عصر الظلمات إلى متى؟

بقلم: مصطفى جحا

 

حالة من الفوضى باتت تعمّ عالمنا بأكمله. عنفٌ، اغتيالات، تفجيرات وتصريحات بعيدة كل البعد عن أي مفاهيم إنسانية أو أخلاقية، بل حتى باتت في كثير من الأماكن أقرب إلى حالة صراع يدور في غابة تحكمها الهمجية واللاإدراك.

 

إذا ما حاولنا اليوم تسليط الضوء على هذه الحالات العنفية، نجد بأن منطقتنا بوجه خاص تحظى بنصيب وافر من اللامبالاة واللاأخلاقية، والسبب يعود إلى محاولات فرض التخلف على مجتمعنا ومحاربة أي جهة قد تعمل على بناء إنسان يحمل كل مزايا الإنسانية وبناء مجتمع يسعى إلى النهوض للعلى.

 

منطقتنا التي تتمتع بتعدد القوميات والأعراق والمعتقدات، رضخت مع الأسف الشديد لسيوف التفرقة، وأدارت أذنها لأصوات الشرذمة، حتى بتنا نعيش حالة من الانقسام على بعضنا البعض وبتنا نشهد فصلاً ديمغرافياً مبنياً على الانتماء لقومية أو معتقد معيّن، وهنا يكم الخطر. خطرٌ قائم على تفتت مجتمع متنوّع الانتماءات إلى مجتمعات ذات لون واحد تحكمها العصبيات القاتلة، مجتمعات متلاصقة جغرافياً ومتنافرة اجتماعياً وأمنياً في كثير من الأحيان.

 

في الآونة الأخيرة باتت الأصوات المنادية بالعيش سوية والعيش المشترك المختلط نادرة وخافتة، وهنا أودّ أن أركّز على كلمة العيش وليس التعايش. وباتت أصوات التفرقة أقوى وأعنف والملاحظ أيضاً أن هذه الأصوات تلاقي نوعاً من القبول بين أوساط مجتمعنا بحيث انساق العديد خلفها مهلّلين لها عن جهل وتخلّف محقّقين بذلك حقبة سوداء قاتمة قائمة على الأصوليات بكافة أنواعها وأشكالها.

 

والحالات الأصولية المتطرّفة، بمختلف انتماءاتها، أصبحت ذات تأثير أكبر على العقول والنفوس، بحيث تستغل المعتقدات بطريقة غير إنسانية لتشكّل حالة من الفكر المنادي بإلغاء التنوّع وبث السموم في الأدمغة.

 

إذا ما ألقينا نظرة على ما يدور في منطقتنا، نجد مجموعة براكين تتفجّر بشكل دائم، فمن العراق إلى لبنان ومصر وغيرهم نلاحظ تملّك وبروز العصبيات الضيقة، بحيث تصل في كثير من الأحيان إلى حدّ الهجوم الجسدي محوّلة بذلك صورة منطقتنا إلى اللون الأحمر الدموي القاني.

 

هذه البلاد القائمة على التعدديات عبر التاريخ والاندماج الاجتماعي الكلّي بين جميع المكونات صارت اليوم تعيش حالة من عدم التوازن، نظراً لأحوال العديد من مكونتها المعرّضة لخطر الإلغاء أو التهجير والتشريد.

 

إن فقدان أي مكوّن من مكوّنات مجتمعنا هو فقدان للقيمة التاريخية والثقافية والانسانية، وكل من يعمل على إلغاء مكوّن ما، يكون قد وقف في فخ خيانة التاريخ والانسان.

المسيحيون، المسلمون، الأيزيديون، الدروز، الأكراد، الشركس، العرب، التركمان وغيرهم كلهم باتوا في خطر اليوم.

 

وهنا يكمن السؤال: لماذا وصلت الدول الغربية لما وصلت إليه من تطوّر علمي، صناعي واجتماعي فيما تتراجع منطقتنا وبخطوات متسارعة نحو التخلّف والشرذمة والتطرّف؟

أو ليست العلمانية هي الحل؟ والمجتمع القائم على الفكر العلمانيّ النيّر الذي يحترم الاختلاف في المعتقد والانتماء هو الحل؟ والعلمانيّة التي تُحارب مع الأسف في مجتمعنا عن جهل وعدم إدراك لمعانيها الحقيقية والنبيلة لما تحفظه من كرامة وحرية الانسان لا تنهى عن اتباع دين معيّن أو ملّة معيّنة، بل تدعو لأن تكون الأديان بمثابة معتنق شخصي بين الانسان وربّه الذي يؤمن به. كذلك فليس هناك من نظام يحفظ حقوق المرأة بالتساوي التام مع الرجل كالعلمانية.إن كل مايُذاع عن العلمانية من أنها محاولة لإلغاء الدين وهدم المُثُل الأخلاقية والاجتماعية ما هو إلا جهل بمفاهيمها كما أن طرح العلمانية اليوم في منطقتنا يحتاج لخطوات حثيثة وعمل جبّار نظراً لتحوّل العديد من الناس إلى خزّان يُحقن بمواد سامة يسهل تفجيرهم فيما بعد.

 

بعد هذا العرض وبعد التماس الخطر لما يجري بيننا وكل الدماء التي تُسفك لأسباب بعيدة كل البعد عن المنطق والحضارة، يبقى أن نقول بأنه قد آن الأوان لخروج الانسان من قصوره الذي اقترفه في حق نفسه من خلال عدم استخدامه لعقله إلا بتوجيه من إنسان أو جهة أخرى، إما بسبب الكسل أو بسبب الجبن. فتكاسل الناس عن الاعتماد على أنفسهم في التفكير وتقييم صوابية الأمور من عدمها، أدى من جهة إلى تخلّفهم، ومن جهة ثانية جعلوا من أنفسهم عرضة للاستغلال من قبل الآخرين بسبب خوفهم وجبنهم.

 

آن الأوان لتطبيق الحرية والمساواة في منطقتنا وآن الأوان لنخرج من عصر الظلمات والهمجية إلى عصر التنوير والإنسان.

2 تشرين الثاني 2009