شهداء  الصحافة، استشهاد في سبيل التحرير

بقلم/الأب سيمون عسَّاف

 

الصحافي الشريف عنيفٌ رؤيةً، ومنهجاً، وممارسة من خلال الكلمة.

أُعجب بحضور شهادته وأسلوب استشهاده في سبيل التحرير.

انه شهيدٌ حياً وميتاً بين وشوشات الورق وشجاعة الحبر،

طليعي الحق والعدل في آن.

يشق طريق اللغة لينشر الحروف الفصيحة ويشرك الشعب في عمله الكفاحي الرائع.

سلاحه سلام وانفتاح على المطلق، في منطقه إن للحرية سلاحها.

ومنذ أن يلبس هذا السلاح رداء العنف، ينقلب إلى عدو للحرية، يصبح افتراءً وعدواناً على الذات والآخر. من هنا ينفذ إلى الأخلاق لأجل المبادىء والخيارات.

لا سلاح للحرية إلا الحرية عينها، يعني السلام.

هذه هو منظور الصحافي المنذور لرسالته المقدسة.

وكأني به يقول: كفى أن نكون جهالاً أغبياء، فنلبّي صراخ الغرائز النائمة فينا برغبة كاملة وننفذ بمتعة كاملة.

لو شئنا محاكمة ذواتنا لقلنا إنَّا لم نكن أسياداً على حياتنا، ولم يكن وجودنا إلا كمثل كُرةٍ يُدحرجها الدخلاء.

يكاد كل منا أن يكون قبراً يسع كل الأحقاد والعصبيات والتخلف والرجعية.

تاريخنا السياسي والديني لا يزال المطرح الأكثر تحريضاً على اقتتالنا الهمجي وتفتتنا الرخيص والأكثر مدعاة لضياعنا.

إنه تاريخ يحجب عنا الحاضر ومفاجآته، وليس هذا إلا طريقة لحجب المُستقبل.

 هل بعد أرقى من هذه العناوين التي تصلح لأن تكون أطروحات؟

لا ليس أنبل من الكلمة الجريئة الصائبة مكمن العِلَل، إنها السوط اللافح الجالد معشر الزنادقة بيد الصحافي الأصيل المتجند لوظيفته الإعلامية بقلمه وكلمته ودموعه ودمه.

انه الرسول الموضوعي لشعبه في السرَّاء والضرَّاء، والشهم المُبكِّت على الانحراف والخطأ والنفاق. يا حلوه يرشق السهام وينخز الإبر ويوجه الملاحظات لاستنهاض الهمم وتوعية الذمم وتجليس الاعوجاج. نحن في لبنان على مرمى سني الحرب القذرة التي افترست بوحشية شرسة ناهشة جسد مجتمعنا أي نهش وتمزيق، كنا وما زلنا ضحايا الإثارة والتناحر والنعرات.

وبسبب ذلك سقطت قوافل شهداء الصحافيين في بلادي منذ زمن، لأنهم رفضوا أن يكونوا مأجورين عملاء مرتهنين، كانت وطنيتهم عليهم تعز وكذلك كراماتهم فدافعوا حتى الموت، فكان أنْ زُجَّ منهم في السجون ومنهم من استشهد على أعواد المشانق أو إعداماً بالرصاص أو تعذيباً وترويعاً.

إلى اله السماوات والأرض نضرع ليشملهم بوافر حنانه فيبقوا الخالدين في وجداننا وتاريخنا نحن الزائلين أبناء التراب.

نُحْ يا قلمْ  يكفي ألمْ         ما لِلهُدى الشادي انكَلَمْ؟

لبنانُ محزونٌ على            موتِ الذي أحيا الكِلَمْ

مُذ غابَ راحتْ أمَّةٌ            تنعي حروفاً، وانظلمْ

حرٌُّ طوى عمراً على         دربِ العُلى يُعلي القلمْ

من يا تُرى يرضى إذا           الجهلُُ لبنانَ استلَمْ؟

أينَ الرسالاتُ التي          في أهلها  الحُكْمُ اعتلم؟

لِلحقِّ بالإنصافِ هل           جفنُ مسؤولٍٍ حَلَمْْ ؟

إن الصحافيِّينَ لو               لم يكتبوا العدلُ انثلَمْ

حين انطفا وهجُ الفدى      رانَت على الحيِّ الظُلَمْ

رغم التعدِّي المُفتري           فالأرزُ لم يركَعْ ولمْ

يخضعْ ولن يلوي النُهى     مهما على الذلّ  انولَمْ

أقلامُ كتَّابِ الحِمى              صوتُ  انعتاقٍٍِ لِلعَلَمْ

لما انطوتْ راياتُهُم              لبنانُ منْ جَوْرٍ سَلَمْ

 

في 6 أيار 2006