مجزرتا صبرا وشاتيلا فخ نصبه حافظ الأسد لشارون وحزب الكتائب بعد اغتيال بشير الجميل

لندن - كتب حميد غريافي

 

ما أن أذاعت إسرائيل نبأ وفاة رئيس وزرائها وقائد جيشها الأسبق ارييل شارون في نهاية الأسبوع دون أن يخرج من غيبوبة الكوما التي أصابته منذ نحو ثماني سنوات، تدافعت المواقع الألكترونية العربية والدولية للحديث عن سيرة "جزّار صبرا وشاتيلا" في بيروت العاصمة الأولى التي احتّلها عسكرياً.

 

إلاّ أن مؤرخين لبنانيين-أميركيين وشخصيات لبنانية كانت قريبة من الأحداث يومذاك، رفضوا "بساطة" اتهام شارون، إذ نشر الدكتور فرانك سلامة اللبناني الأصل والمحاضر في معهد بوسطن الأميركي مقالاً على موقع "شبكة أخبار التاريخ"، قال فيه "إن الميليشيات التي تمّ تجهيزها لاقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا وارتكاب مجازر قتل آلاف السكان الفلسطينيين المدنيين، إنما كانت قيادتها من عملاء وحلفاء النظام السوري الحميمين في عهد حافظ الأسد، وقد اختيرت لإلباس القوات الكتائبية (اللبنانية) بقيادة بشير الجميل وارييل شارون وإسرائيل تهمة ارتكاب الجرائم، وليس من الصدف أن تقع تلك المجازر بعد مرور أقل من 48 ساعة على اغتيال الجميل على أيدي عملاء حافظ الأسد كما أثبتت التحقيقات فيما بعد".

 

وبعد ذلك، وطوال 30 عاماً من لحظة وقوع تلك المجازر ضد الفلسطينيين في بيروت استمر نظام البعث السوري في جرائمه فضرب مخيم البداوي في شمال لبنان وسوّاه بالأرض، كما سوّى مخيم نهر البارد في عهد بشار الأسد بالأرض أيضاً على أيدي عصابة "فتح الإسلام"، وها هو الآن يدّمر مخيم اليرموك في دمشق بنفس الرسائل التدميرية الدموية، وبعد ذلك انتقل إلى ضرب مدينة طرابلس السنيّة التي تقاطعت مع سنة حماة في سوريا، ثم شن "حرب المخيمات" في بيروت ودّمر معاقل الطائفة الشيعية الخاضعة له الآن بضغوط قادتها من حزب الله وحركة أمل الإيرانيين، ثم انتقل إلى مدينة صيدا عاصمة الجنوب اللبناني ليهدم مبانيها ومنازلها على رؤوس سكانها السنّة بعدما كان أذاق المناطق الدرزية في الجبل الأمرّين.

 

والآن يؤكد إجرام بشار الأسد في تدميره سوريا من أقصاها إلى أقصاها وقتل مئات الآلاف من سكّانها وتهجير الملاين منهم، انه "فعلاً ابن أبيه"" الذي قام العام 1983 بحرق مدينة حماة وتدميرها حتى الأرض وقتل أكثر من 50 ألفاً من أبنائها السّنة وتهجير ما تبقّى إلى أوروبا والعالم العربي والولايات المتحدة، لذلك فإن مجزرتي صبرا وشاتيلا الفلسطينيتين تبدوان كحبّتي فسدّق في مساواتهما أمام ما فعله الأب والابن وحاولا الباس تبعاتهما لشارون والجناح المسيحي اللبناني بقيادة بشير الجميل وحزب الكتائب.

 

وفي استجواب العميلة السابقة في وكالة "سي أي أي" كلير لوبيز التي كانت العام 1980 مسؤولة الملف الإيراني أمام الكونغرس يومذاك، أكدت أن الاستخبارات الإيرانية العاملة في لبنان والمتعاونة بشكل أشد حميمية مع الاستخبارات السورية وحزب الله، كانت وراء اغتيال بشير الجميل ثم دفعت بعملائها لتنفيذ مجزرتي صبرا وشاتيلا بعد 48 ساعة من ذلك لإحراج الدولة اللبنانية، والتمهيد لاجتياح لبنان سراً وعلناً، "إذ أن أوامر المجزرتين صدرت عن حافظ الأسد شخصياً إلى عملائه من الميليشيات اللبنانية".

 

وفي كتابه الذي أثار جدلاً واسعاً في التسعينات في لبنان والخارج، اعترف روبير حاتم مرافق قائد القوات اللبنانية يومذاك ايلي حبيقة والملقب ب "الكوبرا"، بأن رئيس الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان يومذاك غازي كنعان أمر حبيقة بتنفيذ المجزرتين في صبرا وشاتيلا، قبل أن يغتال بشار الأسد وصهره مدير الاستخبارات في سوريا آصف شوكت كنعان الذي كان وزيراً للداخلية في قلب مكتبه بالوزارة.

 

وكان "الكوبرا" روى في كتابه قبل فراره من لبنان إلى فرنسا حيث ما زال فيها مختبئاً حتى الآن، كيف "أنّب ارييل شارون قائد الحملة العسكرية يومها على صبرا وشاتيلا ايلي حبيقة بعنف وكاد يصل معه إلى ضربه، فوق سطح أحد المباني المشرفة على مخيم صبرا، بعد تلقيه باللاسلكي من مكان المجزرة معلومات من معاونيه عن وحشية جماعة حبيقة التابعين إلى الاستخبارات السورية في قتل الفلسطينيين رجالاً ونساءً وأطفالاً، ما يعني أن شارون لم يصدر أمر المجزرتين إلى حبيقة.

 

وقال الكوبرا إن اغتيال ايلي حبيقة العام 2002 في بيروت تم على يد رجال استخبارات سورية بمعرفة قيادة حزب الله ومشاركته في تلغيم السيارة المفخخة التي أودت بحياته لأنه حسب قول الكوبرا لأحد أقربائه كان سيطير بعد يومين إلى بلجيكا لتقديم شهادة في دعوى مقامة على شارون وهي الشهادة التي عرِف بشار الأسد يومذاك أنها كانت ستبرئ قائد الجيش الإسرائيلي من التهمة"

 

ويقول أحد قادة الأحزاب المسيحية في لبنان كان قريباً جداً مما يحدث في أوائل الثمانينات، أنه "سواء كان شارون على علم بمجزرتي صبرا وشاتيلا أم لم يكن، إلاّ أن وجوده يومذاك في حرم المخيمين بينما كانت المذبحة على قدم وساق، يحمله مسؤولية ما يجري، لكن المتهم الأساس في هذه المجزرة التي اتبعها فيما بعد بمجازر مماثلة في المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا ما هو إلاّ حافظ الأسد ممثلاً لعملية قائد القوات اللبنانية يومذاك ايلي حبيقة، الذي انكشف أمره فيما بعد وفرّ إلى سوريا ومنها إلى مدينة زحلة اللبنانية الواقعة تحت الاحتلال السوري، ومنها قاد محاولة اختراق للمجتمع المسيحي في الأشرفية عبر مناطق حزب الله وأمل التي قامت باحتضانه وإعادة تهريبه إلى سوريا مجدداً".

 

لندن في 16 كانون الثاني/14