الآشورية المسيحية.. ماذا
بقي منها في
سوريا؟
الخميس 6 يوليو 2006
سليمان يوسف يوسف
حيث، ممنوع
على الآشوري (المسيحي)
أن يصبح رئيساً..!
قد يرى
الكثير من (العرب)
في هذا
العنوان
استفزازاً،
وربما
تحدياً، لمشاعرهم
القومية،
ظناً منهم
بأنه يحمل
مشروع دولة (آشورية
مسيحية)،
جاهلين أو
متجاهلين أن (الآشورية)
- السريانية- هي
مرحلة
تاريخية
مهمة، في حياة
سوريا القديمة،
وأن أول دستور
وضع للدولة
السورية الحديثة
ذكر في مقدمته
بأن (سوريا) هي
موطن السريان (ASSERYIAN)
ومنهم
أخذت اسمها،
وكانت تعرف
دستورياً بـ
(الجمهورية
السورية)، الى
حين قيام (الوحدة
المشئومة) مع
مصر 1958. وفي هذا
السياق تقول، رهاب
بيطار (رئيس
حزب التجمع
الديمقراطي
الحر في سوريا)،
في مقال لها: ( (اطلق اسم
سوريا
تاريخياً على
أرض الهلال
السوري الخصب
وهو اسم مشتق
من لفظة (آشوريا)
التي تطورت
عبر التاريخ
لتصبح (سوريا) وسكن
هذه الأرض
أقوام عدة مثل
الآشوريين
والكنعانيين
و الفينيقيين
والآراميين
وتمازجت هذه
الأقوام عبر
آلاف السنين
وشكلت شعباً عظيماً
سمي بالشعب
السوري تطورت
لغته حتى
تبلورت باللغة
السريانية (لغة
سوريا)).
بلا ريب،
لكلام
الأستاذة (بيطار)أهمية
خاصة، ليس
لأنه صادر عن
شخصية سياسية
عربية سورية
فحسب، وإنما
كونه قيل في
مرحلة تشهد
جدالاً
حامياً حول (الهوية
الوطنية) لسوريا-
كما هو الحال
في العديد من دول
المنطقة- حيث
تطالب بعض
النخب
الليبرالية
والعلمانية
ودعاة
المجتمع
المدني
بإسقاط (الانتماء
القومي- العروبة)
من الاسم
السياسي
لسوريا
والإبقاء فقط
على (الانتماء
الوطني- سوريا)
كمعطى مدني
وحضاري جامع
وشامل لكل
أبناء سوريا
بغض النظر عن
انتماءاتهم
القومية والإثنية
وعقائدهم
الدينية. فنسب
حضارة سوريا
للعرب وحدهم
دون غيرهم واختزال
هويتها بـ
(العروبة
والإسلام)،
يحمل مغالطات
تاريخية
وسياسية
عديدة، حيث في
سوريا (مهد
الحضارات) عاشت
واستوطنت
شعوب وأمم
كثيرة، آخرها
العرب
المسلمون
الذين غزوها
في القرن
السابع الميلادي،
كما أن الشعب
السوري ليس
كله عرباً
ومسلمين، وإنما
يضم نسبة جيدة
من المسيحيين
ومن قوميات
أخرى.
بالطبع
غالبية الشعب
السوري تجهل
تاريخ سوريا
القديم بسبب
تعاطي (الحكم
العربي) منذ
البداية مع
التراث
الآشوري/السرياني
والمسيحي في
سوريا الكبرى
وبلاد الرافدين،
ومع تراث باقي
الشعوب
القديمة في
المنطقة،
بعقلية الغازي
المستوطِن (المستعمِر)،
الذي يسعى
لطمس تاريخ
ومعالم
الشعوب الأصيلة
(صاحبة الأرض) وإمحاء
وجودها ليضمن
بقاءه الدائم
فيها، وبسبب
هذا النهج (الاستعماري)
للحكم
العربي، بادت
حضارة سوريا
الآشورية المسيحية،
بعد أن سادت
لعشرات
القرون،
وأضحت سوريا (مقبرة
للثقافات)،
بعد أن كانت (مهد
الحضارات).
بالرغم من أن
فكر حزب (البعث
العربي
الاشتراكي)اتسم
بشيء من
العلمانية
والانفتاح
وأعاد تعريف (القومية
العربية) على
أساس ثقافي
وليس عرقي،
لكنه لم يحدث
تغيير جوهري
ومهم في
الموقف
العربي التقليدي
من (القضية
الآشورية)،
على الأقل
بالنسبة
للجانب
المتعلق
باللغة والتراث
الحضاري
والبعد
الإنساني
لهذه القضية،
كذلك بالنسبة
للموقف من
مسالة الهوية
الوطنية
لسوريا، حيث
بقيتا،
كغيرها من
القضايا
الوطنية
الهامة،
أسيرة الايديولوجيا
القومية
والعقيدة
الإسلامية
والشعارات
السياسية
لحزب البعث
الذي ظهر
عملياً ومنذ
انقلابه على
السلطة 1963 في
سوريا كواحد
من أكثر
الحركات
والأحزاب العربية،
الى جانب (الحركة
الناصرية)،
تعصباً
للقومية
العربية.
حتى أنه يبدو
اليوم اقرب الى (الإسلام)
من العروبة،
وهذا ليس
بغريب على
حزب، قال
مؤسسه (ميشيل عفلق): ( (إذا
كان محمد
عربياً، فعلى
كل عربي أن
يكون محمداً)).
حقيقة أن ما
يدرس في
المدارس
والجامعات
السورية ليس
تاريخ سوريا
ولا علاقة له
بعلم التاريخ،
وإنما هو فكر قوموي عروبي
إسلاموي،
يحمل بذور
التعصب
الديني
والعنصرية
القومية، إذ
يبدو فيه الانحياز
واضحاً
وفاضحاً
للعنصر
والتاريخ العربي
الإسلامي، مع
تجاهل تام
للتاريخ الآشوري
(السرياني) والمسيحي
عامة، وهذا من
دون شك، لا
يخدم الوحدة
الوطنية ويضر
بعملية
الاندماج
الوطني بين
أقوام
ومكونات
الشعب السوري.
هذه المناهج
المتخلفة هي
المسئولة عن
استنبات جذور
الوعي
الطائفي والإثني
والعودة
بسوريا الى
الزمن الرديء
والانحدار
الحاصل في
القيم والأخلاق
الوطنية. واللافت
في هذا
السياق، أن
كتب ومقررات (اللغة
العربية،
وبنسبة أقل
مادة القومية)
في المدارس
والجامعات
السورية أضحت (ديانة
إسلامية)، بعد
أن اجتاحتها
آيات قرآنية
وأحاديث
نبوية وقصص من
التراث
الإسلامي، طبعاً
من غير أن يرد
فيها ذكر أي
نص أو آية من الإنجيل
ولا حديث واحد
من التراث
والتاريخ المسيحيين،
وآخر إنجازات
البعث العربي
في اطار
نهج أسلمة
المجتمع
السوري: وضع
صورة (المسجد/الجامع)
على البطاقات (الهوية)
الشخصية للمواطنين
السوريين.
وإذا ما تحدث
الإعلام
السوري عن
الحضارة
الآشورية
والتراث
السرياني
المسيحي، لا
يأتي حديثه ضمن
نهج وبرنامج
وطني ليعمق
اعتزاز
السوريين به
كتراث وطني
أصيل، وإنما
يقوم بذلك
بقصد الترويج
السياحي
لسوريا. جدير
بالذكر أن
أكثر من 90% من
سكان سوريا نشأوا
وترعرعوا في
ظل حكم البعث
وتشبعوا
بثقافته القومية
والإسلامية
التي أودت بنا
الى ما
نحن عليه من
تمزق في
هويتنا
السورية
وانهزام
إرادتنا
الوطنية. ونشير
هنا الى
واقعة بالغة
الأهمية في
سياق هذه
القضية:
استكثر أمين
فرع حزب البعث
في مدينة (الحسكة)،
قبل سنوات، على
الفرقة
النحاسية (الآشورية)
عزف النشيد
الوطني
للبلاد في
احتفال وطني
كبير، حيث
منعها من عزف
النشيد،
علماً لم يكن
في ذاك
الاحتفال أية
فرق موسيقية
أخرى.
بالطبع، لا
يمكن إعادة
عجلة التاريخ الى
الوراء
وبالتالي
إعادة العرب
المسلمين الى
من حيث جاءوا،
وبالأصل ليس
هذا مشروعنا
أو هدفنا، إذ
لا وجود
لأطماع سياسية
للآشوريين أو
لأي فئة
مسيحية أخرى
في سوريا،
وإنما ما نعمل
من أجله هو مد
الجسور المقطوعة
بين ماضي
وحاضر سوريا، واعادة
الاعتبار
للمرحلة
الآشورية (السريانية)
وكذلك (الآرامية)
وحتى
الفينيقية،
وهي لم تكن
مراحل عابرة
بحياة سوريا
وإنما متجذرة
بتاريخ سوريا،
تمتد عشرات
القرون، لكن
أسقطتها
العقلية العروبية
الإسلامية
وغيبتها بشكل
متعمد عن
التاريخ السوري.
بالطبع، اعادة
الاعتبار
للحضارات
السورية
القديمة
يتطلب وضع
مناهج وبرامج
تربوية
وتعليمية
تجسد وعياً
وطنياً لا
طائفياً بتاريخ
وحضارة
سوريا، مناهج
تؤسس لمرحلة
جديدة في
سوريا تقوم
على الإقرار
بالوجود
الآشوري
القائم
والمتفاعل مع
الحالة
الوطنية السورية،
وإحضار أو
إحياء (التراث
السرياني)، من
لغة وثقافة
وتاريخ
لتعزيز
انتماء الإنسان
السوري به،
وتقديمه على
أنه ملك كل
السوريين
وليس ملك
الآشوريين
وحدهم، ووضعه
بنفس المستوى
والدرجة من
الاهتمام
المعطى
للتراث
والتاريخ
العربيين من
قبل الدولة
السورية. فالوطنية
لا تبنى
بالتركيز على
ما هو مدفون
تحت الأرض من
حجر وآثار
وأموات لجذب
السائح
الأجنبي وتجاهل
ما فوقها من
بشر لهم حقوق
وينتظرهم
مستقبل.
لا يمكن
لدولة تدعي
أنها تحترم
تاريخ وحضارة
بلدها، وهي
تتجاهل حقوق
مواطنيها
وتغييب حقائق
التاريخ
كلياً عن فكر
وثقافة شعبها!
لماذا ممنوع
على الآشوري
والمسيحي أن
يصبح رئيساً
لسوريا التي
تحمل أسمه
وتحتضن
تاريخه
وحضارته؟. هل
يعقل أن يعلم
في سوريا
تاريخ وحياة
أفخاذ قبائل
وعشائر عرب
اليمن
والسودان
وعرب جزر
القمر
والصومال،
ويبقى تاريخ
الآشوريين وحضارتهم
وحقب مهمة
أخرى من تاريخ
وحضارة سوريا
لغزاً وسراً
مجهولاً
بالنسبة
للإنسان
السوري، وأن
يتهم من يتحدث
عن المرحلة
الآشورية
بالشعوبية
والانعزالية. من
من
السوريين
يعرف عن
الشهيدة
الآشورية (فبرونيا)
التي قاتلت
الاحتلال
الروماني
لسوريا حتى استشهدت
عام 303م بالقرب
من مدينة
نصيبين
الآشورية (تركية
حالياً)؟
ومن من
السوريين قرأ
للشاعر
الكبير مار أفرام
السرياني (شمس
السريان) والمؤرخ
ميخائيل
الكبير
والأديب اوكين
منا والمؤرخ
والفيلسوف
ابن العبري واحيقار
الحكيم، وعن
يوحنا
الدمشقي؟
وكم من
السوريين سمع
بمملكة (الرها-
أورهي) الآشورية
السورية، أول
مملكة تعتنق
المسيحية في
العالم؟
لا بل كم من
السوريين
يعرف شيئاً عن
تاريخ المسيحية
وظروف ظهورها
في فلسطين؟
وهل يعرف
الشعب السوري
شيئاً عن ملحمة
التكوين
البابلية (إينوما
ايليش) و كلكامش
الآشورية
التي دارت
الكثير من
أحداثها على الأرض
السورية وعن
الملك العظيم نبوخذ نصر
وعن مكتبة
آشور بانيبال
العظيمة، أول
مكتبة في
التاريخ ؟
وكذلك وكم من
السوريين
يعرف أن دمشق
كانت عاصمة
أكبر إمارة
آرامية في
القرن العاشر
ق. م ؟.
لماذا
يتحدث
التاريخ
السوري عن
مذابح بحق
مجموعات عربية
وإسلامية هنا
وهناك، شرقاً
وغرباً، شمالاً
وجنوباً، ولا
يذكر شيئاً عن
مئات المذابح
بحق الآشوريين
والمسيحيين
عامة نفذتها
السلطنة
العثمانية
والاستعمار
الإنكليزي في
سوريا وتركيا
والعراق؟
بكل أسف وحزن
ثقافي، نقول: تخلو
مناهج
التعليم
وبرامج
التثقيف في
سوريا من ذكر
كل هذا التراث
الوطني ومن
هذه الحقائق
السورية!. لهذا
اجتاحت
الثقافة
الإسلامية
وعي الشارع السوري،
وبات هذا
الشارع يربط
المسيحية
بالغرب، ولم
يعد يتقبل
المسيحية الى
جانب
الإسلامية،
علماً أنها (المسيحية)انبعثت
من هذا الشرق
ومنه انتقلت الى
العالم،
شرقاً
وغرباً، لا بل
أنها ديانة
سورية
بامتياز،
وحتى القرن
السابع الميلادي
كانت منطقة
شرق البحر
المتوسط هي قلب
المسيحية
ومركز
حضارتها. ليس
من المبالغة
القول:
أن المناهج
التربوية
والتعليمية اللاوطنية
المطبقة
بسوريا وفي
غيرها من دول
المنطقة
العربية والإسلامية،
الى جانب
القمع
والاستبداد
والحرمان
الممارس من
قبل أنظمة
الحكم على
شعوبها،
يتحملان معاً
مسؤولية
تصاعد الأصولية
الإسلامية
والقومية
ونمو التطرف
الإسلامي
وانتشار
ثقافة العنف
والإرهاب
والقتل على
الهوية.
فبدلاً من أن
تحمل رياح
التغيير
والتحولات
السياسية
والفكرية
التي اجتاحت
وتجتاح
العالم، الديمقراطية
والحريات
الاجتماعية
لشعوب
المنطقة
وتبعث الأمل
والأمن
والاستقرار
فيها، زادت من
الإحباط
المسيحي في
الشرق وأضحى
الوجود
المسيحي أكثر
مهدداً،
وبدأت مخاوف
الآشوريين والمسيحيين
السوريين
عامة تتعاظم
من المصير الذي
ينتظرهم في أي
تغيير سياسي
غير آمن قد
يحصل في
سوريا، خاصة
والمشهد
العراقي ماثلاً
أمامهم،
والذي يؤكد
مجدداً:
أن مخاطر (النظام
القومي) على
الاستقرار
الداخلي في
دولة متعددة
القوميات لا
تقل عن مخاطر (النظام
الديني) في
مجتمع تتعدد
أديانه
ومذاهبه
وطوائفه، فكلا
النظامين
يحولان دون
الانتقال من (دولة
العقيدة) الى
(الدولة
المدنية) الآمنة،
القائمة على
الديمقراطية
وسيادة
القانون وعلى
مبدأ
المواطنة
وحقوق
الإنسان، كما
أنهما يعيقان
إقامة نظام
علماني
ديمقراطي
ليبرالي،
أفضل أنظمة الحكم
وأصلحها
للطبيعة
البشرية
***كاتب
المقال سوري
آشوري.. مهتم
بحقوق
الأقليات.
shosin@scs-net. org