أحد شفاء الابرص

اعداد وجمع/الياس بجاني

21 شباط/2010

وجدانيات في أحد شفاء الأبرص
الياس بجاني بالصوت/قراءة وجدانية في عجيبة شفاء الأبرص/21 شباط/10/اضغط هنا
اضغط هنا لقراءة تفسير عجيبة شفاء الأبرص/من أعداد وجمع الياس بجاني/21 شباط/10
ملخص الشرح والقراءة: يقول المخلص: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال وأنا أريحكم“. لقد عرف الأبرص ما هو مرضه وأقر به وسعى إلى السيد المسيح بإيمان وعزيمة وثقة طالباً منه نعمة الشفاء فاستجاب له المسيح وشفاه. لو لم يسعى الأبرص لكان بقي يعاني من مرضه، وهكذا على كل خاطئ إن أرد الخلاص أن يسعى إلى التوبة ويطلبها من الله وطلبه سيستجاب له. إن السعي إلى التوبة الصادقة والخروج من عبودية الخطيئة يخلص الإنسان من أفخاخ الشيطان ويبعده عن التجربة ويقوي إيمانه ورجائه. يا ربّ، يا من شفيت بلمسة يدك جسم الأبرص ونفسه، ألمس قلوبنا وعقولنا بحنانك لنشفى من الخطيئة المالكة على كياننا فنستعيد بهاء صورتنا الأولى ونعود مستحقّين أن ندعى أبناءً لله، آمين.

 

انجيل القديس مرقص 1/35-45

وقام قبل طلوع الفجر، فخرج وذهب إلى مكان مقفر، وأخذ يصلي هناك. فبحث عنه سمعان ورفاقه، ولما وجدوه قالوا له: جميع الناس يطلبونك! فقال لهم: تعالوا نذهب إلى القرى المجاورة لأبشر فيها أيضا، لأني لهذا خرجت. وطاف في أنحاء الجليل، يبشر في مجامعهم ويطرد الشياطين. وجاءه أبرص يتوسل إليه، فسجد وقال له: إن أردت طهرتني.

فأشفق عليه يسوع ومد يده ولمسه وقال له: أريد، فاطهر! فزال عنه البرص في الحال وطهر. فانتهره يسوع وصرفه، بعدما قال له: إياك أن تخبر أحدا بشيء. ولكن إذهب إلى الكاهن وأره نفسك، ثم قدم عن شفائك ما أمر به موسى، شهادة عندهم. ولكن الرجل انصرف وأخذ يذيع الخبر وينشره في كل مكان. حتى تعذر على يسوع أن يدخل علانية إلى أية مدينة. فأقام في أماكن مقفرة. وكان النـاس يجيئون إليه من كل مكان.

 

رِّسالة أحد الأبرص
(روم 6/12-23)

إِذًا فَلا تَمْلِكَنَّ الـخَطيئَةُ بَعْدُ في جَسَدِكُمُ المَائِت، فَتُطيعُوا شَهَوَاتِهِ. وَلا تَجْعَلُوا أَعْضَاءَكُم سِلاَحَ ظُلْمٍ لِلخَطِيئَة، بَلْ قَرِّبُوا أَنْفُسَكُم للهِ كَأَحْيَاءٍ قَامُوا مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، واجْعَلُوا أَعْضَاءَكُم سِلاحَ بِرٍّ لله. فلا تَتَسَلَّطْ عَلَيْكُمُ الـخَطِيئَة، لأَنَّكُم لَسْتُم في حُكْمِ الشَّرِيعَةِ بَلْ في حُكْمِ النِّعْمَة. فَمَاذَا إِذًا؟ هَلْ نَخْطَأُ لأَنَّنَا لَسْنَا في حُكْمِ الشَّرِيعَة، بَلْ في حُكْمِ النِّعْمَة؟ حَاشَا! أَلا تَعْلَمُونَ أَنَّكُم عِنْدَمَا تَجْعَلُونَ أَنْفُسَكُم عَبيدًا لأَحَدٍ فَتُطيعُونَهُ، تَكُونُونَ عَبيدًا للَّذي تُطيعُونَه: إِمَّا عَبيدًا لِلخَطِيئَةِ الَّتي تَؤُولُ إِلى الـمَوت، وإِمَّا لِلطَّاعَةِ الَّتي تَؤُولُ إِلى البِرّ. فَشُكْرًا للهِ لأَنَّكُم بَعْدَمَا كُنْتُم عَبيدَ الـخَطيئَة، أَطَعْتُم مِنْ كُلِّ قَلْبِكُم مِثَالَ التَّعْلِيمِ الَّذي سُلِّمْتُمْ إِلَيْه. وَبَعْدَ أَنْ حُرِّرْتُم مِنَ الـخَطِيئَة، صِرْتُم عَبيدًا لِلبِرّ. وأَقُولُ قَوْلاً بَشَرِيًّا مُرَاعَاةً لِضُعْفِكُم: فَكَمَا جَعَلْتُم أَعْضَاءَكُم عَبيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ في سَبِيلِ الإِثْم، كَذـلِكَ اجْعَلُوا الآنَ أَعْضَاءَكُم عَبيدًا لَلبِرِّ في سَبيلِ القَدَاسَة. فَلَمَّا كُنْتُم عَبيدَ الخَطِيئَة، كُنْتُم أَحْرَارًا مِنَ البِرّ. فأَيَّ ثَمَرٍ جَنَيْتُم حِينَئِذٍ مِنْ تِلْكَ الأُمُورِ الَّتي تَسْتَحُونَ مِنْهَا الآن؟ فإِنَّ عَاقِبَتَهَا الـمَوْت. أَمَّا الآن، وقَدْ صِرْتُم أَحراَرًا مِنَ الـخَطِيئَةِ وعَبيدًا لله، فإِنَّكُم تَجْنُونَ ثَمَرًا لِلقَدَاسَة، وعَاقِبَتُهَا الـحَيَاةُ الأَبَدِيَّة. لأَنَّ أُجْرَةَ الـخَطِيئَةِ هِيَ الـمَوت. أَمَّا مَوْهِبَةُ اللهِ فَهيَ الـحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ في الـمَسيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.

 

سؤال المؤمن اليوم لنفسه

لمن أعطيت مفتاح قلبي: لله أم للخطيئة ؟ للمحبّة أم للبغض؟ للصفح أم للغفران؟

Don’t you know that to whom you present yourselves as servants to obedience, his servants you are whom you obey;

أَلا تَعْلَمُونَ أَنَّكُم عِنْدَمَا تَجْعَلُونَ أَنْفُسَكُم عَبيدًا لأَحَدٍ فَتُطيعُونَهُ، تَكُونُونَ عَبيدًا للَّذي تُطيعُونَه؟

 

شرح لهوتي لمعجزة شفاء الأبرص

يحدثنا إنجيل القديس لوقا في الفصل الأول من 35 حتى 45 عن رجل أبرص شفاه يسوع، يقول: وكان في إحدى المدن، فإذا رجل مملوء برصاً، فلما رأى يسوع خرّ على وجهه وطلب إليه قائلاً: ”يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني“. فمدّ يده ولمسه قائلاً: ”أريد فاطهر“. وللوقت ذهب عنه البرص. فأوصاه أن لا يقول لأحد بل يمضي ويري نفسه للكاهن ويقدم عن تطهيره كما أمر موسى شهادة للآخرين.

لفهم معاني العجيبة وخلفياتها الإيمانية لا بد من ادراك تاريخية الحدث والمعايير التي كانت سائدة في ذلك الزمن في البيئة التي عايش في كنفها السيد المسيح وهي التالية:

أولاً: تعريف مرض البرص طبقاً لمعايير ذلك الزمن.

كان يعتبر البرص مرضاً خطيراً، إذا أُصيب به إنسان يُحكم عليه بالعزلة بعيداً عن الناس، وهذا ما يُشار إليه اليوم ”بالحجْر الصحي“، وإذا اقترب أحد من الأبرص سهواً كان عليه أن يصيح محذراً ”أبرص أبرص“ لكي يجنّب الغير من الإصابة بالعدوى. والأبرص الذي أمامنا كان مملوءاً برصاً بمعنى أن المرض كان منتشراً في كل جسمه.

ثانياً: بسبب خطورة المرض وانتشاره في تلك الأيام القديمة خصّص الوحي في شريعة موسى تشريعاً خاصاً في كيفية التعامل مع الأبرص في حال اكتشاف المرض في أحدهم وكان الكاهن هو من يقرر هذا الأمر ويقوم باجراءات العزل واعتباره شرعاً المصاب ميتاً.

وفي حال شفاء المصاب عليه واجب تقديم نفسه إلى كاهن رعيته الذي عليه تقع مسئولية التحقق من ذلك وإعلان شفاء المصاب من مرضه. والشريعة في زمن العهد القديم، كانت تعتبر البرص نجاسة تُعفي صاحبها من القيام بواجبات العبادة كباقي أفراد المجتمع، فالنجاسة تفسد العبادة.

ثالثاً: يرى مفسرو الكتاب المقدس تشابهاً كبيراً بين البرص والخطية

1- كلاهما وبأ وراثي

فالخطية طبيعة موروثة من آدم انتقلت إلى نسله على مرّ الأجيال، ولم يُستثنَ منها أحد. والبرص كذلك مرض معدٍ ينتشر بسهولة من المصاب إلى كل من يتعامل معه أو يلمسه عن قرب، سواء بالزواج أو التعايش معاً أو الاحتكاك العادي من خلال الطعام أو اللباس أو حتى عن طريق الهواء.

2- كان البرص في عهد الشريعة الموسوية نجاسة ضد الطهارة

في المسيحية فالنجاسة هي الخطية. الخطية نجسة تعيب الإنسان وتعيق استجابة الصلاة.

3- التشابه الثالث بين الخطية والبرص هو استحالة الشفاء بالطرق التقليدية

فالبرص لا شفاء له إلا إذا حصلت معجزة ربانية. وكذلك الخطية لا شفاء لها مسيحياً إلا بالتوبة المخلصة والرجوع إلى الله، عندها تُغفر الخطية على حساب دم المسيح الذي سال على الصليب فداء للبشرية.

4- البرص والخطية يسببان العزلة

فالأبرص يُحكم عليه قديماً بالعزلة عن مجتمعات الناس. فهو محجورٌ عليه لا يقترب منه أحد ولا يلامسه. والخطية كذلك تبني جداراً بين الله والإنسان. يقول الوحي في سفر إشعياء: ”آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع“. وهذه الحقيقة يؤكدها مشهد عرفناه عندما أخطأ آدم وخالف وصية الله فطُرد من الجنة وهناك حصلت العزلة بين الله والإنسان. لهذا جاء المسيح ليصالح الاثنين معاً - الله والإنسان - فصار هو الفدية والذبح العظيم. كثيرون من المتعبدين لم تصلهم هذه المعلومة، وكثيرون منهم يمارسون العبادة ومعها يستمرون في ممارسة الكذب، والنفاق، والشتائم، والسرقة، والمكر، والبغضاء، والتعصّب... فكل واحدة من هذه تبني جداراً بين الله ومرتكبها.

5- البرص والخطية كلاهما موت شرعي أو موت حيّ

فالأبرص ميّت وهو حيّ. يُقال أن الأبرص كان يُلبس أكفان الموتى، وتتلى عليه صلاة الموتى قبل أن يُبعد أو يُحجر عليه بعيداً ليعيش في عزلته. والخاطي كذلك، هو حيّ بجسده لكنه ميّت روحياً وعلاقته بالله علاقة مقطوعة.

جاء أحدهم إلى المسيح وقال له يا سيّد أريد أن أتبعك لكن ائذن لي أولاً أن أدفن أبي. فقال له: دع الموتى يدفنون موتاهم وتعال اتبعني، أي دع الموتى (الأحياء) يدفنون موتاهم.

ونعود للمشهد مع الأبرص: فهو عندما رأى يسوع عن بُعد خرّ على وجهه وقال: يا سيّد، إن أردت تقدر أن تطهرني. واضح من قوله هذا أنه كان يعرف يسوع ويعرف أن له سلطاناً على الأمراض ولو استعصت. فهو يشفي، لكنه لم يكن واثقاً من أن إرادة يسوع يمكن أن تشمله، وكأن يسوع مزاجيُّ الإرادة يمكن أن يريد أو أن لا يريد.

المسيح ليس هكذا وهو القائل: ”تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال وأنا أريحكم“. وقال عنه الإنجيل: ”جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلّط عليهم إبليس“، وقال هو عن نفسه: ”من يُقبل إليّ لا أخرجه خارجاً“، بمعنى أنه لا يفشِّل أحداً يرجو مساعدته... فكان هذا الأبرص من أحقّ الناس للمساعدة في مأساته هذه!

والمسيح جاء لكل الناس لا لفرد دون آخر.

قال الأبرص: ”يا سيّد، إن أردت تقدر أن تطهّرني“. فردّ عليه يسوع بحنانه مستخدماً ذات الكلمة التي شكّك فيها الأبرص، فقال: ”أريد فاطهر“. وليس هذا فقط، بل زاد بأن مدّ يده ولمسه! ولعلّ هذه اللمسة بذاتها كانت بالنسبة لهذا المسكين هي معجزة... فهو منذ أن أصابه المرض عاش في عزلة عن الأهل والأحبة والأصدقاء، ولم يلمسه أحد طيلة أيام مرضه. فقد كان بحاجة للمسة حنان من قلب عطوف كقلب يسوع لتملأ فراغاً كان يفتقده. وأخال أن لمسة من يسوع لجسده أرعشته وأشعرته بأنه يوجد من يحبه، وبها عاد له الشعور بكرامته وكيانه.

لا شك أن كلمات يسوع للأبرص ”أريد فاطهر“ قد منحته الشفاء الأكيد من برصه، إذ يقول الإنجيل: ”وللوقت ذهب عنه برصه“. أما لمسة يد يسوع لجسده فمنحته شفاء آخر كان ضرورياً لم يغفل عنه يسوع، فيها شفى نفسيةً محطّمة بسبب العزلة والوحدة واليأس والحرمان والعواطف المسحوقة والمصير المحتوم.

في ذلك الزمن كان الأبرص يعيش خارج المناطق السكنية، إلى أن يتم الشفاء ويتم التأكد من ذلك. وبالتالي كان البرص يشكل نوعًا من الموت الديني والمدني، والشفاء منه كان بمثابة قيامة من الأموات.

يمكننا أن نرى في البرص رمزًا للخطيئة، التي هي عدم طهارة القلب الحقيقية، والتي تستطيع أن تبعدنا عن الله. فليس مرض البرص الجسدي، كما كانت تنص الشرائع القديمة، هو الذي يبعدنا عن الله، بل الخطيئة، الشر الروحي والأدبي. لهذا يهتف المرنم: "طوبى للإنسان الذي غفرت معصيته وسترت خطيئته". ثم يتوجه إلى الله: "لقد كشفت لك خطيئتي  ولم أستر إثمي. قلت: سأعترف للرب بكل ذنوبي، وأنت أزلت إثمي وخطيئتي" (مز 31 32، 1 . 5).

إن الخطايا التي نرتكبها تبعدنا عن الله، وإذا لم نعترف بها بتواضع واثقين بالرحمة الإلهية، ستصل إلى إماتة النفس.

وبالتالي ترتدي هذه الأعجوبة طابعًا رمزيًا. فيسوع، كما تنبأ أشعيا، هو عبد الله الذي "حمل أوجاعنا، وآلامنا" (أش 53، 4). في آلامه سيضحي مثل أبرص، تدنس بسبب خطايانا، مفصولاً عن الله: وسيقوم بكل هذا حبًا، لكي ينال لنا المصالحة، الغفران والخلاص. في سر التوبة، يطهرنا المسيح المصلوب والقائم، من خلال خدامه، برحمته اللامتناهية، ويعيد لنا الشركة مع الآب السماوي ومع الإخوة، ويقدم لنا هبة الحب، والفرح والسلام.

طلب المسيح من الأبرص بعد شفائه أن يذهب إلى الكاهن ويريه نفسه ليعلن هذا الأخير شفائه شرعاً ويعيد له حقوقه ويعيده إلى المجتمع الذي كان لفظه وعزله، كما أوصاه أن يقدم العشر  كعربون وفاء وشكر للنعمة التي أعطيت له.