رسالة
الى
والدي
بقلم
غسان سعود
ستة
عشر عاماً،
وأنا أبحث
بصمت عن
الأمل. فكرت
كثيراً، باحتمالات
كثيرة، إلا
بحفرة في
وزارة الدفاع.
في وزارتك
التي احتلوها
بادعاء
توحيدها. كأنه
اليوم الثالث عشر من
تشرين 1990.
كأني
الآن أجوب
الأزقة
وأشاهد
الجنود الغرباء
يرافقهم بعض
الجنود
الجبناء
يجتاحون بلدتي،
والجنود
اللبنانيون
مقيدين بتهمة
الانتماء الى
لبنان.
كأني
الآن هناك،
تتساقط من
حولي المواقع
والبنادق
والشهداء.
وأسمع صوت
هدير
الطائرات ورشق
الرصاص وأنين
المصابين
وقرع الاجراس،
يختلطان بصوت
أمي تتضرع الى
إلهها ان
تكون بخير.
أستعيد
مشاهد خُيّل
لي أنها باتت
من الماضي. صور
الغرباء
المتجمهرين
حول تمثال فخر
الدين ينكلون
به، يأخذون
خزائن القصر
ومفروشاته
وكل ما تقع
أعينهم عليه.
كقطاع الطرق الفرحين
بغنيمتهم.
صورة
المرأة
العجوز التي
تبكي بطريقة
هستيرية
لمشاهدتها
جنود لبنان
ذوي القبعات
الحمر والاجسام
الممشوقة النابضة
حيوية ورجولة
مطأطئي
الرؤوس والدموع
تملأ عيونهم.
صور الجيش
البطل
المكسور.
وكأني
الآن
في باحة
القصر أسمع
نداء الاستسلام
عبر الأثير
وأبحث عنك.
كأن الليالي
الطويلة لم
تمر، والحزن
العميق لم
يشلّني والقلق
لم يُهلكني.
كأن
تلك المرحلة
عالقة فيَّ،
وتلك الدقائق
البليدة
تحكمت بحياتي.
اليوم تكرمك
المؤسسة التي
تبرأت منك ستة
عشر عاماً.
أحاول
ان اشق
طريقي لأغمر
ذاك الصندوق
الخشبي
وأسترق النظر الى
بقاياك.
عسى
اشعر
بعينيك
اللتين
ودعتاني
بحنان. وهذا
الحنان يريدني
ولا يريدني ان أرحل
عشية الثالث
عشر من تشرين 1990.
أريد ان
أغمر ذلك
الصندوق
لأشعر بدفئك
الذي أشتاق اليه في كل
يوم.
كان
من الافضل
ان تجري
وزارة الدفاع
مراسم وداعك انت
ورفاقك في
وزارة
الدفاع، قرب
الحفرة التي
رماك فيها
أزلام
العصابة المخابراتية،
وليس في
مستشفى عسكري.
وكان
من الافضل
ان يتجمع البعثيون
السابقون
الذين
يطالبون
اليوم باقالة
لحود حول
نعشك،
ليعتذروا اولاً
عما ارتكبته ايديهم
وصمتهم.
ويبادروا الى
محاكمة
المسؤولين عن اعدامكم،
بالخيانة
العظمى.
كأن
بقايا القماش
المرقط الذي
وجدوه حول بقاياك
تمنحك انت
ورفاقك وحدكم
شرعية
الاستشهاد.
كأنكم حقاً
وحدكم ابطال
الحرية
والسيادة
والاستقلال
التي استفاق عليها
بعد ستة عشر
عاماً بعض
قاتليكم.
بالقرب من نعشك،
وأنا كلي تأثر
بمجدك.
اعاهدك انني
طالما لم
يعتذروا
علانية عن كل
ما ارتكبوه وقالوه،
طوال الحقبة
الماضية، سوف
لن أنسى.
وليكن
جميع الذين
واجهوا اليوم
مأساتهم، فخورين
بأقرباء لهم
رفضوا
الانكسار.
وليتأكدوا
ان قصة
"حرية وسيادة
واستقلال"
الوطن انما
بدأت قبل
الرابع عشر من
شباط 2005 بكثير.
بدأت
مع هؤلاء الابطال
الذين تمسكوا
بمجد لبنان
ولم ترضخ
شجاعتهم للاستسلام
فكللوا
بزَاتهم
المرقطة بدماء
اهدرت من
ثقب رصاصة
حاقدة زرعت في
جبينهم.
ودماؤهم
هي حقنا في
الحرية والسيادة
والاستقلال.
عسى
ألا يفتي
اليوم لحود
بتكريمك،
ألاّ يتدخل.
ألاّ يصدر عن
قصره بيان
تأبيني.
هو
وجميع
الآخرين
الذين يزايد
اليوم بعضهم على
بعض في دورهم
التحريري
لاقتسام
مغانم السلطة
الجديدة،
بعدما صمتوا
طويلاً على
مشاركتهم في
دفنكم من دون
مراسم تكريمية
في باحة
وزارتكم.
اشعر اليوم
باشتياق عمره
ستة عشر عاماً
لبريق عينيك،
لنجوم العزة
العسكرية
التي كانت
تكلل كتفيك،
لغضبك من
محاولة
اغتيال عمادك
قبل يوم من
اغتيالك.
اشتاق الى
والد اشعرني
انه يكتب
تاريخ وطني،
وجعلني امضي
ستة عشر عاماً
في البحث عن
وطن ضائع.
كأني
اريد ايقاف
تلك اللحظة، اريد ان
ينتهي الزمن
عند لحظة
استشهادك على
باب بيتك "بيت
الشعب".
ايام القلق
الطويلة كانت
عنيفة.
في
اللحظات الاولى
التي تلت
سقوطك هرع بعض
المؤيدين
للطائف والحاقدين
على تمردك انت
ورفاقك لاطلاق
النار
ابتهاجاً.
واهتاجوا في الشوارع
فرحين برحيلك.
ومرت
ايام، وانا أبحث
عن الامل.
قالوا الكثير،
شتموني
وشتموك،
احتقروني
واحتقروك،
أهانوني
وأهانوك.
سخروا
من جرحي وأملي
وطموحي. تخطوا
كل القيم، ضربوني،
انا وأمي
وبضعة آخرين،
رشونا
بالمياه، قمعونا،
رمونا في
السجون.
اعتدوا على
حرمة
منازلنا، مزقوا
صورتك، عبثوا
بأغراضك،
بعثروا وثائقك.
سنوات طويلة، وأنا
صامت، قلق،
انتظر عودتك.
مكذباً
رؤساء
الحكومات
والوزراء
والنواب والمسؤولين
الحاليين
والسابقين
الذين
أرادونا ان
نقتنع أنك لست
موجوداً.
انك
اختفيت
بكل سهولة.
من
جريدة النهار
20/3/2006