صيصان الأقنان يتهجَّمون على الجنرال!!

الأب/سيمون عسَّأف

صيصان الأقنان يتهجَّمون ويمطُّون قياسات أحجامهم متوهمين أنها صارت بحجم قياس الجنرال. يتلفَّظون بلغات خالية من الاحترام والخفر ويدعون أنهم يمثِّلون شرائح مجتمع  ثقيف. إلى هذا الحدّ بلغت السفاهة الكلامية بنواَّب وأشباه سياسيين وصحافيين مأجورين يربأ الناموس أن يكونوا تلامذة درسوا في قاموس معاهد الأدب. لا الخطاب ولا الجواب له وزن ثمين في مجالسهم. على وسائل الإعلان يفلشون بضائعهم الكاسدة ويروِّجون لها. هل صحيح أن بلادي مرَّت بحرب مخجلة سوداء أدمت الحجر والبشر؟ هل نصدِّق أن أهلي يفرزون بعد المآسي المريرة مثل هؤلاء الأشخاص الذين يدَّعون الترقي والمستويات؟ أين هم من شخصية الجنرال التي أجمعت عليها أغلب المشارب والمذاهب في الوطن حتى يتناوطوا على أنفته والإباء؟ ما بال الذاكرة عند هؤلاء مضروبة مبلية بالعجز والخرف فيقومون ويقعدون من كراهية وحسد ؟

يساوون نفوسهم عن قناعة متبجِّحة بالجنرال ويراودهم هذا البيت من الشعر:

"إن الزرازير لما قام قائمها       توهَّمت أنها صارت شواهينا".

كيف لا يستحي هؤلاء من أحاديثهم السفسطائية التي لا يسمعها عاقل إلا ويقهقه من جهالات تستغبي العباد ؟

إن الحماس الذي يظهرون، هل فعلا هو تأثُّر على الصحافي الشهيد سمير قصير أم طفرات عاطفية استغلالية في مواسم الانتخاب والاقتراع؟ لم نعهد انفعالاً يشابه انفعالهم الحانق الغاضب الحاقد على شموخ الجنرال ميشال عون. هل تراهم نسوا أنه وحده ملأ لبنان ودمغ "بجزمته" جبهة التاريخ الذي ستقرأؤه الأجيال؟

والمضحك نداء أحد الرموز البهلواني المطالب بانضمام الجنرال إليه وكأنه لم يرَ بأم العين الحشود الشعبية والجماهير الغفيرة التي زحفت إلى استقبال الجنرال العملاق لدى عودته إلى البلد من المنفى.

ليعذرنا الدونكيشوتي المتقلب العامل بالمثل المأثور: " ألف قَلْبِه وْلا غَلْبِه"، ولنفرض رضي الجنرال أن ينضم نحن نرفض غير ناسين المآثر والمآتي في الجبل وصندوق المهجرين والأقوال الشاتمة آنذاك.

أين هي المصالحة التي عنها يتكلمون وتبدو قولاُ لا فعلا،" إسمع تفرح جرِّب تحزن". على الأرض لم ترجع الناس فكيف تكون تمَّت؟

يبكينا اليوم الوضع الراهن برجال ليست تملأ ثيابها. إن لبنان بشقيه المقيم والمغترب تعصف به الخيبات والأحزان حين تنطلق أصوات النشاز والشواذ من وطاويط الليالي. أين الغلط- طالما الديمقراطية سلاحنا- في أن يتحالف الجنرال معهم أو مع سواهم؟ والمستغرب كيف يصبون جام غضبهم على لبنانيين كانوا لهم رفاقاً مع السوريين وهم لم تنشف رغوة حليب العمالة والاستزلام والتعصب الخيانة عن شفاههم فيتهمون غيرهم وكأنهم هم أعفَّاء أبرياء من دماء الشعب العظيم والأرز الذي على جبالنا.

لن يخدعنا هذا ولا ذاك ولا ذلك إذ اكتشفنا وعلَّمتنا التجاريب كيف يتلَّونون في السياسة ضاربين المبادىء وقواعد التهذيب الاجتماعي واللياقة اللبقة والكرامة الغالية. لو كان هؤلاء المتهجمون على جانب من الرفعة لَمَا تصرفوا بسلوك مشكك مشين ومهين.

ونسأل لماذا ما يحل لهم لا يحل لغيرهم؟ صفعتنا النكبة وانصدمنا عندما سمعنا من نعتبرهم نخب رجالاتنا يتفوهون بألفاظ بذيئة ومقاطع نابية يمجها الذوق وترفضها الأخلاق.

ليت كل خمسين عام تعطينا السماء رجلاً بطلا كالجنرال ميشال عون نظافة وحنكة وحضوراً ساحراً.

لا ألف مرة ومرة لم تكونوا ولن تصيروا بحجم الرجل معنوية وشهامة ورؤيا. كانت منذ بداية تسلمه السلطة مرحلة لم يكن فيها مجال للغلط حتى يقترفه. كانت قراءته واضحة للأمور التي حصلت في لبنان والتي ستحصل.

وبعد غربة وهجران يعود بعنفوان العسكري الباسل الشريف المُضحِّي الوفي. على المبدأ ما هادن وما سلَّم ورغم انتصاره في كل شوط ما زال هو الانضباطي المحاسب الفارض وجوده بما حبته السماوات من قوة وجرأة.

لا تسل ما وشى الواشي أيها الجنرال بل كن كما أنت، الوقور الفخور بما أبدعت في النبل والمحبة للوطن وللمواطنين.

لا تأبه بما قيل وقال لأن الأقاويل صفات أصحابها والإناء ينضح بما فيه.

لأرضك التي عليها درجت وشعبك الذي منه خرجت تحايا الإكبار والإجلال ودُمْ مُعافى إلى الأبد.

مونتريال 3 حزيران 2005