من جريدة السياسة/مقابلة مع النائب اللبناني السابق محمد بيضون

 

بيروت - صبحي الدبيسي: السياسة

16 تشرين الأول/08

 

النائب اللبناني السابق محمد بيضون لـ»السياسة«

القوى السياسية لا تزال تفكر بالمواجهة ما عدا جنبلاط«

لبنان لا يحتمل حكومة »حزب الله« على غرار غزة

 لغة الأحزاب الشيعية تحريضية واستعمال السلاح ليس بريئاً ولا طاهراً

إذا تدخلت سورية في الشمال فمن يمنع إسرائيل عن اجتياح الجنوب?

الحشود السورية على الحدود اوراق اعتماد دمشق لدى واشنطن

تأجيل الحوار اللبناني 50 يوماً أوجد انطباعاً أن سليمان غير قادر على إنجاحه

 

اعتبر النائب اللبناني السابق محمد عبدالحميد بيضون "أن المعارضة تمكنت من فرض شرطين أساسيين على قوى الأكثرية, تجليا في منعها من أن تحكم, والعودة إلى قانون انتخاب العام 1960", لافتاً إلى "أن القوى السياسية ستذهب إلى الانتخابات المقبلة, وهي لاتزال تحمل بذور المواجهة, ما عدا وليد جنبلاط الذي يحاول التوصل إلى صيغة جديدة".

وتوقع بيضون "أن تستمر الأزمة", فإذا نجحت الأكثرية سيمنعها "حزب الله" من ان تحكم بقوة السلاح, وإذا ربح "حزب الله" الانتخابات, فلن يقدر أن يحكم, وسيضع البلد في عزلة, وسنكون افتدينا عزلة سورية بعزل لبنان, لأن لبنان لا يستطيع أن يتحمل حكومة "حزب الله", كما تحملت غزة حكومة إسماعيل هنية, ولأن الدولة ستكون عاجزة عن تأمين رواتب الموظفين.

 

ورأى في حديث الى "السياسة" ان »الحل الوحيد يتلخص بدور مميز لرئيس الجمهورية ميشال سليمان, يستطيع من خلاله التوصل إلى صياغة أكثرية نيابية من نوع جديد«, مشيراً إلى ضرورة "أن يخوض الانتخابات لانتزاع هذه الأكثرية كي لا يبقى عهده أسيراً للصراع الموجود على الساحة", متسائلاً: "هل سيبقى العماد سليمان كما كان الرئيس الياس سركيس مجرد أسير اللعبة الإقليمية, أم سيكون قادراً على المبادرة لتأسيس شهابية جديدة تكون قادرة على توظيف العامل الإقليمي لمصلحة بناء الدولة«?

 

ورأى بيضون "أن وضع الطائفة الشيعية في هذه المرحلة قد أصبح سيئاً جداً, لأن علاقاتها بالطوائف الأخرى أصبحت علاقات سيئة, وخصوصاً مع الطائفة السنية, ولم تحقق أي كسب سياسي حقيقي يبرر هذا الانحدار في مستوى علاقاتها مع بقية الطوائف, لأن لغة الأحزاب الشيعية المسيطرة كانت لغة تحريضية, وصولاً إلى التحريض على الآخرين واستعمال سلاح ضدهم", مشيراً إلى أن "كل اللبنانيين باتوا يعرفون أن هذا السلاح لا يملك, لا البراءة ولا الطهارة, لأنه سلاح يستعمل لأغراض سياسية".

 

واعتبر أن "الخسارة الكبيرة التي مُني بها الشيعة هي اتفاق الطائف, فما حصل ارتداد على الطائف, ونوع من الفرض بالقوة, والقول إن الطائف تحول إلى فيدرالية طوائف, فعوضاً عن أن يوظفوا انتصارهم على إسرائيل في تطوير النظام وبناء الدولة, دخلوا في صراعات داخلية أدت إلى ضياع الانتصار, فرصة التغيير".

ورأى بيضون "في التحرك السوري على الحدود الشمالية نوعاً من عرض العضلات في لبنان, بمثابة تقديم أوراق اعتماد وتوجيه رسالة للأميركيين, بأنهم يملكون القوة الكافية للانخراط بالحرب ضد الإرهاب مهما كان مصدره", مقللاً من "أهمية الحديث عن تباين سوري-إيراني في هذه المرحلة", ومستبعداً "نظرية التنسيق السوري-الإسرائيلي بشأن تقاسم الأدوار في لبنان, لأن إمكانية التدخل السوري في لبنان تستدرج تدخلاً إسرائيلياً في الجنوب".

 

وأشار إلى "أن لبنان مر بوضع مشابه في الأعوام 1976 و1978, فالتدخل السوري لمنع التقسيم في لبنان لم يمنع إسرائيل من دخول لبنان, وحصول اجتياحين إسرائيليين في فترة متقاربة 1978-1982, يعني أن ستراتيجية التدخل فشلت".

 

ولفت بيضون إلى "أن وشائج الارتباط السوري مع حزب الله موضوع معاينة وملاحقة من قبل إسرائيل, ومعنى ذلك أن الأمن السوري مهدد من إسرائيل بشكل لم نعرفه سابقاً". وهنا نص الحوار:

 

بعد محاولة "حزب الله" الانقلاب على الدولة, عاد اليوم ليجلس الى طاولة المفاوضات مع "الحزب التقدمي الاشتراكي" ومع "تيار المستقبل", بمعنى أنه عاد للبننة وضعه داخل التركيبة السياسية اللبنانية. هل ما يجري هدنة قد تتغير بتغير الظروف, أم أن الجميع وجد نفسه محرجاً, فذهبوا باتجاه الانفتاح على بعضهم بعضاً?

»اتفاق الدوحة« لم يكن اتفاقاً سياسياً بقدر ما فرض شروطاً من "حزب الله" على سعد الحريري ووليد جنبلاط, فالمعارضة تمكنت من فرض شرطين أساسيين على »قوى 14 آذار« تجليا في الحصول على الثلث المعطل, أي منع الأكثرية من أن تحكم, والعودة إلى قانون الستين في الانتخابات, أي منع الأكثرية من أن تصدر قانوناً انتخابياً وعلى قواعد موضوعية.

لقد كان هدف عملية "حزب الله" في بيروت منع الأكثرية من القيام بأي خطوة, إن كان على صعيد قانون الانتخاب, أو على صعيد الحكم. اذ منذ الانتخابات النيابية في العام 2005, كانت ستراتيجية "حزب الله" منع حكم الأكثرية, انطلاقاً من ذريعة أنها أصبحت ضمن المحور الأميركي, ضد المحور الإيراني-السوري.

الشيء البارز في الدوحة, أن كل الاتهامات التي وجهها "حزب الله" ضد الأكثرية النيابية, بأنها خائنة وتعمل وفق مشروع أجنبي, سقطت في الدوحة, وتم الاتفاق على عدم استعمال لغة التخوين. وبالتالي فإن كل هذه الدعاية التي كان يروجها "حزب الله" تحريضاً على الأكثرية لم تكن في موقعها. كل الموضوع أن "حزب الله" كان حارساً على بوابة لبنان, أو على بوابة المتوسط لحماية المحور الإيراني-السوري أكثر مما كان يعمل للانخراط بوضع لبناني جديد.

هذه الستراتيجية لم تكن ضرورية بكل الحالات, لأن خطورة الدفاع عن المحور الإيراني-السوري لم يكن في لبنان, بل في العراق. والسؤال: لماذا نقلت الخطورة إلى لبنان? برأيي كان هناك خطأ كبير بنظرة "حزب الله" الى الوضع اللبناني, لأن ما تم التوصل إليه سياسياً, لم يكن متقدماً لدرجة استعمال السلاح ضد الأطراف الأخرى. وبهذا الواقع سنذهب إلى الانتخابات. وهي لاتزال تحمل بذور المواجهة نفسها, طالما لم يحصل أي تغيير في مواقع القوى, ما عدا وليد جنبلاط الذي يحاول التوصل إلى صيغة جديدة, ولكن باقي القوى لاتزال تفكر في الذهنية نفسها. فريق جاهز لاستعمال سلاحه ضد الآخرين إذا خسر المعركة الانتخابية. وفريق يريد أن يحكم إذا فاز في المعركة الانتخابية, وفقاً لقواعد مختلفة.

بمعنى, أن الأزمة مستمرة, إذا نجح الحريري وفريقه سيمنعهم "حزب الله" من الحكم بقوة السلاح وسيشل البلد كما فعل في المرحلة الماضية, وإذا ربح "حزب الله" الانتخابات, فلن يقدر أن يحكم, وسيضع البلد في عزلة كما هو الوضع في غزة, ونكون افتدينا عزلة سورية بعزل لبنان. وهذا الأمر غير مقبول على الإطلاق.

الحل الوحيد في هذه المرحلة, يتلخص بدور مميز لرئيس الجمهورية ولفريقه, يستطيع من خلاله أن يصيغ أكثرية نيابية من نوع جديد, لا يكون الدور فيها لا للأكثرية ولا ل¯"حزب الله" ورفاقه. بتقديري يجب أن تكون لدى رئيس الجمهورية هذه الستراتيجية, وألا يكون بعيداً من الانتخابات النيابية, ولا يمكن أن يقبل رئيس الجمهورية ان تستمر الأزمة طوال عهده, لديه فرصة في الانتخابات تتلخص بصياغة أكثرية من نوع جديد, وتستطيع هذه الأكثرية أن تحكم في الفترة المقبلة, وفق مبادئ الشراكة اللبنانية, وليس وفق مبادئ »الفيتو«, لذا عليه أن يؤمن هذه الشراكة ولو بأغلبية خمسة نواب.

 

هل سيسمح لرئيس الجمهورية بتكوين هذه الأكثرية?

هذه معركة عهده, وعليه أن يخوض المعركة لينتزع الأكثرية, وإلا سيظل عهده أسيراً طوال السنوات المقبلة للصراع الموجود على الساحة, لأن البلد مقسوم بين محور يعتبر نفسه متطابقاً مع سورية وإيران, ومحور يعتبر نفسه متطابقاً مع جهة أخرى في المنطقة.

 

هل سيبقى العماد سليمان كما كان الرئيس سركيس, مجرد أسير للعبة الإقليمية? أم سيكون قادراً على المبادرة لتأسيس شهابية جديدة, تكون قادرة على توظيف العامل الإقليمي لمصلحة بناء الدولة? بماذا استفادت حركة "أمل" و"حزب الله" من قانون الستين?

إذا كنا نتحدث عن الطائفة الشيعية أولاً: في هذه المرحلة أصبح وضع الطائفة الشيعية سيئاً, كما أن علاقاتها بالطوائف الأخرى أصبحت علاقات سيئة, وخصوصاً مع الطائفة السنية, ولم تحقق الطائفة الشيعية أي كسب سياسي حقيقي يبرر هذا الانحدار في مستوى علاقاتها مع الطائفة السنية.

 ثانياً: اللغة السياسية للطائفة التي تمثلت من الإمام حسين علي شرف الدين إلى الإمام موسى الصدر, كانت دائماً لغة اندماج في الوطن, ولغة تشجيع العيش المشترك, ولكن ما لاحظناه خلال الأزمة, أن لغة الأحزاب الشيعية كانت لغة تحريضية, وصولاً إلى استعمال السلاح ضد الآخرين. هذا التحريض كسر كل آليات العيش المشترك. وبالطبع, هم يشعرون اليوم بخطورة ما قاموا به, ويحاولون إصلاحه, لكن بعد ماذا, بعد أن كسروا قواعد العيش المشترك بين اللبنانيين.

كل اللبنانيين اليوم يعرفون أن هذا السلاح لا يملك لا البراءة ولا الطهارة, لأنه سلاح يستعمل لأغراض سياسية, ولأغراض حماية مواقع لأشخاص وعائلات, لكن أن يخرج الشيعة من العيش المشترك فهذا ليس رأيهم.

 ثالثاً: الخسارة الكبيرة على الطائفة الشيعية, هي اتفاق الطائف, وهو ثمرة جهود إصلاحية استمرت 15 عاما. كان كل زخم الطائفة الشيعية منصب على إصلاح النظام, واعتبرت نفسها بقواها الحية منتصرة باتفاق الطائف, لأنها استطاعت على الأقل إلغاء القيود الطائفية على النظام, نظام المواطنية الحقيقية.

ما حصل في هذه المرحلة يعد ارتداداً عن الطائف, ونوع من الفرض بالقوة, بأن الطائف هو فيدرالية طوائف, وكل طائفة لها حق النقض (الفيتو), عملياً تم تخريب »اتفاق الطائف«, مع العلم أنه الإنجاز الوحيد طوال 15 عاماً, إضافة إلى كسر قواعد العيش المشترك فكروا بتخريب »اتفاق الطائف«, المشكلة الحقيقية أنه في اللحظة التاريخية التي بنى فيها أفرقاء شيعة قوى سياسية إسلامية, بزخم الانتصار مع إسرائيل, لم يوظفوا هذا الزخم لتطوير النظام, وتعزيز موقع لبنان العربي, بل دخلوا في صراعات داخلية أدت إلى ذهاب الانتصار, كما ضاعت فرصة التغيير.

هذه القوة التي تعتبر نفسها قوة شيعية بعودتها إلى قانون الستين وبطرحها لفيدرالية الطوائف, وتعطليها للمؤسسات, من خلال لعبة السلاح في الشارع, أصبحت تتراجع في أدائها, وتتطلع إلى الماضي, لا إلى المستقبل.

 

البعض يفسر قبول "حزب الله" الهدنة والجلوس الى طاولة المصالحات بأنه أتى نتيجة للتباين السوري-الإيراني, ماذا تملك من معلومات عن هذه النقطة? وهل ترى تبايناً سورياً إيرانياً?

مهما حصل من خلافات سورية-إيرانية, فالكلام الأخير عن المتوسط لا يوحي بوجود خلافات. وهل هناك ستراتيجية لدى "حزب الله" للاختباء بالثوب اللبناني لتحييد رأسه من درب المحدلة السورية? فإذا كان هذا رأيه, فأعتقد أنه لن يستطيع.

هذا المشروع مستحيل, "حزب الله" ينسق بشكل دائم مع سورية, وسورية تريد نوعاً من إظهار العضلات في لبنان. وهذا الأمر يساعدها على إعادة فتح قنوات الحوار مع الغرب. وهذه الستراتيجية نجحت مع الفرنسيين, وكلنا نعرف أن الفرنسيين فتحوا قنوات الحوار مع سورية, بسبب تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ستة أشهر. وبالإضافة إلى تعطيل الانتخابات, كان هناك تهديد بحرب أهلية, وضغط عسكري, طبعاً بالإضافة إلى الشلل في الوضع السياسي من خلال إقفال المؤسسات, والشلل بالوضع الاقتصادي, ما سبق جعل الفرنسيين يتحدثون مع سورية, والسوريين اليوم يسعون لجعل الأميركيين يتحدثون معهم, لأنه بتقدير سورية, أن الأميركيين موافقون على الانفتاح الفرنسي معهم, وبالتالي فهم على طريق فتح باب الحوار مع سورية.

وهذا الانتشار السوري الأخير على الحدود الشمالية, الواضح أنه تقديم أوراق اعتماد, بمعنى أن سورية بهذا التصرف تريد توجيه رسالة دولية وخصوصاً للأميركيين, بأنها تملك القوة الكافية للانخراط بحرب ضد الإرهاب مهما كان هذا الإرهاب. شرط أن يجلس الأميركيون معهم الى الطاولة نفسها, وخصوصاً في موضوع الصراع العربي-الإسرائيلي واستعادة الجولان. هذه الرسالة موجهة إلى الأميركيين, على أمل أن تحصل سورية على جواب عليها.

 

البعض يتخوف من اتفاق سوري-إسرائيلي تتولى إسرائيل من خلاله ترويض "حزب الله", بينما تدخل سورية إلى الشمال تحت عنوان محاربة الإرهاب, برأيك هل يوجد تنسيق سوري-إسرائيلي ضد لبنان?

لا أعتقد بوجود تنسيق بين سورية وإسرائيل مطلقاً, هناك مفاوضات غير مباشرة محورها الجولان, ولاحقاً سيدخل بقوة أكبر دور سورية الإقليمي, لا نستطيع القول أن هذه المفاوضات تقدمت كثيراً, السوريون يقولون بأنهم قد يتوصلون إلى اتفاق في ستة أشهر, ولكن لا يجب أن يتوهموا بأن يتم هذا الاتفاق قبل سنتين, لأن لا مناخ إسرائيلياً بالتخلي عن الجولان. اليوم أولمرت وبعد خروجه من الحكومة أصبحت لديه الشجاعة ليتحدث عن الوقائع كما هي. الرأي العام في إسرائيل يجمع على عدم إعادة الجولان إلى سورية, على الأقل عدم إعادته كاملاً.

أما النقطة الثانية, فلا يمكن أن تضع إسرائيل على طاولة المفاوضات أي دور لسورية طالما هي مرتبطة بإيران, وهذه النقطة ستجعل المفاوضات تدور في حلقة مفرغة. إسرائيل تريد من سورية فك ارتباطها بإيران وسورية تقول لإسرائيل أنها تستطيع فك ارتباطها بإيران, ما لم تعط دوراً إقليمياً.

هذا الموضوع شائك ويتطلب وقتاً, قد يصل لسنتين أو ثلاث, ويتطلب رعاية فاعلة من الإدارة الأميركية, وفي هذا الوقت, الإيرانيون لا يشككون بنوايا سورية, لأن التحالف السوري-الإيراني صلب ومتين.

 

الانتشار العسكري السوري بدأ يخيف اللبنانيين, أبعد من حماية الحدود وضبط التهريب كما تدعي سورية, برأيك هل ستصل الأمور على الحدود إلى القيام بأعمال عسكرية في الشمال?

بالطبع القصة ليست قصة تهريب, مكافحة التهريب لا تتم بهذه الطريقة, ولكن عندما تنشر سورية عشرة آلاف جندي, فهذا يعني أنها توجه رسائل سياسية.

الشق الخارجي من هذه الرسالة, هو تقديم أوراق اعتماد للأميركيين, مفادها: "إذا تحاورتم معنا, فنحن قادرون على المواجهة مع الإرهاب.

الشق الداخلي الذي يخيف اللبنانيين, هل هذه القوة العسكرية ستضغط على أجواء الانتخابات? طبعاً, هناك ارتياح في صفوف »8 آذار«.

أعتقد أن رئيس الجمهورية يعالج هذا الموضوع من خلال عزل التأثيرات الداخلية.

 

البعض يرى فيها محاولة لإجراء تغيير ديموغرافي في الشمال يتم بتهجير السنة من الشمال, وهذه مسألة خطيرة, برأيك هل ستدخل سورية إلى لبنان لتنفيذ ذلك?

إذا, النظرة الفيدرالية اكتملت, وإذا استقل "حزب الله" في منطقة الجنوب والبقاع, وأصبح لدى الشيعة "كانتونهم" الخاص بهم, ماذا بقي للسنة? "الشمال", وهذا سيؤدي إلى مشكلة كبيرة, خصوصاً وأن منطقة الشمال مختلطة, والحضور المسيحي فيها كثيف, ومجرد جعل لبنان مجموعة "كانتونات" فإن ذلك سيزيد الأمور تعقيداً.

بعض الملاحظات على هذه الستراتيجية السورية, ومحاولات الإيحاء بإمكانية سورية التدخل في لبنان تستدرج تدخلاً إسرائيلياً في الجنوب, ونحن عشنا وضعاً مشابهاً في العام 1978, عندما دخلت سورية في العام 1976 لتمنع تقسيم لبنان, فهذا الشيء لم يمنع إسرائيل من دخول لبنان عام 1978, فحصل أول اجتماع إسرائيلي, وفي العام 1982 ثاني اجتياح إسرائيلي, ومعنى ذلك أن ستراتيجية التدخل فشلت. ستراتيجية التدخل اليوم قد تستدعي الإسرائيليين إلى الساحة, وهذا الأمر فيه خسارة كبيرة خصوصاً على الطائفة الشيعية, لأن إعادة احتلال الجنوب هذه المرة, ستكون بالنسبة لنا عملية تهجير واسعة, لا أعتقد أننا نستطيع تحمل آثارها بعد كل ما تحملناه.

 

بالتزامن مع الحشود السورية, هناك زحمة موفدين أميركيين إلى لبنان, فهل يوجد رابط بين الحدثين?

كما أن السوري وجه رسالة إلى الولايات المتحدة, كذلك الأميركي يريد توجيه رسالة إلى السوري, تتضمن أموراً عدة, ذلك لأن وزيرة الخارجية الأميركية التقت وزير الخارجية السوري (وليد المعلم), وهذا اللقاء كان له وجهان, وجه إيجابي معناه أن أبواب الحوار بدأت تفتح مع السوريين, والوجه الآخر يتلخص بما أبلغته رايس للمعلم بعدم التدخل في لبنان. وبالإضافة إلى الحوار, هناك ثوابت في المنطقة, منها موضوع التدخل في لبنان. وهذا ما تأكد في بيان الخارجية الأميركية, والسوريون تبلغوا ذلك, وزيارة دايفيد هيل الهدف منها إبلاغ اللبنانيين بما قالت وزيرة الخارجية الأميركية للوزير المعلم. هذا التحالف مشروط بثوابت منها عدم التدخل في شؤون لبنان, برأيي هذا هو جو الموفدين! لا شك أننا نلمس تغيراً في السياسة الأميركية حيال سورية منذ انتخاب العماد سليمان, التغير الدولي لم يكن سببه لبنان فقط, بل العراق. القصة في العراق استنفذت, والأميركي عاد وأمسك بالوضع واستعاد زمام الأمور على غير ما كانت عليه في العام 2006, لأن هناك انقلاباً في المشهد العراقي, وارتياحاً في الموقف الأميركي.

هذا الارتياح يدفع الأميركيين لفتح نوافذ على سورية بانتظار فتح حوار جدي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في فبراير او مارس المقبلين, هناك تغيير في الموقف الدولي ومحاولة فك العزلة عن سورية, كما هناك اتجاه للحوار معها.

ولكن السؤال: هل أن سورية قادرة على إنجاح هذا الحوار? هناك علامات استفهام كثيرة, في الماضي, عندما عُقد مؤتمر مدريد, الكل اعتقد أن السلام آتٍ بعد سنتين, برغم ذلك حصل مؤتمر مدريد وعلى جانبه اتفاق أوسلو, ولم يحصل السلام, ولم تمنح فلسطين استقلالها.

عندما التقى الرئيس كلينتون مع الرئيس الأسد في جنيف, اعتقد كل العالم أن الصراع العربي-الإسرائيلي قد انتهى, وستقوم فلسطين على 47 في المئة من أراضي غزة والضفة, وسيعاد الجولان لسورية, رغم ذلك لم يتم السلام, في العام 2000 كانت الظروف مشجعة للتوصل إلى حل, لكنهم لم يصلوا مع الأسف لهذا الحل.

الحوار مع سورية قد يستأنف مع الرئيس الأميركي الجديد, فهل سورية حضرت عناصر النجاح له? بتقديرنا في هذا الوقت لا يجوز أن يدفع لبنان ثمن فشل المفاوضات السورية-الإسرائيلية, عبر مواجهات لا معنى لها, وخصوصاً في موضوع المقاومة.

خلال الإدارة السيئة للأزمة, فقدت المقاومة الكثير من مصداقيتها ومن موقعها, خصوصاً داخل العالم العربي وداخل العالم الإسلامي وفي لبنان. المقاومة ستقوم بجهد كبير لتستعيد شيئاً من هيبتها وشيئاً من صدقيتها, إذا أرادت في المرحلة المقبلة القيام بدور إيجابي.

 

منذ اغتيال القيادي في "حزب الله" عماد مغنية حتى اليوم خفت كثيراً اللقاءات المعلنة بين "حزب الله" والنظام السوري, برأيك هل يوجد نوع من التباين في المواقف بينهما?

الواضح من الأحداث التي حصلت: قصف ما سُمي بالمفاعل النووي, وقبل ذلك تحليق الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية, وتحديداً في كل منطقة الشمال السوري. وبعدها اغتيال عماد مغنية واغتيال العميد محمد سلمان, ان إسرائيل سلت أنظارها على الوضع في سورية, وخصوصاً على هذا الارتباط السوري مع "حزب الله", وأبعد ذلك فإن وشائج الارتباط السوري مع "حزب الله" هي موضوع معاينة وملاحقة من إسرائيل, ومعنى ذلك الأمن السوري مهدد من إسرائيل بشكل لم نعرفه سابقاً. ويعني ذلك, أن هناك مزيجاً من العمل العسكري والعمل المخابراتي, ومن حق سورية أن يساورها القلق, وكذلك من حق "حزب الله" أن يتخذ احتياطاته, لأن كل نقاط الارتباط بينهما أصبحت مكشوفة أمام الإسرائيليين وهذا ما يعطي سورية نصيحة لوجه الله بأن تتعاطى مع مؤسسات الدولة, ومن خلال مؤسسات الدولة اللبنانية وليس من خارجها, في الماضي كانت حجتهم عدم التعامل من خلال الدولة كي لا ينكشفوا, اليوم أصبحوا مكشوفين, فالعلاقة اللبنانية-السورية لن تستقيم إلا إذا تعاملنا من دولة لدولة, وليس من دولة لأحزاب أو لأفراد.

يجب أن يعاد تقييم المرحلة السابقة, و"حزب الله" وضع في وضع في ورقة التفاهم بينه وبين العماد عون إعادة تقييم المرحلة السابقة لعدم تكرار الأخطاء, لكنهم لم يفعلوا شيئاً. بالنسبة لنا كلبنانيين نطالب بتحديد هذه الأخطاء ووضع العلاجات النافعة لها, لأن هذا الوضع غير مقبول.

 

في موضوع التفاهم بين "حزب الله" والعماد ميشال عون نلاحظ أن "حزب الله" يهادن, بينما العماد عون يتولى الهجوم ويحاول خربطة المصالحات, فلماذا يحصل ذلك? وهل يجري ذلك بالتنسيق بينهما?

من مصلحة "حزب الله", أن يستعيد صورته الإقليمية, لأن البعد الإقليمي لدى "حزب الله" يطغى على الأبعاد الأخرى, فهو يسخر البعد اللبناني لخدمة البعد الإقليمي, وهو يجاهر القول بأنه مرتبط بمشروع إزالة إسرائيل عن الخارطة. عون, ليس له هذا البعد الإقليمي, همه الأساسي أن يسيطر على الأرض الموجود عليها, أو ما تصح تسميته السيطرة على "الكانتون" المسيحي, محور عون-فرنجية, أو محور جعجع-قرنة شهوان. هذا هو الفرق, وملاحظاتنا على الطرفين أنهما لا يفكران بلبنان, و"حزب الله" أيضاً لا يفكر بلبنان, بل يفكر بالدور الإقليمي. وفي الحقيقة أن مشكلة لبنان الحقيقية في أن قياداته تفكر في مصالحها الشخصية ولا أحد يفكر بمصلحة البلد, بانتظار أن تكون تجربة العماد سليمان تجربة جديدة لا تتكرر فيها أخطاء الماضي, وقد ينتج عنها صياغة جديدة للوضع اللبناني, وهذا يتوقف على الدور الرئاسي في الحوار, فهل سيكون هذا الدور قاطرة للحوار? أم سيكون دوره محايداً ويجر الجميع إلى مشروع جديد?

 

هناك من يقول بأن الحوار الجدي يبدأ بعد الانتخابات النيابية, ما رأيك بهذا القول? وهل ما يجري غير جدي?

إذا لم يحصل الاتفاق قبل الانتخابات النيابية, حتماً بعد الانتخابات سنكون أمام مواجهة كبيرة, الحوار الجدي يجب أن يبدأ الآن. إذا أضعنا هذه الفرصة, نصل إلى المواجهة بعد الانتخابات. وكما ذكرت في بداية الحوار, إذا نجح الحريري وفريقه, فإن "حزب الله" سيمنعهم من الحكم. إذا نجح "حزب الله" في الانتخابات, فهو غير قادر على ضبط البلد وسيدخل لبنان في مرحلة عزلة سياسية أو اقتصادية.

الانطباع العام لا يستطيع لبنان أن يتحمل حكومة "حزب الله" كما تحملت غزة حكومة هنية, إذا صار في لبنان حكومة "حزب الله", ستكون الدولة عاجزة عن تأمين معاشات لموظفيها, ستكون عاجزة حتى عن تأمين المحروقات والكهرباء, لبنان لا يتحمل سيناريوهات جديدة, و"حزب الله" يعرف هذا الأمر, ويحاول أن يسرب عبر الإعلام حتى ولو حصل على الأغلبية النيابية لن يتخلى عن سعد الحريري كرئيس للوزارة.

برأيي الحل يجب أن يكون قبل الانتخابات, وأنا كنت ضد تأجيل الحوار 50 يوماً, هذا التأجيل بمثابة رسالة سلبية أعطت انطباعاً وكأن الرئيس غير قادر على إنجاح الحوار, مع العلم أن رئيس الجمهورية بصلاحياته وموقعه قادر على إنجاح الحوار بكل ثقة إذا ما وضع أجندة واضحة لهذا الحوار, الذي يجب أن ينجح قبل الانتخابات.

 

ماذا سيكون مصير المحكمة الدولية في ظل كل ما يجري على الساحة?

أعتقد أن المدعي العام للمحكمة الدولية نتيجة لخطورة الوضع, وخصوصاً على لبنان, لن يقدم اتهامات مباشرة, لكنه سيقدم للمحكمة عناصر معينة من دون أن يوجه اتهامات مباشرة, ويترك الاتهامات للتحقيق, والمحكمة لكي نستدعي الشهود وتطلق الأحكام ستحتاج ما بين ثلاث إلى خمس سنوات.

 

ما هي توقعاتك للانتخابات النيابية المقبلة, وماذا سيتغير في الربيع المقبل?

أتمنى التوصل إلى صياغة شراكة جديدة قبل الانتخابات ولا أحبذ أن نذهب إلى الانتخابات: فريق يسمي نفسه »14 آذار«, وفريق آخر يسمي نفسه »8 آذار«.

ما تم الاتفاق عليه في الدوحة اتفاق على "زغل", وليس اتفاقاً سياسياً يؤدي إلى بناء الدولة الحقيقية, لذلك يجب أن نعمل من الآن وحتى الانتخابات على خط بناء فعلي للجيش اللبناني, الذي ثبت في 7 مايو أن الضربة الحقيقية وُجهت للجيش اللبناني, وليس لمدينة بيروت, لأنه فقد هيبته ولم يعد قادرً على ضبط الأمن. ما يفرض بناء الجيش اللبناني على قاعدة وطنية جديدة.

الأمر الآخر, إذا انطلقنا بالحوار يجب إعادة الاعتبار لاتفاق الطائف ولا يجوز أن نحصر اهتمامناً بالستراتيجية الدفاعية, لأن هذا الاتفاق يأخذ البلد إلى طريق دولة المواطنية, وليس فقط دولة المؤسسات, ولا يعود أحد يفسر هذا الاتفاق كيفما يريد, عندها يمكن أن نتوصل إلى اتفاق على الحكم في المرحلة المقبلة, وأنا أحذر من الذهاب إلى انتخابات دون نجاح الحوار.

 

ما هي رسالتك لأبناء الطائفة الشيعية?

الطائفة الشيعية "تعسكرت" أكثر من اللزوم, الشباب تدربوا وحملوا السلاح وكل شاب يحمل السلاح يجد نفسه في موقع متمايز عن الآخرين. نحن نناشد الوجدان الشيعي العودة إلى الجذور والعودة إلى ما نادى به علماء الدين الشيعة انخراط الشيعة في الدولة اللبنانية والعيش المشترك ورفض أي مشروع خارج هذا الإطار, لأن الشيعة غير منفصلين عن مجتمعاتهم, وليس لديهم مشروعات خاصة, ولا يجوز أن ينظر الواحد منا إلى عضلاته فقط, الحياة هي بالعقل والتفاهم. هكذا كان موقفي منذ البداية, أرفض أن تستعمل العصا في هذا الطائفة ضد الطائفة الأخرى, وضد استعمال العصا من دولة ضد طائفة, وهذا ما قلناه للبنانيين وللسوريين على السواء, اليوم قسم كبير من الشيعة يعتبرون أنفسهم قادرين أن يفرضوا على الآخرين رأيهم أو مشروعهم السياسي بقوة السلاح وهذا خطأ كبير جربه كمال جنبلاط وذهب ضحيته, وجربه بشير الجميل وذهب ضحيته, واليوم أتمنى على الشيعة ألا يذهبوا ضحية هذه الستراتيجية الخاطئة.