أقمار ورد

بقلم/الأب سيمون عسَّاف

يا أبناء بلادي الأبرياء أقف على مشارف الأيام لأراكم تطلون أقمار ورد في رياض الأرز لا علم لكم ولا خبر بنفاق الكبار والألاعيب.

بعد رحيل هؤلاء ستقرأون التاريخ وتواجهون الغد بالدموع والحسرات، سترثون الخجل عن آبائكم وروائح البارود وقرقعة البنادق وقصص القتل وأشباح الخراب، سيتركون لكم صفحات ذل وحكايات عار ملطخة بدماء ضحايا أبرار غدر بهم الحقد وغادر.

ستتعلمون في مدارسكم دروسا عن ممارسات الشذوذ والشواذ والمخالفات، وفنون إتقان الفسق والفساد والكفر والإلحاد.

لم تسلم مرحلة في مطاف زمنهم من اعتقال قلم أو اغتيال دماغ أو اعتلال أدب.

راهنوا وارتهنوا فسلموا رأس الوطن على طبق، وما أرادوا مرة قبل أن أردَوه حتى التفكير بكم لأنهم ملاعين أرضعتهم الأنانية من أثدائها.

عاثوا دماراً بالعمار غائباً عن بالهم أنهم زائلون والباقي منهم ذكريات منتنة.

بأي مآثر ستفتخرون وقد تآمروا على مستقبلكم ورفضوا أن يقوم لكم من بينهم بطلاً يجعل المعقل مُصلى.

إنهم مجرمون أغرتهم جماجم المجازر ومناجم العظام.

طرقت المدنية أبوابهم فنسجوا أكفانها ونجروا نعوشها قبل أن تلج الأعتاب يا أشبال ذياك العرين.

بأي منطق مخذول ستجابهون الحياة القادمة وماضي أهاليكم يفوح منه القيح إلى أن صار مقبرة الفضائح والرذائل والعيوب؟

إن أمس الأُلى تناتشوا وشلعوا أوصال المجد والشموخ بات مليئاً بالمخازي والريبات.

ماذا ستقولون عن أوليائكم الذين انتحروا بتمزيق بعضهم حتى نحروا الإرث والهوية والانتماء، والسبب كان ضلال ذلك التعصب الأعمى؟

بأي عين ستنظرون إلى غبائهم والجهالات العويصة العاصية؟

أجل داسوا مواثيق العيش المشترك ونبالة المبادىء وأصالة التقاليد وقدسية الأخلاق.

فكيف لا تستحي منهم ضواري البراري وكواسر الغابات؟

عوض أن يتفاعلوا افتعلوا بشرف بلادهم فاعلين ما لا يفعله جاموس الإسبان.

أي كأس سترفعون معلَّى لتشربوا نخب الرجال، رجال ألبسهم التنافر والتناحر والغرور والفجور والإحباط والفشل أردية الأردياء؟

إنكم ستبتلون بالخيبات وتُمسخون في نكبة كرامة كالمُصيبة الكاسحة.

ولبنان الحبيب المعنى المبتلي، وأرضه تحتضن في أحشائها النوابغ والفرسان والقديسين.

نعم ستمجُّ جيلا سبقكم إلى دينونة الأبدية زارعاً قوافل الأهوال في ثراه ناشراً جحافل الويلات.

لبنان الأسطوري حضارة والرائد ثقافة والقائد تمدُّنا بات أسير مهازل الزخرف وعبودية الخرافات.

لبنان المضيء للشمس بأشعته السماوية حوَّله الأوصياء ظلاما وجهنما بدل أن يستهدوا بالنور إلى الجنة.

اختزلوه وعزلوه وانزلوه إلى أن غدا سخرية العالم المعاصر.

إنهم أنسال الأفاعي وسلالات الأبالسة بانتهاكهم قدس أقداس الإنسان.

يتحاورون على غايات لا علاقة لها بخلاصكم من أنياب الفقر ومقابض القهر وشراسة الخذلان.

يفترسهم البغض فينهش أكبادكم بسببهم.

على أي بساط يطرحون قضاياكم والضمير مطرود من مجالسهم؟

لا يدور في محافلهم إلا الزندقة والخداع والمراوغة والانتقام.

لو كانوا فعلا يشعرون بعذاب هم اخترعوه لكم لَما تباطأوا في إيجاد الحلول للعُقد المبكَّلة التي تعيق مسيراتكم إلى الفتح.

أرثيكم بتأوهٍ ونحيب لأنكم حملان مُستثاغة بين أشداق ذئاب مجاعة فالتة.

أعتذر لكم ومنكم عن مطامير العفونة التي أهالوا عليها أطباق التراب بعدما شنعوا في غفلة الوجدان.

لا تستحقوا هذا الظُلم الجائر وهذه التركة العقيمة والذميمة في آن.

هل تراهم فكروا بكم تمشون وراء مآتيهم في الآتي المُطل أم التهوا بغرائز الزعامة ورغائب العشيرة ونزوة القبلية ونزق السلطان؟

إنهم عشاق المشاهي المستبدة كأمراء النفط، متعاتهم الرخيصة وأهواءُهم البائدة وميولهم العاوية في أعماق اللاوعي ما هي إلا تسكع في حمأة الآثام.

ستعرُّونهم من أوراق التين حين تدركون ما ارتكبوا في حقكم من خطايا وافتراء وتجنٍ وجنوح.

لا لن يغفر لهم غضب إله العرش ما اقترفوا من كبائر أمام وجه العدل.

أُعلي ندائي لكم كي لا تنصفوهم بالرحمات لأنهم نبذوكم ببناء سعاداتهم السرابية على أنقاض تعاساتكم المتأوهة.

لبنان لكم وليس لهم، "أنتم لبنان الأتي وهم لبنان الراحل" حسب تعبير العماد العظيم.

لا تلتفتوا إلى ما عملوا ويعملون من محن لأنهم حتى الساعة يتملصون من مسؤولياتهم الجسيمة أمام محاكم قضاء انتفاضاتكم ونهوض ارتقائكم في مواكب عاليات المستويات.

قبل أن اختم رسالتي إليكم أطبع على جباهكم قُبَلا عطَّرها الخزام آملاً أن تدمغ كلمتي نفوسكم بوشم ٍمؤلَّه ناثرا تحايا المحبة على دروبكم متمنيا أن تكونوا جيلا متماسكا لا يعرقله الدين المُُتحجِّر ولا العقيدة الفارغة.

هذا كل ما أود البوح به وسروري أن يأخذ خاطرَكم المضمون بالإعجاب وعلى وعد لقاء في خطاب مطمئنٍّ آخر يكفل ديمومة وطن تستقرون وتستمرون فيه إلى الأبد ودمتم بخير وأمان.

12 نيسان 2006