حزب
الله لم ينتصر
الخميس 31
أغسطس
وول ستريت جورنال
الخميس 31.08.2006
أمير
طاهري*
بحسب
الرواية التي
توردها معظم
وسائل الإعلام
الغربية،
حقّق "حزب
الله" انتصاراً
كبيراً على
إسرائيل
والولايات المتّحدة،
ورأب الصدع
السنّي - الشيعي
ومدّ ادّعاء الملالي
الإيرانيين
قيادة العالم
الإسلامي
بالزخم. وقد
زيّنت صور حسن
نصرالله،
الملاّ
الأصغر الذي
يقود الفرع
اللبناني من
الحركة
الشيعية
الجامعة،
أغلفة
المجلاّت في
الغرب لتبثّ
رسالة مفادها
أنّ ابن
الثورة الخمينية
هذا هو البطل
الجديد لـ "الشارع
العربي" الخرافي.
ربّما
لأنّه يشاهد
محطّة "سي
إن إن" كثيراً،
يؤمن "القائد
الأعلى" الإيراني،
علي خامنيئي،
أيضاً بـ "نصر
إلهي". الأسبوع
الفائت، طلب
من الأعضاء
الـ205 في
المجلس
الإسلامي
توجيه رسالة
إلى نصرالله
يهنّئونه
فيها على "قيادته
الحكيمة
والبعيدة
النظر للأمة
والتي أدّت إلى
النصر العظيم
في لبنان".
عبر
التحكّم
بتدفّق
المعلومات من
لبنان طوال
فترة النزاع،
والحصول على
المساعدة من
كلّ أولئك
الذين لا
يوافقون على
السياسات
الأميركية
لأسباب
مختلفة،
ربّما ربح "حزب
الله" الحرب
الإعلامية في
الغرب. لكن في
لبنان والشرق
الأوسط والمساحة
الإسلامية
الأوسع،
الصورة مختلفة
إلى حدّ ما.
لنبدأ
بلبنان.
فور
بدء العمل
بوقف إطلاق
النار بموجب
قرار من الأمم
المتّحدة،
نظّم "حزب
الله" سلسلة
عروض
بالألعاب
الناريّة
رافقها توزيع
فواكه
وحلويات
للاحتفال
بالنصر. لكنّ
معظم
اللبنانيين
الذين اعتبروا
الأمر غير
لائق، لم
يشاركوا في
هذه
الاحتفالات. ولم
تستقطب "مسيرة
النصر" في
ضاحية بيروت
الجنوبية،
معقل "حزب
الله"، سوى
بضع مئات
الأشخاص.
في
البداية،
تردّد "حزب
الله" بين
إعلان النصر
والحداد على "شهدائه". كان
الخيار
الثاني
لينسجم أكثر
مع التقاليد الشيعية
التي تتمحور
حول استشهاد
الإمام حسين
عام 680 بعد
الميلاد. وقد
أمل بعض عناصر
"حزب الله" في
لعب ورقة
الشهادة كي
يتمكّنوا من
اتّهام إسرائيل،
ومن خلالها
الولايات
المتّحدة،
بارتكاب جرائم
حرب. لقد
عرفوا أنّ
البكاء على
نكبة
متخيَّلة
أسهل بالنسبة
إلى الشيعة
الذين
ترعرعوا في ثقافة
تجعل منهم
ضحايا
أزليّين، من
الضحك فرحاً
بنصر مزعوم.
لكن
سياسياً، كان
على "حزب الله"
أن يعلن النصر
لسبب بسيط: كان
عليه أن
يتظاهر بأنّ
الموت
والدمار اللذين
تسبّب بهما
يستحقّان
العناء. كان
ادّعاء النصر
الدرع الذي
يقي الحزب من
انتقاد استراتيجية
قادت لبنان
إلى الحرب
بدون علم
حكومته وشعبه.
وقد لمّح نصرالله
إلى هذا في
إطلالاته على
التلفزيون
عندما دعا من
انتقدوه
لأنّه تسبّب
بالحرب إلى
الصمت لأنّ "نصراً
استراتيجياً
عظيماً" قد
تحقّق.
نجح
هذا التكتيك
ليوم أو اثنين.
لكنّه لم يسكت
النقّاد
الذين ارتفعت
أصواتهم أكثر
في الآونة
الأخيرة. طالب
قادة حركة "14
آذار/مارس" التي
تملك
الغالبيّة في
البرلمان
والحكومة اللبنانيَّين،
تحقيقاً في
الظروف التي
أدّت إلى
الحرب، وهي
طريقة غير
مباشرة
لاتّهام "حزب الله"
بالتسبّب
بالمأساة. وقد
أوضح رئيس
الوزراء فؤاد السنيورة
أنّه لن يسمح
للحزب بأن
يبقى دولة
داخل الدولة. حتّى
ميشال
عون، القائد
المسيحي
المنشقّ
والحليف التكتيكي
لـ"حزب الله"،
دعا
الميليشيا
الشيعية إلى
تسليم سلاحها.
بعد
إعلان النصر،
أطلق نصرالله
ما يُعرَف بـ"السيل
الأخضر"، في
إشارة إلى
الكمّيات
الكبيرة من
الدولارات
الأميركية
التي يوزّعها "حزب
الله" على
الشيعة في
بيروت
والجنوب. تُشحَن
الدولارات من
إيران إلى
بيروت عبر
سوريا، وتوزَّع
من خلال شبكات
المقاتلين. كلّ من
يثبت أنّ
منزله تضرّر
في الحرب يحصل
على 12 ألف
دولار، وهو
مبلغ ضخم في
لبنان الذي
مزّقته الحرب.
أُطلِق
"السيل
الأخضر" لإسكات
الانتقادات
التي تُوجَّه
للسيّد نصرالله
وأسياده في
طهران. لكن
يبدو أنّ
الحيلة غير
ناجحة. يقول
وليد أبي
مرشد، وهو
كاتب عمود خاص
لبناني بارز "إذا
كان حزب الله
قد حقّق
انتصاراً،
فهو انتصار بيروسي. لقد جعلوا
لبنان يدفع
ثمناً باهظاً جداً،
ويجب
محاسبتهم على
ذلك".
ويُنتقَد
"حزب الله" أيضاً
من داخل
الطائفة
الشيعية
اللبنانية التي
تشكّل نحو
أربعين في المئة
من السكّان. وضع
السيّد علي
الأمين، كبير
شيعة لبنان(*)،
حداً لسنوات
من الصمت
فانتقد "حزب
الله" لأنّه
تسبّب بالحرب
ودعا إلى نزع
سلاحه. ففي
مقابلة مع
الصحيفة
اللبنانية "النهار"،
رفض الزعم
بأنّ "حزب
الله" يمثّل
كلّ الطائفة
الشيعية. وقال
السيّد
الأمين "لا
أعتقد أنّ حزب
الله سأل
الطائفة
الشيعية
رأيها في
الحرب. ولعلّ
النزوح
الكثيف من
الجنوب خير
دليل على رفض
أهل الجنوب
الحرب. والطائفة
الشيعية لم
تعطِ أحداً تفويضاً
ليعلن الحرب باسمها".
وكانت
هناك أيضاً
انتقادات
أكثر حدّة. كتبت
منى فيّاض،
وهي أكاديمية
شيعية بارزة
في بيروت،
مقالاً نُشِر
أيضاً في
صحيفة "النهار"
سألت فيه ما
معنى أن تكون
شيعياً في
لبنان الآن؟ وأجابت
بسخرية: الشيعي
يتلقّى
التعليمات من
إيران،
ويروِّع
أبناء دينه مرغماً
إياهم على التزام
الصمت ويقود
البلاد إلى
كارثة بدون استشارة
أحد. وانتقد
أكاديمي آخر،
زبير عبود، في
موقع "إيلاف"،
وهو عبارة عن
صحيفة
إلكترونية
عربية تحظى بشعبية
واسعة، "حزب
الله" واصفاً
إياه بأنّه "من
أسوأ ما حصل
للعرب منذ وقت
طويل". واتّهم نصرالله
بالمجازفة
بوجود لبنان
من أجل خدمة
الأطماع
الإيرانية في
المنطقة.
قبل
تسبّبه
بالحرب، كان نصرالله
قد واجه
انتقادات
متزايدة ليس
من الطائفة الشيعية
وحسب إنّما
أيضاً من داخل
"حزب الله". عبّر
البعض في
الجناح
السياسي عن
استيائهم من
اعتماده
المفرط على
الجهاز
العسكري والأمني
للحزب. وقد
وصفوا أسلوب نصرالله
طالبين عدم
ذكر اسمهم بـ
"الستاليني"
ولفتوا إلى
أنّ مجلس شورى
الحزب لم يعقد
جلسة بكامل
الأعضاء منذ
خمس سنوات. فقد
اتّخذ نصرالله
كلّ القرارات
الكبرى بعد
الحصول على
موافقة الإيرانيين
والسوريين
عليها، وكان
يحرص أثناء
زياراته
الرسمية إلى
طهران على أن
يلتقي وحده
دون سواه "القائد
الأعلى" الإيراني
علي خامنيئي.
برّر
نصرالله
أسلوبه هذا
بالادّعاء
أنّ إشراك عدد
كبير من الأشخاص
في عمليّة صنع
القرارات من
شأنه أن يسمح للـ "العدوّ
الصهيوني" بأن
يخترق الحزب. عند
حصوله على
الضوء الأخضر
الإيراني
للتسبّب
بالحرب،
تصرّف نصرالله
حتّى بدون
إعلام وزيرَي "حزب
الله" في
حكومة السنيورة
أو نوّاب
الحزب الاثني
عشر في
البرلمان
اللبناني.
وانتُقِد
نصرالله
أيضاً لأنّه
اعترف بعلي خامنيئي "مرجع
التقليد"، أي
أعلى سلطة في
الطائفة
الشيعية. وتأكيداً
للـ "البيعة"،
يقبّل نصرالله
يد خامنئي
كلّما التقيا.
وهذا مصدر
استياء لعدد
كبير من
الشيعة اللبنانيين
لأنّ إيران
نفسها لا
تعترف
بالسيّد خامنئي،
وهو سياسي
نافذ إنّما
قليل الشأن في
المجال
اللاهوتي، "مرجع
التقليد". فالغالبيّة
الساحقة من
الشيعة
اللبنانيين تعتبر
آية الله العظمى
علي السيستاني
في العراق أو
آية الله محمد
حسين فضل الله
في بيروت "مرجع
التقليد".
ويطرح
بعض الشيعة
اللبنانيين
أيضاً تساؤلات
حول
استراتيجيا نصرالله
القائمة على
معارضة "الخطّة
من أجل السلام"
التي اقترحها
رئيس الوزراء
فؤاد السنيورة،
وبدلاً من ذلك
ترويج "خطّة
تحدٍّ" مدعومة
من إيران.
يريد
الائتلاف
الذي يقوده السنيورة
تحويل لبنان
جنّة سلام في
قلب منطقة
مضطربة. ويصف
نقّاده هذا
المسعى بأنّه خطّة تهدف
إلى "خلق
موناكو أكبر". لكنّ
"خطّة
التحدّي" التي
أطلقها نصرالله
تهدف إلى
تحويل لبنان
خطاً أمامياً
للدفاعات
الإيرانية في
حرب حضارات
بين الإسلام (بقيادة
طهران) و"الكفّار"
بقيادة
الولايات
المتّحدة. يقول
الباحث
اللبناني
نديم شحاده
"الخيار هو
بين الشاطئ
والغرفة
المحصَّنة تحت
الأرض". هناك
أدلّة تثبت
أنّ غالبيّة
الشيعة
اللبنانيين
يفضّلون
الشاطئ.
في
مرحلة
معيَّنة، كان
الشيعة يمثّلون
طبقة دنيا من
الفلاّحين الشديدي
الفقر في
الجنوب
وأحياء بيروت
الفقيرة. لكن
في السنوات الثلاثين
الماضية،
تغيّرت تلك
الصورة. فقد
ساعدت
الأموال التي
يرسلها
المهاجرون الشيعة
في غرب
أفريقيا (حيث
يسيطرون على
تجارة الماس) والولايات
المتّحدة (لا سيّما
ميشيغان) على
خلق طبقة وسطى
ميسورة من
الشيعة
المهتمّين
بالحياة
الجيّدة أكثر
من اهتمامهم
بالاستشهاد
على طريقة
الإمام حسين. تحلم
هذه
البورجوازية
الشيعية
الجديدة بالحصول
على مكان في
الاتّجاه
السائد في
السياسة
اللبنانية
وتأمل
استخدام التفوّق
الديموغرافي
للطائفة
منطلقاً
لتولّي مناصب
قيادية على
صعيد الوطن. وما
دام "حزب الله"
أداة
للسياسات
الإيرانية،
فهو عاجز عن
تحقيق هذا الحلم.
تقدِّم
لائحة
الأسماء التي
لم تدعم يوماً
"حزب الله" أو
انفصلت عنه
بعدما أصبحت
روابطه
الإيرانية
واضحة جداً،
فكرة عن
التوجّهات
المختلفة في
الطائفة الشيعية
اللبنانية. فإلى
جانب عائلة
الأمين، تشمل
هذه اللائحة عائلات
مثل الأسعد
وعسيران
والخليل وحماده
ومرتضى وشرف الدين
وفضل الله
وموسوي
وحسيني وشمس
الدين وعطالله.
لا
يمثّل "حزب
الله" الإجماع
الوطني
اللبناني بل
هو مجموعة
مذهبيّة
تدعمها
ميليشيا
تدرّبها ايران
وتسلّحها
وتسيطر عليها.
بحسب تعبير
حسين شريعتمداري،
رئيس تحرير
الصحيفة
الإيرانية "كيهان": "حزب
الله هو إيران
في لبنان". في
الانتخابات
البلدية عام 2004،
فاز "حزب الله"
بنحو أربعين
في المئة
من الأصوات في
المناطق
الشيعية،
بينما فازت حركة
"أمل" المنافسة
له ومرشّحون
مستقلّون
بالأصوات
الباقية. وفي
الانتخابات
العامّة
العام
الفائت، فاز "حزب
الله" بـ 12
مقعداً فقط من
أصل 27 مقعداً
للشيعة في
البرلمان
الذي يضمّ 128
نائباً - وذلك
على الرغم من
تحالفه مع
أطراف مسيحية
ودرزية
وإنفاق مبالغ
طائلة حصل
عليها من
إيران لشراء
الأصوات.
لم يعد
موقع "حزب
الله" محكماً
في العالم
العربي
الأوسع حيث
يُنظَر إليه
كأداة
إيرانية وليس
كطليعة نهضة
جديدة، كما
يدّعي
الإعلام
الغربي. في
الواقع، ما
زال قوياً
لأنّه يملك
أسلحة ومالاً
ودعماً من
إيران وسوريا
و"مؤسّسة كره
أميركا
الدولية". لكنّ
لائحة الكتّاب
العرب
البارزين،
الشيعة
والسنّة على
السواء، الذين
يفضحون حقيقة "حزب
الله" - حصان
طروادة خميني
- أطول من أن
تُعدَّد في
مقال واحد. لقد
بدأوا
يكشفون
النقاب عن
حقيقة ما جرى
في لبنان.
بعدما
خسر أكثر من خمسمئة
مقاتل
ودُمِّرت كلّ
صواريخه
المتوسّطة
المدى
تقريباً، قد
يجد "حزب الله"
صعوبة في
مواصلة
الادّعاء
بأنّه انتصر. يقول
كاتب العمود
الخاص المصري
علي الابرهيم
"ربح حزب الله
حرب البروباغندا
لأنّ كثيرين
في الغرب
أرادوه أن
يفوز كوسيلة لتصفية
حسابات مع
الولايات
المتّحدة. لكنّ
العرب أصبحوا
حكماء بما
يكفي للتمييز
بين النصر
التلفزيوني
والنصر
الحقيقي".
* الكاتب
قصد مفتي صور
وجبل عامل
السيد علي الأمين.
*المدير
التنفيذي
السابق
لصحيفة "شيهان"
الإيرانية -
مؤلّف
"العراق: ما
تخبّئه
الأوراق" بالفرنسية،
منشورات كومبلكس،
2002 .