نص المقابلة الهاتفية التي اجراها
الإستاذ الياس بجاني مسؤول الإعلام
في المنسقية العامة للمؤسسات الكندية اللبنانية بتاريخ 29 آب 1996
مع دولة
الرئيس العماد ميشال عون
مباشرة من مقر اقامته في لاهوت ميزون - فرنسا.
المنسقية العامة: دولة الرئيس العماد ميشال عون، بأسم كل احرار لبنان، الرافضين للأمر الواقع الإحتلالي، المفروض على شعبنا العظيم، وعلى بلدنا الغالي، بلد ال 6000 آلاف سنة تاريخ وحضارة، وبأسم كل المؤمنين بلبنان الكيان الحر السيد المستقل الديمقراطي نرحب بدولتكم ويسعدنا أن نسمع صوتكم الصارخ لجميع أبناء جالياتنا في كندا، صوت الكرامة والعزة والعنفوان.
سؤالنا الأول هو: الآن وبعد أن انتهت في الثامن والعشرين من شهر آب 1996 فترة نفيكم طبقاً لحسابات حكم الأمر الواقع في لبنان المحتل، متى بإذن اللّه العودة إلى الوطن؟
العماد عون: في البداية اشير إلى أن قرار النفي الجائر كان مخالفاً لكافة القوانين ونوع من الهرطقة الدستورية. وكل النواب، حتى اولئك الذين صوتوا عليه، اعترفوا فيما بعد بعدم قانونيته، ولكن، وفي ظل دولة التعسف والتبعية، ليس مستغرباً صدور هكذا قرار. لقد اتخذ حكم الأمر الواقع على هامش فرمان النفي عدة قرارات اعتباطية جمد من خلالها حساباتي وحقوقي البنكية في لبنان، وبدلاً من يقوم الآن، وبعد نهاية فترة النفي برفع تلك التدابير، لتعود حسابات عادية، ابقى عليها دون مبرر، لذلك فإن امكانيات العودة حالياً غير متوفرة قبل أن يتخذ الحكم قراراً برفع التجميد عن حساباتي ودفع الحقوق المترتبه لي، بالإضافة إلى أن وضعي كرئيس حكومة سابق وقائد للجيش يعطيني حقوق حماية وحقوق أخرى لم يتخذ الحكم قراراً بشأنها بعد. وزير العدل قال إن لا مانع قضائي من عودتي، فيما رأي رئيس الحكومة ومعه وزير خارجيته، أن هناك ملفاً قضائياً يتظرني. أما وزير الفاع فنفى وجدود ملف قضائي، وأعلن للصحف أن لبنان يرحب بعودة كل أبنائه. الغريب هنا أن كل هؤلاء وهم أعضاء في حكومة واحدة يتكلمون لغات مختلفة وكأنهم أعضاء في حكومات متعددة. كما أن القرارات التعسفية التي رافقت هرطقة النفي لم تزل قائمة بحقي وبحق زملائي من الوزراء والضباط الذين نفيوا معي.
المنسقية العامة: لقد أصبح لكم الآن وبعد انتهاء فترة النفي، كامل الحرية في التنقل داخل فرنسا وخارجها، فهل تفكرون في القيام بجولة على بلاد الإغتراب؟
العماد عون: بالتأكيد، سوف نقوم بجولة طويلة على العديد من بلاد الإنتشار اللبناني، وبالفعل بدأنا تحضير المستلزمات القانونية لهذه الجولة من تأشيرات دخول وغيرها. وكندا بدون شك، في مقدمة الدول التي سيكون لنا شرف زيارتها ولقاء جالياتنا فيها. وانشاء اللّه عندما تتأمن ظروف العودة إلى الوطن، سندعو أهلنا في كندا وباقي المغتربات ليكونوا معنا وليشاركوننا. لبنان بحاجة إلى كل مغتربيه وإلى جميع طاقاتهم في كافة الميادين، للإضطلاع بدور نضالي وريادي، من أجل عودة الحرية والكرامة والسيادة، واسترداد القرار المصادر، وانهاء كافة الإحتلالات.
المنسقية العامة: ما هو تعليق دولتكم على نتائج فصول مسرحية الإنتخابات الهزلية التي عرضت حتى الآن؟ وهل كانت المقاطعة برأيكم فاعلة؟
العماد عون: لا شك أن هناك أشياء كثيرة تغيرت، والمعركة الإنتخابية الحالية ليست بين المقاطعين وحكم الأمر الواقع. إنها معركة بين المقاطعين من جهة، وأطراف كثيرة من جهة أخرى، الحكم في لبنان، أقلها فاعلية. في مقدمها أميركا وفرنسا والفاتيكان وسوريا ودول أقليمية، إضافة إلى رأس المال والمافيات المحلية. كل هذه الأطراف وخصوصاً واشنطن، رمت بثقلها الكبير والفاعل في الساحة اللبنانية من أجل الحث على المشاركة في الإنتخابات. لذلك حدثت بعض الإختلالات مما قلل من نسبة المقاطعة، وزاد في المشاركة. لكن ورغم كل شيء، فإن شعبنا العظيم مستمر في المقاومة البطولية وسيستمر لأن ارادته صلبة، وهو تواق للحرية، وشغوفٌ بالديمقراطية، ونازعٌ إلى الحياة الكريمة. من هنا نسجل على أنفسنا نوعاً من النقد الذاتي كون معركة الإنتخابات الحالية غُيّب عنها الحس الوطني وأُنزل فيها الشعب اللبناني إلى مستوى حس الضيعة والعائلة، وإلى مستويات متدنية، حتى عن الحس الطائفي. هذه الأمور نسجلها أيضاً على أنفسنا كشعب، فقد حدث نوع من الغيبوبة خلال الإنتخابات.
صوت المقاطعة كان وما يزال غير مسموع عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في لبنان، بسب الحظر المفروض عليها من قبل قوى الإحتلال ودماها. يسمح لنا فقط بين الحين والآخر بتمرير بعض الرسائل عبر الصحف والمجلات، علماً أن انتشار وقراءة وسائل الإعلام المكتوبة محدودان للغاية في لبنان حالياً، ولا يتعدى التوزيع اليومي لأفضل الصحف ال 15 ألف نسخة. أكيد أن المقاطعة كانت فاعلةً، رغم فرض الحكم نوعاً من القطيعة بيننا وبين الشعب نتيجةً لإحتكاره السلطوي والإرهابي لكافة وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، وتطبيقه حظراً اعلامياً شاملاً على أنشطة المقاطعين. نعم حدث نوع من المشاركة زادت بنسب ضئيلة عن سنة 1992، إلا أن النسب المئوية التي أعلنها أهل الحكم مزورةٌ كلياً، وتعود لإصوات المجنسين والأموات، والمهاجرين والمهجرين، ولعمليات التزوير والغش. فقد افاد الكثير من العائلات اللبنانية أن افرادها المهاجرين صوتوا في الإنتخابات بقدرة قادر، وأنا شخصياً سوف أتحرى الأمر، واسعى للحصول على سجلي، وعلى لوائح الشطب، لاعرف فيما إذا كنت شاركت في التصويت. إنها مهزلة وعملية غش مفبركة، وكل النسب التي أعلنت غير صحيحة.
المنسقية العامة: في تعليق سياسي نشرته جريدة النهار بتاريخ 28 آب قال السيد علي حماده "لم يعد ضرورياً التأكيد على أن نتائج دورتي الإنتخابات في جبل لبنان افضت إلى انهاء المقاطعة الباريسية بشكل كامل. وبذلك تكون صورة الوضع السياسي الداخلي في لبنان تبدلت على نحو يجعل المقاطعة والمقاطعين خارج سياق تاريخ البلد: فما هو رد دولتكم على هذا الادعاء؟
العماد عون: هذا رأي واضح المرامي والإهداف، ودليل من ادلة كثيرة، إعلامية وغير اعلامية، تشير بوضوح إلى إن العمل جاري حالياً من قبل قوى الإحتلال ودماها لعرض مسرحية تزوير جديدة، وخلق جبهة معارضة محلية سلطوية تابعة، تعمل تحت سقف الإحتلال، إلا أن هذه الألاعيب مكشوفة، وشعبياً، محكوم عليها مسبقاً بالفشل. فالإحتلال هيمن في البداية على القراراللبناني بواسطة المدفع وبمباركة دولية قبلت معه بمجلس ال 13 في المئة، والآن يكمل هيمنته هذه عن طريق تزوير الإنتخابات، وأيضاً برضى ومباركة دولية. الحالة مزرية للغاية والتزوير لإرادة الشعب تتم بوقاحة وعالمكشوف، وبالتالي فإن عملية 13 تشرين العسكرية ضد لبنان سنة 1990، لا تختلف بأهدافها بشيء عن عملية تعيين المجلس النيابي سنة 1996. الأولى كانت عن طريق المدفع، والثانية عن طريق تزوير الإرادة الوطنية، وفرض نواب لا يمثلون الشعب. فمن ارتبط بالمحتل وهرّج لمدفعه من المتعاونين وضعفاء النفوس، ليس غريباً عليه كتابة مقال كهذا يحلل فيه الأمور بخفة وبشكل مغلوط، استجداءً لاسياده وخدمةً لاطماعهم.
المنسقية العامة: رأى بعض المحللين المحايدين أن نسبة المشاركين في انتخابات الجبل تحديداً، لم تكن مرتفعة كثيراً عن انتخابات 1992، التي لم تزد يومها عن 13 في المئة, وقال هؤلاء، أن النسب التي ادعاها الحكم (40-45%) مزورة ولا تمت للواقع بشيء، مشيرين بالأرقام إلى أن نسبة المشاركين من المجنسين الجدد تخطت ال13 في المئة، فيما شكلت نسبة الأموات والمهاجرين الذين صوتوا بقدرة قادر خمسة في المئة أو أكثر، في حين تعدت نسب الغش بلوائح الشطب واخراجات القيد المزورة ال 10 %. فلو اضفنا هذه النسب إلى نسبة ال13% لسنة 1992، لوجدنا أن المقاطعة لم تتغير، فما هو تعليق دولتكم على هذا الموضوع؟
العماد عون: إن التزوير بالأرقام خلال انتخابات الجبل الأخيرة كان صعوداً وهبوطاً. فالعدد الإجمالي للناخبين كما أُعلن رسمياً (655 ألفاً) كان غير حقيقي، وهو بالواقع تخطى المليون مع آلاف الأغراب والمجنسين الجدد الذين استقدموا بمئات الباصات من سوريا للتصويت، فيما احتسبوا النسب على أساس 155 الفاً. اضف إلى أنهم زادوا عدد أصوات المقترعين في الكثير من أقلام اقتراع بعبدا حتى وصلت في بعض المراكز إلى 150و160 في المئة بسبب الفائض من الأصوات في الصناديق عن عدد المقترعين. لقد انزلوا في الصناديق أوراق اقتراع لا وجود لأصحابها، وقاموا بإختلاق ملحقات مزورة للوائح الشطب، غير واردة اساسا في اللوائح الأساسية. التزوير كان شاملاً وبكل الأرقام، وبالتالي لا يمكن الركون إلى مصداقية الأرقام والنسب التي أعلن ويعلن عنها حكم الأمر الواقع. هنا نذكّر بما أوردناه في بداية الحديث عن ضغوط أميركية وفرنسية وفاتيكانية، وأخرى أقليمية مكشوفة، لإجراء الإنتخابات في لبنان، بأي شكل من الأشكال، ومهما كانت الظروف، خدمةً لمصالح دولية تتعلق بالأوضاع في المنطقة، وليس لخدمة المصالح اللبنانية كالكيان والسيادة والإستقلال والقرار الحر، وخروج الجيوش الغريبة، وكل ذلك ناتج عن استمرار الإحتلال لبلدنا.
المنسقية العامة: هل لدولتكم من كلمة حول جبهة المعارضة الموسعة المقرر اعلانها في الواحد والعشرين من تشرين الثاني المقبل، كما كان افاد حليفكم المهندس دوري شمعون.
العماد عون: إن العمل جاري على قدم وساق، وبكل الإمكانيات المتوفرة، لقيام هذه الجبهة الموسعة، التي أصبح وجودها ضرورة وطنية ملحة، ومطلب شعبي ضاغط، وهي ستكون بالتأكيد مفتوحة لكل لبناني يؤمن بلبنان الحر السيد المستقل الديمقراطي الخالي من الجيوش الغريبة، لبنان التعايش والمساواة والعدل والكرامة. ونحن نرحب أيضاً بالذين اصبحوا نواباً، أن أرادوا صادقين المعارضة فوق سقف الإحتلال، وليس تحته، والعمل على إخراج قوى الإحتلالات المختلفة، وليس فقط الإكتفاء بمعارضة رموزها ودماها التي هي بالواقع خيالات لها ليس إلا، ولا قرار لها، من أمثال الهراوي والحريري والمر وغيرهم . نريد معارضة تقف بوجه الأخصام بإيمان وعزيمة وشجاعة وليس معارضة تقف فقط بوجه خيالات الأخصام هؤلاء. إن المقاطعة والمقاومة لم ولن يسقطا كما يشيع المحتل ودماه، ومن سقط بالواقع هو المحتل نفسه والمتعاونين معه لأنهم اصلاً من الساقطين. وكل عمل وطني لا يقوم على تطلعات الأرادة الشعبية عمل محكوم عليه بالفشل والزوال. إن معارضتنا هي معارضة للظلم والقهر والإرتهان والتبعية، معارضة تمثل تطلعات السواد الأعظم من شعبنا العظيم، والنصر سيكون لها إن عاجلاً أم اجلاً بإذن اللّه.
المنسقية العامة: في ظل الوضع الإحتلالي العسكري المفروض على لبنان، وفي ضوء القانون الإنتخابي الحالي، هل كان بإمكان أي معارض للإحتلال الوصول إلى البرلمان لو جازف وترشح؟ وهل الذين يسمون أنفسهم "معارضي الداخل"، وما قيل عن اختراق بعضم للوائح السلطة، حقيقة؟ أم أن الأمر سيناريو من ضمن المسرحية واللعبة ككل؟
العماد عون: هذا أمر مستبعد، فقد عمل المحتل على قيام لوائح تصادمية بالظاهر، بنتائج ائتلافية بالباطن. لقد سموا بعض اللوائح معارضة بقصد التمويه وخداع الناس. لكن جل المرشحين مدجنين وباصمين بالعشرة على كل مخططات الاحتلال مسبقاً. ومن خلال التضليل الإعلامي المنظم وبتغييب صوت المعارضة الحقة عن كافة وسائل الإعلام، خلقوا حماساً عند الناس وأوهموا البعض أن هناك بالواقع معارضة، فيما الحقيقة ابرزت خطوطاً حمراً وفيتوات مكشوفة من قبل المحتل ضد نجاح أي مرشح معارض لوجوده ولهيمنته. فلو كنا شاركنا في الإنتخابات على أساس القانون الإنتخابي الحالي المخالف للدستور، وبظل الحكومة الحريرية التابعة، ومن دون تلبية شروط الحد الأدنى التي كنا طالبنا بها، لكانت استعملت أساليب مختلفة لإسقاطنا. فالقانون الإنتخابي أصلاً مرفوض وهو ليس مخصصاً لشعب يحترم نفسه وعريق بالديموقراطية كالشعب اللبناني. إنه قانون مخصص لدول التخلف، ولنادي الأنظمة البائدة الدكتاتورية، نادي ال99.99 في المئة. لقد وزعع المحتل المرشحين الذين قرر تعيينهم نواباً على لوائح متعددة بقصد التمويه وأوعز لمخابراته بتأمين الباقي. فهو لا يريد مخاصمة المرشحين الذين لم يختارهم كون جميع هؤلاء من المتعاونين معه. اللعبة مكشوفة وبائدة ولا تنطلي على أحد. كافة اللوائح تدين بالولاء لهذا المحتل، إلا أن الأكثر انبطاحاً وانصياعاً اختير. بالواقع لم يكن هنالك أي امكانية لأي معارض حقيقي للنجاح لو جازف وترشح حيث أن المحتل ومن خلال دماه كان أوجد حواجز وعوائق تحول دون وصوله. إن ما حصل في الجبل والشمال من تزوير وغش، وقطع كهرباء، وتبديل صناديق، وفبركة لوائح شطب، وارهاب واستغلال سلطة، واحتساب لأصوات الموتى والمغتربين، واقتراع عشرات الآلاف من الأغراب والسوريين المجنسين، إضافة إلى التجاوزات الفاضحة التي حصلت، وبشهادة أهل الحكم أنفسهم، تعطينا فكرة عما كان سيكون الحال لو شاركنا. صهر الهراوي، فارس بويز خلال مراحل الفرز النهائية في كسروان، كان بالمركز السابع، يعني ساقط. قُطعت الكهرباء عن سرايا جونيه، فانقلب الحال، وصار في المركز الرابع ونجح. وهذه القصه يعرفها الجميع في لبنان وشاهد الشعب بعض فصولها على شاشات التلفزيون ... "طار الوزير، انقطعت الكهرباء ... أجت الكهرباء، غط الوزير".
المنسقية العامة: هل تعتقد أن أحداً من المرشحين الذين اسقطوا، سيقوم بتقديم طعن، أمام المجلس الدستوري؟
العماد عون: يمكن، اثنان، أو ثلاثة منهم، لإكمال فصول المسرحية الهزلية. فقرارات المجلس الدستوري وكما تبين مؤخراً مع مزيد من الأسف، لا قيمة لها. وأنا، لا استغرب، أن يُعطى المجلس هذا، كامل الحرية للنظر في بعض الطعون المنتقاة بدقة وعناية، ومن ثم ابطال نيابة نائب أو أكثر، لإضفاء مصداقية كاذبة، على الإنتخابات، فيما الجوهر دجل ونفاق وغش.
المنسقية العامة: هل ترى حدوث مفاجآت في انتخابات بيروت؟
العماد عون: معقول كثير، ولكن للأسف كافة المرشحين بمن فيهم الذين يشاكسون وعلى خلاف حاد مع الحريري وأهل الحكم، يعملون تحت سقف الإحتلال وليس فوقه. حتى نجاح واكيم المتمرد على الحكم والمعارض لحكومة الحريري بشدة، ليس بإمكانه أن يتخطى بمعارضته سقف الإحتلال بسبب المراقبة الذاتية المفروضة على كل النواب. على كل حال، إن حدوث أية اختراقات في بيروت، أمر لن يزعج دمشق، كون جميع المرشحين، راضين بنفوذها الحالي في لبنان، والصراع بينهم يقتصر على أمور محلية وداخلية لا تهدد هذا النفوذ، لا من قريب، ولا من بعيد.
المنسقية العامة: كيف يرى العماد عون مستقبل لبنان في ظل الوضع الأقليمي الراهن؟ وطرح رئيس وزراء إسرائيل "لبنان أولاً"؟
العماد عون: لبنان أولاً، أفضل من لبنان أبداً. إننا نرحب بأي حل يكون فيه لبنان أولاً، ولكن نطالب بأن يُرفق هذا الحل بدعم دولي كامل للتنفيذ، وقول إسرائيل أنها غير طامعة بأرضنا ومياهنا شيء مطمئن ويزيدنا ثقة على أن ارضنا ومياهنا سيكونان مصانان ومحترمان في أي أتفاق سلام مستقبلي. فلبنان هو الوطن الوحيد في الشرق الأوسط الذي يُجمع كافة القادة الإسرائيليين من اليسار إلى اليمن، ومن كافة الأحزاب، على أن لا أطماع لبلدهم فيه، وأن لا خلاف بين إسرائيل ولبنان لا على الأرض، ولا على المياه. نأمل بالحصول على الدعم الدولي اللازم للتنفيذ. أنا شخصياً لا فرق عندي بين طرح "لبنان أولاً" أو طرح "لبنان مع سوريا"، المهم أن يكون هناك مساران تفاوضيان مستقلان. إن محادثات مدريد قالت بالمفاوضات الثنائية، إلا أن حكم الأمر الواقع المتخلي عن قراره جعلها أُحادية ووقف وراء سوريا مخالفاً بذلك روحية مدريد، ضارباً عرض الحائط وجود لبنان كدولة مستقلة، ذات قرار وسيادة. وقانوناً لا يمكن تجيير قرار سلام لدولة من خلال دولة أخرى، كما هو حاصل حالياً نتيجة للهيمنة السورية على قرار الحكم اللبناني. المطلوب إستقلالية المسارين السوري واللبناني، ولا مانع أبداً من التضامن مع سوريا بالحل. ولا يجوز شرعاً وقف الحل على المسار اللبناني بسبب الرفض السوري، فلبنان ليس قاصراً، ولا نقبل بأي شكل من الأشكال قول الرئيس السوري بأنه سيفاوض عن جنوب لبنان وعن الجولان. فليفاوض هو عن الجولان، ولبنان يفاوض عن جنوبه وبقاعه، ولا مضرة أبداً من التعاون والتنسيق ضمن أطر استقلالية القرار. إن مصادرة قرارنا ومحاولات إلغاءنا وتهميشنا، والمتاجرة بأرضنا، أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، ولا يمكن لأي لبناني يحترم نفسه أن يرضى به.
المنسقية العامة: لقد اشاد بعض الصحافين اللبنانيين في كندا بمواقفكم الوطنية في أكثر من مناسبة، لكنه أخذ عليكم التركيز على الإحتلال السوري في خطابكم السياسي، وغض الطرف نوعاً ما، عن الإحتلال الإسرائيلي، فما هو ردكم؟
العماد عون: هذا كلام غير صحيح، وبعيد عن الواقع الإحتلالي المفروض على لبنان. فنحن لم ولن نتغاضى مطلقاً عن الإحتلال الإسرائيلي لجنوبنا وبقاعنا الغاليين. ولكن هنالك عرض إسرائيلي معلن للسلام مع لبنان بشروط، لا يمكن تجاهله، والإستمرار بشتم إسرائيل لا يخدم السعي من اجل السلام. فإذا كانت المفاوضات ستعيد لنا أرضنا المحتلة من دون تصادم فما مبررالإستمرار بمهاجمتها دون اسباب موجبة. هذا من جهة، ومن جهة ثاية الإسرائيلي غير مصادر لقرار دولتنا، وغير مهيمن على مقدرات بلدنا، ولا يحتل عاصمتنا، ولا يحكمنا من خلال مخابراته ودماه باساليب قمعية، وليس له مليون ونصف مليون عامل يزاحمون أهلنا على لقمة عيشهم ويدفعونهم للهجرة ... والقائمة تطول وتطول. الإسرائيلي مصادر لقطعة أرض غالية من وطننا، لكنه معترف بحقنا فيها، ويقول بإستمرار أنه على استعداد لاعادتها لنا شرط توفير الأمن علىحدودنا المشتركة معه، إلا أن لبنان الحكم ولأنه فاقد لقراره لا يريد أن يلتزم بهذا الحد الأدنى، ويقول للإسرائيلي "انت فل وما عليك". هذا ليس منطقاً، ولا هذه لغة دولية، ولا لغة حلول، فهناك دائما قواعد دولية معترف بها لخروج قوة ما بالتراضي مع الطرف الآخر من أرض تحتلها، في مقدمها الإتفاق على خطة الإنسحاب وعلى تفاصيل تمركز القوى البديلة التي ستتولى حفظ الأمن، ولبنان لا يمكنه إن اراد تحرير جنوبه وبقاعه دون حرب ان يحيد عن هذا الحد الأدنى من التوافق.
علماً أن موقف الحكم اللبناني الرافض، هذا، ناتج عن عجز في اتخاذ القرار الوطني الشجاع. إسرائيل وعلى لسان كافة احزابها وقادتها تقول بأن لا أطماع لها في لبنان وكل ما تطلبه هو الأمن على حدودها، فلماذا لا نتجاوب معها ونضعها أمام امتحان ميداني ونلزمها بتعهداتها؟
المشكلة، بالحقيقة، هي بين الإسرائيليين والسوريين، ولبنان الحكم رُبط بالتفاوض كرهينة سورية ليس إلا. فبأي منطق يمكن لأي لبناني أو عربي عاقل تبرير هيمنة سوريا على لبنان بهذا الشكل الإحتلالي، واحتجازه مع شعبه، واخذه كرهينة، وربط انسحابها منه بإنسحاب إسرائيل من الجولان. سوريا تفكر بأنها لن تترك لبنان، ما لم تستعد الجولان، وكأن لبنان هو الذي يحتل الجولان هذا، وليس إسرائيل. فهل أحتلال دولة عربية، لدولة عربية أخرى، كما هو حاصل بين لبنان وسوريا أمر يقلق إسرائيل أو يزعجها أو ينتقص من حقوقها؟ لم يعد مسموحاً للقيادات خداع الشعب والتلطي وراء شعارات جوفاء، والتسويق لخطاب سياسي عاطفي اثبت فشله. علينا كسياسيين نعمل لتحرير الأرض واستعادة القرار، تسمية الأشياء بأسمائها، ومواجهة الواقع بعقلانية وموضوعية، وفهم الأمور السياسية بتجرد من الإنفعالات العصبية. إن موضوع حفظ الأمن على الحدود مع الآخرين واجب للمتعاقدين على عملية السلام في الشرق الأوسط، ولبنان منهم، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال تجاهل هذا الواقع إن أردنا تحرير أرضنا واستعادة قرارنا وحريتنا من الإسرائيلي والسوري على حد سواء، ونحن لم ولن نتغاضى عن إحتلال ارضنا، ولا فرق عندنا بين محتل وأخر.
تحياتي لأبناء جالتنا في كندا وأنشاء اللّه، سيكون لنا معهم لقاءُ قريب، وقريب جداً في كندا وفي الوطن... عشتم وعاش لبنان .