أحد الشعانين: المعاني والعبر

بقلم/الياس بجاني*

"هوشعنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل" (المزمور 118/26)

 

في ختام الصوم الكبير، تحتفل الكنيسة المارونية بدخول السيد المسيح إلى أورشليم، وإعلانه ملكاً بعفوية الشعب والأطفال. من خلال هذا الاحتفال تبيّنت ملامح ملوكيته في جوهرها التي أشركنا فيها بالمعمودية ومسحة الميرون. في مسيرة الصوم والصلاة والتوبة والتصدّق يفترض بنا أن نكون قد جددنا رسالتنا الملوكية القائمة على إحلال الحقيقة والمحبة والحرية والعدالة. وبلغنا إلى الميناء، لندخل مع المسيح إلى عالم متجدد هو العائلة والرعية، المجتمع والوطن.

 

يسوع يدخل أورشليم لآخر مرة ليشارك في عيد الفصح اليهودي، وكان مدركاً اقتراب ساعة آلامه وموته. وخلافاً لكل المرات، لم يمنع الشعب من إعلانه ملكاً، وارتضى دخول المدينة بهتافهم: "أوصنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب أوصنا في الأعالي" (متى9:21)". دخل أورشليم ليموت فيها ملكاً فادياً البشر أجمعين، وليقوم من بين الأموات ملكاً إلى الأبد من اجل بعث الحياة فيهم. هذا يعني انه اسلم نفسه للموت بإرادته الحرّة.

 

نذهب إلى الكنائس يوم أحد الشعانين برفقة أولادنا وأحفادنا وهم يحملون الشموع المزيّنة بالزنابق والورود، كما نحمل سعف النخل وأغصان الزيتون، ونسير كباراً وصغاراً مع جموع المؤمنين رافعين الصلاة والترانيم في رتبة زياح الشعانين التي تتميز بالفرح والتواضع والمحبة.

 

دخول يسوع إلى أورشليم مدون في الأناجيل الأربعة، (متى21/1-17)، و(لوقا 19/29-40)، و(يوحنا 12/12-19)، و(مرقص 11/01-11) . في إنجيل القديس يوحنا وردت الواقعة على النحو التالي (12/12-19): وفي الغد، سمعت الجموع التي جاءت إلى العيد أن يسوع قادم إلى أورشليم. فحملوا أغصان النخل وخرجوا لاستقباله وهم يهتفون: المجد لله! تبارك الآتي باسم الرب! تبارك ملك إسرائيل! ووجد يسوع جحشا فركب عليه، كما جاء في الكتاب: "لا تخافي يا بنت صهيون: ها هو ملكك قادم إليك، راكبا على جحش ابن أتان". وما فهم التلاميذ في ذلك الوقت معنى هذا كله. ولكنهم تذكروا، بعدما تمجد يسوع، أن هذه الآية وردت لتخبر عنه، وأن الجموع عملوا هذا من أجله. وكان الجمع الذين رافقوا يسوع عندما دعا لعازر من القبر وأقامه من بين الأموات، يشهدون له بذلك. وخرجت الجماهير لاستقباله لأنها سمعت أنه صنع تلك الآية. فقال الفريسيون بعضهم لبعض: "أرأيتم كيف أنكم لا تنفعون شيئا. ها هو العالم كله يتبعه".

 

نسمي يوم دخول السيد المسيح إلى مدينة القدس "أحد الشعانين" وهو بداية أسبوع الآلام المقدس والأحد السابع من الصوم الكبير والأخير قبل عيد الفصح المجيد أي عيد القيامة.

كما يسمى هذا الأحد أيضاً "أحد السعف" والسعف في اللغة العربية هي أغصان النخيل وكان العرب في الجاهلية يحتفلون بما يعرف "بيوم السباسب" وهو كما يذكر بعض المؤرخين كان عيدا للمسيحيين يعرف باسم عيد الشعانين.‏

 

"هوشعنا مبارَك الآتي باسم الربّ ملك إسرائيل". هذا ما هتف به أهل أورشليم عندما دخل الرب يسوع إلى مدينتهم برفقة تلاميذه وأتباعه راكباً على ظهر جحش ابن أتان. دخل بمحبة ووداعة دون سلاح ومسلحين، ودون أبهة وجاه ومرافقين، ودون حراس ومراسيم. دخل بتواضع مبشراً بالسلام والتوبة والرجاء. ما دخل المدينة ليحارب وينتقم ويحكم ويحاكم، بل ليقدم ذاته فداءً عن الإنسان حتى يغفر له خطيئته الأصلية.

 

الفاتحون والعظماء والحكام كانوا في الأيام الغابرة يدخلون إلى المدن بكبرياء وتعالي واستكبار ممتطين الأحصنة أو واقفين على عربات تجرها الأحصنة، لأن الحصان في مفهوم العالم القديم كان يجسد معاني الحرب والعنف والقتل والاستكبار. أمّا يسوع فدخل بوداعة وتواضع وفرح. وقبل أن يدخل أورشليم توقّف في بيت عنيا حيث كان يسكن لعازر الذي أقامه من القبر مع شقيقتيه مريم ومرتا.، "بيت عنيا"، تعني بالعبرية "بيت الفقير، ودخول يسوع إليها قبل أورشليم هو علامة لقبوله الفقر وإفراغ الذات. فهو الفقير الذي افتقر لأجلنا وجاء ليقيم بين الفقراء، وليقيم الفقراء ويدخلهم ملكوته. لذا أضحت بيت عنيا الفقراء بشارة تذيع بالغنى الإلهي الذي حلّ فيها. ثمّ من بيت عنيا بالذات، كما في إنجيل لوقا، صعد الربّ إلى السماء حاملاً الفقراء ليجلس بهم عن يمين الله الآب.

 

بعد استراحة بيت عنيا دخل يسوع إلى أورشليم ليتمِّم كل النبوءات وكل عمل الرب أبيه منذ فجر التاريخ وكلّ مقاصده. كل هذه المقاصد اكتملت باستقرار الربّ يسوع لا على العرش السماوي، بل على عرش الحبّ المتمثِّل بالصليب. من هناك، من على الصليب، إذ كان على أهبة أن يسلم الروح قال: قد تمّ! قصد الله تمّ واكتمل. ثمّ أحنى رأسه وأسلم الروح.

 

سار الناس وراء يسوع عند دخوله أورشليم لتتم إحدى نبوات العهد القديم الواردة في سفر زكريا القائلة: "ابتهجي جداً يا صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك، هو عادل ومنصور، وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زكريا 9:9) . تبعته الجموع لأغراض كثيرة، بعضهم استمع إلى تعاليمه وآمن به، والبعض الآخر تبعه لغاية الشفاء وسد الاحتياج، لاسيما بعد أن سمعوا عن قدرته على صنع العجائب. فكان في نظرهم الشخص المناسب لسد احتياجاتهم المادية. والبعض الآخر اعتقد بأن المسيح سيأتي ملكاً أرضياً يخلّص الناس من حكم الرومان، ويجعل النصرة للأمة اليهودية، ولكن خاب ظن هؤلاء عندما قال لهم يسوع إن مملكته ليست من هذا العالم.

 

دخل المسيح إلى أورشليم لكي يموت فيها، وكان أعلن: "ينبغي ألاّ يهلك نبي خارج أورشليم" ( لو13/33)، لأنها العاصمة الدينية والسياسية للشعب اليهودي، ولان فيها قُتل جميع الأنبياء، بسبب تسييس الدين المترجم بالنظام السياسي التيوقراطي. وقد انذرها بقوله: "أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها. كم مرة أردت أن اجمع بنيكِ، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، فلم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خراباً. فاني أقول لكم: لا ترونني بعد اليوم حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب" (متى23/37-39)

 

يسأل البعض لماذا هتفت الجموع، "أوصنا في الأعالي، مبارك الآتي باسم الرب" والجواب لأن المسيح هو من نسل داود، لذلك يُشار إليه بابن داود. وأما معنى كلمة أوصنا في الأعالي فهو: "لتصرخ الملائكة في العلاء منادية لله، خلّصنا الآن"، وهي دعوة شعب متضايق يطلب من ملكه أو إلهه أن يهرع إلى خلاصه. ومعنى كلمة أوصنا بحد ذاتها هو خلصنا الآن، وهي مقتبسة من المزمور 118: "آه يا رب خلص، آه يا رب أنقذ" (مزمور25:118). أما معنى بقية التحية، "مبارك الآتي باسم الرب"، فهي أيضاً اقتباس من المزمور 118 "مبارك الرب الذي يأتي إلى أورشليم" (مزمور26:11)

 

أما فرش الثياب وأغصان الأشجار في الطريق أمام المسيح فكان طقس تقليد في العهد القديم يشير إلى المحبة والطاعة والولاء. ويذكر الكتاب المقدس في سفر الملوك الثاني أن الجموع فرشوا ثيابهم وأغصان الشجر وسعف النخل أمام "ياهو" أحد رجال العهد القديم عندما نصّب نفسه ملكاً (2ملوك13:9). وأيضاً عندما دخل سمعان المكابي وهو قائد ثورة المكابيين إلى أورشليم بعد انتصاراته على الحاكم (انتيخوس أبيفانوس) الذي نجّس الهيكل وذبح الخنازير على المذبح وجعل أروقته مواخير للدعارة، وكان ذلك سنة 175 قبل الميلاد.

 

في عيد الشعانين نجدد الثقة بالفادي الإلهي "يسوع المسيح سلامنا" (افسس 2/14)، ونلتمس منه السلام الآتي من العلى. إننا نلتزم بان نكون فاعلي السلام، ومدافعين عن كرامة الشخص البشري وحقوقه الأساسية، ومساهمين في تعزيز انسنة حقيقية شاملة للإنسان والمجتمع. وهكذا ندرك أن "الشخص البشري هو قلب السلام" (البابا بندكتوس السادس عشر).

 

لما أسلم الروح أكد أنّ الله محبّة، وأنّ الله نور، وأنّ الظلمة لم تدركه.

 

لما أسلم الروح نفخ الروحَ القدس في العالم فانشقّ حجاب الهيكل ومنذ تلك اللحظة لم يعد هناك ما يفصل الإنسان عن الله. لذا قال بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومة 08: "إنّي متيقّن أنّه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوّات ولا أمور حاضرة ولا مستقبَلة ولا علْو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبّة الله التي في المسيح يسوع ربِّنا". الحجاب انشق وروح الله انسكب على العالَمين وبات بإمكان أيّ كان أن يصعد إلى ملكوت السموات بإيمان ابن الله، الذي هو الربّ يسوع إيّاه.

 

رموز أحد الشعانين

كلمة الشعانين: "هو شعنا"، أو "أوصنا" كلمة عبرية تعني، الله هو الذي أنارنا والذي لا يتركنا وهي هتاف شعبي يقول، "إن مجيء المسيح هو خلاص للعالم".

 

اغصان (السعف) النخل وأغصان الزيتون: كان الناس يلوحون بأغصان النخل علامة للفرح، وقد اختلط النخل بأغصان الزيتون وكأن روح النصر قد امتزجت بروح السلام. سعف النخيل هي شعار للمدح وتعني الإنتصار. فقد كان الرب قادماً للانتصار على الموت بالموت، وأغصان الزيتون تشير إلى نبوات العهد القديم التي تفرش لنا طريق دخول المخلص إلى قلبنا، وشجرة الزيتون هي شجرة السلام في حين أن زيتها في العهد القديم اعتبره مقدساً وكان يمسح به الملوك علامة للخلود والأبدية.

 

تبارك ملك إسرائيل: لأنه هو في الحقيقة ملك سلام دون أي طمع أرضي ومملكته ليست من هذا العالم. بقيامته من بين الأموات نصّبه الآب ملكاً على جميع البشر.

أما تسميته "ملك إسرائيل" فهي ترمز إلى الملوكية عند اليهود. فاليهود ينتظرون يهوه ليملك العالم ورجاؤهم من هذا كان التحرير من الاحتلال الروماني. على كل حال مملكة الله ليست مكاناً ولكنها علاقة مميزة بين الله والبشر وبنوع خاص الفقراء.

 

صهيون: هي تلة في أورشليم، أما "بنت صهيون" فهو تعبير مرادف لأورشليم "الفردوس" في بعدها الديني والتي ترمز إلى السماء..

 

جحش ابن أتان: الحمار حيوان غبي وضعيف ودنيء ومثقل بالأحمال. هكذا كان البشر قبل مجيء المسيح إذ تلوثوا بكل شهوة وعدم تعقل وكانوا مثقلين بالأحمال يئنون تحت ثقل ظلمة الوثنية وخرافاتها. الأتان الأكبر سناً ترمز لمجمع اليهود إذ صار بهيمياً. لم يعطى للناموس اهتماماً إلا القليل، أما الجحش الذي لم يكن بعد قد استخدم للركوب فيمثل الشعب الجديد الحديث الولادة من الأمم.

 

مشهد الشعانين: يرمز بكلّيته إلى الدينونة الأخيرة وهو استباق لها، ففي الأيقونات خاصةً البيزنطية نشاهد السيد المسيح على جحش لكنه جالس بالمواجهة يتكلم مع المشاهد كأنه على عرش للمحاكمة ونرى التلاميذ على يمينه والفريسيين عن يساره.

 

"أيها الرب يسوع، أعطنا اليقين إننا: عندما نكون في الضيق، نشعر بأننا أقرب إليك؛ عندما يسخر منا الناس، أنت تشرّفنا؛ عندما يحتقرنا الناس، أنت ستمجدنا؛ عندما ينسوننا، نشعر بأنك تتذكرنا؛ عندما يهملوننا، نشعر بأنك تقرّبنا إليك. وأنت يا مريم، إياك نعظّم، لأنك قدّمتِ بين يديك للعالم الكلمة النور والهداية للعقول، واليوم تقدمينه للعالم قربان فداء وخبزاً للحياة الجديدة. للثالوث المجيد الذي اختارك كل مجد وشكر إلى الأبد آمين".

 

الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني

phoenicia@hotmail.com

 

تعليق على الإنجيل

 القدّيس رومانُس المرنِّم (؟ - حوالى 560)، مؤلِّف أناشيد

النشيد 32

"تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ بِاسمِ الرَّبّ!" (لو 19: 38)

أيّها المسيح الذي هو الله، لقد حُملتَ على عرشك في السماء وعلى جحش بن أتان على الأرض، وكنت تستقبل تسابيح الملائكة وهتافات الأطفال الذين كانوا يمجّدونَك بأعلى أصواتهم صارخين: "مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"...

هوذا ملكنا الوديع والهادئ على ظهر جحش بن اتان يسارع إلى تحمّل آلامه وإلى مغفرة الخطايا. الكلمة، على ظهر الجحش، يريد أن يخلّص كلّ البشر. وكان بإمكاننا أن نتأمّل، على ظهر الجحش، ذاك الذي تحملُه أكتاف الكاروبيم والذي رفعَ إيليا إلى السماء في مركبة من نار، ذاك الذي ارتضى أن "يفتقر لأجلنا وهو الغنيّ" (2كور8: 9)، ذاك الذي اختار الضعف ليعطي القوة لكلّ الذين يصرخون له: "مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"...

لقد أظهرت قوتّك باختيارك الفقر... كانت ثياب تلاميذك تشير إلى الفقر، لكن أناشيد الأطفال كانت على مستوى جبروتك. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تهافت الناس الذين كانوا يصرخون: "هوشعنا- أي خلِّصنا- أيّها الساكن في أعلى السماوات. أيّها الساكن في الأعالي، خلِّصْ كلّ المذلولين. ارأف بنا، بحقّ النخيل الذي نحمله، وليت الأغصان التي نلوّح بها تحرّك قلبك، أنت الآتي لتذكّر بآدم"...

فأجاب الخالق: "يا مَن صنعَتْه يديّ، لقد تجسّدتُ لأخلّصَك. لم تكن الشريعة لتخلّصَك لأنّها لم تخلقك، ولا الأنبياء الذين كانوا خليقتي مثلك. أنا وحدي أستطيع أن أرفع وزر خطيئتك. لقد باعني أحد تلاميذي من أجلك وها أنا أحرّرُك؛ صُلبتُ بسببك وها أنت تنجو من الموت. متُّ وها أنا أعلّمك أن تصرخ: "مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"...

هل أحببتُ الملائكة بهذا القدر؟ لا، أحببتُك أنت أيّها المسكين. أخفيتُ مجدي وأنا الغني، ارتضيتُ أن أفتقر لأجلك لأنّني أحبّك كثيرًا. من أجلك، عانيتُ الجوع والعطش والتعب. اجتزتُ الجبال والوديان بحثًا عنك، أيّها الخروف الضال؛ اخترتُ اسم الحمل كي أعيدَك إلى الحظيرة وجذبتُك إليّ بصوتي كراعي. كما أريدُ أن أبذل حياتي من أجلك كي أنقذَك من براثن الذئب. أنا مستعدّ لاحتمال كلّ شيء كي تصرخَ: "مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"...

 

قراءات أحد الشعانين

 رسالة القدّيس بولس إلى أهل فيلبّي .13-1:1 

يا إخوَتِي، مِنْ بُولُسَ وطِيمُوتَاوُس، عَبْدَي الـمَسيحِ يَسُوع، إِلى جَميعِ القِدِّيسِينَ في الـمَسِيحِ يَسُوع، الَّذِينَ في فِيلِبِّي، مع الأَساقِفَةِ والشَّمامِسَة: أَلنِّعْمَةُ لَكُم، والسَّلامُ منَ اللهِ أَبينَا والرَّبِّ يَسُوعَ الـمَسِيح! أَشْكُرُ إِلـهِي، كُلَّمَا ذَكَرْتُكُم، ضَارِعًا بِفَرَحٍ على الدَّوَامِ في كُلِّ صَلَواتِي مِنْ أَجْلِكُم جَمِيعًا، لِمُشَارَكَتِكُم في الإِنْجِيلِ مُنْذُ أَوَّلِ يَومٍ إِلى الآن. وإِنِّي لَوَاثِقٌ أَنَّ الَّذي بَدأَ فِيكُم هـذَا العَمَلَ الصَّالِحَ سَيُكَمِّلُهُ حتَّى يَومِ الـمَسِيحِ يَسُوع. فَإِنَّهُ مِنَ العَدْلِ أَنْ يَكُونَ لي هـذَا الشُّعُورُ نَحْوَكُم جَمِيعًا، لأَنِّي أَحْمِلُكُم في قَلبي، أَنْتُم جَميعًا شُرَكائِي في نِعْمَتِي، سَواءً في قُيُودِي أَو في دِفَاعِي عَنِ الإِنْجِيلِ وتَثْبِيتِهِ، فَإِنَّ اللهَ شَاهِدٌ لي كَمْ أَتَشَوَّقُ إِلَيكُم جـَمِيعًا في أَحْشَاءِ الـمَسِيحِ يَسُوع. وهـذِهِ صَلاتي أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُم أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ في كُلِّ فَهْمٍ ومَعْرِفَة، لِتُمَيِّزُوا مَا هُوَ الأَفْضَل، فتَكُونوا أَنْقِيَاءَ وبِغَيْرِ عِثَارٍ إِلى يَوْمِ الـمَسِيح، مُمْتَلِئِينَ مِن ثَمَر البِرِّ بِيَسُوعَ الـمَسِيحِ لِمَجْدِ اللهِ ومَدْحِهِ.أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَنَّ مَا حَدَثَ لي قَد أَدَّى بِالـحَرِيِّ إِلى نَجَاحِ الإِنْجِيل، حتَّى إِنَّ قُيُودِي مِن أَجْلِ الـمَسِيحِ صَارَتْ مَشْهُورَةً في دَارِ الوِلايَةِ كُلِّهَا، وفي كُلِّ مَكَانٍ آخَر.

تعليق على الإنجيل/ القدّيس رومانُس المرنِّم (؟ - حوالى 560)، مؤلِّف أناشيد/النشيد 32

"تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ بِاسمِ الرَّبّ!" (لو 19: 38)

أيّها المسيح الذي هو الله، لقد حُملتَ على عرشك في السماء وعلى جحش بن أتان على الأرض، وكنت تستقبل تسابيح الملائكة وهتافات الأطفال الذين كانوا يمجّدونَك بأعلى أصواتهم صارخين: "مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"... هوذا ملكنا الوديع والهادئ على ظهر جحش بن اتان يسارع إلى تحمّل آلامه وإلى مغفرة الخطايا. الكلمة، على ظهر الجحش، يريد أن يخلّص كلّ البشر. وكان بإمكاننا أن نتأمّل، على ظهر الجحش، ذاك الذي تحملُه أكتاف الكاروبيم والذي رفعَ إيليا إلى السماء في مركبة من نار، ذاك الذي ارتضى أن "يفتقر لأجلنا وهو الغنيّ" (2كور8: 9)، ذاك الذي اختار الضعف ليعطي القوة لكلّ الذين يصرخون له: "مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"... لقد أظهرت قوتّك باختيارك الفقر... كانت ثياب تلاميذك تشير إلى الفقر، لكن أناشيد الأطفال كانت على مستوى جبروتك. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تهافت الناس الذين كانوا يصرخون: "هوشعنا- أي خلِّصنا- أيّها الساكن في أعلى السماوات. أيّها الساكن في الأعالي، خلِّصْ كلّ المذلولين. ارأف بنا، بحقّ النخيل الذي نحمله، وليت الأغصان التي نلوّح بها تحرّك قلبك، أنت الآتي لتذكّر بآدم"... فأجاب الخالق: "يا مَن صنعَتْه يديّ، لقد تجسّدتُ لأخلّصَك. لم تكن الشريعة لتخلّصَك لأنّها لم تخلقك، ولا الأنبياء الذين كانوا خليقتي مثلك. أنا وحدي أستطيع أن أرفع وزر خطيئتك. لقد باعني أحد تلاميذي من أجلك وها أنا أحرّرُك؛ صُلبتُ بسببك وها أنت تنجو من الموت. متُّ وها أنا أعلّمك أن تصرخ: "مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"... هل أحببتُ الملائكة بهذا القدر؟ لا، أحببتُك أنت أيّها المسكين. أخفيتُ مجدي وأنا الغني، ارتضيتُ أن أفتقر لأجلك لأنّني أحبّك كثيرًا. من أجلك، عانيتُ الجوع والعطش والتعب. اجتزتُ الجبال والوديان بحثًا عنك، أيّها الخروف الضال؛ اخترتُ اسم الحمل كي أعيدَك إلى الحظيرة وجذبتُك إليّ بصوتي كراعي. كما أريدُ أن أبذل حياتي من أجلك كي أنقذَك من براثن الذئب. أنا مستعدّ لاحتمال كلّ شيء كي تصرخَ: "مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"...

شعنينة مباركة على الجميع