الراعي لـ "المستقبل": تعطيل المؤسسات انقلاب على الدولة والشعب

تعطيل المؤسسات انقلاب على الدولة والشعب.

23 كانون الأول/10

 

 الراعي يرد على خامنئي: التعاطي مع المحكمة لا يتم بنفي وجودها بل باتباع أصولها القانونية من أجل خدمة العدالة

  رأى راعي الأبرشية المارونية لبلاد جبيل وتوابعها المطران بشارة الراعي، أن "تعطيل عمل المؤسسات الدستورية جرم بحق لبنان وشعبه وعلامة لعدم الولاء للدولة والوطن"، مؤكداً أن التعطيل "هو بحدّ ذاته انقلاب على الدولة وعلى شعبها وعلى الخير العام". وشدد في حديث الى "المستقبل" على أن "حكم المؤسسات وحده يعزز الاستقرار ويزيل الخطر، من دون انتظار إملاء الخارج عليهم بما ينبغي فعله"، معرباً عن اعتقاده بأن ملف شهود الزور يجب أن يحل عبر تكليف لجنة من القانونيين والقضائيين". ورد على موقف مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، معتبراً أن التعاطي معها لا يتم بـ"نفي وجودها، بل باتباع أصولها القانونية من أجل خدمة العدالة". ولفت الى أن البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله بطرس صفير على اتفاق تام مع الفاتيكان. وضميره يملي عليه كل ما يجب فعله من أجل خير لبنان والكنيسة".

وهنا الحوار :

[ كيف تنظرون الى حال المراوحة التي يعيشها لبنان حالياً نتيجة المواقف المتشنجة من قِبل فريق من اللبنانيين تحت شعار شهود الزور، هل يمكن الخروج من هذه الأزمة بحل يعيد الروح الى عمل المؤسسات الرسمية؟.

ـ المؤسسات الدستورية هي فوق كل اعتبار، لأن فيها ومن خلالها تُمارس السلطة السياسية تشريعاً ومساءلة ومحاسبة في مجلس النواب، وإجرائياً في مجلس الوزراء. بهذه الممارسة يتوفر الخير العام، وهو يشمل مجموعة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والثقافية والوطنية التي تمكّن الأشخاص والجماعات من تحقيق ذواتهم تحقيقاً أفضل؛ وبهذه الممارسة تجد السلطة السياسية مبّرر وجودها. فليس من المقبول أن يؤدي التشنّج السياسي الى تعطيل عمل المؤسسات الدستورية. فهو جرم بحق لبنان وشعبه. وعلامة لعدم الولاء للدولة وللوطن.

أما قضية "شهود الزور" فمسألة قضائية لا سياسية، بموجب الفصل بين السلطات التشريعية والإجرائية والقضائية. ولأنها مسألة قضائية، فيجب اتباع أصول المحاكمات المدنية التي يعرفها رجال القانون والقضاء، ويعرفون أيضاً، في ضوء القوانين والاجتهاد، من هي المحاكم المختصة ومن يحيلها عليها. فحيث يتوفّر النص، ينتفي الجدال. لذلك يجب تكليف لجنة من القانونيين والقضائيين لبتّ هذه المسألة.

[ بالأمس أعلن مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي موقفاً من المحكمة الدولية معتبراً إياها غير موجودة، كيف تفسرون هذا الموقف المستجد هل هو مجرد موقف سياسي لدولة ما من المحكمة أم هو إشارة لفريق في الداخل لرفع سقف تحركاته، وكيف سينعكس ذلك على اللبنانيين؟.

ـ هل يستطيع تصريح أي شخص كان أن ينفي وجود مؤسسات دولية، مثل "المحكمة الدولية"؟ المحكمة موجودة ولها قوانينها وهيكليتها، وككل أي محكمة محلية تخضع لأصول قانونية. وهل تستطيع دولة، تنتمي الى منظمة الأمم المتحدة، أن تنفي مؤسسات هذه المنظمة أو تلغيها أو تعتبرها غير موجودة؟ بل إن التعاطي مع أي محكمة، وبالتالي مع المحكمة الدولية، لا يتمّ بنفي وجودها، بل باتباع أصولها القانونية من أجل خدمة العدالة.

[ حذر البطريرك صفير من انقلاب يعده "حزب الله" على الحكم هل تشاطره هذه الرؤية وما هو مصير لبنان في حال حصل هذا الانقلاب وهل ما نشهده من تعطيل للمؤسسات مقدمة لهذا الانقلاب؟.

ـ عند السيد البطريرك قناعات ومعطيات أنا لا امتلكها. إن تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، أياً يكن المسؤول عنه، هو بحدّ ذاته انقلاب على الدولة وعلى شعبها وعلى الخير العام. هل يدرك المسؤولون السياسيون فداحة الخسارة التي تلحق بلبنان كدولة عليها أن تنظم الحياة العامة في مقتضياتها اليومية، ونشاطها الداخلي، إدارة وأجهزة ومخططات ومشاريع في ميادين الاقتصاد والاجتماع والسياحة والثقافة والإنماء والتشريعات الملائمة، ونشاطها الخارجي مع الدول، اقتصادياً وتجارة ومصالح مشتركة وعملاً في سبيل السلام والأمن والاستقرار؟ أليس تعطيل كل هذه الأمور انقلاباً حقيقياً على الدولة ومؤسساتها الدستورية؟ ألا يدخل هذا الأمر في مفهوم الخيانة العظمى؟

[ ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الرؤساء الثلاثة في درء خطر الحرب عن لبنان وتعزيز الاستقرار، ما هو المطلوب منهم في ظل هذه الأزمة؟. هل جلسات الحوار التي يدعو اليها الرئيس ميشال سليمان هي الحل، وهل العودة للمؤسسات هي الحل كما يطالب الرئيس سعد الحريري، أم هو حوار الـ س.س. كما يقول الرئيس نبيه بري؟.

ـ المطلوب من الرؤساء تحمّل مسؤولياتهم الدستورية، وتحريك عمل المؤسسات التي يرأسونها، لأن حكم المؤسسات وحده يعزز الاستقرار ويزيل الخطر، من دون انتظار إملاء الخارج عليهم بما ينبغي فعله. الأزمة الكبيرة التي تشلّ البلاد تحتاج الى رجالات دولة كبار، وهذا هو المطلوب منهم اليوم.

الحوار أنفع وأجدى من اللاحوار والمقاطعة والممانعة. لكن المكان الطبيعي والأفضل للحوار الوطني حول أزماتنا هو مجلس النواب ومجلس الوزراء. ذلك أن عمل هاتين المؤسستين هو الحلّ. مشكور حوار الـ س.س، لأنه يدخل في إطار الوساطة بين السنّة والشيعة في لبنان، والمتمثلين بـ14 و8 آذار، لكي لا يؤدي خلافهما السياسي الى نزاع مسلّح، ولكي يصلا الى صيغة توافق. لكننا نأمل أن يأتي التوافق لمصلحة لبنان وشعبه بكل أطيافه.\

[ البعض يعتبر أن بكركي ليست على الحياد وهي تدعم طرفاً سياسياً، وأن الرد على كلام البطريرك السياسي مسموح، وهو يعيد عدم تواصله مع صفير الى عدم وجود كيمياء مشتركة، هل يمكن لبكركي أن تلعب دورها طالما هناك مثل هذه النظرة، وهل بكركي منحازة فعلاً لفريق ضد آخر؟.

ـ بكركي تدعم كل مسعى يؤول الى إخراج لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. بكركي التي يعنيها أولاً وآخراً لبنان، السيد والمستقل والحرّ، ويعنيها خير جميع اللبنانيين دونما تمييز، وتعنيها صيغة لبنان وفقاً لميثاق العيش معاً بالمساواة في الحقوق والواجبات، وبالمشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة، وبروح التضامن والترابط والإخاء، هي على مسافة واحدة من الجميع، وتلتقي مع كل الذين تتوافق أعمالهم ومواقفهم وجهودهم مع هذه الثوابت التي تعني بكركي. السؤال الذي يجب طرحه دائماً هو التالي: من مع بكركي؟ لا العكس: بكركي مع من؟ ولذلك من كان حقاً بالقول والفعل مع لبنان هو مع بكركي. بكركي، بما تمثّل، شكلت على مجرى القرون، مرجعية وطنية ذات ثوابت كانت كلها لخير لبنان وكل اللبنانيين.

[ أين أصبحت المصالحة المسيحية ـ المسيحية؟ وهل من جديد في هذا الإطار بعد عقد "اللقاء المسيحي" في بكركي؟.

ـ الخلاف المسيحي ـ المسيحي ليس حول الجوهر. فكل القيادات متفقة على الثوابت الوطنية التي أعلنتها البطريركية المارونية، والتي تضمنتها "شرعة العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان". بل الخلاف حول الخيار الاستراتيجي الذي يضمن بقاء هذه الثوابت ودور المسيحيين السياسي والوطني في لبنان من أجل حماية خصوصية لبنان حيال العالم العربي والأسرة الدولية. ثمة فريق رأى أن الخيار الأفضل هو التحالف مع السنّة، وفريق ثانٍ التحالف مع الشيعة. لكن هذا الخيار أدخل لبنان في محور اقليمي ودولي يرتبط بأحلاف خارجية تخوض صراع مصالح ونفوذ على أرض لبنان وعلى حسابه. وثمة فريق أكثري صامت يرى أن الخيار الأفضل لحماية لبنان وخصوصيته هو التحالف مع المسلمين، سنّة وشيعة، على أساس المواطنة الملتزمة والمصير المشترك. على هذا الأساس تتم المصالحة المسيحية ـ المسيحية، بل مصالحة كل اللبنانيين. هذا الأمر يقتضي حسن النوايا والتجرد من المصالح الشخصية والفئوية من أجل الخير العام.

[ هل احتمالات الحرب في لبنان واردة برأيكم؟ وكيف يمكن لنا أن نتلافى التصعيد؟ هل يتم ذلك على حساب العدالة للشهداء؟.

ـ من له مصلحة في الحرب؟ وهل الحروب التي عشناها من سنة 1975 حتى اليوم توصّلت الى حلّ ما، أم فقط الى الخراب والدمار وتقهقر لبنان وهجرة أبنائه؟ مجرم من يفكّر بأن الحرب أو النزاع المسلح هو الحلّ. كل الدول الشرق الأوسط سائرة نحو الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي. أين لبنان من هذا السعي؟ لقد سئم الشعب اللبناني لغة الحديد والنار، لغة الحقد والبغض، لغة التصعيد والوعيد. نحمد الله على أن هذه اللغة ليست لغة المؤسسات الدستورية ورؤسائها. كما ليست لغة الشعب اللبناني المحب للسلام والتآخي والاستقرار.

[ كيف تنظرون الى التسريبات الإسرائيلية في موضوع المحكمة، وفي تهديد "حزب الله"، وماذا عن دور الدول المحيطة في لجم التدهور ما بعد القرار الاتهامي؟ هل تجدون تغييراً في السياسية السورية تجاه لبنان؟.

ـ من تراه يعرف مضمون القرار الاتهامي الذي سيصدر عن المحكمة الدولية؟ عندما يصدر هذا القرار يمكن الاعتراض عليه وفقاً لأصول المحاكمات التي تضمن حق الدفاع عن النفس بالسبل القانونية. أما التسريبات من هنا وهنالك فتدخل في إطار النوايا السيئة الكاذبة التي تتلاعب بأحاسيس الناس. القرار الاتهامي لا يُواجه بافتعال مشكلات أمنية وسياسية في لبنان والمنطقة، بل بالاعتراض القانوني عليه. نحن نأمل أن تتعامل سوريا ولبنان في كل ما يؤول لخير اللبلدين والاستقرار في المنطقة.

[ تردد أخيراً أن الفاتيكان طلب من صفير الاستقالة وقد جرى نفي هذا الموضوع إلا أن البعض في الكواليس ما زال يتحدث عن الأمر مبرراً رغباته في إحداث تغيير سياسي في موقف بكركي، هل من جديد في هذا الإطار؟.

ـ صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير على اتفاق تام مع الفاتيكان. وضميره يملي عليه كل ما يجب فعله من أجل خير لبنان والكنيسة.