لا السعودية ولا إيران.. بل فقط لبنان

الياس بجاني/21 أيلول/15

المشكلة العويصة في لبنان حالياً تكمن ليس فقط في أن لبنان الرسالة والاستقلال والسيادة والقرار الحر والتاريخ والهوية والفرادة قد تم تغيبه وتهميشه وأبلسته، بل تم قهره وكبت كل مقوماته الحضارية والفكرية والتاريخية والحقوقية بالقوة والتسلبط، حيث يمسك بقراره وحكمه ومصيره وأعناق شعبه المظلوم والمقهور والغارق بين جبال القمامة، يمسك بقراره مناصفة فريق سياسي غير مسلح مثاله الأعلى الحكم السعودي، وهو استراتيجياً وإقليميا ملحقاً به وتابعاً له، وفريق ثاني ميليشياوي وإرهابي مسلح حتى أذنيه يريد بالقوة فرض النموذج الإيراني الملالوي على لبنان واللبنانيين وقد حول وطننا الحبيب والمسالم عن طريق البلطجة والإجرام والغزوات إلى معسكر إيراني وقاعدة للملالي ولحكمهم الساعي بالقوة والتمذهب إلى إقامة الإمبراطورية الفارسية على أنقاض كل الدول العربية وشعوبها.

أما الخطير هنا، بل الكارثي في حالة المحل والبؤس هذه أن القيادات المارونية تحديداً والمسيحية عموماً دينية وزمنية ودون استثناءات والتي هي من المفترض أن تحافظ على هذا اللبنان الحضاري والمنفتح الذي كانت في صلب وأساس وعمق تكوينه وقيامته كنموذج للتعايش، الخطير، بل المدمر هنا أنها أي القيادات المسيحية بمعظمها للأسف تخلت عن دورها الوطني والكياني والاستقلالي وارتضت عن غباء ونرسيسية وقلة إيمان وخور رجاء الالتحاق مناصفة بين الفريقين، السعودي والإيراني، أي تيار المستقبل وحزب الله، فتم تهميشها كلياً ولم تعد شريكة لا في القرار ولا في الحكم، بل أداة مسيرة وغير مخيرة.

وحال القيادات المسيحية كافة التعيس والتبعي في الفشل القاتل والتهميش المرعب يتمظهر حالياً بجلاء معيب ومذل في عدم قدرتها على إقرار قانون انتخابي عادل وإعادة الجنسية للمغتربين وعجزها عن انتخاب رئيس ماروني حر لرئاسة الجمهورية.

إن حال البشيريين والسياديين والأحرار من اللبنانيين وهم من كل الطوائف والمذاهب يرفضون هذا الواقع اللالبناني ويقاومون بعناد الذوبان في أي من المشروعين السعودي والإيراني على حد سواء.

ونعم نحن اللبنانيون قلباً وقالباً وإيماناً ومن كل الشرائح الإثنية والمذهبية لا يناسبنا أي من النموذجين، لا الإيراني المعسكر والمذهبي والإرهابي، ولا السعودي المتحجر والمنغلق، حيث أنهما جوهراً ومفاهيم وممارسات وحضارة وانفتاح وشرعة حقوق عالمية ومساواة وقبول للآخر هما كلياً نقيض لكل ما نحن فيه وعليه ونريده ونسعى لتحقيقه.

نعم إن الآلاف من أهلنا يعملون في السعودية وفي دول الخليج العربي، وبالتالي العرفان بالجميل لهذه الدول الصديقة والسلمية واجب وحق، وكذلك شكرها من القلب وبصدق على مساعداتها المالية الكبيرة لبلدنا وخصوصاً في الشدائد، ولكن ضميرياً ووطنياً ومصيراً ووجوداً وقراراً حراً واستقلالية وحريات ونظام حكم علينا كلبنانيين شرفاء وسياديين ودون لبس أو ذمية وتقية أن نبقي لبنان في لبنان، ونبقي كل دولة في دولتها كائن من كانت هذه الدولة.

في الخلاصة، نحن لا ننكر أبداً أن الخطر الإيراني أكبر بكثير من الخطر السعودي، ولكن هيمنتهما المالية والعسكرية والسياسية والمذهبية على الكيان اللبناني وعلى كل مقوماته الحياتية، وعلى اللحمة بين اللبنانيين، وعلى قرار وتموضع شرائح لبنانية متعددة، وعلى دور لبنان الرسالة هو واحد في عواقبه والكوارث، وبالتالي علينا أن لا نغفل أو نهمل أو نغض الطرف على هيمنة أي منهما ونقاومهما ونمنعهما من إلغاء هويتنا وضرب حضارتنا وقتل استقلالنا وإلحاقنا بأي منهما.

نعم للبنان، ونعم لكل من يريد مساعدتنا في أطر احترام فرادتنا ورسالتنا واستقلالنا ومكونات مجتمعاتنا، ولا للسعودية وإيران في لبنان كقوى هيمنة واحتلال.

**الكاتب ناشط لبناني اغترابي

عنوان الكاتب الالكتروني

phoenicia@hotmail.com