العلامة الشيعي اللبناني أكد أن التسوية  ستكن هشة لأن الخلاف جوهري

 محمد حسن الأمين لـ "السياسة": تظاهرات  حزب الله" ستفكك لبنان لمصلحة التمذهب والتقوقع

بيروت - من محمد عبد الله:-السياسة 16/12/2006

 

"ثمة محاولة ايرانية للاستيلاء على القرار الشيعي في لبنان والمنطقة العربية", هذا ما قاله رجل الدين و المفكر الشيعي في لبنان العلامة السيد محمد حسن الامين خلال حديث خاص اجرته معه "السياسة".الامين وصف ما تشهده الساحة اللبنانية من تظاهرات لقوى المعارضة بانه "مشهد من مشاهد تفكك الدولة اللبنانية لمصلحة التمذهب والتقوقع في مصالح اقليمية ضيقة لا تخدم الشيعة ولا غيرهم من الطوائف".واعتبر ان "ديمقراطية التحريض والتحريض المتبادل" كما وصفها ستؤدي بالبلاد الى"الانقسام والفتنة وحينها يسقط الهيكل على الجميع موالاة ومعارضة, ولا يبقى لا ثلث حكومة ولا حكومة".

 

واضاف ان "لايران مطامع تسعى من خلالها لجعل لبنان, ولاسيما الشيعة فيه, مطية لتحقيق غايات واهداف تمكنها من لعب دور في منطقة الشرق الاوسط.

وتحدث الامين عن حرب تموز الاخيرة التي قامت بعد أسر حزب الله للجنديين الاسرائيليين معتبرا ان "المقاومة لم تكن مضطرة لخوض هكذا حرب وما افرزته من ضحايا وخسائر, لمجرد اثبات قدرتها على الصمود, في حين ان ذلك حصل وتحقق في هزيمة اسرائيل عام 2000".

 

وفيما يتصل بسلاح "حزب الله" قال: "انه لا يحمي الطائفة الشيعية لان حماية اي طائفة في لبنان ينحصر في مهمة القوى الامنية اللبنانية, والا يصبح السلاح والتسلح غاية لدى الطوائف الاخرى في لبنان". بداية لا بد من تقسيم اللقاء مع السيد الامين الى محورين الاول يتصل بعرضه التحليلي للحقبة التاريخية العثمانية ومقارنتها مع الواقع اليوم. وفي المحور الثاني نص الحوار.

 

لمحة تاريخية: انهيار السلطة العثمانية والدافع نحو التمذهب الاقليمي

العلامة الامين اعتبر ان الصورة التي تشهدها المنطقة لا يمكن وصفها بالايجابية, لانها في حالة من حالات التراجع التي ما برحت قائمة منذ انهيار الدولة العثمانية, الكيان الجامع للمسلمين, وصولا الى يومنا هذا حيث استمر التراجع وتحولت المنطقة العربية والاسلامية الى شبه دويلات كانت كلها نتيجة تفكك "الرجل المريض" الى "اجسام مذهبية مريضة".

اضاف: "بعد ذلك نشأت حركات قومية ووطنية واسلامية وحتى اممية كانت تحمل مشروعا نهضويا بحسب وجهة نظرهم, لكن للاسف اصطدم كل منها بعقبات وقفت حائلا بين الاهداف والمبادئ من جهة, وبين الممارسة والواقع من جهة اخرى.

مما تقدم اردت استعادة حقبة من التاريخ لمقاربتها مع الحالة اليوم, التي تتسم ايضا بانهيارات سياسية ولكن لمصلحة المذهبية والطائفية.

فعندما عجزت حركات النهوض في المنطقة العربية عن اقامة هذه النهضة وقعت الاخيرة في حالة التقوقع المذهبي والتخلف الاجتماعي, ولم يعد لظاهرة الارتباط بالامة اي دور, بل شاعت ظاهرة اخرى تمثلت بالمذهب الاقليمي والانتماء الضيق الذي اصبح معيارا للمواطن العربي والمسلم.

وتطرق الامين ايضا الى واقع الشيعة والسنة في المنطقة العربية, نافيا في الوقت نفسه امكانية قيام فتنة بينهما حاليا, ولكنه لم ينف كليا حصولها في حال استمر التحريض في لبنان على ما هو عليه اليوم.

وفي ما يلي نص الحوار:

* ماذا تقصد بعبارة "التمذهب الاقليمي"?

- يعني نحن نتكلم عن عصبية الانتماء لدولة المذهب, اي ان الشيعة مثلا في لبنان والعراق يتعصبون لايران وغيرهم يتعصب لدول تتبع مذهبه وهكذا... وهذا نتيجة تداعيات قيام انظمة تستند الى المذهبية في الايديولوجيا العامة التي تعتمدها, وهو مظهر من مظاهر الانقسام والتفكك وليس الوحدة.

غير اننا نرى العالم الغربي يتجه نحو الانفتاح وعقد التحالفات الدولية في اتجاه الدوائر الكبرى, نجد في المقابل المنطقة العربية والاسلامية, على الرغم من الروابط الثقافية والعقائدية التي تميز انتماءها التاريخي, نجدها تعود لتنحصر في التمذهب والتمذهب داخل المذهب الواحد , ما يؤدي الى الانغلاق والتقوقع وهذا ما يتعارض مع مفهوم الاسلام المنفتح.

من هنا اعتقد ان الظاهرة الراهنة حاليا حول ما يسمى بالظاهرة السنية والشيعية يبدو انها ثمرة لحالة التراجع والتخلف التي تعيشها المنطقة العربية والاسلامية, والتي تنذر بخطر كبير بتنا نشهد جزءا منه في العراق, حيث لم يعد التمذهب مظهرا من مظاهر الاختلاف الفقهي او الديني, بل اصبح دمويا في علاقة الالغاء المتبادل.

ان نشوء دولة اسلامية شيعية في ايران دفع بشيعة العالم العربي الى الشعور وكأنهم اصبحوا يمتلكون سلطة او دولة قائمة بذاتها مما عزز قوة الانتماء والاصطفاف مذهبيا حولها. وهذا هو الواقع, لكن ذلك لا يعني انني اؤمن بوجوب ان يسير الشيعة كحزب سياسي ويلتحقون مع الدول التي تمثل مذهبهم. لكن قيام دولة شيعية يجب ان يكون عاملا مساعدا على قيام كيان اسلامي موحد قوي وقادر, مؤثر وفعال في الانفتاح لمواجهة التحديات التي توجه الى العالم الاسلامي, عكس ما هو حاصل الان من صراع وانغلاق مذهبي. فثمة من يحمل الغرب واميركا ما آلت اليه اوضاعنا فيما بعض انظمتنا يساعد على تحقيق مصالح الغرب واميركا من خلال سياسات التفرق والعزلة التي تمارس فيما بين الدول العربية والاسلامية.

* لكن هناك من يرفض اولوية الانتماء للمذهب على الانتماء للوطن?

- بالطبع, وانا اوافق ان الانتماء المذهبي يجب ان ينحصر في كونه ديني فقط, لان الانتماء للوطن هو المعيار الاساسي المفترض ان يتقدم على كل ما عداه من انتماءات, وذلك لا يتنافى اطلاقا من منظور التعدد بوصفه ظاهرة انسانية, اي لا مشكلة تناقض بين كوني لبناني اولا وشيعي ثانيا وعربي... واسلامي,.. ولكن المهم ان تحتل لبنانيتي الدرجة الاولى.

* سماحة السيد.. اشعر وكأنك تتكلم عن ما يجب ان يكون, ولكن هناك من يقول ان ايران اصبحت تملك قرار الشيعة في لبنان?

- هذا لان السياسة غائبة, يعني لو كان لدينا حياة حزبية سياسية حقيقية, لم يكن ممكنا ان يتفوق الانتماء لمذهبي ليختزل السياسي. واشارة الى ان ذلك يفرض نفسه في دائرة العصبية الطائفية, على الذين يريدونها والذين لا يريدونها.

* أتشعر انك محاصر في مذهبك لانك ترفض الهيمنة الايرانية?

- في طبيعة الحال عندما ينمو الحس الطائفي والمذهبي, ويأخذ شكل الاصطفاف, اذ ذاك يصبح من الصعب على اي فرد ان يقف في مواجهة الاتجاه المهيمن الذي لا تحكمه الرؤية السياسية او الفكرية, بل الغريزة المذهبية, ومع انه يوجد صعوبة وعقبات, ولكن ذلك لا يبرر للنخب في موقع المسؤولية الفكرية والسياسية الانخراط في هذا الواقع, بل عليهم ممارسة دور تنويري او نقدي, ولو بدا هذا الدور غير فاعل, ولكن لابد من اتخاذ المواقف التي تمليها الاعتبارات العقلية والفكرية.

الامام موسى الصدر كان مرجعية اساسية للشيعة واللبنانيين عامة وهو لبناني. اليوم يقول البعض ان المرجعية اصبحت عند مرشد الثورة الاسلامية في ايران السيد علي الخامنئي?

صحيح, ان الولاء لايران هو الغالب على البنية الشيعية السياسية, والتمييز يختلف بين المرحلة التي كان الامام الصدر فيها واليوم, لانه في الستينات كانت فرص قيام مرجعية لبنانية شيعية متوفرة, لان ايران في عهد الشاه لم تكن تشكل مرجعية للشيعة. ولكن بعد قيام الجمهورية الاسلامية في ايران اختلف الامر, لاسيما عندما شعرت الحركات السياسية الشيعية بضرورة الارتباط بايران.

اما السيد موسى الصدر فاستطاع ان يشكل مرجعية شيعية وسياسية وفكرية, بينما اليوم لا احد من اللبنانيين الشيعة يستطيع مواجهة او منافسة ايران على ذلك. واعتقد ان ثمة محاولة استيلاء ايراني على البنية الشيعية في لبنان التي كانت تمتاز بالتنوع والتعددية, وكانت طيلة فترة طويلة مصدرا ثريا للاحزاب والتيارات السياسية والفكرية المتعددة, فيما تكاد تتحول اليوم الى اللون السياسي الواحد الموحد, وهذا بالتاكيد لن يخدم الشيعة.

* هناك من يعتبر ان الشاب الشيعي الباحث عن العلم والفقه والثقافة في النجف وغيرها, انحصر اهتمامه اليوم بحفر خندق في الجنوب?

- للاسف ان الواقع كذلك, لكن يعود الامر ايضا الى تراجع الانتماء الوطني اللبناني من خلال اعتماد النظام السياسي الطائفي في لبنان.

* الى متى سيبقى الصراع العربي الاسرائيلي محصورا في لبنان?

- ومن المعروف ان ايران دولة كبيرة ولها مطامع كبيرة ايضا, وهي تريد ان يكون لها دور في المسالة المحورية في الشرق الاوسط والتي تتمثل بالصراع العربي الاسرائيلي, وفعلا استطاعت ان تدعم فريقا في لبنان جعلها قوة مؤثرة في هذا الصراع.

غير انني اعتقد ان انسحاب اسرائيل والهزيمة التي لحقت بها في عام 2000 كانت كافية لتبرئة ذمة لبنان تجاه الصراع العربي الاسرائيلي. و نحن نعتبر ان اللبنانيين انجزوا مهمة تاريخية, وبالتالي دقت ساعة التحول نحو التنمية الوطنية والسياسية, دون ان ينحصر الصراع في لبنان وجنوبه, فيما جبهة الجولان هادئة ولا احد يعمل على اطلاق رصاصة واحدة منها. ولذلك قلنا ان الحرب الاخيرة في تموز, كان يجب تفادي حصولها.

* هل تعتقد ان عملية"الوعد الصادق" كانت نتيجة حسابات خاطئة او خدمة صادقة لسورية وايران?

- ليس لدي معلومات اذا كان خطا حسابات, او انها استجابة لجهة اقليمية ممن ذكرتهم, لكن بالتاكيد ما يعرفه الجميع ان "حزب الله" حليف لسورية وايران. اما بالنسبة الى سوء التقدير فانه اوصلنا الى كوارث. ومع ان المقاومة صمدت واثبتت انها قادرة على الصمود, لكن لم نكن بحاجة للمغامرة بحياة الناس لنبرهن اننا قادرون على الصمود.

* يعني تؤيد الذين يطالبون بحصر قرار الحرب والسلم في يد الدولة?

- بالتاكيد, لان العنف تحتكره الدولة وهذا تعبير قانوني ودستوري, وفي كل العالم الدولة هي التي تحتكر السلاح.

* هل يضعف الشيعة اذا سلم "حزب الله" سلاحه?

- لا اعتقد ان اي طائفة تستمد قوتها من السلاح, كما انه لا يشكل ضمانة لاي طائفة. فالضمانة الوحيدة في لبنان هي الدولة وتطوير النظام السياسي.

* الا تخشى تسلح طوائف اخرى, اذا ما تمسك "حزب الله" بسلاحه?

- ارجو ان لا يأخذ الامر هذا المنحى لكن امامنا احتمالين:

اما الذهاب نحو تكريس النظام الطائفي المذهبي السياسي, مما يستثير الاحداث الطائفية, واما بناء الدولة التي تحمي كل المواطنين.

اما اذا ساد مفهوم ان الذي يحمي المواطن طائفته عندها نعم اخشى من تسلح الطوائف الاخرى تحت شعار حماية ابنائها.

* قرار تسليم السلاح اصبح اكبر من "حزب الله", اي في ايران وسوريا?

- ما زلت اعتقد ان اللبنانيين لديهم فرص للاستقلال والسيادة الحقيقية لاتخاذ القرار الوطني المستقل.

* ماذا تقول عن لغة التخوين المعتمدة حاليا في لبنان?

- اعتبر اننا في لبنان بتنا نتنازع على السلطة ومصادر القوة, فالكل اصبح يخون الكل, وسادت الاتهامات المتبادلة, وهي صفة ليست غريبة و معتمدة منذ القدم , فالتخوين سلاح يشتهر باستخدامه السياسي اللبناني, والمفارقة انه يستعمله لفترة وينساه عند عقد التسوية.

* بعد كل ما حصل هل مازالت فرص التسوية قائمة?

- اذا حصلت التسوية ستكون هشة لان الخلاف يرتكز على مبادئ اساسية, يصعب تجاوزها اذا ما انجز قانون انتخابي جديد يكون الفيصل بين من يعتبر نفسه اقلية برلمانية واكثرية شعبية, وبين الاكثرية البرلمانية القائمة حاليا.

* ماذا تقول عن التظاهرات القائمة اليوم في لبنان?

- ليست هذه الديمقراطية, وانا مع قول الرئيس سليم الحص الشهير: "في لبنان كثير من الحرية وقليل من الديمقراطية". وما نشهده ليس مظهر عافية في الحياة الديمقراطية لناحية التحريض والتحريض المضاد.

* ما فرص الفتنة السنية-الشيعية?

- لست متخوفا لهذه الناحية, ولكن اخشى من روح التباعد التي تساهم فيها الطبقة السياسية اللبنانية.. لكن ذلك لا يعني ان الريبة والخوف بدا يسيطران على العلاقة الاخوية بينهم, والتي تفرض علينا الانتباه وحل المشاكل بسرعة, لان الانفجار المذهبي لن يُبقي لا على حكومة ولا على ثلث ضامن.

* اخيرا كيف تصف موقف الشيعة في العراق, و زيارة السيد عبد العزيز الحكيم الى اميركا?

- هذا ما يؤكد ان مشروع ايران لم ينجح في جعل الشيعة لونا واحدا, تملى عليهم التعليمات من ايران.