عون لـ«الشرق الأوسط»: شيعة لبنان لا يريدون «ولاية الفقيه» وصفير «يستشرس» في الصدام معي!

تاريخ في: 2009-11-07

الشرق الأوسط

 

أعلن رئيس تكتل التغيير والإصلاح اللبناني، العماد ميشال عون، أن عملية تأليف الحكومة اللبنانية دخلت مراحلها الأخيرة، مشيرا إلى «ضرورة البحث في الشق السياسي وتوضيح أمور قبل تأليف الحكومة «لئلا تصبح لدينا حكومة تصريف أعمال قبل أن تنال الثقة».

 

وعزا، في حوار مع «الشرق الأوسط»، سبب تأخر ولادة الحكومة إلى أن «الجميع في الطرف الآخر أرادوا كسر العماد عون، ومحاولة تهميشه بإعطائه وزارات ثانوية»، ونفى وجود «فيتو» على تولي الوزير جبران باسيل وزارة الاتصالات مجددا، لكنه لمّح بوضوح إلى أنه لن يتولاها، معتبرا أنه من الجيد أن يضع باسيل خطة أخرى لوزارة أخرى بعد نجاحه في وزارة الاتصالات، ووضعه إياها على السكة.

 

وزاد قائلا: «لو نقّلناه بين الوزارات سنة فسنة لاستطاع جبران أن يصلح 3 وزارات وفقا للخطة التغييرية ـ الإصلاحية التي نعتمدها».

وسخر عون مما يقال إن باسيل كان يقف وراء تعثر محاولات التقدم في الحوار مع الرئيس المكلف، كما نفى ما قيل عن استيائه من تحرك الوزير سليمان فرنجية في مسألة التأليف، أو وجود فتور مع رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، معتبرا أن «نمط الحياة الاجتماعي بالنسبة إلينا قد يكون أقرب إلى الرئيس بري».

 

واعترف عون بوجود «نمط سياسي مع حزب الله يختلف عن نمطنا، واهتمامات أخرى في الأولويات»، مؤكدا أن التفاهم مع الحزب لا يزال كاملا، والوضع الأمني الذي استوجبه بالدرجة الأولى لا يزال قائما. فهو تفاهم أمني ـ دفاعي وفيه إصلاح.

 

ودافع عون عن سلاح حزب الله الموجود منذ 27 سنة، ولم يؤذِ أحدا في الداخل، مشيرا إلى سلاح آخر على الأرض اللبنانية «ارتكب مجازر ضد الجيش (فتح الإسلام) ولا يزال هذا السلاح يتسبب لنا في التفجيرات والضحايا، مثل تفجيرات طرابلس والمتن، إضافة إلى التفجير الأول الكبير، أي اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، معربا عن اعتقاده أن هذا الاغتيال نفذته «القاعدة».

 

وانتقد عون مسار التحقيق في الجريمة لأنه «لو كان مسار التحقيق القائم سليما لتوصلنا إلى نتيجة»، مبديا خشيته من أن «تكون هناك مؤشرات تم إهمالها».

وقال عون إنه لا يتخوف مطلقا من مشروع حزب الله ومشروع «ولاية الفقيه» الذي يتم التحذير منه، «لأن هناك عدة استحالات للوصول إلى مشروع ولاية الفقيه، أولاها أنه بصرف النظر عن معتقد البعض في حزب الله، فإن الشيعة في لبنان لا يريدون مشروع ولاية الفقيه. كما أن التكوين السكاني للبنان لا يسمح بذلك».

 

وأشار إلى أن هدفه الاستراتيجي عندما كان يقاوم سورية (في عقد التسعينات من القرن الماضي) «هو إنهاء الحالة الصدامية»، معتبرا أنه «لا يوجد شعور شخصي على مستوى الدولة، بل أحيانا تكون العلاقات بعد انتهاء الحرب أقوى بين المتخاصمين لأنهم عاشوا الحرب وتوصلوا إلى استنتاجات معينة».

وانتقد عون البطريرك الماروني نصر الله صفير بشدة، معتبرا، دون أن يسميه مباشرة، أن هناك استشراسا من قبل البطريرك في محاربته، وأنه تعامل عدائي معه، موضحا أنه لا يحاول أن يعرف سبب هذا الخلاف مع البطريرك.

 

وزاد قائلا: «أنا لا أستطيع أن أمشي وراء أناس يرون كابوسا في نومهم، ونكون مجبرين على أن نخاف معهم. أنا لا أرى كوابيس.. بل أحلم.. وأحلامي جميلة».

 

وفي ما يلي نص الحوار:

* أين أصبحت عملية تأليف الحكومة؟

ـ أعتقد أننا أصبحنا في المراحل النهائية، ونحن على وشك التأليف.

 

* هل نتحدث عن ساعات أم أيام أم أسابيع؟

ـ في نهاية هذا الأسبوع، كما أعتقد، إن لم يحدث طارئ ما.

 

* ما الذي جعل عملية التأليف بهذه الصعوبة؟

ـ في عملية التأليف هناك شق سياسي وشق تقني. توزيع الوزارات تقني، أما الشق السياسي فهو نمط التعامل ضمن الحكومة. وعندما يأتون إلى تأليف الحكومة بذهنية خصوم «يتناتشون» حول المواقع، تأخذ الأمور طابعا سيئا. يجب أن لا يغيب عن بال المرء خلال النقاش الجاري، أن الذين يتناقش معهم زملاء في الحكم، وهم لبنانيون مثله، وسيواجهون المشكلات نفسها. لكن ما يحصل هو أنه يتم التعامل معنا بذهنية هجومية، وكأننا خصوم نتبارز أمام الناخبين، ولا نعمل لخدمتهم. وهنا يحصل «التناتش» ويفقد تأليف الحكومة الصيغة الائتلافية. فهذه الصيغة هي ائتلاف فكري أيضا وليست تجمعا فقط. بالتأكيد هناك خلافات في وجهات النظر، لكن حتى هذه الخلافات يجب أن تدرس بذهنية البحث عن المصلحة العامة، وبسعي كل طرف لإقناع الآخر، لا بإقفال السبل أمامه. الجميع في الطرف الآخر أرادوا كسر العماد عون ومحاولة تهميشه بإعطائه وزارات ثانوية وهذا شيء سيئ. نحن قدمنا تضحيات كثيرة من أجل المشاركة لأن حجمنا التمثيلي أكبر مما أعطي لنا في الحكومة. الآن حصلنا على وزارتين أساسيتين، ووزارتين أقل من الوسط نراجع بشأنهما، ولم يعد هناك من مشكلة أساسية بعدما تخطينا مسألتي التوزيع والحقائب الأساسية وبقيت قضايا ثانوية.

وفي المقابل علينا أن نبدأ البحث في الشق السياسي، فهناك من يسعى دائما إلى العرقلة، وآخرها ما بدأ يقال عن عدم القبول بتجميد مسألة سلاح حزب الله في البيان الوزاري، وكأنهم يريدون نقل هذا الموضوع من طاولة الحوار إلى الحكومة، وأن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، يضغط علينا للمطالبة بحكومة تنزع سلاح الحزب وما إلى هناك. هذه الأمور كلها يجب أن توضّح قبل تأليف الحكومة لئلا تصبح لدينا حكومة تصريف أعمال قبل أن تنال الثقة.

 

* هل زال «الفيتو» عن وجود جبران باسيل في وزارة الاتصالات؟

ـ لا يوجد «فيتو».. التوزير مسؤوليتنا، لقد سببوا لنا إرباكا بوجود حقيبة.. ظاهريا لا توجد حرية للتصرف فيها. أنا أعتبر أن وزارة الاتصالات وضعت على السكة الصحيحة، وهناك مشاريع وضعت و«مدونة عمل» يجب على أي وزير من التيار (الوطني الحر) أن يعمل بموجبها لاستكمال ما أنجز فيها سواء بقي جبران فيها أم لم يبق. أرى أنه من الجميل أن يبقى جبران في هذه الوزارة لقطاف ما زرعه فيها، لكن من الجيد أيضا أن يضع خطة أخرى لوزارة أخرى. ولو نقّلناه بين الوزارات سنة فسنة لاستطاع جبران أن يصلح 3 وزارات وفقا للخطة التغييرية ـ الإصلاحية التي نعتمدها. منذ البداية، أعلنت توقفي عن الحوار عندما حاولوا وضع شروط علينا. من ناحية أخرى، أنا أفضّل أن تكون لدينا وزارة أخرى خدماتية غير الوزارات التقنية التي في حوزتنا الآن.

 

* إذا سلّمنا بأن أمور الحكومة قد سلكت درب التأليف، هل سنشهد أزمة بيان وزاري تستمر خمسة أشهر أخرى؟

ـ عندها يكون لدينا حكومة تحكم، قادرة على الاجتماع واتخاذ قرارات تتعلق بالإدارة المالية للبلاد، وهي إدارة مشلولة في الوقت الراهن، فأزمة الكهرباء المنتظرة في الصيف المقبل تأخرنا في بدء معالجتها بسبب عدم وجود حكومة.

 

* هل بحثتم مع الرئيس المكلف خلال هذه الجلسات المطولة التي عقدتموها في مستقبل التعاون؟

ـ بالتأكيد، بمجرد أننا جلسنا معا نكون قد بدأنا البحث في التعاون، وتبادلنا وجهات النظر. ليس المهم بالنسبة إلي ـ بعد خبرتي الطويلة ـ أن نقول اتفقنا بالكلام، بل أن يكون سلوكنا العملي متوافقا مع هذا الكلام، لأن ما تراه العين أصدق مما تسمعه الأذن، ويجب أن نرى ما نسمع. نستطيع القول إننا نريد الصعود إلى القمر، لكن بالنتيجة قد لا نكون قادرين على الصعود إلى سطح المنزل. لهذا أفضّل أن نقول إننا نريد صعود السطح أولا، ثم نفكر في ما يليه. في لبنان كثيرون يقولون إنهم يريدون الصعود إلى القمر، لكن بالنتيجة لا أحد منهم يستطيع أن يصعد إلا إلى السطح، هذا إذا كان «قبضاي».

 

* ماذا عن البيان الوزاري، كيف تنظرون إليه؟

ـ عندما نجلس إلى طاولة مجلس الوزراء سيكتب البيان الوزاري بلغة واضحة وأفكار رئيسية واضحة. وقد تكون هناك وجهات نظر مختلفة.

 

* يقال إن الوزير جبران باسيل هو من كان يعرقل الأمور في كل مرة يحصل فيها تقدم ما؟

ـ هذا غير صحيح، لأن من يفاوض باسمنا يحمل معه توجيهاتنا لإجراء التفاوض، ولكن الوزير باسيل يتعرض لحملة افتراءات مستمرة من بعض السياسيين وبعض الإعلاميين، وقد تعوّدنا عليها.

 

* قيل أيضا إنك مستاء من تحرك الوزير سليمان فرنجية في مسألة التأليف، كما جرى الحديث عن فتور مع رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، خصوصا مع غياب ممثليه عن الاجتماعات الأخيرة للمعارضة التي عقدت في منزلك؟

ـ لا يوجد مبرر لكل هذه الشائعات. لم يكن ممثل الرئيس بري موجودا في الاجتماع، لكن الوزير باسيل زاره لاحقا في مكتبه لإطلاعه على نتائج المشاورات. الوضع لدينا (المعارضة) مختلف عما هو لديهم (الموالاة) حيث هناك قائد للأوركسترا، والباقون يتلقون التعليمات. نحن نتناقش، وأحيانا تكون هناك وجهات نظر مختلفة نخضعها للنقاش ثم نخرج بقرار واحد، وعندما يصدر القرار يتوقف النقاش ويبدأ التنفيذ. المناقشة قبل القرار صحيحة، أما بعده فهي فوضى. يجب على المرء احترام العملية الديمقراطية داخل الجماعة، حيث يكون المرء أحيانا ضمن أقلية داخل المجموعة، وعليه أن يلتزم القرار، وإلا فلا قيمة للمجموعة، وإلا لغادر المجموعة كل من لم يكن مرتاحا لقرار ما، وفي نهاية المطاف لا يعود لدينا أحد.

* هل توصّف بكلامك هذا الوضع داخل المعارضة؟

ـ ليس داخل المعارضة، إنما داخل مجموعتنا (تكتل التغيير والإصلاح)، وإلا فلماذا نجتمع كل يوم أربعاء؟ نحن نطرح المواضيع ونناقشها بحماسة كبيرة أيضا.

 

* إلى أي مدى تقترب من الرئيس بري وتبتعد عنه، وأيهما أقرب إليك هو أم حزب الله؟

ـ لا يمكن أن تتفق مع أي شخص مائة في المائة، هناك جزء مشترك مع كل الأشخاص الذين ذكرتهم، وجزء مختلف. وأحيانا تكون هناك أرجحيات لمصلحة تفاهم ثنائي مقابل طرف ثالث. هذه حالة طبيعية. نمط الحياة الاجتماعي بالنسبة إلينا قد يكون أقرب إلى الرئيس بري، ومع الحزب هناك نمط مختلف. في كل شيء تجد نفسك أقرب إلى إنسان من الآخر. نحن لسنا مستنسخين، هناك اختلافات. لكن أهدافنا الاستراتيجية واحدة ونقاشنا هادئ ونتعاون للوصول إلى خلاصات. الاختلاف بيننا يغني الفكرة أو القرار ولا يسقطهما.

 

* علاقتكم بحزب الله هي أبرز ما تحاربون به. ما تعليقكم؟

ـ نعم بالأمس كانوا يعملون لتحرير الجامعة اليسوعية من حزب الله والشيعة (الانتخابات الطلابية). ولهذا وجهت الخطاب نحو الأصول لا الفروع.

 

* أين أصبحت علاقتكم مع حزب الله؟

ـ لا تزال كاملة.. لديهم نمط سياسي يختلف عن نمطنا، وضمن الاهتمامات الأولى لديهم اهتماماتهم، ولدينا اهتمامات أخرى. لكن الأمرين يكملان بعضهما. تفاهمنا مع الحزب بدأ انطلاقا من الخلافات التي يواجهها مجتمعنا. تفاهمنا على الحلول، لكننا لم نستطع أن نطبقها تماما. لكن هذا لا يعني أن نعود إلى نقطة الخلاف، بل نعتبره في حالة انتظار، لأن طرفا ثالثا يجب أن يدخل إليه، ونسعى لإيصال هذا الطرف إلى اقتناع بالدخول إليه. التفاهم لا يزال كاملا، والوضع الأمني الذي استوجبه بالدرجة الأولى لا يزال قائما. فهو تفاهم أمني ـ دفاعي وفيه إصلاح.

 

* كنت تسأل البطريرك عن سبب الخوف من سلاح الحزب؟

ـ نعم، هذا السلاح موجود منذ 27 سنة ولم يؤذِ أحدا في الداخل، وإذا نظرنا إلى الدور الإيجابي الذي لعبه في رد الاعتداءات وتحرير الأرض، لماذا أبقى متوهما الخوف منه؟ لقد ظهر سلاح آخر على الأرض اللبنانية ارتكب مجازر ضد الجيش (فتح الإسلام) ولا يزال يتسبب لنا في التفجيرات والضحايا، مثل تفجيرات طرابلس والمتن، وحتى التفجير الأول الكبير.

 

* تقصد اغتيال الرئيس الحريري؟

ـ نعم، أعتقد أنه عمل «القاعدة». لست مشرفا على التحقيق، لكن لو كان مسار التحقيق القائم سليما لتوصلنا إلى نتيجة. وما أخشاه هو أن تكون هناك مؤشرات أهملت.

 

* عن قصد؟

ـ المؤشرات الأولى للتحقيق الذي أجرته قوى الأمن الداخلي ثم القضاء، قبل أن يتدخل التحقيق الدولي، كانت واضحة على ما أعتقد.

 

* ألا يوجد لديكم مخاوف من مشروع حزب الله ومشروع «ولاية الفقيه» الذي يتم التحذير منه؟

ـ هناك استحالات عدة للوصول إلى مشروع ولاية الفقيه. الاستحالة الأولى هي أنه بصرف النظر عن معتقد البعض في حزب الله، فإن الشيعة في لبنان لا يريدون مشروع ولاية الفقيه. والاستحالة الثانية هي أن التكوين السكاني للبنان لا يسمح بذلك. أما الأمر الثالث فهو أن إنجازات هذا السلاح كانت كلها إيجابية.

 

* كلها؟

ـ هناك حادث جرى استغلاله وجرى تصويره على أنه عملية اغتيال.

* أتقصد قضية الطوافة التي أطلق عليها النار؟

ـ نعم، ما حصل نستطيع أن نصفه بأنه كارثة، وهو حادث كبير ومؤلم جدا بالنسبة إلى الأم والأب اللذين فقدا ابنهما (النقيب الطيار سامر حنا)، لكن لا يمكن اعتباره اغتيالا. إذ لم يكن هناك تعمد، فلا جريمة تنسب إلى جماعة. وقد دفعنا ثمن هذا الحادث في الانتخابات (في قضاء البترون حيث مسقط رأس النقيب حنا)، واستغل هذا الموضوع ضدنا في الانتخابات. أعتقد أن مجتمعنا في حاجة إلى توعية إذا لم يستطع التمييز بين الحادث والاغتيال، وإذا لم يستطع التمييز بين شخص دهسته السيارة في وسط الشارع وآخر لحقت به السيارة إلى الرصيف ودهسته. هذا أمر سيئ، لكنه في النهاية مجتمعنا، وعلينا أن نتعامل معه ونعالجه. وبالطبع هناك مستفيدون من هذه المغالطات لإثارة النعرات والغرائز البدائية عند الإنسان.

 

* ماذا عن 7 مايو (أيار) حين استخدم سلاح حزب الله في الداخل؟

ـ يتحدثون عن 7 أيار ولا يتحدثون عن 5 أيار (قرارا الحكومة باعتبار شبكة اتصالات حزب الله غير شرعية، وإقالة رئيس جهاز أمن المطار). يجب أن نتحدث عن 5 أيار إلى 11 أيار (نهاية الأحداث)، وكل من لا يتحدث عن التواريخ الثلاثة يكون منحازا، وكتاب التاريخ يجب أن يحكي عن هذه التواريخ مجتمعة.

 

* عندما قلت إنك توجهت بخطابك بعد انتخابات الجامعة اليسوعية إلى المصدر كنت تقصد البطريرك؟

ـ أنا أعتقد أن الكنيسة هي القيّمة على القيم المسيحية والقيم الإنسانية بالدرجة الأولى، لا على الوضع السياسي. عليها أن تشجع الانفتاح والحوار وكل ما يعزز الاستقرار في المجتمع بما يساعد على ازدهاره. تعامل المسؤولين في الكنيسة مع القضايا السياسية اليومية ويوميات الحكم أمر غير مسموح به دينيا في الأساس. والكنيسة بذلك تكون قد انحرفت عن موقعها الأساس. تستطيع الكنيسة أن تصعد في مواقفها نحو الأعلى، أي القيم المطلقة، لكنها لا تستطيع أن تنزل إلى الأسفل. نحن المدنيين المساكين نقبل بالتسويات ونجريها. وإذا عملت الكنيسة في اليوميات يحصل الانحراف. من غير المسموح لرجل الدين أن ينزل من موقعه، عليه أن يشد الناس إلى الأعلى.

 

* منذ قال البطريرك بعد الانتخابات النيابية عام 2005 إن «المسيحيين اختاروا زعيمهم»، وتحذيره في عام 2009 من أن انتصاركم هو انتصار لسورية وإيران، ما الذي جرى بينكما؟ هل هي العلاقة الشخصية أم الأداء السياسي؟

ـ لا أحاول أن أعرف. كل من يتعرض لي يفتري علي، لأني عندما كنت أقاوم سورية كنت أقول بوضوح، وكتاباتي موجودة، إن هذه الحالة الصدامية مع سورية يجب أن تنتهي بأسرع وقت ممكن لنعود إلى إقامة العلاقات الطيبة. فالهدف الاستراتيجي في الصدام هو العودة إلى الحالة الطبيعية والخروج من الحالة الاستثنائية السيئة، وعندما عدنا إلى الحالة الطبيعية انزعجوا لأنهم يريدون الحالة السيئة، هذه المشكلة بيننا وبينهم. لا يوجد شعور شخصي على مستوى الدولة، بل أحيانا تكون العلاقات بعد انتهاء الحرب أقوى بين المتخاصمين لأنهم عاشوا الحرب وتوصلوا إلى استنتاجات معينة.

 

* هل صحيح أنك شكوت البطريرك في الفاتيكان؟

ـ أنا لا أتعاطى مع الشكاوى ولا المديح، بل مع الواقع الذي أعيشه. إذا حصل علي اعتداء أو افتراء أدافع عن نفسي. أنا أشعر بأنهم يتعاملون معنا بحالة عدائية عندما قالوا إن لبنان سيكون في خطر إذا فزنا، حينها اعتبرتها حربا تشن علينا. تخطيناها، لكن رضي القتيل ولم يرضَ القاتل، فدخلنا في قضية توزير الخاسرين وحكومة الأكثرية وإلى ما هنالك. يبدو أن هناك استشراسا في محاولة التصادم معنا. صحيح أنني لا أتأثر، لكن لي الحق من حين إلى آخر أن آخذ موقفا. أنا لا أستطيع أن أمشي وراء أناس يشاهدون كابوسا في نومهم، ونكون مجبرين على أن نخاف معهم. أنا لا أرى كوابيس، بل أحلم.. وأحلامي جميلة، وأسعى دائما إلى تحقيقها.