية ولبنان، فهل بالإمكان إلقاء الضوء على هذه الوصايا المهمة؟

جواب:  لقد كانت هذه الوصايا نتيجة تجارب عديدة مرّت على الساحة اللبنانية وكانت نتيجة حوارات وأفكار متنوّعة وآراء مختلفة تمّ تبادلها مع الشيخ شمس الدين وقد شاركت شخصياً في بعضها في مرحلة الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي خصوصاً في مرحلة الصراع الدموي الذي وقع بين حركة أمل وحزب الله. وهذه الوصايا تشكّل مجموعة من التعاليم النافعة للطائفة الشيعية خصوصاً القوى الحزبيّة فيها في لبنان وغيره. ويبدو أن الشيخ شمس الدين رحمه الله لم يتمكّن أن يظهر هذه المواقف والتعاليم بالشكل المؤثر داخل الطائفة الشيعية بعد اتفاق الطائف وبعد المصالحة التي وقعت بين حركة أمل وحزب الله في دمشق والتي تمّ على أساسها تخلّي حركة أمل عن الجنوب لصالح حزب الله وليس للدولة اللبنانية في تلك المرحلة وكان الشيخ على علاقة وطيدة بالثنائي الشيعي الذي لم تختلف سياسته اليوم عن الماضي وقد تمكنت تلك القوى الحزبيّة الشيعيّة من فرض تعاليمها ووجهة نظرها على الشارع الشيعي لإمساكهم بمراكز التوجيه الديني والتعبئة الثقافية والسياسية داخل الطائفة الشيعية وقد تخلّى المجلس الشيعي في تلك المرحلة ولا يزال عن هذا الدّور لصالح الأحزاب الّتي أصبحت أمراً واقعاً مفروضاً ولعلّه لبعض الأسباب الّتي ذكرناها وغيرها كتب الشيخ شمس الدين هذه الوصايا في أواخر حياته وأوصى بنشرها بعد وفاته.

 

سؤال: في رده قبل ثلاثة أشهر على غبطة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير قال السيد حسن نصرالله إن ولاية الفقيه هي من المعتقدات الشيعية العقائدية، فما هي الحقيقة الدينية في هذا القول من عدمه؟

جواب: لا يمكننا أن نضفي على مسألة ولاية الفقيه الصفة العقائدية فالأصول العقائدية المسماة أصول الدين عند الشيعة على المشهور عند علمائهم معروفة وهي خمسة: التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والإيمان بيوم القيامة وليست ولاية الفقيه واحداً من الخمسة.

وأما فروع الدين فقد أنهاها بعضهم إلى العشرة وهي العبادات الواجبة في الشريعة الإسلامية بالضرورة والمتفق عليها كالصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس دون الدخول في تفاصيلها غير المتفق عليها لوقوعها في دائرة الاجتهاد واختلاف الآراء فلا يجب الاعتقاد فيها ومسألة ولاية الفقيه ليست من الفروع التي يجب الاعتقاد بها بل هي مسألة فقهية فرعيّة يرفضها جماعة من العلماء اجتهاداً ويقبل بها آخرون كذلك وهذا ليس من صفات المسألة العقائدية لأن المسألة العقائدية كالتوحيد مثلاً لا يمكن أن يقبلها فريق ويرفضها آخر وكذلك مسألة الصلاة فلا يمكن أن يقول فريق بوجوبها وفريق آخر يقول بعدم وجوبها لأنها من المسائل الثابتة بالضرورة فلا يجوز الاختلاف فيها وهذه الصفة غير موجودة في مسألة ولاية الفقيه ولذلك لا تعتبر من المعتقدات الشيعيّة وبالأمس القريب خرج ملايين الشيعة الإيرانيين في طهران وغيرها من المدن الإيرانية يهتفون ضدّ ولاية الفقيه وهم لم يخرجوا بذلك عن عقيدة الشيعة وفيهم العلماء والفقهاء ورجال الدّين.

والمعروف أن مسألة ولاية الفقيه ظهرت على الساحة السياسية مع وصول الإمام الخميني إلى السلطة وبوصفه فقيهاً وعالماً من العلماء طرحت هذه الولاية من أجل إعطائه شيئاً من الصلاحيات الدينية الواسعة لإضفاء الشرعيّة الإلهيّة على الإمساك بالسلطة وحكم البلاد.

 

سؤال: هل نستنتج من شرحك المسهب هذا أن التزام حزب الله وأتباعه لولاية الفقيه يفقده الهوية اللبنانية؟

جواب: قلنا إن الهوية اللبنانية بمعنى الجنسية موجودة لدى الحزب وغير مشكوك بأمرها، إنما ارتباطه السياسي بولاية الفقيه هو المشكلة. نحن نعتقد أن الهوية السياسية يجب أن يكتسبها الإنسان اللبناني من وطنه ومن رؤية شعبه ومن خلال رؤية الدولة اللبنانية ومؤسساتها المنبثقة عن الشعب وعلى هذا الأساس يرسم سياسته. بينما نحن لا نرى بأن حزب الله يرسم سياسته من خلال تطلعات الشعب اللبناني وليس أيضاً من خلال المؤسسات التي انبثقت عن الشعب اللبناني وعن إرادته وخياراته الحرة وإنما يرسمها من خلال أيديولوجيّته الخاصّة به والمرتبطة بالخارج.

 

سؤال: كيف تقارنون وثيقة حزب الله الجديدة بوثيقته سنة 1985؟

الجواب: في الحقيقة إذا قارن القارئ بين هاتين الوثيقتين لا يجد أن هناك اختلافاً كثيراً في الجوهر والمضمون، قد يكون هناك اختلاف في الشكل والصياغة وزيادة بعض المفردات ولكن من حيث الجوهر الوثيقة السابقة كانت تعتبر لبنان ساحة جهاد وأرضاً ينطلقون منها لتحقيق أهداف الثورة الإسلامية العامة في المنطقة، وسابقاً كنا نرى أنهم يكتبون حزب الله الثورة الإسلامية في لبنان على أساس أنه جزء من الثورة الإسلامية العامة في العالم الإسلامي في المنطقة، الآن مثلاً يضعون بدل الثورة الإسلامية العامة "المقاومة "الإسلامية في لبنان"، لكن من حيث النظر إلى لبنان كما قلنا كساحة من ساحات الجهاد فهم لا يزالون يعتبرون لبنان هكذا، وكلمة وطن التي أضيفت في هذه الوثيقة الجديدة لا تغيّر شيئاً من نظرتهم إلى لبنان فالوطن في الحقيقة ليس قطعة أرض بل هو أرض وشعب ودولة، بينما نرى أنه في الوثيقة غير ذلك كونهم لا يزالون يعتبرونه ساحة جهاد لتحقيق مشروعهم ضد الاستكبار العالمي وضد العدو الإسرائيلي في المنطقة دون الرجوع إلى الدولة والشعب وهكذا.

 من هنا أنا كقارئ لم أجد أنه هنالك اختلافاً في الجوهر بين الوثيقة السابقة والوثيقة اللاحقة سوى في بعض الشكليات خصوصاً إلى ما يعود إلى موضوع اللبننة حيث يقول "بعضهم قال إن حزب الله بهذه الوثيقة أظهر لبنانيته". نحن لا نشك بأن الجنسية التي يحملها حزب الله وأفراده هي جنسية لبنانية لكن السياسة التي يعتمدها حزب الله هي ليست سياسة لبنانية. فعندما يعتبر من منظور عقائدي أن هذا الحزب هو تابع لولاية الفقيه وهو منظور عقائدي خاص به فبطبيعة الحال لا تكون سياسته لبنانية لأن ولاية الفقيه هي ليست مرجعية في الدين فقط وإنما هي ولاية على الدنيا أيضاً لأنها أصبحت تقود نظاماً سياسياً له مصالحه وطموحاته إلى بسط نفوذه خارج حدود دولته فأصبح الارتباط بولاية الفقيه ارتباطاً سياسياً بدولة ونظام فهي ترسم السياسة العامة أيضاً لأتباعها في المنطقة وللأحزاب المرتبطة بها. من هنا حزب الله يدخل إلى عالم السياسة اللبنانية ليس بمنظور لبناني. فالمنظور اللبناني عادة هو المنبثق عن الدولة ومؤسساتها التي بدورها انبثقت عن الشعب اللبناني واختياراته. بينما حزب الله لا يختار سياسته من خلال الواقع اللبناني وإنما من خلال الارتباط الخارجي.

 

سؤال: ما هو تفسيركم لقول السيد حسن نصرالله:" نحن قدمنا وثيقة سياسية ولم نعالج المسائل العقائدية أو الإيديولوجية أو الفكرية، أحب أن أكون صريحاً وواضحاً نحن موقفنا من مسألة ولاية الفقيه هو موقف فكري وعقائدي وديني وليس موقفاً سياسياً خاضعاً للمراجعة"؟ فهل بالإمكان كما يقول فصل المرجعية السياسية عن المرجعية الدينية والعقائدية؟

جواب: من الواضح أن الارتباط بولاية الفقيه ليس ارتباطاً دينياً فقط، فولاية الفقيه في إيران لم تعد مرجعية دينية فحسب وإنما هي سلطة ونظام حاكم له طموحاته وتطلعاته في المنطقة وليس فقط داخل إيران.

فليس الارتباط بولاية الفقيه على سبيل المثال كارتباط المسيحيين بحاضرة الفاتيكان كون الفاتيكان هي مرجعيّة روحية للمسيحيين ليس لها طموحات في لبنان أو في المنطقة العربية والعالم وهي تتعاطى مع المسيحيين في لبنان من خلال الدولة اللبنانية ومؤسساتها وهي لا تنشئ أحزاباً لها في الدول الأخرى ولا ترسل لهم أسلحة وصواريخ. بينما ولاية الفقيه كما قلت سابقاً قد أصبحت رأس السلطة ورأس النظام في إيران، لذلك ارتباط حزب الله بها هو ليس ارتباطاً دينياً فحسب خصوصاً في المنظور العقائدي الذي يلتزم به قولاً وفعلاً وهو يؤكد باستمرار بأن لا فصل بين الدين والسياسة في أدبياته ومفرداته السياسية، ويقول سياستنا عين عبادتنا، وعبادتنا عين سياستنا.

قادة الحزب يقولون إنّ لا فصل بين عالم الدين وعالم السياسة ولذلك لا يمكن أن نفهم من خلال هذا الكلام الذي قاله السيد نصرالله بأن هنالك فصلاً بين الارتباط الديني في ولاية الفقيه وبين الارتباط السياسي لأن معنى ولاية الفقيه هو معنى سياسي وليس ديني، ولو كان دينياً لكان آمن به كل الشيعة دون استثناء فيما بالواقع لا يؤمنون به كل الشيعة حتى أن معظم علماء الطائفة القدامى والمعاصرين لا يؤمنون بولاية الفقيه. إذا هذا المفهوم ليس دينياً وأبعاده السياسية هي أكثر من الدينية كما ذكرت ذلك آنفاً.

 

سؤال: سماحة المفتي إن وثيقة حزب الله تتحدث عن الدولة اللبنانية وعن دعم المؤسسات فيها، كما أن منظور الدولة موجود في وثيقته الجديدة بوضوح، ألا يعنى هذا أن الحزب يلتزم بالدولة ويرسم سياساته من خلالها؟

جواب: بمفهوم حزب الله الدولة هي تلك المقالة عن أعمالها والتي تعطيهم غطاءً دون أن يكون لها دور مؤثر وفعال.الدولة بمفهومهم هي غطاء لما يقومون به. يريدون الدولة فقط لتشريع سلاحهم ولإيجاد صيغة قانونية لهذا التشريع كي يستعملونها حجة أمام اللبنانيين وأمام العالم وليقولون من خلالها بأنهم ليسوا خارجين عن القانون ولا على الشرعية الدولية.

 

سؤال: بقراءة متأنية ومعمقة لوثيقة حزب الله الجديدة هل هناك ما يشير بوضوح إلى أن الحزب قد تخلى عن مشروع إقامة الدولة الإسلامية في لبنان؟

جواب: يمكن أن يقال أن الحزب تخلى عن هذا المشروع ولكن ليس الآن، فمنذ أن طرحه سنة 1985 واجه معارضة شديدة داخل الطائفة الشيعية فضلاً عن معارضة الطوائف الأخرى، وكانت هناك مواجهة حاسمة للمشروع داخل الطائفة الشيعية على المستويات كافة الدينية والشعبية والسياسية والحزبية، ومن خلال الوثائق التي كان أطلقها الإمام موسى الصدر في الماضي وكان في حينه لا يزال لها تأثير كبير على عموم أبناء الطائفة. كل هذه العوامل بينت أن المشروع لم يجد له الأرضية المناسبة عند الشعب اللبناني بكلّ طوائفه. من هنا أنا اعتقد نعم أنهم قد تخلوا عن مشروع إقامة الدولة الإسلامية في لبنان ولكن ليس من منظور عقائدي بل لأنهم وجدوا أن الأرض اللبنانية ليست صالحة له.

 

سؤال: في ظل هاتين العقيدتين أين هي الطائفة الشيعية في ظل حزب الله وهل هي مختصرة بهذا الحزب؟

جواب: بالحقيقة لا يوجد حزب يمكن أن يختزل طائفة أو ومذهب وحزب الله عملياً يمثل أنصاره وأتباعه كما هو الحال مع أي حزب لبناني آخر، ولا يمكن أيضاً أن يقال انه هو يمثل رؤية الطائفة الشيعية، ولكن بما أنه يمتلك الوسائل التي تتيح له الحضور على الساحة الشيعية وعلى الساحة اللبنانية من مال وسلاح وغيرهما فهو يمثل الطائفة على مستوى الدولة كأمر واقع، ولكنه بالحقيقة لا يمثل كل أراء الطائفة، ولو أتيح لأبناء الطائفة أن يظهروا الرأي الآخر الذي يخالفه لكان الحال يختلف كثيراً.

 

لماذا لا يتاح للطائفة الشيعية أن تُظهِّر الرأي الآخر؟

جواب: بسبب الهيمنة التي يفرضها حزب الله، ففي الجنوب والمناطق الأخرى حيث التواجد الشيعي لا يسمح الحزب للرأي الآخر بأن يظهر والدولة اللبنانية عاجزة عن أن تتبنى الذين يدافعون عنها من أبناء الطائفة. فنحن عندما كنا في الجنوب كنا ولا نزال نحمل مشروع الدولة الذي أطلقه الإمام الصدر وكنا نتبنى أمر بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، لكن للأسف الدولة هي عاجزة عن أن تحمي أتباعها وأنصارها في أماكن تواجد القوى الحزبية المهيمنة والتي تمتلك السلاح والسلطة.

 

هل ما تقوله أن حزب الله هو مؤسسة مستقلة عن الدولة اللبنانية والدولة عاجزة عن حماية مناصريها؟

جواب: هذا أمر واضح وتحديداً في الجنوب حيث أن القوى المسيطرة على المنطقة ليست هي الدولة اللبنانية الموجودة فقط في الشكل. فصحيح هناك قوى أمن ومخافر ومؤسسات ولكنها عمليا هي غير قادرة أن ترفع ظلماً عن المواطنين أو أن تجلب لهم نفعاً. إن المسيطر فعلاً على الأرض هي قوى الأمر الواقع الحزبيّة ولذلك جرى ما جرى معنا معنا شخصياً في مدينة صور حيث أن عشرات المسلحين احتلوا دار الإفتاء الجعفري وأخرجونا وأخرجوا معنا من كان فيها بقوة السلاح وهم لا يزالون حتى يومنا هذا يحتلون هذا المركز وفيه مكتبتنا ومستنداتنا وأغراضنا الشخصية وبعض الممتلكات ونحن ممنوعون من العودة إلى الجنوب والدولة عاجزة عن إرجاعنا أو حتى أن تعيد لنا حقوقنا.

هذا الفكر التسلطي المسلح ظهر جلياً في السابع من أيار السنة الماضية في غزوتي بيروت والجبل. نسأل ما الذي فعلته الدولة للمواطنين العزل في بيروت أو غير بيروت؟ بالواقع لم تفعل شيئاً. ونحن نتعجب من قول بعض المسؤولين بأنّ الناس تنعم بالأمن والاستقرار وكأنّ هذه الأحداث وقعت على كوكب آخر أو خارج لبنان !! خصوصاً وأن السلاح الذي ظهر في السابع من أيار لا يزال موجوداً بأيدي الميليشيات!

فهناك قوى أمر واقع مسلحة تسيطر حتى على الدولة اللبنانية، وحتى الإمكانات بكافة أشكالها التي تأتي للدولة هي مهيمن عليها حصرياً بما يخص الطائفة الشيعية من قبل الثنائي حزب الله وحركة أمل، وكل الإمكانات التي تصل للمواطنين يجب أن تمر عبر هذه القوى.

 مؤسف أن الدولة لم تتمكن من أن تبني علاقة مباشرة بينها وبين المواطن حتى يكون ولاؤه للدولة والوطن وإنما اقتطعت مواطنيها لهذه الأحزاب ولذلك المواطن هو مضطر أن يتعاطى معها حتى وإن كان مختلفاً معها في الرأي وهو لا يستطيع إظهار رأيه لعدم قدرة الدولة على حمايته.

 

سؤال: جاء في وثيقة حزب الله الجديدة أنه وحتى إلغاء الطائفية السياسة من خلال اللجنة التي ستشكل لهذه الغاية لا يستطيع أن يعيش لبنان إلا في ظل الديموقراطية التوافقية. برأيكم ما هي جدية ومصداقية هذا الطرح؟

جواب: اعتقد أن الهدف من طرح إلغاء الطائفية السياسة هو دعائي بحت وليس هو هدفاً حقيقياً. فمن الواضح أن الذين دعوا إلى هذا الأمر تحت شعار تطبيق الدستور كانوا هم أكثر الناس الذين خرجوا على الدستور وخالفوه. وقد رأينا كيف ألغيت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية وكيف عُطِل الانتخاب وأغلق المجلس النيابي وكلها كانت مخالفات دستورية هائلة أوصلت البلد إلى أحداث السابع من أيار وإلى سفك الدماء بالمجان وإلى إضعاف الدولة إن لم نقل إسقاطها. فمن هنا اعتقادي أن الغاية من الدعوة لإلغاء الطائفية السياسية هي التخلص من وصمة المذهبية التي وصم بها أصحاب هذا الطرح. فقبل الدعوة هذه كانت برزت سياسات مذهبية ضيقة أدت إلى 7 أيار وما بعده وهذه المسألة أدركها العالم العربي. فهناك صبغة مذهبية وصم بها أصحاب السابع من أيار وأدركها الوطن العربي وأيضاً الرأي العام اللبناني.

اعتقد أن البعض الذي يطرح  الآن إلغاء الطائفية السياسية يريد أن يتخلص من تلك الوصمة المذهبية والقول أنه ليس مذهبياً وإنما هو يريد إلغاء الطائفية السياسية وهو قد تخلص من الحالة المذهبية مع أن آثار الحالة المذهبية لا تزال موجودة وقائمة حتى يومنا هذا. لقد رفض هؤلاء الرأي الآخر داخل طائفتهم وهو الذي كان يحاول أن يبقي على جسور التواصل بين الطوائف اللبنانية فكيف يكونون صادقين في قبول الآخر من خارج طائفتهم؟!.

 

سؤال: هل هذا الرفض، رفض الرأي الآخر داخل الطائفة جاء على خلفية دينية ومذهبية أم على أسس سياسية؟

الجواب: لقد جاء على خلفية مذهبية صرفة حيث إنهم كانوا يقولون لقواعدهم الشعبية بأن (فلان) خرج عن الطائفة لأنه صلى خلف مفتي الجمهورية وزار البطرك صفير وشارك في 14 شباط وغيرها من الدعايات التي أطلقوها تبريراً للاصطفاف المذهبي الذي صنعوه داخل الطائفة الشيعية إمعانا منهم في قطع جسور التواصل بين الطوائف اللبنانية.

 

سؤال: ولكن أليس الرئيس نبيه بري هو من طرح إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية؟

جواب: صحيح، ولكن الرئيس بري كان مشاركاً في اجتياح بيروت في السابع من أيار السنة الماضية والاجتياح كانت دوافعه ومحركاته مذهبية صرف.ولو افترضنا أن الدوافع كانت سياسية فهي لا تبرر سفك الدّماء التي تفتح الأبواب على الحرب الأهلية والصراعات المذهبيّة.

 

سؤال: ألم يكن عنوان مشروع ما حدث في 7 أيار هو الوقوف في وجه من أرد الاستئثار بالسلطة؟ 

 جواب: عجيب هذا القول فهم تركوا السلطة (حركة أمل وحزب الله) ولم يخرجهم أحد منها، علماً أنه لم يكن هناك أي استئثار للسلطة من أحد. الثنائي أمل وحزب الله هما اللذين خرجا من السلطة بقرار منهما ولم يخرجهما أحد وكان الطرفان مشاركين فيها ولكنهم خرجوا منها لتعطيلها والانقلاب عليها.

 

سؤال: إن أمل وحزب الله، يمثلان 90% من أبناء الطائفية الشيعية وبالتالي ألا يعني خروجهما من الحكومة أن من بقي فيها بغياب ممثلي الطائفة الشيعية إنما هو يستأثر بالسلطة؟

جواب: يا سيدي هم الذين خرجوا من الحكومة ولم يخرجهم أحد. ولو أنهم فعلاً أُخرجوا لقلنا إن الحق على السلطة ولهم الحق في بعض ما فعلوه، ولكن الحقيقة أنهم وباختيارهم  خرجوا من الحكومة بسبب تداعيات معينة تتعلق بالمحكمة الدولية وغيرها، ومن ثم راحوا يدعون أن الحكومة هي غير وفاقية وغير ميثاقية وغير شرعية، ولما كنا نقول لهم عودوا إلى السلطة وعودوا إلى كنف الدولة كانوا يقولون لنا إن الدولة لا معنى لها، ولكن نراهم الآن يقاتلون من أجل المشاركة في الحكومة والسلطة. لذلك أنا اعتقد أنهم الآن غير جادين في الطرح ولا يريدون حقيقة إلغاء الطائفية السياسية وإنما يسعون أولاً من أجل الحفاظ على الأمر الواقع، وثانياً أن يخرجوا من الوصمة المذهبية وهي وصمة لم تقتصر بسبب ممارساتهم على الداخل اللبناني وإنما تعدته إلى الوضع العربي برمته. الآن يريد بعضهم أن يقول أنهم يريدون إلغاء الطائفية السياسية لأنهم غير مذهبيين وإنما وطنيون، مع أنهم هم من ارتكبوا المخالفات الدستورية التي حصلت في السابق ومنها تعطيل رئاسة الجمهورية وإغلاق المجلس النيابي والانسحاب من الحكومة واجتياح بيروت وغيرها الكثير من التصرفات غير القانونية وغير الدستورية. من هنا فإن دعوة من دأب على مخالفة الدستور إلى الإدعاء أنه الآن يريد إلغاء الطائفية التزاماً منه بالدستور يذكرني بقول أحد الشعراء:

"تعصي الإله وأنت تظهر حبه     هذا لعمري في الفعال بديعُ

لو كان حبك صادقاً لأطعته       إن المحبَ لمن أحبَ مطيعُ ".

أنا أتعجب من بعض النواب الذين يروجون بأنهم يريدون التقيد بالدستور وكأنهم فعلاً أعطوا النموذج المثالي في تطبيق الدستور في السنوات الماضية. هل نسي هؤلاء أن الدستور ومنذ اتفاق الطائف يقول يجب أن تحل الميليشيات وكانت المكافأة لحل الميليشيات هي إدخال قياداتها في السلطة، فدخلوا في السلطة وأبقوا على الميليشيات أي أنهم اخذوا الإثنين معاً ولنا في غزوة السابع من أيار خير مثال على هذا الأمر. السؤال إذا أي التزام وأي تقيد بالدستور يتحدثون عنهما الآن.

نحن مع إلغاء الطائفية السياسية ولكن هناك مساراً طويلاً لبلوغ هذا الهدف علينا أن نسير به خطوة خطوة وأول هذه الخطوات ضرورة إيجاد الدولة العادلة والقوية التي بإمكانها أن تضمن حقوق الناس كلها بمختلف طوائفها، وعندئذ يمكننا طرح موضوع إلغاء الطائفية السياسية، علماً أننا لا نزال في بداية المسار ولم تخطو خطوة واحدة إلى الأمام حتى الآن، وقد كشف لنا اجتياح بيروت في السابع من أيار 2008 أنه لا توجد بعد دولة قادرة على حماية أمن المواطن وصون حقوقه.

 

سؤال: هل تعتقد أن القيادات السياسية اللبنانية فعلاً تريد إلغاء الطائفية السياسية، وهل هم حقيقة جادون في طرح موضوع تشكيل الهيئة الوطنية التي سيناط بها هذا الأمر؟

جواب: ممكن أن نقول أنهم يريدون ذلك، ولكن ما أراه حقيقة أنهم يريدون أن يحافظوا بأي شكل من الأشكال على الواقع الحالي الشاذ كونهم أكثر الناس استفادة منه، وقد أعطوه عنواناً براقاً هو الديموقراطية التوافقية التي تعني بمفهومهم إلغاء منطق الأكثرية. هم يطرحون ما يطرحونه من أجل أن يقول الآخرون لهم دعونا نبقى على ما نحن عليه اليوم. وطبقاً لمفهومهم للديموقراطية التوافقية لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية دون موافقتهم، ولا يمكن الإتيان برئيس للوزراء دون رضاهم وشروطهم، وبالطبع هم مسيطرون على المجلس النيابي وبالتالي فهم يهيمنون على كل مفاصل الدولة، فلماذا إذا يريدون تغيير الوضع الحالي القائم!!.

 

سؤال: يبدو وكأن هناك فرض للديموقراطية التوافقية بعد السابع من أيار، وتبين الوقائع على الأرض أنه تم تكريسها في اتفاق الدوحة، فهل لبنان يحكم حالياً في ظل هذا الاتفاق؟

جواب: لقد طرحت الديموقراطية التوافقية في السابق وحاول البعض إعطائها الصفة الدستورية والقول بأنها جزء من اتفاق الطائف، إلا أنها لم تصبح واقعاً معاشاً ومفروضاً إلا بعد أحداث السابع من أيار.

ففي اتفاق الطائف تم التوافق على الديموقراطية وليس على الديموقراطية التوافقية والفرق كبير وجوهري بين المفهومين، هذا وكنت ناقشت بعضهم على ما أذكر قبل سنوات في مفهوم هذه الفكرة لأن ما تم الاتفاق عليه في الطائف هو التوافق على النظام الديموقراطي في لبنان، أي التوافق على الديموقراطية وليس على الديموقراطية التوافقية.

 

سؤال: برأيكم ما هو تفسيرهم ومفهومهم للديموقراطية التوافقيه هذه؟

جواب: هم يقولون أنها تعني أن انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة لا يتمان من خلال منطق وآلية الأكثرية، بل من خلال التوافق. المفارقة اللافتة هنا أنهم كيف يقبلون أن يأتي نوابهم بمنطق الأكثرية ويرفضون نفس المنطق في الحكومة ورئاسة الجمهورية وسائر المؤسسات.

 

سؤال: ما هو مصير هذه الديموقراطية التوافقية التي تفرض على اللبنانيين بالقوة؟

جواب: مصيرها عدم الدوام لأنها سوف تتسبب بتراكمات داخلية كثيرة ستؤدي حتماً في نهاية المطاف إلى الانفجار. يا أخي ما يمكنك فرضه عليّ اليوم قد لا يكون بمقدورك أن تفرضه عليّ غداً أو بعد غد وعندها بالتأكيد تحصل المواجهة ومعها الكوارث. إن مفهوم الديموقراطية التوافقية عند المصرين عليها وعند الذين يطالبون بإلغاء الطائفية السياسية الآن هو فرض الأمر الواقع الحالي على الأرض والعمل بكل الوسائل على استمراريته لأنهم مستفيدون منه ومن غياب الدولة ومن تهميش دور مؤسساتها. فعند الطائفة الشيعية ما هي أهداف المصرين على الديموقراطية التوافقية بالقوة؟ ببساطة هي فرض قوى الأمر الواقع النوابَ التي تريد ومنع الدولة من حماية  كل معارضيهم من ممارسة حقوقهم في الترشح والاقتراع، وبالتالي الحؤول بالقوة دون وصول غير أتباعهم وأزلامهم إلى البرلمان.

 شيعياً هذا الواقع يعني أن الثنائي امل وحزب الله قد فرضا تمثيلهما للطائفة الشيعية في السلطة التشريعية وبالتالي كما كان الحال مع الحكومة الجديدة فلن تتشكل أي حكومة من الآن وصاعداً دون الرضوخ لشروط واملاءات هذا الثنائي. وهذا الشيء كما يدرك الجميع ليس أمراً دستورياً لأن من يحكم يجب أن تكون لديه الحرية في أن يأتي بأفراد من كل الشرائح اللبنانية للمشاركة في الحكم، أما إن بقيت على ما هي عليه شيعياً فسوف يحصر تمثيل الطائفة على الثنائي ويحرم كل الباقين من ممارسة حقوقهم في الوصول إلى السلطة التشريعيّة والتنفيذية بل وسائر مؤسسات الدولة إلاّ إذا كان حزبياً تابعاً لهم.

 

سؤال: هل هذا الواقع المفروض يعني أننا نعيش في ظل اتفاق الدوحة؟ وماذا عن الطائف أين أصبح؟

جواب: الطائف حقيقة وعملياً لم ينفذ، وحتى الآن تنفيذه هو شكلي فقط.

 

سؤال: هل اتفاق الدوحة جاء لينسف ويلغي الطائف؟

جواب: اتفاق الدوحة فُرض ليكرِّس هذا الواقع الميليشياوي اللادستوري واللاشرعي على الأرض ويمنع تنفيذ الطائف الذي نص على حل كل الميليشيات دون استثناء وفرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواها الذاتية والإلتزام باتفاقية الهدنة مع إسرائيل. فهذه البنود الأساسية التي تضمن حق الدولة وحقوق الشرائح اللبنانية المتنوعة لم تنفذ إلى يومنا هذا.

 

سؤال: إذا أين هو مبدأ المناصفة، ودور النظام البرلماني الأكثري، ودور مؤسسات الدولة في وسط هذا الوضع المرتبك والفوضوي؟

جواب: قوى الأمر الواقع ألغت بالقوة النظام البرلماني الأكثري وفرضت وأيضاً بالقوة مبدأ الديموقراطية التوافقية كما يناسبها وكما يخدم استمرارية هيمنتها على الأرض والدولة معاً، وبالتالي لا احترام ولا دور لمؤسسات الدولة والدولة لا يمكنها فرض تطبيق الدستور والقانون عليهم. إنه وفي ظل هكذا وضع لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية أو تعيين رئيس لتشكيل الحكومة دون مفهومهم للديموقراطية التوافقية. لقد ألغوا بالقوة النظام البرلماني الأكثري وعطلوا الدستور ولذلك لا تبقى قيمة عملياً للمناصفة.

 

هل عملياً دخلنا في مبدأ المثالثة وليس المناصفة دون الإعلان رسمياً عن هذا الأمر الخطير؟

جواب: بالتأكيد المثالثة مطبقة عملياً وواقعياً، ولكن دون توازن لأن هناك ثلث له الأرجحية وهو الثلث الممثل بالثنائي أمل وحزب الله.

 

هل تحول هذا الأمر الواقع، أي المثالثة إلى عرف ودستور؟

جواب: يمكننا القول أن هناك مناصفة في الحكم، ولكن النصف الأول هو لكل الطوائف مجتمعة، بينما النصف الآخر هو فقط للثنائي الشيعي أمل وحزب الله. هذا واقع محزن ولكنه حقيقة معاشة للأسف. أو أقله قد نقول هناك ثلث راجح وفي الحالتين التوازن مفقود والأرجحية للثنائي. هذا الواقع المحزن ظاهر جلياً في الفوضى وفي غياب الدولة وتغييب مؤسساتها وبوجود سلاح غير سلاح الدولة يخيف الناس ويرعبهم، وسلطة أمنية وعسكرية غير سلطة الدولة.

 

البعض يسأل متى أخافكم هذا السلاح؟

جواب: أنا أقول إن هذا السلاح يخيفنا في الجنوب، فهو أرعبني وأخرجني من بيتي ومنعني بالقوة من ممارسة واجباتي ومسؤولياتي وهجرني داخل وطني. وأنا خائف من هذا السلاح على شعبي ووطني لأنه قد يدخلنا في حروب غير متكافئة كما حصل في حرب تموز ودفع لبنان كلّه ثمن الحرب. إن أي سلاح خارج سلطة الدولة يخيفني ويخيف المواطنين كافة. نحن لا نطمئن إلا لسلاح الدولة الشرعي وسلاح حزب الله يجب أن يكون تحت سلطة الدولة وبأمرتها. لا نقول بنزعه الآن بل أن يكون له ضوابط بظل وإشراف الدولة اللبنانية.

 

وثيقة حزب الله طالبت بتزاوج الجيش والمقاومة كون إسرائيل بمفهوم الحزب هي تهديداً دائما. علماً أن الوثيقة لم تحدد لا زمنا ولا إطاراً لتسليم السلاح للدولة بل طرحت مبدأ جيش يحمي ومقاومة تدافع  وتحرر. كيف قرأت هذا الطرح التزاوجي الذي عارضة فريق كبير من اللبنانيين كما أظهرت كلمات العديد من النواب في المجلس النيابي خلال مناقشة بيان الحكومي؟

جواب: هم يعتبرون الجيش كقوى الأمن الداخلي وأنه ليس له علاقة بالدفاع. هكذا تعاملوا معه في أحداث كثيرة سابقة الكل يعرفها وكانت كارثية. يا أخي إن مبدأ التزاوج يعني ببساطة إلغاء الدولة ويقول علناً إن سلاح حزب الله سيبقى طالما بقي الخطر الإسرائيلي على لبنان.هل هذا الخطر هو على لبنان فقط؟ بالطبع لا فهو خطر على كل الدول العربية ولكن لا توجد في أي من هذه الدول مقاومة لديها دويلة وسلاح وميليشيات وتتحكم بقرار الحرب والسلم وتهيمن على الدولة وتمنعها من ممارسة مسؤولياتها. هذا أمر مناقض لكل مفاهيم الدولة والعدل والنظام والقانون ويجب أن ينتهي وأن تترك الأمور الدفاعية والإستراتجية للدولة كما هو الحال في كل الدول العربية وكل دول العالم. لقد لفتني في الوثيقة الإدعاء بأن المقاومة هي شعبية!! عجيب، فهل هذه المقاومة هي شعبية؟ فلو فعلاً كانت شعبية لكانت عناصرها وقياداتها من كل أبناء الشعب اللبناني وتتمتع بتأييد كل اللبنانيين. كلاّ ليست مقاومة شعبيّة إنها مقاومة حزبية وليست حتى لطائفة أو لمذهب، إنها مقاومة لحزب خاص هو أنشأها وهو يديرها ويتحكم بها. من هنا فهي ليست مقاومة الشعب اللبناني. إن منطق المزاوجة يذكرنا بالماضي حيث لم يكن حزب الله مؤمناً بمشروع الدولة ولا بسلطتها وولايتها على شعبها وأرضها وإنما الولايه له وهذا المنطق عملياً لا يزال على حاله لدى الحزب ولم يتغير.

 

سؤال: في ظل هذا الطرح التزاوجي لحزب الله بين الجيش والمقاومة ما هو مصير طاولة الحوار وأي استراتجية دفاعية يمكن ان يتفق عليها اللبنانيون ولا تلغي الدولة وتبقي على الدويلة؟

جواب: الإستراتجية الدفاعية في كل دول العالم هي من مسؤولية وزارات الدفاع وقيادات الأركان فيها. أما طاولة حوار وطني لوضع استراتجية دفاعية فهذا أمر جديد لم يحدث ولا في أي دولة من دول العالم لا حاضراً ولا ماضياً. بالله عليك كيف يعقل أن يقرر أناس استراتجية دفاعية وهم  ليسوا عسكريين ولا متخصصين في الشأن العسكري؟ الأمر برمته هو لتقطيع الوقت ليس إلا.

 

سؤال: ولكن حزب الله لديه تخصص وخبرة في الدفاع؟

جواب: بالتأكيد فقد شاهدنا هذا التخصص بالدفاع عن لبنان في حرب تموز سنة 2006.

 

سؤال: ألم يدافع حزب الله عن لبنان خلال تلك الحرب؟

جواب: عن أي دفاع تتكلم ومليون جنوبي هجروا وعشرات القرى دمرت إن لم نقل أكثر و4000 مواطن سقطوا بين قتيل وجريح ودمرت البنى التحتية وتطول قائمة الخسائر، فأين هو هذا الدفاع الذي لم يستطع وقف تهجير مئات الألوف وتدمير مئات القرى؟!

 

سؤال: ولكن هم يقولون إن إسرائيل تقهقرت؟

جواب: تقهقرت!! فلو كانت تقهقرت فعلاً لكانت أزيلت من الوجود. نحن قلنا أنه كان هناك صمود وفدائية واستعداد للتضحية، أما ادعائهم أنهم دافعوا عن لبنان في حين أن كل لبنان كان ساحة لآلة الحرب الإسرائيلية فهذا أمر مجاف للواقع. نسأل ماذا تمكن حزب الله من فعله بالمقابل؟ وواضح أنها لم تكن حرباً متكافئة وأهلنا في الجنوب دفعوا أثماناً باهظة جداً وكلنا يعرف ذلك، ونحن كان خلافنا على هذا الأمر لأننا لا نريد أن يبقى الجنوب ساحة حرب بعيداً عن أحضان الدولة اللبنانية.

 

سؤال: هل يكفي اليوم أن يكون هناك توازن رعب بين لبنان وإسرائيل كوننا لا نستطيع أن نصل إلى توازن عسكري بين الدولتين؟

جواب: هذه مفردات، مجرد مفردات مفرغة من أي معنى ومصداقية ويراد من خلالها إعطاء بعض الدعم المعنوي لحزب الله ليس إلا. أي توازن هذا وإسرائيل عندها القوة العسكرية المعدة لمواجهة ليس لبنان فقط بل كل الدول العربية مجتمعة؟ من هنا فإن عنوان الستراتجية الدفاعية الذي يرفعه حزب الله هو فقط لتقطيع الوقت ولمنع اللبنانيين من بحث أمر ومصير سلاحه والقول بأن طاولة الحوار هي المكان الصحيح لهذا الشأن. طاولة الحوار لم تنتج شيئاً في الماضي ولن تنتج أي شيء لا حاضراً ولا مستقبلاً وحزب الله يستعملها لإعطاء سلاحه ودويلته الشرعية من قبل أركان الدولة اللبنانية.

 

سؤال: ألا ترى أن هناك انفصالاً داخل الدولة اللبنانية حول سلاح حزب الله؟

جواب: هذا صحيح ولكن حزب الله لن يتقيد بأي قرار للدولة لا يعجبه ويقول بدمج سلاحه مع سلاح الجيش، وبالتالي تعامله مع الدولة هو يقرره طبقاً للأوضاع التي يفرضها عليها للإبقاء على سلاحه خارج إطار مؤسساتها. هو اليوم القوي على الأرض وهو الذي يقرر الاستراتجية الدفاعية كما قرر أمر رئاسة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة وانتخاب النواب الذين يمثلون طائفتنا. القوي هو في وضع لبنان الحالي يقرر ويفرض وحزب الله هو القوي.

 

سؤال: في سياق آخر كيف تقيم اداء الأكثرية النيابية التي فازت في الانتخابات ولكنها لم تتمكن من ممارسة اكثريتها لا في مجلس النواب ولا في تشكيل الحكومة ولا في رئاسة الجمهورية؟

جواب: مما لا شك فيه أن الأداء تشوبه العيوب وذلك يعود لتعدد الأراء داخل تجمع 14 آذار، وقد ظهر هذا التعدد إلى العلن بعد أحداث السابع من أيار حيث خرج البعض من التجمع وأعاد ترتيب اصطفافه وتحالفاته، كما أن اتفاق الدوحة ألقى بظلاله وخصوصاً بعد تراجع الحكومة تحت قوة السلاح عن قرارات مهمة كانت أقرتها قبل السابع من أيار، وباعتقادي لا يزال تجمع 14 آذار يعاني من تعثر في اتخاذ القرارات التي توازي حجم تمثيله الشعبي الذي أعطاه أكثرية نيابية في الانتخابات الأخيرة. خطوات هذا التجمع لا تزال خجولة فهو لم يتمكن من التمدد إلى طوائف متعددة بسبب حصرية التمثيل الشعبي للطوائف الذي تفرضه قوى الأمر الواقع ولم يتمكّن أن يعيد الحكم على أساس الأكثرية النيابية وفاقاً للدستور.

 

سؤال: في خضم حالة الإرتباك والعجز التي تعاني منها 14 آذار بمواجهة إنفلاش وتمدد قوى الأمر الواقع، الوضع في البلد إلى أين؟

جواب: إلى التعثر المستمر وسوف نشهد هذا الأمر جلياً بكل تناقضاته وإشكالياته عندما تبدأ الحكومة بفتح ملفات التعينات والتشكيلات الأمنية والإدارية والدبلوماسية وغيرها، وكل هذا لأن البلد لا يزال يعيش في ظل ما فرضته قوى الأمر الواقع في اتفاق الدوحة. إن التغيير غير متوقع لهذا الحال المأزوم داخلياً إلا في حال حدوث متغيرات إقليمية تساعد في عودة الأوضاع في لبنان إلى طبيعتها اللهمّ إلاّ إذا غيّرت الأقليّة أو بعض أطرافها من أدائها السّابق الّذي أدّى إلى الشلل الحكومي وتعطيل المؤسسات.

 

في نهاية هذه المقابلة التي نشكركم عليها جزيل الشكر، هل سماحتكم متفائلون أم متشائمون، وهل سيعود لبنان الدولة والمؤسسات والتعايش إلى سابق عهده؟

جواب: بالتأكيد متفائلون بأن لبنان سينتصر في النهاية ونحن نثق بوعي وإدراك وعناد أبناء شعبنا اللبناني وإصراره على قيام دولة المؤسسات والقانون.

في النهاية لا يصح إلا الصحيح ونختم بقول الإمام علي: "من تعدَّى الحقّ ضاع مذهبُه. ومَن صارعَ الحقّ صَرعه."، وشكرا لكم.

 

انتهت المقابلة