يقظته كلَّفته ثمن حياته

الأب/سيمون عسَّاف

لن يترك الحكام السوريون لبنان إلا محروقا وهذا ذنب الضيافة والتفوق والجمال. استضاف الأشقاء بلدنا وكرَّمهم وأعطاهم أكثر مما يتمنُّون فرأوا سباقه لهم بأشواط فاضحا، لِذا عقَّدهم فيها إضافة إلى جمال حُرِموا منه فأصابتهم عوارض الخبل. خدمتهم ظروف وأوضاع وجهل، ظروف اشتبك بعضها بالبعض الآخر وأوضاع كانت المنطقة لم تتوضح مساراتها بعد، وجهل الكبار الذين سمحوا بهذا الدور الكبير لمن هم ليسوا بحجمه ولا على القياس.

كنت تنبَّأت عن حصول مجازر وها الساعة الآن هي حاضرة. والمسخرة يبحث السفَّاحون عن هوية الفاعل والقاتل أيضاً. ماذا ترانا نردُّ على هؤلاء الأبالسة إلا بالهزء والسخرية؟ حتى البسطاء والمساكين يعرفون من هم وراء اللعبة السمجة المُنكَرة الشنعاء، نعم هم ذاتهم من أهل البيت، من سلالة الإمامية المُغالية الذين أودوا بحياة الرجل وأطاحوا بما له من رسائل لم يريدوا إيصالها. اغتيل رفيق الحريري ولحق بقافلة الضحايا المغتالين كسليم اللوزي وصبحي الصالح المحمصاني وناظم القادري والمفتي حسن خالد وقاسم العماد.

هذه النار الشيطانية ما هي على صعيد الشريحة السنية بل على الصعيد اللبناني ككل هذه المرة، هل بات ممنوع علينا أن نكون أحرارا في بلادنا؟ ففي كل مرة يصحو زعيم سُنِّي لتصحيح المسار والمسير يكون مُعَدَّا ساقطا ضحية القناعات والمواقف والأصول.

أسترحم الله سائلاً أن يتغمَّد روحه والجسد بوافر الرأفات. دفعنا الثمن من قبل عن حالنا وما زلنا ندفع، ولكن هذه المرة لنا شركاء يتحمَّلون معنا تبعة تقرير المصير وإعادة بناء ما تداعى وطرد اللصوص والباعة من خشعة الهيكل. أدعو الجميع لشجب ها الفعل الدنيء والاقتناع بأن المحتل هو شرير فاجر.

من تراه يشاغب ويردع المظاهرات ويقمع الثورات ويُرهب الأحرار ويجور على المُعذِّبين ويظلم المعتدين على حرم العرين؟

أليسوا هم ذاتهم يسلكون خطأً فيوهمون الناس أنهم على حقّ دون أن يعلموا ما يعملوا. أساليبهم الهوجاء العوجاء يقرأُها كل خبير بشؤون الاستخباراتية المريبة والمعيبة معا؟

أن تكون ضد السوري البعثي في لبنان فهذا خُلْفٌ وعبث ومستحيل، أما أن يكون هو ضدك ولو في بيتك فهذا صار عنده عُرف إن لم تنص عليه الشريعة. سيبقى بلدنا حسك سمك في حلق الطامع بنا وخزي للمجتاح. لو كانت سوريا البعث لنا أو لو كنا منها لكانت أجمل من لبنان بكثير وأرقى وأغنى، ولكن المشكلة هم ليسوا نحن ولا نحن بالمقابل نرضى أن نكون هم، نستميحهم على نفورنا منهم بهذه الصراحة الناصعة.

واليوم على مرأى من الضمير العالمي والمَشاهد معروضة أمام الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، نترك الأمم المتحدة أن تتبنَّى الفصل في القضايا المطروحة، وتحسم أمرها في شأن الإرهاب الذي يمارسه الحكم السوري على شعبنا وتقويته حزب الله الذي كان يجب حسب اتفاق الطائف تجريده أسوة بغيره من السلاح. هل هذه مصداقية في التعاطي مع الناس والحكومات والدول؟

باختصار، إن يقظة السيد الحريري ومشاكسته كابن وطن كلَّفته ثمن حياته. شرف النبلاء عدم الاستقواء بالغريب وسلب الشعب حرية الخيار. وما بقي للبعثي السوري إلا الانصياع أو الاندحار على طريقة بعث العراق والدليل القاطع ما سيحدث في الآتي القريب.

مونتريال – كندا 17/2/2005